أكد الأستاذ عبد الله بايشي، المختص في المخطوطات و التراث الثقافي بالمركز الوطني للمخطوطات بأدرار، بأن «القرقابو» تسمية جزائرية تطلق على صوت الصفائح  المعدنية الأربعة التي يحملها الشخص بين أصابعه، وكل صفيحة لها طبلتان، بطول 30 سنتيمترا بينهما صفيحة صغيرة محدبة تسمح لمستعملها بإدخال إصبع يده وفي كل يد يوجد صفيحتان يتم طرقهما معا لإحداث إيقاعات معينة تتناغم مع الآلات المرافقة للرقصة.

احتفالية التحرر من قيود العبودية
وأوضح الأستاذ بايشي، خلال محاضرة بعنوان « رقصة القرقابو الشعبية و أبعادها الإفريقية»، قدمها مؤخرا، بدار الثقافة و الفنون لوهران في إطار فعاليات شهر التراث بأن « شكل صفائح القرقابو يرمز لأصفاد التكبيل التي تستعمل عند القبض على اللصوص، والتي استخدمها قديما تجار العبيد لتقييدهم وحجزهم و من ثم بيعهم أو نقلهم إلى بلدان غربية، فأصل القرقابو من إفريقيا كما قال وقد وصل إلى شمال القارة في زمن الرق والعبودية، عن طريق من  تمكنوا من الهجرة إلى الشمال خاصة نحو منطقة أدرار القريبة من عدة دول إفريقية، حاملين معهم ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، معتبرا أنهم جاؤوا فرحين لأنهم تحرروا من القيود التي كانوا مكبلين بها والتي جعلوها جزءا من آلات موسيقية تستعمل خلال الرقص.
و أضاف، أنه مع مرور الوقت، أدخلت عدة تعديلات على هذه الرقصة بفعل التأثير والتأثر بين الوافدين والسكان الأصليين لأدرار ونواحيها، وأصبحت اليوم تمارس من طرف العديد من الأشخاص وترتكز على المدائح الدينية، ففي البدايات و بعد فك الأغلال حملها أصحابها في أيديهم و رقصوا بها فأحدثت أصواتا أعجبتهم، فباتوا يضبطون طقطقة الصفيحتين على وقع أنغام موسيقية معينة لتتحول بذلك الأصفاد أو ما تبقى منها إلى آلة موسيقية تستخدمها فرق القرقابو، التي تستخدم أيضا، الطبل وشملت القطعة تحسينات أخرى كما عرفت الفرق بلباسها المميز.  وقد صار القرقابو آلة تدخل في عزف العديد من الطبوع الموسيقية الجزائرية.
وأردف الأستاذ بايشي، أن رقصة «قرقابو» كانت في بدايتها تمارس بوجود 8 أفراد «أربعة يقابلون أربعة» يحملون الصفائح ويرتدون لباسا أزرقا بحزام أحمر ونعالا من جلد الحيوانات، و وسط الحلقة يقف ثلاثة رجال يحملون الطبل بمختلف أشكاله «الدندون» و « طبل بحجم كبير» و «طبل بحجم صغير» وكانت الأهازيج باللهجات الإفريقية منها «اللانقارا و الهوسا و الزولو و بوشمن و هوتونس» وبعد دخول الإسلام لشمال إفريقيا أصبحت الأغاني ترتكز أكثر على المدائح الدينية والأناشيد.
مبرزا في ذات السياق، أن رقصة القرقابو،  تؤدى في الجنوب الجزائري اليوم تزامنا مع مواسم مختلفة منها «الزيارات و الوعدات و الأعراس و المولد النبوي الشريف  وعدة أفراح»، وهذا بعد التغيرات التي أدخلت عليها لمواكبة العادات والتقاليد المحلية، وقد رافق هذه الرقصة في بداية دخولها لشمال إفريقيا عموما، خرافات ومعتقدات ترتبط بالمجتمعات التي ابتدعتها، فالرقصة مثلا تخلص الإنسان من الأرواح الشريرة حسب معتقدات تلك الشعوب، و تجلب الحظ والخير وتدفع الشر و تشفي من الأمراض.
وخلال النقاش الذي أعقب المداخلة، قال الأستاذ إسماعيل موسى شماخي، المختص في الأنثروبولوجيا، إن بعض الممارسات الاحتفالية مثل رقصة القرقابو ارتبطت عند ظهورها بمعتقدات وتصورات مختلفة كالشفاء من المرض و التخلص من مس الجن وما شابه ذلك، ولذلك يجب على كل المهتمين إظهار الجانب الإيجابي فيها وتحذير المجتمع من المعتقد السلبي الذي لا يخدمه ولا يقدم إضافة لثقافته، و أن يتم استخلاص القيم الصحيحة التي يتم التعرف عليها من خلال ممارسة هذا الطقس، مشيرا إلى أنه أثناء نزوله الميداني بأدرار لإجراء أعمال بحثية، تيقن أن هذا المجتمع متمسك بقيمه ولعل أبرزها «التويزة» التي تتجسد في الفقارة، معرجا على علاقتها بمدائح وتراتيل «أهل الليل» وهم في الأصل الشيوخ الذين كانوا يجتمعون ليلا خلال عمليات إصلاح الآبار المعطلة، حتى لا تتوقف الفقارة عن سقي النخيل والحقول، وكانت قديما عملية الحفر والإصلاح خطيرة جدا بالنظر إلى قلة الإمكانيات، وعليه يقيم كبار السن حلقات للدعاء والمدح والتضرع لله حتى يخرج الرجال سالمين. كما تميز النقاش بالتنوع في الرؤى لهذا الموروث الثقافي الجزائري الذي وصل إلى وهران الضاربة في عمق التاريخ، وفي هذا الصدد تمحورت مداخلة الناشط في المجال الثقافي بوهران كريم عطلي حول الكثير من النازحين الأفارقة قديما لشمال القارة، ممن استقروا أيضا بحي المدينة الجديدة، وكان أغلبهم يعملون في الميناء، وقد جاءت من هنا حسبه، التسمية العنصرية للمستعمر الفرنسي «قرية الزنوج»، إذ جلب هؤلاء النازحون الهاربون من قيود العبودية طقوسهم وعاداتهم لوهران وكرسوها لدرجة أن منها ما امتزج بعادات محلية، و يمكن الفصل بين الممارسات الاحتفالية مثلما قال كريم، وهي ثلاثة أصناف «القرقابو، أهل الديوان وأصحاب البارود»، موضحا أن أول فرقة  أنشأت هي «الباندا الزهوانية» سنة 1930، و تنتمي لصنف أصحاب البارود، و قد كان قائدها ولد علي عواد، وأصوله من الجنوب الجزائري، وكان لباسهم مميزا يتكون من سروال عريض «سروال التستيفة» و»الصدارية» وهي لباس لا يتعدى منطقة الصدر و»الكلبوش» وهو قطعة قماش طويلة تلف على القبعة التركية فوق الرأس، وبعدها جاءت فرقة «النجمة» لقائدها بوعبورة سنة 1931، وفي 1986 اشتهرت فرقة «أهل الجنوب» أما فرقة أهل الديوان فتستعمل آلة «القمبري» ولها لباس مميز أيضا.                  بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى