يتفق الكثيرون من أهل المسرح على أنه يقدم الفرجة و المتعة للجمهور على اختلاف مستوياته الاجتماعية و الفكرية، لكن يختلف أغلب المختصين و أهل الفن الرابع في وصف المسرح و إطلاق تسميات عليه، مثلما تقدم به ضيوف هذه الندوة التي جمعت فيها النصر مخرجين و ممثلين مسرحيين، لمعالجة إشكاليات المصطلح في المسرح، كل حسب تخصصه و تجربته،  خاصة ما تعلق منها بمصطلح المسرح الشعبي، و عما إذا كانت مرتبطة بالمتلقي أو المكان أو النص أو اللغة، أو بهذه العوامل مجتمعة، ما دام المسرح بشكل عام، مهما اختلفت تصنيفاته، لا بد أن يتوفر على الجمهور الذي يعد أهم ركن من أركانه. إشكاليات و تساؤلات طرحتها النصر، على مجموعة من الضيوف الذين التقينا بهم على هامش الأيام الوطنية للمسرح الشعبي التي احتضنتها مؤخرا ولاية برج بوعريريج.
ع/بوعبدالله
جمال قرمي مخرج: هجر الجمهور للمسرح يُحتم خروج الفنان إلى الشارع
" أرفض حصر المسرح الشعبي في المكان الذي تقام به العروض المسرحية، داخل القاعات المغلقة ( العلبة الايطالية) أو في الفضاءات المفتوحة، و تسمية مسرح الشارع هي الأقرب لهذا النوع الأخير، أما المقصود من المسرح الشعبي، فهو الذي يخاطب الشعب "الجمهور"، سواء كان العرض داخل القاعة أو خارجها و  للجزائر أعمدة في المسرح الشعبي مثل محي الدين بشتارزي و رويشد و غيرهما، ممن كانت أعمالهم عبارة عن مسرحيات مستمدة من البيئة الشعبية.
المسرح الشعبي لديه زوايا عديدة، متعلقة بالنص و الشكل الذي يقدم فيه العرض المسرحي، و يقدم مسرحيات شعبية تخاطب المجتمع بلهجته و مشاكله و تنطلق من بيئته، و يمكن أن تقدم على الركح و الخشبة كما يمكن أن تعرض في الخارج، و في حال ما قدمت العروض في الساحات العمومية و الأماكن غير المغلقة، فالأجدر أن يطلق عليه وصف مسرح الشارع، أي أن لهذه العروض المسرحية علاقة وطيدة بالشارع أين يقدم في حلقة يكون فيها تفاعل مع الجمهور، و لكن عندما تحصر في مصطلح المسرح الشعبي الواسع يكون الوصف خاطئا، لأن المسرح الشعبي  يشمل المضمون عندما تعالج نصوصه قضايا و مشاكل اجتماعية.
أرى أن الظروف الحالية، في ظل هجران الجمهور للمسرح، حتمت على الفنان الخروج إلى الشارع، في محاولة لجلب انتباه الجمهور و إعادته إلى قاعات المسرح، و بدايات المسرح انطلقت من الشارع كونها تخاطب الشعب، و حان الوقت لاستعادة  الجمهور من خلال دعم التنوع  في المسرح، سواء كان مسرح الشارع  أو المسرح التراجيدي، أو المسرح الكوميدي، فالمهم هو الإنتاج و التنوع، فمثلا من ناحية النصوص " الكوميديا دي لارتي" في المسرح الإيطالي، عبارة عن "كانفا"، أفكار عدة يرتجل فيها الممثل ليتفاعل مع الجمهور الذي قد يفاجئ الممثل بتصرفات خارجة عن النص، أي لا بد أن يكون للمثل القدرة على التفاعل مع الجمهور و الدخول معه في نقاش،و ليس من السهل على أي فنان أن يتحكم في العرض خارج القاعة، لا بد أن تكون لديه تجربة تجعله يتفاعل مع الجمهور و يتصف بالذكاء و القدرة على التواصل.
في ما يتعلق بإشكالية تأثير الفضاءات الخارجية على طريقة العرض، و السينوغرافيا و الإضاءة و الديكور التي يفتقدها الممثل خارج ركح المسارح المغلقة و كذا طريقة الحوار، أقول أن كل مبدع ابن بيئته و عصره، يمكنه أن يشتغل بنصوص كلاسيكية و يكيفها، حسب بيئته و يطورها حسب الوقت الحالي، لكي لا تبقى منغمسة في الماضي، كما يمكن أن يحتفظ بنفس العرض لأرشفة العمل، مستدلا بمسرحية "غولدوني خادم السيدين" للمسرح القومي الايطالي الذي بقي يقدم هذه المسرحية طيلة 70 سنة، بنفس الديكور و اللباس و التقيد بالنص الأصلي، بهدف الحفاظ على الموروث و تصدير ثقافته.
إن مواكبة التطورات الحاصلة في العالم، لا يمكن بأي حال أن تؤدي بنا إلى الانسلاخ عن ثقافتنا و موروثنا الشعبي، خاصة في المسرح فهناك مقولة جاء فيها "إذا أردت أن تعرف ثقافة بلد فزر مسارحها"، لذا أؤكد أنه قد حان الوقت لتصدير ثقافتنا من خلال عروضنا وأن لا نبقي المسرح حبيس المستوى الوطني و الإطار الجغرافي الضيق.

الممثل العمري كعوان: ما يعرض خارج القاعات المغلقة يمكن وصفه بمسرح الشارع
" الشعب أو الجمهور ركن من أركان المسرح، و لا يمكن تقديم أي عرض بدون الشعب الذي يصطلح على تسميته  الجمهور، في حين قد يغيب الفنان في أركان أخرى متعلقة بالسينوغرافيا و في بعض الأحيان قد يغيب جزء من النص و الحوار و يستبدله الممثل ببعض الحركات و الإيماءات، لكن لا بد من حضور الجمهور، لأن الفنان يتعب لمدة من أجل تقديم عرضه المسرحي لجمهوره.
إن ما اتفق على وصفه بالمسرح الشعبي، تنطبق عليه تسمية مسرح الشارع أو مسرح الفضاءات المفتوحة، كما يمكن وضعه بالجزائر في خانة ما يسمى أيضا بالحلقة أو القوال و المداح،و هي أشكال العروض التي تعود عليها عامة الناس في الأماكن العمومية و الفضاءات الخارجية، و خارج  جدران القاعات المغلقة و قواعد الجدار الرابع و الخامس و السادس و الجدران الوهمية  الموجودة. عندما يقصد الفنان مكانا عموميا و يبدأ في عرض مسرحيته و الجمهور يتوافد من كل مكان ليشكل حلقة أو قعدة في خيمة، لا يمكن حصر ذلك في تسمية المسرح الشعبي، بل هذه أمور اتفق عليها اصطلاحا، على أنها شعبية مثل وصف بعض الأطباق بالأكلات الشعبية المتداولة.
 إن ما يصطلح عليه بالمسرح الشعبي ينطلق من الموضوع المعالج الذي ينحصر في نص العرض، إذا كان النص يهتم بالإنسان و المواطن و ما يحيط به فهذه مسرحية شعبية، بما فيها المونولوغ و المسرحيات الكبيرة و الحلقة، و أفضل مثال في المسرح الشعبي الجزائري هي مسرحية جحا لفرقة تاج التي نالت قسطا وافرا من العروض خارج القاعة و تلقت ترحيبا كبيرا من قبل الجمهور، خاصة في طريقة المعالجة من حيث اللغة المتداولة يوميا بين الناس و كذا من حيث الفكرة المعالجة و أمور أخرى، و لما توجه العرض إلى خارج القاعة فأنت توجه العرض لجميع الناس و لا تطالب بحضور عرض فئوي حسب العمر أو المستوى الدراسي و المادي، بل ستمنح الفرصة لجميع الفئات في المجتمع لحضور العرض المسرحي، و لا بد أن يكون الاختيار موفقا للموضوع و ينتهج فيه الممثل لغة معينة لمخاطبة الجمهور و تقديم فكرة، مهما كانت عظمتها أو بساطتها فلا بد للممثل أن يوصلها للمتلقين، مهما اختلفت مستوياتهم الاجتماعية و الفكرية.
الجمهور موجود داخل القاعة أو خارج القاعة، فحتى و لو اختلفت الأمكنة ستطرح اشكاليات أخرى متعلقة بالسينوغرافيا خاصة في الإضاءة، و ليست في لغة الحوار ( عامية أو فصحى) أو نوعية النصوص لأن أي نص مسرحي يمكن أن يعرض داخل القاعة أو خارجها، في حين يسجل الاختلاف في طريقة تقديم العرض المسرحي و التخلي عن بعض الأدوات التعبيرية و السينوغرافيا في الفضاءات المفتوحة، بالإضافة إلى ضرورة تمكن الممثل من التعامل مع مختلف المواقف التي قد تطرأ أثناء تقديم العروض المسرحية خارج القاعة، و إذا كان للممثلين مزايا تساعدهم على تقديم عروضهم داخل القاعة مثل الإضاءة، فهي غير متوفرة في الخارج، و لا بد أن يتم التركيز في هذه الحالة أكثر على قدرات الممثل و التركيز على الارتجالية، لأن الممثل لا يستطيع التحكم في نوعية الجمهور في الفضاءات غير المغلقة، على اعتبار أنه هو من ذهب لاستقطاب الجمهور و لم يقم باختياره أو انتقائه.
كما أن إخراج المسرح إلى الشارع  يعد نوع من الاستفزاز للجمهور في الجانب الإيجابي، فعلى الممثل أن ينتظر ردود فعل أثناء العرض، كأن يتدخل أي كان من الجمهور ليغير الحوار، و مادام وقع اختياره على الفضاءات الخارجية، لا بد أن يختار ملحقات معينة حسب البيئة، مثلا المزود و الزرنة ترافق العرض في المناطق التي تشتهر بها، وكذلك طريقة اللباس فقد تعود المواطنون على أن القوال و المداح في الجزائر، لديه هندام خاص بكل جهة من الوطن، الصوت كذلك يختلف لا بد أن يكون لديك صوت عال أو تستعين بأجهزة الصوت، من ناحية أخرى في القاعة يكون من ورائك ستار، لكن في الفضاءات المفتوحة تجد الجمهور محاط بك من كل جهة لذا لا بد أن تجيد طريقة التفاعل مع جمهور الحلقة و لا بد أن تمتلك الذكاء و الحيلة لتقديم العرض مثل السيارة التي تبقى تدور حول محول دوراني ".

حليم زدام رئيس فرقة "مسرح التاج":  الصدى  يكون أكبر خارج   القاعات المغلقة
" كل الفضاءات الموجودة هي فضاءات مسرحية، و المسرح كانت بداياته و انطلاقته عند اليونان و الإغريق عبارة عن طقوس دينية،  و تطور فيما بعد، كما أن ظهوره في الجزائر لم يكن يقترن بتسمية المسرح بمفهومها الحديث، بل كانت له مسميات عديدة في الموروث الشعبي، مثل الزردة أو السبيبة أو الحلقة و قعدة السوق، فكل هذه الأشكال يمكن أن تطلق عليها تسمية المسرح الشعبي.
 و لا يفرض على الجمهور التنقل إلى المسرح لأجل مشاهدة العرض، بل يجب على الفنانين الذهاب إلى الجمهور بأماكنه المعتادة في الأسواق و المقاهي و الساحات العمومية، و تبني شعار " أخرجوا المسرح إلى الشارع ليحتضنه الشعب" .
و هذه النظرة تعززت بعد النجاح الذي لقيته فرقة مسرح التاج التي أترأسها، إثر تجربة عرض مسرحية "جحا" في الشوارع، حيث قدمت أزيد من ألف عرض مسرحي منذ سنة 2000 عبر 40 ولاية على المستوى الوطني، و ما زاد من نجاح الفكرة  هو استقطاب أكبر عدد من الجمهور وتفاعله مع العروض، حيث عادة ما تستقطب العروض التي تقام بالفضاءات الخارجية جمهورا أكثر مما قد يكون عليه بالمسرح و داخل القاعات المغلقة، لكن هذا لا يعني أن الجمهور هجر القاعات، بل قدمت الفرقة أزيد من  08 عروض داخل القاعة و كان لها جمهورها أيضا.

 

الرجوع إلى الأعلى