غبت عن المسرح و التلفزيون للتفرغ للكتابة
برر الممثل المسرحي و التلفزيوني عبد الحميد رابية، غيابه عن المسرح و كذا التلفزيون في السنوات الأخير، بقلة الإنتاج و تراجع المستوى الفني، مؤكدا بأن لم يبتعد عن الساحة الفنية و الثقافية و إنما تفرغ لتوثيق محطاته الفنية و تدوين انجازات عمالقة المسرح الجزائري، لتظل شاهدا حيا على ما قدموه و مصدرا مهما للأكاديميين الذين يعانون اليوم من قلة المصادر، و دعا في حوار خص به النصر لضرورة تسجيل الأعمال المسرحية  و توثيق الصلة بينهم و بين أبناء الفن الرابع لتطوير القطاع و للحد من عزوف الجمهور عن الخشبة.

 حاورته / أسماء بوقرن

النصر :  تعد خريج أول دفعة للمعهد العالي للفنون الدرامية، و من الذين عايشوا رواد المسرح الجزائري، حدثنا عن انطلاقتك؟
عبد الحميد رابية : أنا خريج أول دفعة للمعهد العالي للفنون الدرامية ببرج الكيفان سنة 1970، تلقيت تكوينا لمدة خمس سنوات، سجلت بالمعهد سنة  1965  و عمري لا يتجاوز 17 سنة، بعد تخرجي إلتحقت مباشرة بالمسرح الوطني الجزائري ثم بالمسرح الجهوي بولاية عنابة، و شاركت في عديد الأعمال المسرحية رفقة عمالقة الخشبة من ممثلين و مخرجين، أذكر منهم  مصطفى كاتب، الحاج عمر، الهاشمي نور الدين، إلى جانب ممثلين كبار كالممثل الكوميدي رويشد، حسن الحسني و السيدة كلثوم و السيدة نورية، فقد كنت أتمتع بموهبة في التمثيل غير أنها لم تكن كافية للتألق على الخشبة، فقد صقلتها بالتكوين الأكاديمي و بالاحتكاك برواد المسرح و الأعضاء المؤسسين للحركة المسرحية في الجزائر، و ذلك منذ أن كنت طالبا في المعهد  في إطار الشراكة بين المعهد و المسرح.
 و نلت حظ المشاركة في عروض كبرى، كمسرحية «الجثة المطوقة» لكاتب ياسين و التي تم عرضها باللغة العربية الفصحى، و مسرحية «الريح» و شاركنا بها في مهرجانات دولية، كما مثلت في فيلم «الأفيون و العصا» لملود معمري، و غيرها من الأعمال، و لما أنهيت الدراسة قدمت أول عمل مسرحي لي في إطار التخرج سنة 1970، لأقدم بعدها عديد العروض المسرحية، التي لا تزال راسخة في ذاكرتي،  أبرزها «قالو لعرب قالو»، «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» للطاهر وطار، «مير و ربي كبير» و « يا ستار و ارفع الستار» و « الدهاليز» و «شمس النهار» و غيرها من العروض التي قدمها المسرح الجزائري في مهرجانات دولية و نالت  جوائز كبرى، لهذا فأنا مقتنع جدا بما قدمته في ميدان المسرح.
لو قارنت واقع المسرح الجزائري بين الأمس و اليوم، ما ذا تقول؟  
صراحة الفعل الثقافي و الفني بعد سنوات الستينات و السبعينات و حتى بداية الثمانينات، كان في القمة في مختلف النواحي، سواء من ناحية مستوى المخرجين و التقنيين أو من ناحية أداء الممثلين، سواء في المسرح أو حتى السينما، فالجزائر كانت تتمتع بثلاث مؤسسات إنتاجية و أكثر من 450 قاعة سينما، و كذا وفرة الإنتاج و وجودته، حيث حققنا من خلاله مداخيل كبيرة كانت تشكل إضافة حقيقية للإنتاج السنيماتوغرافي الجزائري، فالجزائر كانت فعلا رائدة في قطاع الفن عموما و المسرح و السينما على وجه الخصوص، و الدليل أننا تحصلنا بعد مرور 12 على الاستقلال على السعفة الذهبية في مهرجان كان الدولي بفيلم «سنوات الجمر» للمخرج لخضر حمينة.
فالمسرح كان يستقطب جمهورا غفيرا، حين كانت هناك غزارة في الإنتاج المسرحي، و ذلك بمعدل نحو 9 مسرحيات في السنة،  كما كنا ننتج ثمانية أفلام سينمائية في السنة بمشاركة أسماء فنية ثقيلة و مخرجين محترفين تلقوا تكوينا جيدا في عدة بلدان، و  تركوا بصمتهم في الساحة الفنية بأعمال خالدة، لكن للأسف غادروا دون أن تستغل تجربتهم و معارفهم في تكوين الجيل الذي خلفهم و في توثيق خبراتهم، بعدها بدأ الوضع الفني و الثقافي في الانحدار لما أسند تسيير قاعات السينما للمجالس البلدية التي لم توفق، إذ تقهقر وضعها و بدأ نجمها يأفل إلى أن أغلقت، بعدها و حين هبت رياح الديمقراطية في بداية التسعينات تم تصفية عديد المؤسسات من بينها المؤسسات الإنتاجية الثلاثة التي سبق و ذكرتها، لينزل المستوى للحضيض في فترة العشرية السوداء التي تسببت في حدوث قطيعة بين قاعات المسرح و الفنون عموما و بين الجمهور، و تأثر الإنتاج السينمائي و المسرحي بشكل لافت.

المجتمع دون مسرح و سينما ميت
هل هناك أسباب أخرى جعلت الجمهور يعزف عن المسرح؟
نعم، هناك عدة أسباب تتعلق بمستوى العروض المسرحية و مضامينها، فالجمهور كان يرى نفسه على الخشبة، حين كانت المسرحيات تنقل الواقع، و تستجيب لرغبة الجمهور، كذلك مضمون الأعمال التلفزيونية و السينمائية، لكن اليوم مضمون العروض لا يساير الواقع و قضايا المجتمع، ما وسع الهوة أكثر و جعل عمر القطيعة يطول، لدى يجب إحداث ثورة في هذا المجال، لأن مجتمع دون مسرح و سينما هو مجتمع ميت، فهما معيارا لقياس مدى تطور  و ازدهار المجتمعات.  
نشهد ارتفاعا في معدل الإنتاج، خاصة التلفزيوني، هل هذا مؤشر على تحسن الواقع الفني، أم أن هناك معايير أخرى يقيم على أساسها الوضع؟
لا، الإنتاج الفني سواء التلفزيوني أو المسرحي أو حتى السنيمائي قليل، إذ يتم حاليا إنتاج فيلم أو اثنين في سنتين أو ثلاث سنوات، و هذا أمر غير مقبول في نظري، في وقت ما كنا نملك قناة تلفزيونية واحدة، و كنا نجتهد للظفر بالمشاركة في الأعمال التي تنتجها، لكن لما تم فتح مجال السمعي البصري و إنشاء قنوات خاصة سعدنا كثيرا و توقعنا بأن معدل الإنتاج سيرتفع، و ستتاح فرص أكبر للممثلين، لكن للأسف إنتاجها قليل و مناسباتي كما لا يرقى للمستوى اللازم، و الدليل لاحظنا عودة قنوات جزائرية لبث القنوات مسلسلات و أفلام تلفزيونية قديمة، منها مسلسل قدمته منذ حوالي عشر سنوات بعنوان «ساعد القط» و حقق نجاحا يعاد عرضه الآن في القناة السادسة، و يعد آخر عمل تلفزيوني أقدمه، من بين  أكثر من 40 عملا في مسيرتي، تنوعت بين أعمال تلفزيونية و مسرحية  و سينمائية، أذكر منها فيلم» « سقف و عائلة» و «راء المرآة» لنادية شرابي.
التقاعد الإداري ليس سببا لغيابي عن التمثيل
ما سبب غيابك في السنوات الأخيرة عن التلفزيون و عن الخشبة؟  
ضعف الإنتاج المسرحي جعلني أغيب عن الخشبة لمدة أكثر من 15 سنة، فبالرغم من أن الجزائر  تمتع بـ 20 مسرحا جهويا، إلا أنها غير مستغلة استغلالا أمثلا، كما غبت عن التلفزيون لذات السبب، و ما أريد توضيحه بأن تقاعدي الإداري لم يكن سببا كما يعتقد البعض، لأن الفنان في نظري لا يتقاعد و إنما يظل عازما على مواصلة مسيرته، لهذا فأنا تفرغت لمهمة لطالما دافعت من أجلها، و هي تدوين الأعمال و شهادات كبار الفنانين في سلسلة تُعنى بتاريخ رواد المسرح الذين ساهموا في تأسيس ذاكرة المسرح، و بإنجازاتهم، ليستفيد منها الجيل الحالي من الشباب، و كذا الأساتذة الأكاديميين الذين يجدون صعوبة في الحصول على المعلومة خاصة المتعلقة بالشخصيات الفنية التي وضعت اللبنات الأولى للعمل المسرحي، فأنا أتأسف اليوم من عدم اهتمام العاملين في القطاع بتسجيل العروض المسرحية لنقلها للأجيال القادمة، فمن المفروض أن توثق ليستفيد منها كذلك الباحثين في الحقل المسرحي و اعتمادها كمصدر بحثي،  كما يجب ربط الصلة بين هذه فئة الأكاديميين و الفنانين لتبادل المعارف و تحقيق التكامل المعرفي بين الجانب النظري و التطبيقي، لتطوير القطاع، و أدعوا الجمعيات الناشطة للعمل على تسجيل العروض و الحفاظ على الموروث الفني، و الاقتداء بجمعية جمعية أضواء السينمائية التي تأسست سنة 1989 بعد حل المؤسسات الثقافية، و التي لعبت دورا كبيرا في الحفاظ على الإرث السينمائي باحتفاظها بمعدات تصوير و الأرشيف و صور الفنانين.

الجيل الجديد يمتلك الموهبة و يفتقر للتكوين
برزت وجوه فنية و أصبحت تتصدر المشهد الفني، لكن هناك من يُعيب على مستواها الفني، ما تقييمك؟
ألاحظ بأن الجيل الحالي يتمتع بالموهبة و يمتلك قدرات لا بأس بها، غير أنه يفتقر للتكوين الصحيح، الذي يعد أساسيا في مسيرة كل فنان، و السبب يعود كما سبق و قلت لغياب مصادر معرفية يستند إليها الممثل الشاب لينهل من تجارب من سبقوه في الميدان، كذلك هناك قطيعة بين الجيلين، حالت دون نقل الخبرات، أضف إلى سبب أراه جوهري هو البحث عن الشهرة و السعي مباشرة إلى الظهور عبر شاشة التلفزيون، في الوقت الذي من المفروض المرور أولا عبر الخشبة التي تعد مدرسة حقيقية وجب المرور عليها، سواء كان ممثلا تلفزيونيا أو سينمائيا، و الدليل أن غالبية الممثلين الذين نجحوا و تركوا بصمتهم قضوا السنوات الأولى لمسيرتهم في المسرح.                 أ ب

الرجوع إلى الأعلى