توليفة فنية تكتسيها الجدران في معرض -  تقارب -

تزينت جدران قاعة عروض المدرسة الجهوية للفنون الجميلة بقسنطينة، بتوليفة من الأعمال الفنية التي أنجزها طلبة وأساتذة بالمدرسة، تحاكي أنماطا مختلفة من الفن التشكيلي الذي يمزج بين التقليد والعصرنة، وهذا في إطار بادرة ثقافية وسمت بـ» التقارب «، من أجل مد جسور التواصل بين أبناء الفن من جهة، ولإبراز مجهودات المؤسسة في الرقي بالحس الفني الإبداعي من جهة أخرى.

رميساء جبيل

غموض الكولاج الملفت
بعد سنة عن تنظيم فعاليات ومعارض بقلب المؤسسة الفنية، هاهي قطب قسنطينة النابض بالفن والإبداعات الصارخة، تطل من جديد بحلة بهية مكتسية ثوبا من الألوان اللافتة والزخارف البارزة، التي خطتها أنامل فنانين مهرة لكل منهم لمسة سحرية مميزة، أضفت رونقا وبريقا على جدران القاعة وبهوها، لتكون بذلك كبسولة العبور التي يلج إليها زوار المدرسة الذواقين للفن الراقي والجمال.
وبالقاعة لوحتين تميزتا بالجاذبية الأخاذة نظرا للغموض الذي يلف بهما، والذي يصعب تفسيره أو تحليله من الناظرين، أين اعتمد طالب المدرسة عشي محمد أكرم، على تقنية « الكولاج» بإلصاق قصاصات ورقية لروايات أجنبية قد نال منها القدم وأجزاء من بطاقات اللعب، إلى جانب قطع من القماش الباهت التي تم طلائها بألوان تتماشى وفكرة الموضوع، كما خطت أنامل المبدع بقلب اللوحة بورتري لفتاة يبدو عليها الضياع والبهتان، ربما بسبب اليدان اللتان تمسكان برأسها من الأعلى.
وتقول أستاذة بالمدرسة كريمة بلوصيف، أن تقنية الكولاج المعتمدة تعرف بأسلوب التقطيع والتلصيق، إذ يُستعمل فيها قصاصات من ورق الجرائد والمجلات والكتب، إلى جانب قطع قماشية وغيرها، من أجل إضفاء قيمة جمالية وإبداعية على اللوحة المراد إنجازها وفق موضوع معين، يتسم بالعمق والغموض، كما يراعي الفنان في عمله استخدام ألوان متناغمة.
كما شبهت المتحدثة، العمل الفني الذي يقوم على تقنيات مختلفة تمتزج فيها الفكرة مع الألوان والأسلوب المعتمد وخفة وحركة أنامل الصانع، بالمغناطيس الذي يجذب أشخاص معينين يتميزون بحس فني مرهف يسعون من خلال نظراتهم التي ترمق اللوحة، إلى فك معانيها وفهم الرسالة المراد توصيلها للمتلقين.
ويقول الأستاذ بن طيلة عبد العزيز، عن هذه التقنية بأنها فن تركيبي جاء به الفنان بيكاسو يقوم على المزج بين مواد مختلفة منها الخشب وأوراق الجرائد والأقمشة، وهي تختلف تماما عن الفن التحليلي الذي يعتمد في الأساس على رسومات تحليلية تتميز بالنزعة الفلسفية التي تتداخل مع علم النفس.
تكسير للنمطية الفنية
غالبية الأعمال التي عرضت بالقاعة تميزت بالتنوع والاختلاف والخروج عن التقليد، إذ كسر كثير من الطلبة قيود المدارس التقليدية التي يقوم عليها الفن التشكيلي، متخلين بذلك عن عباءة التقليد والنمطية المعتادة، أين اختار البعض أن يمزج في لوحاته فن الزخرفة التي تقوم على رسم النباتات والحيوانات وبعض الأشكال الهندسية مع الخط العربي، حتى يُضفوا عليها طابعا عصريا يبتعد تماما عن التكرار، فيما دمج آخرون بين الزخرفة والمنمنات التي تحاكي واقعا تاريخيا عاشته الجزائر في سنوات سابقة عرف بالعصر الذهبي، ولوحة أخرى جمع فيها الطالب بين الفن الزيتي والزخرفة أبرز من خلالها رموز لطالما كانت الرفيق الدائم للأزياء والحلي الجزائرية الأمازيغية.
وقال أستاذ المنمنمات بن طيلة عبد العزيز، أن المنمنمات في القديم كانت في شكل صور إيضاحية لنص أدبي أو فلسفي أو قصصي، رغبة من الكاتب أو الروائي في التعبير عن حروفه المكتوبة بالفن، ليضفي عليها قيمة أكبر، ثم تحولت مع الوقت إلى فن قائم بذاته.
ويقابل مدخل القاعة لوحة كبيرة، للفنان والأستاذ عبد الحكيم هاشمي، مزج فيها بين ثلاثة طبوع فنية هي الواقعية والشبه تجريدية والتجريدية المحضة، تختلف فيما بينها لكنها تقدم قراءة فلسفية موحدة وهي طلب العلم، نظرا لرسمه أطفال يحملون ألواحا خشبية يخطون بأقلامهم آيات قرآنية.
كما أضاف للصورة إحدى قناطر قسنطينة، كجسر يصل بين الماضي والحاضر، ويربط بين المرحلتين اللتان تختلفان في اللوازم لكنهما يشتركان في المغزى والعبرة والوجهة، كما اعتمد الفنان على ألوان نارية برز بينها اللون الأصفر كنور مضيء دلالة على العلم الذي حثه الله في دينه، كما تعتلي اللوحة كلمة « اقرأ» مكررة كتبت بالخط المغربي.   
مد جسور التواصل للتقارب
وفي تصريح للنصر من قبل منظم الفعالية، أستاذ المنمنمات بالمدرسة الجهوية بن طيلة عبد العزيز، قال أن المعرض جاء ضمن برنامج مسطر من قبل المدرسة، لإعادة إحياء الأنشطة والفعاليات بقلب المؤسسة من أجل النهوض بها ثقافيا وفنيا، بمشاركة كل من الطلبة والأساتذة، أين وقع اختيار اللجنة على أمهات الأعمال الفنية الزيتية والنحتية والزخرفية والمنمنمات الموجودة بأرشيف المدرسة.   
وأوضح المتحدث، أن الهدف الرئيسي من المعرض هو مد جسور التواصل بين الفنانين والمفكرين من داخل وخارج المؤسسة، من أجل التقارب وتبادل الأفكار والآراء، وكذا للتعريف بأعمال نحاتين جزائريين، اشتغلوا على الخشب والجبس والمعادن من أجل تحويلها إلى قطع فنية تستحق العرض والتمعن في تفاصيلها، وكذا لتحبيب الطالب بعالم المنحوتات الذي يعرف عزوفا كبيرا من الطلبة، وعلى أساسه سيتم تنظيم نشاط مشترك مع ملحقة عنابة في 5 مارس، لإنجاز منحوتات جدارية تدور حول التراث المادي في الجزائر. وذكر مدير المدرسة مرَاد فاتح، أن تم تنظيم هذا المعرض جاء في إطار النشاطات الثقافية والفنية المسطرة ضمن البرنامج السنوي لمدرسة قسنطينة الجهوية، حتى يستطيع الطلبة والأستاذة التلاقي والتقارب فيما بينهم وتبادل خبراتهم واستفساراتهم الفنية.

الرجوع إلى الأعلى