أصبح «خطاب الكراهية» رياضة وطنيّة تُمارسُ على نطاقٍ واسعٍ، وتُتيح فُرجةً على شبكاتِ التواصلِ الاجتماعيّ وبعض المنابر الإعلاميّة التي نبتت خارج حقول الضّبط ومواثيق الشّرف المهني.
إذ يكفي تصريحٌ صغيرٌ لتندلع حربٌ تنخرطُ فيها القبائلُ و الأعراشُ، في غياب نخبٍ سياسيّة تؤطّر النقاشات وتدفع بالمقولات «العنصريّة»، مثلا، إلى دائرة النّبذ والاستهجان وتحرج أصحابها.
هذا الوضع أعطى الانطباع باختفاء المؤسّسة الاجتماعيّة الحديثة ونكوص الأفراد إلى مراحل بدائيّة سحيقة، والغريب في الأمر، أن بعض الفئات المحسوبة على النّخب، من إعلاميين وساسة، باتت تُمارس هذه الرياضة في سعيها للتموقع في مشهدٍ يمنح «المجد» بناء على عدد النّقرات والمشاهدات.
قد يكون العطشُ إلى التعبير والظهور وراء الكثير من الزّوابع التي تُثار، لكن الظاهرة تقدّم مادّةً تستدعي دراسة المختصّين وصنّاع القرار، لأنّ الأمر لا يتعلّق بأمراضِ أفرادٍ ولكنّه  يُحيل إلى اختلالات صاحبت البناء الصّعب للدولة الوطنيّة وصدمات سنوات الحرب الأهليّة، التي تحتاج إلى علاجٍ متواصلٍ، خصوصا وأنّنا لم نتماثل للشّفاء من الحرب التي سبقت الحرب المذكورة أعلاه، إلى درجة أن أعراض الكولونياليّة لازالت تظهر إلى اليوم بين الأجيال الجديدة، التي تتقمّص المعتدي وتحاول إبراز «فضله»، بل وتخوضُ حروباً بالنيّابة للإبقاء على هيمنته و»منع» النّظر إلى سواه!
وقبل ذلك وبعده لا ترى صورتها إلا في مرآته، كحال بعض الكتّاب الذين اكتشفوا «الكنز» الاستعماريّ وأصبحوا يقدّمون صورة مُحزنة عن «الإنسان الجزائري» في البلاتوهات والصالونات الفرنسية.
 وتشخيص هذه الحالات معروف في أدبيّات التحليل النفسي، كما يحيلنا هذا العلم الجليل على مسبّبات الداء المرتبطة بشعور بالعجز والإحباط لاستحالة تحقيق «إشباعات»، ومثلما لا يمكن إغفال علاج الأفراد «المعذبين بالآخر» وقد تحوّل إلى هدف لسهام الحقد، لا يمكن إبقاء "الداء الجماعي" دون علاج  عبر عمل سوسيو سيّاسي وسوسيو تربوي، لأن الأمر يتعلّق بمعاناة جماعيّة قابلة للتطوّر في الاتجاه السّالب.
في هذا العدد من «كرّاس الثقافة» يتولىّ  أكاديميون وباحثون من مختلف الحقول تشريح «خطاب الكراهية» المنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي، كمؤشر على انتشاره في حياتنا العامة، دون أن ننتبه إلى خطره، ويبقى الباب مفتوحا لمقاربة الظاهرة من زوايا جديدة.

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى