ابن خلدون تنبأ بالواقع العربي الحالي قبل 7 قرون
دعا باحثون مشاركون في مؤتمر دولي حول  دور القيم الروحية في بناء الحضارة و سقوطها نحو الدراسات الخلدونية التطبيقية ، اختتمت أشغاله أمس بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة ، إلى ضرورة تشجيع الكتابات في النظريات الخلدونية و تبسيطها، و قراءة فكر ابن خلدون، بالشكل السليم ،بغية إسقاطه على الواقع العربي الحالي، الذي سبق للمفكر أن استقرأه قبل 7 قرون مضت، حيث يعد ،حسبهم، ما يحدث في ليبيا و اليمن حاليا خير دليل على ذلك.
المشاركون في الملتقى الذي استمر على مدار يومين،من 23 إلى 24 فيفري الجاري،أكدوا بأن مفاتيح حل الأزمات الحالية في مناطق النزاع العربية ، مخبأة بين نظريات العالم و المفكر، على اعتبار أن ابن خلدون قدم من خلال نظرياته، تصورا مطابقا تماما لما هو دائر حاليا، وذلك عن طريق معالجة قضية النزعة العصبية و القبلية،و الفكرية و السياسية و الدينية و الجهوية، ودور القيم الروحية في بناء الحضارة و تحديد هوية المجتمع. و يرى الدكتور طارق العجال ،باحث في الشأن الليبي، و أستاذ التاريخ الإسلامي الحديث بأكاديمية الدراسات الإسلامية بجامعة ملايا بماليزيا، بأن الواقع الليبي حاليا ، يمكن قراءته بوضوح من منظور فكر ابن خلدون، و إيجاد حلول مبدئية له بناء على منهجه في دراسة المجتمع، وذلك من خلال إسقاط نظرياته على ما يحصل.
الوضع في ليبيا ، كما قال، هو نتاج صراع قبلي و ليس إيديولوجي كما يروج له،  إذ تتعلق القضية بثورة شرعية حادت عن مسارها، بسبب عصبيات قبلية و فكر انتقامي  تغذيه تدخلات خارجية ،خدمة لمصالحها هناك وهو تقريبا نفس الوضع في السودان و اليمن.
الأستاذ  طارق العجال، اعتبر بأن المصالحة و إحقاق الحقوق للقبائل التي تم اضطهادها بعد سقوط نظام القذافي، تعتبر الحل الوحيد للم الشمل في ليبيا مجددا، و تصحيح الأخطاء التي ارتكبها النظام السابق قبل سقوطه، خصوصا ما تعلق باللعب على وتر الحساسية القبلية، و ضرب المجتمع  في العمق ،فضلا عن تفكيك الجيش إلى مليشيات للسيطرة على القبائل الكبرى، وهو بالتحديد  النموذج الذي قدمه ،كما قال، ابن خلدون في دراساته قبل قرون، حول الأمن في المجتمع القبلي، و السلطة و السياسة و الحرية الاقتصادية.
لذلك فإن دراسة الفكر الخلدوني و اعتماده كمصدر أساسي لإنجاز الدراسات الاجتماعية و الأنثروبولوجية، و الانتقال به من  الحالة النظرية إلى الحالة التطبيقية، يعد ضرورة لإعادة التوازن للمنطقة و لمجتمعاتها، كما أضاف المتحدث.
 نفس الطرح ذهبت إليه، الدكتورة نعيمة إدريس ، من المدرسة العليا للأساتذة بقسنطينة، مؤكدة في مداخلتها، بأن الاعتماد على نظريات ابن خلدون، من شأنه تبسيط فهم ما يحدث في المنطقة العربية و شمال إفريقيا، ، مشددة  بالمناسبة، على أهمية ترجمة الأعمال المنجزة حول ابن خلدون من اللغات الأجنبية إلى العربية، لتكون في متناول الطلبة و الباحثين، بغية دراستها بشكل أعمق و تصحيح بعض القراءات السلبية لفكره الاجتماعي و لمؤلفاته على غرار « المقدمة» و  كتاب « العبر»، خصوصا الدراسات الكولونيالية التي حاولت ،حسبها ، تقزيم دوره كمؤسس لعلم الاجتماع، بالرغم من أنها اتخذته كمنهج لفهم طبيعة المجتمعات خلال حملاتها لاستعمارية. و أوضحت الدكتورة نعيمة إدريس، بأن فكر ابن خلدون لم يسلم حتى من تحريف بعض الباحثين العرب و المسلمين لمفاهيمه العميقة، إذ اتهم بالعنصرية و خدمة  الكولونيالية ، الأمر الذي اعتبر خطأ ،بالنظر لكونه أساء توظيف نظرية التغيير و الحداثة.
 من ناحية أخرى، عمد البعض الآخر إلى اختزاله في دور المفكر الإسلامي و وضع ضوابط و حدود لدوره كمفكر كوني و عالمي. كما دعت الباحثة إلى الاستثمار في فكر ابن خلدون، و تطوير آليات تسمح باستخدام نظرياته بشكل عملي أكثر.
من جهته، أوضح الأستاذ الدكتور عبد الله بوجلال، عميد كلية أصول الدين الجهة المنظمة للمؤتمر، بأن تبسيط نظريات و دراسات ابن خلدون و الانتقال بها إلى المرحلة التطبيقية،  تعتبر من أبرز توصيات المشاركين،و هو المقترح الذي سيؤخذ بعين الاعتبار ،حيث ستوكل مهمة تفعيله لمخابر البحث بجامعة قسنطينة، التي ستعمل على إسقاط فكره على واقعنا الحالي لتفادي العديد من السلبيات التي ذكرها ابن خلدون، من خلال دراسة منهجه النقدي حول نشوء المجتمعات و اندثارها. كما شملت توصيات الملتقى الدعوة إلى الاهتمام أكثر بالتراث العربي و أعلام الحضارة من خلال برمجة ملتقيات و ندوات دورية بالجامعات.
نور الهدى طابي

الرجوع إلى الأعلى