الفترة الوسيطة حلقة مفقودة من تاريخ قسنطينة

تطرق باحثون و أساتذة في التاريخ و الآثار، نشطوا نهاية الأسبوع ، فعليات ملتقى وطني حول المصادر العمرانية التاريخية، إلى شح المعطيات  البحثية حول خصوصية الهندسة و العمران لمدينة قسنطينة، خلال الفترة الوسيطة من  الحفصيين إلى العثمانيين.

 اللقاء احتضنته كلية الفنون بجامعة قسنطينة 3، و ذكر خلاله الدكتور علاوة عمارة، بأن الوثائق التي تؤرخ لهذه الفترة قليلة جدا، فيما  قال الدكتور عبد القادر دحدوح، بأنها فترة تكاد تكون مجهولة، وأضاف عمارة، بأن الكتابات حول مدينة قسنطينة في الفترة الوسيطة نادرة            و عامة مكنت فقط من معرفة بعض مساجد و أزقة المدينة في الحقبة الحفصية، فيما يبقى المتوفر من المعلومات عن الفترة السابقة لها وصفا خارجيا، و كان يجب الانتظار إلى غاية القرن 15 حسبه، لمعرفة الإنتاج المعرفي الإخباري، الذي قدم معلومات عن معالم المدينة، إذ استمر الأمر إلى نهاية الفترة ذاتها، و اعتمد عموما على بعض الوقفيات التي تناولت النسيج العمراني للمدينة.
و أوضح المتدخل، بأن الوثائق المتعلقة ببداية الفترة الإسلامية الوسيطة سواء بالعربية أو اللاتينية أو اليونانية لا تشير للمدينة، و ذلك  تقريبا إلى غاية القرن العاشر الميلادي، بعدها صارت قسنطينة تذكر خلال العصر الفاطمي بأنها حد بلاد كتامة، و كانت تدعى في صيغتها العربية القسطنطينية و ظلت على نفس الاسم إلى غاية القرن 11 ميلادي، ثم خُفف ليصبح قسنطينة، مضيفا بأن المرة الوحيدة التي ذكرت فيها المدينة باسم قسمطينة تعود إلى قصيدة ملحمة الكفيف الزرهوني الموسومة بـ            « الملعبة».    
و تحدث الباحث عن تطورات المدينة، بعد أن فقدت مكانتها و نزلت إلى مرتبة مدينة ثانوية، بالقول أنها تحولت إلى مقر للسلطة الإدارية المحلية في القرنين الخامس و السادس هجري، كما أوضح كيفية تحولها في العصور اللاحقة إلى عاصمة إقليمية و احتلالها المرتبة الثانية في السلم الإداري الحفصي، في الوقت الذي كانت مدن أخرى في الداخل تتراجع، نظرا لأزمة منتصف القرن 11، فقسنطينة حسبه، شكلت الاستثناء نظرا لموقعها  المنيع و الذي جعل السلطة تتخذها مقرا لها فضلا عن عوامل أخرى، متمثلة في موقعها الاقتصادي و الشبكة البرية الكثيفة التي تربطها بالساحل.  
كما قال الدكتور عبد القادر دحدوح،  من المركز الجامعي تيبازة، بأننا لا نكاد نعرف عن العصر الوسيط بقسنطينة شيئا، وقد سمعنا فقط خلال حكم الحفصيين عن جامع القصبة و رحبة الصوف و البطحة، كما يقدم مخطوط دفتر الأوقاف لولاية قسنطينة، نصوصا وقفية تؤرخ لـ 669 هجري، أي لذات الفترة، وصولا إلى سنة 1057 هجري، و هي فترة مفصلية بين العهد الحفصي و العهد العثماني، وقد تضمنت الوثيقة حسبه، قائمة لبعض معالم المدينة منها 75 مسجدا و 11 مدرسة و 19 زاوية و 41 حيا.
وأشار الباحث، إلى أن المادة المعرفية أصبحت ثرية جد بداية من القرن 10 إلى القرن 13،  غير أن  تغير النسيج العمراني صعب تصور النسيج العمراني للمدينة خلال الفترة الحفصية أو حتى خلال حكم الدولة العثمانية، بسبب اندثار غالبية المعالم الأثرية التاريخية وتغير التسميات أخرى و نسيان و طمس معالم المدينة القديمة، مع شح الكتابات التاريخية حتى في فترة الحكم العثماني، بالرغم من أنها كانت عاصمة لبايلك الشرق، زيادة على عدم تواتر النصوص التاريخية التي ترصد كل مرحلة و مجرياتها، مع ذلك تبقى المدينة مهمة و منيعة رغم أنها تعرضت على مرور الزمن إلى  35 هجوما بقصد السيطرة عليها، لم تسقط إلا في 5 مرات.
من جانبه، قدم عبد الرؤوف بن خليفات، ملحقا بالترميم بقصر الباي مخططات لمواقع ميغاليتية و شبه ميغاليتية تحيط  بالمدينة وتوجد داخلها و فصل فيما يميز كل موقع مركزا على هندسة العمارة، مع إبراز معالم عمران المدينة بين الفترتين الحفصية و العثمانية.   
و تطرق الباحث في التاريخ هارون حمادو، في مداخلته المعنونة « قسنطينة من العهد العثماني إلى الاحتلال الفرنسي»،  للمرحلة الفارقة التي فصلت بين الحكم العثماني و سقوط قسنطينة في 13 أكتوبر 1837، و الانتقال من الحكم العثماني إلى حكم الاحتلال الفرنسي، وهو تحول وصفه بالعميق في المشهد السياسي يجهله غالبية المؤرخين بالرغم من أهميته الكبيرة في فهم السياسة الاستعمارية، التي دامت لقرن و 32 سنة والمفارقة التي تميز تلك الفترة، هي إدراك المحتل الفرنسي لنظام الحكم الذي كان سائدا في قسنطينة عشية الاحتلال و استلهام سياسيين فرنسيين منه لخدمة مشاريعهم الاستعمارية.
ويعرف عن نظام حكم البايلك الذي خدم الفرنسيين، حسبه  حكم البلاد بأقل عدد من الرجال، فضلا عن حكم العرب بالعرب، واستغل الفرنسيون هذا المبدأ لصالحهم، و كانوا يقولون بأنهم لم يفعلوا شيئا سوى أنهم استبدلوا سلطة الباي بسلطة الحاكم الفرنسي، و أشار المتحدث، إلى أن تقصير المؤرخين و الدارسين في هذا المجال، يكمن في عدم فهمهم لنظام البايلك و جهلهم بطبيعته، ففي قسنطينة ساد نظام سياسي و اجتماعي و إيديولوجي يتوافق و الذهنية الجزائرية التي تمتد إلى غاية الدولة الحفصية، و هذا النظام يعتمد على الضريبة بشكل أساسي.
و أشار المتحدث، إلى أن الفرنسيين فكروا في التخلي عن مشروع الاحتلال بصفة عامة بسبب عجزهم المالي، و التحدي الأكبر الذي واجههم هو مناعة مدينة قسنطينة، فصار من المسلم لديهم أنه لا يمكن توسيع الاحتلال دون إسقاط مدينة قسنطينة، و قد ظهرت لهم إشكالية أخرى بعد ذلك تتمثل في كيفية حكم البلاد وهم لا يملكون الوسائل المادية و المالية اللازمة، مردفا بالقول، بأن  الماريشال فاري، تنبه إلى هذه المشكلة وقام بدراسة نظام الحكم الموروث عن العثمانيين، فوجده مناسبا و يخدم المشروع الاستيطاني، لذلك اعتمد هذا النظام في بدايات الاحتلال.
أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى