أغلق الرّجلُ الذي قاد عربَ الشّعرِ إلى بيتِ  العنكبوتِ أوّل مرّة «الجهاتَ»، و اختفى في صمته. لا لوم ولا شكوى. كأنّ ما حدث كان يجب أن يحدث. كأنّ الأسف غير ضروري، لأنه كجبل الملح القديم، لم يَجُد بكأسٍ واحدةٍ من النّبيذ.
قبل 22 عاما فتح بيته للزوّار، ورفع لافتة تعفي الداخلين من نزع الأحذية: «دُس بنعلك».
قليل من عرب الكتابة، وقتها، كانوا يرتادون الفضاء الالكتروني، وقليل منهم فقط من ودعوا القلم وصاروا ينقرون قلقهم بالأصابع، أما الحريّة فكانت تُطلب في عواصم بعيدةٍ، ولم تكن مضمونة لأن كرمَ أعدائها كان يصيبُ «الناشرين» حيثما حلّوا.
سنة بعد سنة تراكمَ الشِّعرُ في البيت. كثُـر  الغرباءُ الذين يضيئونه. تعدّدت الألسن بين السّاهرين في حفلةٍ يذهب إليها المتشابهون تلقائيا. طالت السّهرة ولم يسأل أحدٌ عن ثمنِ الأطباق ولا عن «سعرِ الكراء».
تكاثرت «المواقع» وزحفت شبكات التواصل الاجتماعي  على الحياة نفسها تنهبها، بلا رحمة. اختلط الجدّ بالهزل. صار لكلّ راغب في «الكتابة» جدار بإمكانه أن.. »يكتب» عليه. وانتقل «الإعلان» السيّد  من الورق الصّقيل إلى الفضاء الأزرق وتمدّد فارضاً شروطه القاسيّة في عصرٍ لا تعلو فيه قيمةٌ على قيمة السّوق، التي تدفعك لأن تكون «مرئيا» من أجل البقاء، ولكي تكون كذلك عليك أن تفعل الشيء ذاته الذي يُفعل في الحياة لذات الغرض: ألا تُمانع في التخلي  عن احترام نفسك إذا اقتضت «الضرورة» ذلك.
اكتفى قاسم حداد و هو ينعي «جهة الشعر» بمبرّر «عدم  توفر الدعم المالي» وهو سبب وجيه ولا يحتاج إلى مزيد من الشّرح، وربما كان الموت سيصبح عاديا لو لم يكن مُعلنا بكلمات قليلة من الشاعر الكبير، الكلمات التي أثارت أسى مرتادي الموقع الرصين من الكتّاب العرب.
وربما كان هذا «التوقّف» إشارة جديدة إلى أن المال العربي موجّه إلى أغراض أخرى: شراء مقتنيات بدوافع فيتيشية، شراء طائرات وصواريخ لقتل الأطفال، تمويل وسائل إعلام تزّين للفاعل أفعاله المشينة وتكتفي بتسلية الجماهير وإثارتها ، تمويل نشاطات «ثقافية« ذات طابع فولكلوري وطقسي، تمويل السلفيات وجنود الغبار  ورصد موازنات للحروب العبثيّة.

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    • عن الوحشيّة عموما وعن الغرب بالخصوص

      قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى