يتمتّع الماضي بمكانة خاصّة في حياتنا وباحترام  جعله يطمئن في كرسيّ أزمنة أخرى تعذّر وصولها، لأسباب  تخصّها باعتبارها على عجلة من أمرها  و تتعامل مع الأثر كما هو وتتعامل مع البشر في عبوره الآني لحياة قليلة ستنتهي بعد حين، ولا تفتّش عن “الجدّ الأوّل” في حمضه النّووي.
أجل، ثمة سُلطة ثقيلة للماضي على حياتنا تمنعنا من الذهاب إلى حيث يذهب الآخرون وتقترحُ علينا "الكهوف القديمة"  عوض المدن الذكيّة التي يسكنها جيراننا على هذه الأرض، تتجلى هذه السُّلطة في الممارسات المقتبسة من الزمن المذكور وفي الخطاب التمجيدي الذي يُعلي مكانته، ويُترجَمُ هذه الأيام  في تعابير بدائية عن أشجار السّلالات المباركة.
وقد يتعلّق الأمر، هنا،  بحجب رؤية يجعلنا في وضعيّة “سجناء” ، لأن الذهاب إلى المستقبل يتطلّب استخدام أدوات لا نوليها أهميّة في الاجتماع
و السياسة كما في الثقافة والاقتصاد، وقبل ذلك كلّه في منظومات التعليم من خلال تركيز النقاش على القشور وإهمال الجوهري، أي مواد بناء إنسان يستطيع العيش في العصر الحديث، عصر التقنيّة التي تسهّل الحياة للمنتسبين وتعقّدها على المتكئين على أرائك النوستالجيا يعدّدون البطولات ويفتّشون في القواميس القديمة عن معاني المجد.
نحتاج  اليوم إلى نخبٍ تجيب على مشكلاتنا بحلول ذكيّة  وليس إلى معرفة اسم الجدّ الذي قفز من الشجرة. نحتاج إلى إدارة حياتنا عن طريق الاستحقاق، حيث لا ضرورة  إلى صراعٍ  و منتصرٍ ومهزومٍ، و حيث يصنع الفردُ جدارته دون حاجة إلى سماسرةٍ أو سندٍ من القبائل والعروش، وحيث تتقدّم الجدوى على سواها في ترتيب الأولويات.
نحتاج اليوم إلى بناء مدن لا يتعذّب فيها اللاحقون، نحتاج إلى مدارس تعدّ لنا “الإنسان الجديد” الذي يحلّ مشكلاته بالعلم وليس بالمكائد والصّراخ، ويستعيض عن “القتال” بحسن التدبير الذي هو حصيلة استخدام المعارف لمواجهة متطلّبات العيش.
نحتاج إلى هدنة بعد الحروب الطويلة التي خضناها في الواقع وفي الخيال.
و نحتاج قبل كلّ ذلك إلى إسكات صوت “الكراهية” الذي بدأ يرتفع بين الناطقين بلغة مشؤومة على شبكات التواصل الاجتماعي، في نقاشات مغلوطة عن الهويّة واللّغة، تحيل إلى وضعيّة بدائيّة و"أميّة"في المواطنة.

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى