غيّرت شبكات التواصل الاجتماعي الصورة الكلاسيكية للكاتب، وجعلته في «متناول» الجماهير مباشرة، بعدما أتاحه التلفزيون وجعله يتحدّث ويُشير بيديه!
ومن نِعم ذلك، أن تحوّل الكاتب إلى نجمٍ يضطرّ إلى الاستعانة بالحرّاس لمنع عشّاقه من لمسه تبرّكا، والتضحيّة بساعاتٍ طويلةٍ من عمره الثمين لمنحِ توقيعه للجماهير الواقفة في الطابور. مرحباً، لقد تغيّر العالم كثيرا. لقد صار الكاتب لا يقلّ شأنا عن نجوم الكرة والغناء. أما الذين لا حظّ لهم في الطوابير و لا يتفقد وزراء فطور صباحهم، فلهم أن يخترعوا جماهيرهم الوهميّة أو يعزّوا أنفسهم بقرّاء نوعيّين لا يحبّون الفايسبوك أو يتوسلوا الأبديّة التي لا يُظلم في شرعها صاحب حقّ لتنزلهم بين الخالدين الذين يعيشون في أزمنةٍ غير أزمنتهم!
تؤكد أحلام لدوستويفسكي أنّ العالم تغيّر حقا والأدب أيضاً، وأن الذنب ليس ذنبها. لقد صار الكاتب المعاصر ينعم بالحب المباشر، ولو عاش كافكا شخصيّا في زمننا  لما فكّر لحظة في التخلّص من أثره.
أجل، لقد تغيّر العالم. والذنب ليس ذنب أحلام و لا غيرها من الكتّاب الذين يعتقدون بجماهيرية الأدب حتى وإن عاشوا في مجتمعات شفويّة شِبه بدائية لا تتعاطى مع «المكتوب» وتنزع نحو الاحتفالات الطقسية، المرتبطة بالأعراس و «الزرد» في الحالة الجزائرية، وقد سبق لأحلام  ذاتها أن عبّرت عن سعادتها البالغة بزغاريد الطالبات عقب كلمة لها في إحدى جامعاتنا العريقة، ولم تفكّر لحظة وهي المختصّة في علم الاجتماع، أن ردّ فعل الشّخص الذي يقرأ ليس الزغردة، مثلما لم يخطر ببال كتّاب الطوابير أن القارئ الحقيقي لا يتدافع و أن الظاهرة تُفسّر أنتربولوجيا، وهي ليست بالضرورة مدعاة للفخر!
لقد تغيّر العالم وتحوّل البشر والأثر إلى سِلع معروضة في الشاشات والواجهات، وتحوّلت الميديا إلى آلة رهيبة للترغيب في «المبيعات» والترويج للسياسات المشؤومة التي تسفّه الإنسان نفسه وتجردّه من قيّم وجماليات راكمها  منذ نزوله من الشجرة ومنذ خروجه من الغابة وهي تضع السوق كمعيار للقيمة و المجد.
 لكن الأدب ليس فنا مشهديا، لذلك لا يتسع للطّقوس الجماعيّة والهستيريا الفرديّة، والمهمّ فيه هو ما  يُكتب وليس وضعيّة جسد كاتبه في الفضاء وصوّره على «الجدار». الأدب فنّ اللعنة والصّمت وليس حلبة رقص.
سليم بوفنداسة

 
    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى