حققت الجزائر بتسجيل فن الراي في قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية لمنظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بإسمها، إنجازا كبيرا وكسبت رهانا بالحفاظ على هذا التراث اللامادي الذي هو متأصل في ثقافتها و مجتمعها، ويعتبر التسجيل شهادة تأكيد على تبنيها لكل الإنجازات الوطنية والعالمية التي حققها فن الراي الذي يأبى اليوم إلا أن يبقى في حضن وطنه الأم متمسكا بجذوره.  

بن ودان خيرة

وبإدراج فن الراي في قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية لمنظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، تكون الجزائر قد رفعت عدد الممتلكات الثقافية المصنفة على هذه القائمة منها أهليل قورارة، ولباس العرس التلمساني (الشدة)، والاحتفال بالمولد النبوي (أسبوع) في تيميمون، وركب اولاد سيدي الشيخ، واحتفال السبيبة، بالإضافة إلى “الإمزاد” و”الكسكس”   . ويعود تاريخ فن الراي للقرون الماضية، ولكنه ظهر في الأوساط البدوية الريفية في الغرب الجزائري خلال الحقبة الاستعمارية وكان يحمل رسائل ضمنية لمكافحة المستعمر وتحقيق السلام والرقي بالإنسانية والمحبة، ثم انتقل بعدها إلى المدن خاصة بعد الاستقلال حيث استقطبته وهران في نهاية الستينات والسبعينات، وهي الفترة التي سجلت أسماء عمالقة الراي ورغم هذا  ظل منكمشا، ثم بدأ شيئا فشيئا ينتشر لغاية بلوغه العالمية التي تم ترسيمها اليوم مع قرار اليونسكو.

* وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي
التصنيف  يؤكد جزائرية الراي بلا منازع
قالت وزير الثقافة والفنون صورية مولوجي يوم الخميس المنصرم، أنه بتصنيف فن الراي ضمن التراث اللامادي للإنسانية من طرف اليونسكو تفتك الجزائر شهادة حاسمة باعتراف العالم بهذا النوع الموسيقي الثقافي وتؤكد أصالته الجزائرية بلامنازع،  لأن فن الراي بما يتمتع به من عراقة وشاعرية وتنوع موسيقي، هو رسالة محبة وسلام للإنسانية جمعاء. وعبرت الوزيرة عن سعادتها وهي تزفُّ انتصار الجزائر في تصنيف فن الراي ضمن التراث اللامادي للإنسانية، كما أسدت أسمى آيات الثناء والتقدير لكل الدول الأعضاء في اللجنة على الإنصاف التاريخي والمستحق لبلادنا، مبرزة في بيان أصدرته الوزارة بالمناسبة، أن الجزائر وهي تنخرط بنبل في جهود “اليونسكو” للحفاظ على التراث الثقافي الإنساني، ستواصل نضالها من أجل تحقيق المزيد من الانتصارات الثقافية وطنيًا ودوليًا.
وأوضحت الوزيرة في كلمة تم بثها بمناسبة الإجتماع ال 17 للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي لليونسكو، أن “الجزائر تتقدم باسم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون وباسم حكومتها وشعبها بتشكراتها الخالصة لمنظمة اليونسكو نظير تسجيلها للراي غناء شعبيا جزائريا ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية، كما تقدمت بتشكراتها أيضا للجنة الحالية للتقييم، نظير خبرتها الموضوعية والنزيهة التي حققت هذا الاعتراف الدولي و إلى كل الدول التي ساندت هذا الترشح وكذا أمانة الاتفاقية للجهود المبذولة والعمل المنجز في جو التبادل والسماع والمرافقة.

* مصطفى مرين صحفي  
أولى الدراسات بخصوص هذا الفن كانت في 1985
من جهته، أكد مصطفى مرين إطار ببلدية وهران وصحفي مهتم بفن الراي، أن الدراسات العلمية والأكاديمية حول فن الراي بدأت مباشرة بعد أول طبعة لمهرجان الراي سنة 1985، حيث أن المشرف على تنظيمها المرحوم شاذلي بن قاسمية الذي كان منتخبا ببلدية وهران، وهو مثقف يهتم بكل الجوانب الفنية والعلمية الثقافية، وعليه بادر وقتها بفتح المجال لكل المعنيين والمهتمين للالتحاق بمجلس استشاري للتطرق لفن الراي، وفعلا وفق محدثنا، فقد التحق به المرحوم ملياني حاج، عبد القادر علولة السيدة حقاني زبيدة، صايم الحاج وغيرهم، مما أسفر عن تنظيم أول طبعة للمهرجان والتي كانت ناجحة بكل المقاييس، فمن جهة لأول مرة جعمت   مغني  الراي مباشرة بالجمهور الذي يتابعهم عن طريق الأشرطة الغنائية، ومنهم الشاب خالد الذي تحصل وقتها على الجائزة الأولى في المهرجان سنة 1985 بأغنية «رايكم يا رايكم»، كما أنه مباشرة بعد انتهاء المهرجان واصلت اللجنة التي أشرفت عليه، عملها العلمي الأكاديمي حول هذا الفن وعلاقته بالتراث وبالمجتمع.
وأيضا وفق المتحدث،  أول طبعة لمهرجان الراي أخرجت هذا الفن خارج الوطن  بتنظيم طبعة لمهرجان الراي في باريس، سنة 1986 أي بعد أشهر فقط عن طبعة وهران، شهدت تغطية إعلامية كبيرة، ومن إفرازات مهرجان وهران للراي سنة 85، أن  الإعلام الجزائري بدأ ينفتح على هذا الفن، حيث تم بث أول أغنية سنة 1987 في القناة الإذاعية الثالثة، وكانت أغنية “رايكم” للشاب خالد، وفي 2008 قررت وزارة الثقافة   نقل مهرجان الراي إلى سيدي بلعباس.
وأفاد محدثنا أن ترسيم فن الراي موروثا لاماديا للإنسانية من طرف اليونيسكو، جاء في ظرف بدأ فيه الراي يأخذ منحى آخر، والترسيم جاء في وقت ما زال الجيل الذهبي من عمالقة الراي مثل خالد ومامي و بن شنات وغيرهم، موجودين ويؤدون الأغاني الرايوية مما يضمن تواصل الأجيال في هذا الفن الذي أصبح محميا، مشيرا أنه لا يجب أن ننسى من كانوا وراء الموسيقى الرايوية كذلك التي رافقت هؤلاء العمالقة ومنهم  “بلمو” الذي يعد أول من أدخل “الترمبيت” لموسيقى الراي وأحدث ثورة فنية حينها.

* الأستاذ الباحث وعضو لجنة ملف الراي فيصل صحبي
 هو انتصار للدبلوماسية الثقافية الجزائرية
أكد الأستاذ الباحث وعضو لجنة ملف الراي فيصل صحبي، أن تصنيف الراي ضمن قائمة التراث اللامادي للإنسانية من طرف اليونسكو هو هدية من الجزائر للإنسانية، لأن الراي الأصيل أصبح تراثا تتقاسمه الجزائر مع الجميع، في الوقت الذي يبقى فيه هذا الفن متأصلا في محليته، والتصنيف أيضا هو وسيلة لحمايته وحماية نصوصه وكيفية توارثه عبر الأجيال، وهو وسيلة لحماية هذا الفن من أية محاولة للسطو عليه أو تملكه ثقافيا.
موضحا أن التصنيف هو انتصار ثقافي كبير للجزائر و للديبلوماسية الثقافية، حيث تم العمل بالتعاون بين وزارتي الثقافة والفنون والخارجية التي ساهمت بإطاراتها وبعلاقتها لفرض الملف وتحقيق هذا النجاح، الذي يعد انتصارا لموسيقى الراي التي ستبقى خالدة في التاريخ كمرآة تعكس أصالة الثقافة الجزائرية وعمقها وكذا عمق الراي الأصيل، واليوم الجميع سعداء بالتصنيف وفخورون بأنه جاء باسم الجزائر وبناء  على طلب منها، مبرزا أيضا أن التصنيف جاء بعد مخاض عسير دام حوالي 10 سنوات من بداية العمل على ملف طلب التصنيف.
وكشف الأستاذ الباحث وعضو لجنة ملف الراي فيصل صحبي، أنه سيتم هذا الأسبوع عرض فيلم عن جذور تاريخ فن الراي، وهذا إحتفاء  بالحدث  ،   يتضمن لقاءات مع مجموعة من المختصين من بينهم أعضاء اللجنة التي أشرفت على الملف وهم حاشي سليمان مدير المركز الوطني للبحث في ما قبل التاريخ، وبن نعوم أحمد وهو مختص في علم الاجتماع ومحدثنا فيصل صحبي الأستاذ الباحث الذي سبق له وأن إشتغل على فن الراي الأصيل، مشيرا أن هذا الفيلم سيكون من جزئين، الجزء الأول مدته 20 دقيقة محورها جذور الراي، أما الجزء الثاني فمدته 52 دقيقة ومن المرتقب أن يعرض هذه الأيام احتفاء بالتصنيف.

* محمد بن زيان إعلامي مهتم بهذا النوع الغنائي
التصنيف إنجاز كبير ومكسب يجب الاستثمار فيه
أوضح الإعلامي والمهتم بفن الراي محمد بن زيان، أن تصنيف الراي لدى اليونسكو إنجاز كبير ويجب أن يكون منطلقا للاهتمام بكل الإرث الفني الوطني وأن يتم استثماره كعنصر من عناصر القوة الناعمة، وأيضا استثماره على المستوى الخارجي، فعندما يحضر الشاب خالد في مناسبة كالمونديال الذي تجري فعالياته بقطر، يعتبر ذلك مكسبا يجب استغلاله.
وأردف بن زيان أن التصنيف الذي شكل هاجسا طيلة سنين، يجب أن يكون انطلاقة جديدة لهذا الفن، حيث يمكن أيضا استثماره إقتصاديا و سياسيا، وذكر المتحدث مثال كوريا الجنوبية التي اعتمدت منذ فترة إستراتيجية تسويق فنها مما ساهم في انتشار نجوم التمثيل و الموسيقى الكورية في العالم ومثلما تفعل تركيا، فمصطلح القوة الناعمة يعني الاستثمار في الثقافة والفن.
و اعتبر محدثنا أنه مع تحقيق مكسب التصنيف، يجب الاعتراف بفضل من عملوا لسنوات من أجل هذا الملف ومنهم المرحوم الباحث حاج ملياني، ولكن مع أهمية الاعتراف يأتي الأهم وهو ضرورة امتلاك إستراتيجية حقيقية للاستثمار في هذا الإرث و الارتقاء به، وهذا من خلال إجتهاد المختصين موسيقيا وإجتهاد الباحثين في الجامعات، و اجتهاد المشرفين على التظاهرات الفنية، مذكرا أنه في الثمانينيات حاول  مدير رياض الفتح بلورة إستراتيجية في هذا الإطار، وهذا وقتها اليوم،   وحان الوقت لحماية هذا الفن والاستثمار فيه من طرف الجزائريين أصحابه، فحتى مهرجان الراي افتقد   تنظيمه لمعايير الاحترافية و صار الراي سلعة يستفيد منها الآخرون، مبرزا كذلك أنه يجب إعادة الاعتبار لكل الإرث الفني فبلدنا يمتلك رصيدا فريدا و ثريا من الطبوع المختلفة من التارقي في أقصى الجنوب الى الصف في أقصى الجهة الغربية.

* صاحب دار الإنتاج «ديسكو ماغريب» بوعلام بن حوة
الترسيم  يفتح آفاقا كبيرة  لمحترفي الراي
عبر بوعلام بن حوة صاحب دار الإنتاج «ديسكو ماغريب»، عن سعادته لتصنيف الراي كتراث في اليونيسكو، لأن هذا المطلب مثلما قال كان مطروحا منذ السبعينات وتكرر مرارا، ليعود الأمل      أمس بقرار اليونسكو «أشعر وكأن الراي كان إبنا دون هوية وكاد يضيع ولكن اليوم أصبح لإبننا هوية تحميه من كل التكالبات ومحاولات السطو».
وأضاف بوعلام بن حوة أن ترسيم الانتماء للراي سيفتح آفاقا كبيرة لمحترفي هذا الفن  الأصيل وسيبعث نفسا جديدا فيه، لقد كسبنا الرهان وأبقينا الموروث الفني والثقافي في الجزائر بفضل الرجال الذين وقفوا على مدار عقود لغاية أمس، و اعتبر محدثنا أنه يجب علينا اليوم حمايته وتثمينه بكل الطرق القانونية وليس الراي فقط بل كل الموروث الثقافي والفني الجزائري، مثل تراثنا «العلاوي والصف» المتجدر في مناطق تلمسان يجب التحرك لحماية هذا التراث أيضا الذي يتعرض لمحاولات سطو.

الرجوع إلى الأعلى