يكتسبُ “شيوخٌ” يدعون معارف  في علوم الغيب وبراعة في تدبير شؤون الدنيا، سلطةً مُخيفة على العامّة التي أصبحت تسترشدُ بهم في أبسط الأمور.
 وتضعُ إحصائيات كُشف عنها، مؤخرًا، بمركز البحث في الأنتربولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران، الجزائريين في مقدّمة المتردّدين على مواقع نجوم الفتوى و زبائن شيوخ الفضائيات.
معطى يطرح الكثير من الأسئلة عن الحالة النفسيّة والعقلية لمجتمع يثقُ في «شخصيات دينية» من مجتمعات أخرى تختلف عنا ثقافياً وسياسياً، وقد تلعب دوراً مشؤوماً بانخراطها في أجنداتٍ استعماريّةٍ وتزكيتها لحروبٍ غير عادلةٍ  ووضعها لحكامٍ غير منتخبين في منزلة الآلهة.
ورغم الحرب الأهلية المدمّرة التي عاشها الجزائريون ولعبت فيها “الفتوى” الدور المعروف، إلا أنّ الحاجة إلى هذه “الخدمة” لازالت قائمة إلى اليوم، مع ظهور وكلاء محليين يكتسبون مكانة اجتماعيّة من الولاء الأعمى لمراجعهم هناك، مستغلين فراغ الساحة السياسيّة من النّخب المؤثرة وضعف التعليم والدور الخطير الذي باتت تلعبه وسائل إعلام غير مسؤولة في الترويج لشخصياتٍ دينيّةٍ بغرض استقطاب الجمهور، ففي السنة الفارطة – مثلا- تحوّلت زيارة داعيّة خليجي شاب إلى الجزائر إلى حدثٍ رئيسيٍّ في نشرات متلفزةٍ، بل وخُصِّصت له بلاتوهات ولاحقته كاميرات وهو يكتشفُ الغابات والجبال في الجزائر، وبُثّت مشاهد مأساوية لمواطنين يتبرّكون بالشيخ الشاب ويسألونه أن يلمس أبناءهم!
و يكفي تحليل محتوى حصصٍ دينيّةٍ ببعض فضائياتنا للوقوف على الدور الخطير لوسائل الإعلام، وقبل ذلك الوقوف على حالة «التيه» التي يعاني منها مواطنون، يبدو أنّهم أضاعوا البوصلة وهم يطلبون النصيحة من شيوخٍ في مسائل كالعلاقات الزوجيّة والعائليّة وقضايا تجاريّة تحكمها قوانين مدنيّة، ويذهب أشهر الشيوخ على الإطلاق في تفصيل القصص المرتبطة بالزواج والجنس قبل الإفتاء  فيما يشبه «الإغراء» والتلذّذ.
وعوض أن يتمّ إرشاد المواطنين التائهين إلى أطباء ومعالجين نفسانيين، تُزاح مشاكلهم إلى الحقل الديني ويُتاجر بها إعلامياً على نحوٍ بشعٍ.
يؤشّر الإسرافُ في طلبِ الفتوى إلى مشاكل اجتماعيّة خطيرة، وإلى ضعفٍ في بناء الإنسان الجزائريّ يجعله غير قادرٍ على عبور حياته القليلة دون مرشدٍ، كما يؤشّر إلى تراجع دور العلم في حياتنا، وهو أمر غريب في بلد يفوق عدد المتخرجين من الجامعات فيه عدد سكان البلدان التي تصدّر له الفتوى.

سليم بوفنداسة

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى