لا نعرف إضحاك الطفل و الأعمال المسرحية يطغى عليها التهريج
ترى الإعلامية الشاعرة و الكاتبة المسرحية كنزة مباركي بأن معظم العروض الموجهة للأطفال سطحية الأفكار و تبسط الأمور إلى درجة السذاجة، كما يطغى عليها التهريج من جهة والتلقين الجاف من جهة ثانية. الشاعرة و الكاتبة المسرحية و صاحبة نص «جحا ديجيتال» الذي توجت عنه مؤخرا بجائزة الهيئة العربية للمسرح في التأليف المسرحي الموجه للطفل إلى جانب تتويجها بعدة جوائز وطنية و عربية أخرى ، تحدثت في حوارها مع النصر، عن واقع مسرح الطفل، مؤكدة :»نحن لا نعرف كيف نضحك الطفل» و تساءلت إن كان المهرّج مطالبا بطلاء وجهه بالكامل و القفز هنا و هناك، لأجل إضحاك الطفل؟
النصر: حدثينا عن مسرحية «جحا ديجيتال» ؟ و كيف راودتك فكرة كتابة نصها؟
كنزة مباركي: كتابة نصي المسرحي «جحا ديجيتال» كانت بمثابة الولادة.. ولادة نص/طفل صغير بهي الطلعة، يرقد جنبا إلى جنب مع مولودي ريان.. بدأت حروف النص تتجسد شيئا فشيئا و أنا أعتني بمولودي في أيامه الأولى بعد الولادة. أرعى الاثنين معا.. طفلي و نصي. كنت أحس بأن كل طفل سيقرأ هذه المسرحية أو يشاهدها عرضا مجسدا على الخشبة، سيكون طفلا لي و شقيقا لابني. في هذا النص؛ الذي أعتبره جزءا من حلم يترجم توقي إلى منح الطفل إكليلا جميلا من المعرفة و القيم، حاولت أن أعبر عن انشغال إنساني ذي أهمية، عن معنى التراث، معنى الموروث الإنساني و الثقافي والحضاري للشعوب و الأمم و مصيره في الصيرورة التاريخية، عن مآله في ظل تعاقب الأزمان و تغير شكل الحياة و عمقها و أساليبها.

شخصية جحا فرضت نفسها علي كذاكرة للفكاهة والحكمة

*لماذا اعتمدت شخصية جحا بالذات؟
 - لطالما كنت أفكر في جحا، في أبعاد هذه الشخصية التي شكّلت تراثا إنسانيا مشتركا بين شعوب العالم جميعها، هذه الشخصية التي أجمع الناس – على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم – على أنها ذاكرة الفكاهة، الضحك، الحكمة، السذاجة، الحيلة و في أحيان الغباء و الغفلة. وفي خضم تفكيري بهذه الشخصية، راودتني أفكار كثيرة، و تخيلات فرضت نفسها عليّ، تستحضر جحا أمامي يأخذ مكاني و أنا أتلمس مشهدا مكثفا، يكاد يختصر الحياة كلها في لوح ذكي، يمرر إلى الأطفال الكثير من القيم و المعارف و الفنون و الجنون و نماذج الحرب و العنف في شكل ألعاب مسلية!!!  يا إلهي ؛ قلت مسلية؟ هل تغير شكل التسلية و / تكنيكها/ ؟ لا أحتاج للإجابة بنعم أو لا، كنت أتساءل لأخفف الأمر وأهونه.. لا يمكن أن نبقى تحت تأثير الصدمة تماثيل جامدة فاغرة أفواهها.. علينا أن نصنع شيئا ذي فائدة في مكان ما، في زاوية ما، في وقت ما، لا بأس إن كنا لا نملك زمام صناعة التقنية، ولا تطويرها و لا الإتيان بما يحيلها إلى الماضي، لكننا نستطيع أن نساهم في وضع محتواها.. أطفالنا يستحقون أن يعيشوا هذه الأسطورة الجميلة، ذات المحتوى، ذات القيم الكثيرة، وذات المعرفة التي لابد أن يتحسسوا ضرورتها كمرافق دائم لهم وهم يتحركون و يكبرون و يعيشون. بدأت  فكرة النص تومض شيئا فشيئا في خاطري، حتى تجسدت على الورق أخيرا.

لم يحن الوقت بعد لتقييم تجربتي في الكتابة

*تجربتك في كتابة النصوص المسرحية فتية، كيف تقيّمينها؟
- أولا، نحن لا نمنح الزهرة اسم زهرة متفتحة، حتى يكتمل تفتحها، لذا لا يمكن أن أقيم تجربتي في الكتابة المسرحية؛ لأنه لم يحن الوقت بعد، لا نستطيع تقييم الأشياء و الأمور في بداياتها، يمكن أن نطلق أحكاما انطباعية، بأن هذه التجربة مثلا بدأت مميزة، أو لافتة، ونذهب للتنبؤ لها بالكثير، كل تجربة تحتاج وقتا حتى تنضج، و أنا أؤمن كثيرا بمسألة الوقت و الهدوء لنضج التجارب، كما الأفكار و العلاقات و الثمار و الطعام .
*هل سهلت مهنة الصحافة عليك مهمة كتابة النصوص المسرحية ؟
- العمل في الصحافة منحني الكثير، على مستويات عدة، و لكن ما كان لي أن أخطو خطواتي الواضحة في مجال الكتابة الأدبية، لو لم أكن في الأساس شاعرة، ربما كان الشعر هو الجسر الذي أحالني إلى ضفة الكتابة المسرحية، طبعا خلال عملي كصحافية، تعاملت كثيرا مع المسرح و قضاياه و تابعت عروضا كثيرة للكبار و الصغار، كانت لي مشاركات عديدة في تظاهرات و فعاليات ثقافية و فنية اقتربت فيها من الفنون و أهلها، و تكونت لدي فكرة عن الفروق الكثيرة بين ماهية الأشياء و واقعها.. سحرني المسرح الذي في مخيلتي، و بتشجيع من زوجي الذي رأى أني أستطيع الكتابة لهذا المسرح، خضت التجربة، و وجدتني أحقق متعة لطالما بحثت عنها على المستوى الذاتي، قبل أن أصل إلى مستوى استحضار الآخر / القارئ/ و / الجمهور/ في ذهني و أنا أكتب و أتورط أكثر حتى وجدتني أكتب نصوصا للكبار و للصغار حصلت على إعجاب من اطلعوا عليها .

المتعة لا تعني التهريج

*حدثينا عن رأيك في الأعمال المسرحية الموجهة للأطفال ببلادنا و التي يرى الكثيرون أنها لم تخرج عن حيّز التهريج؟ و ما هي قراءتك لواقع مسرح الطفل عندنا؟
- تابعت عددا من العروض المسرحية الموجهة للطفل خلال عملي في الصحافة، و من خلال مشاركاتي في واحد من أهم المهرجانات في مسرح الطفل بعنابة، الذي تنظمه جمعية الشهاب للفنون الدرامية الناشطة في المجال، ومن خلال تظاهرات أخرى كالقراءة في احتفال و غيرها، و ما لمسته بشكل عام في معظم هذه العروض هو تسطيح الأفكار، تبسيط الأمور إلى درجة السذاجة، طغيان التهريج من جهة و التلقين الجاف من جهة ثانية، على أغلب الأعمال المقدمة للطفل. نحن لا نعرف كيف نضحك الطفل صراحة، هل يجب أن يلون المهرج وجهه بالكامل و يقفز و ينط هنا و هناك، و يبذل كل ذلك الجهد لكي يضحك الطفل؟ و بعد؟ ما الفائدة، ماذا حققنا من أهداف و غاية؟ هل وصلنا إلى تثقيف الطفل و توعيته، و تلقينه معلومة، و إمتاعه؟ هل المتعة تعني التهريج بالضرورة؟ طبعا لا.. يمكن أن نحقق هذه المتعة بتقديم عرض مسرحي يؤسس للفرجة، الدهشة و المعرفة داخل الفن.. الأطفال فنانون صغار، فلماذا نفكر دوما أنهم قد لا يفهمون فنلجأ للتبسيط و/ مراعاة /سنهم، مراعاة السن ضروري، من باب تحديد الفئة التي نكتب لها، و مراعاة خصائص تلك الفئة معرفيا، عقليا، و نفسيا أثناء الكتابة، و ليس من باب التسليم بضرورة تضييق الأفق أمام الطفل و منحه جرعات من الملل والسطحية و السذاجة في عرض يسمى ظلما عرضا مسرحيا. أما قراءتي لواقع مسرح الطفل في الجزائر، فأظن أنه يحتاج إلى دراسة معمقة و مؤسسة، يخضع فيها هذا الواقع للنقد و يتم تناوله بطريقة علمية منهجية نثق في نتائجها و أحكامها.

المسابقات الأدبية أشبه بالطومبولا

*ما رأيك في مسابقات كتابة النصوص المسرحية التي تبادر إليها بعض الجهات الثقافية في السنوات الأخيرة و هل هي كفيلة برفع مستوى التأليف؟
-الجوائز الأدبية و تلك المهتمة بكتابة النصوص المسرحية لا هي خير و لا هي شر على الإبداع بالمطلق.. لكل جائزة أهدافها و سمعتها و لجنة تحكيمها.. لذلك فإني أرى أن ظاهرة الجوائز الأدبية في الجزائر و في الوطن العربي لها أسباب و دوافع متباينة، منها التي تدعم الإبداع و تؤكده و تقف وراء المبدع، تمنحه الدعم المادي و المعنوي و تنشر أعماله و توزعها و تكرس اسمه في تظاهرات مهمة، و منها التي تظهر هكذا لتنشر كل موسم من مواسمها قوائم اسمية للفائزين بها و يتوقف الأمر هنا..الإبداع يحتاج أن يصل إلى المتلقي و خير الجوائز تلك التي فهمت هذا الأمر فهما صحيحا.. أي حققت هذا الشرط لتضمن سمعة و نجاحا.
في الجزائر، ما نحتاجه فعلا، هو الجوائز الجادة بلجان تحكيم متخصصة و نزيهة، و مشاريع منح كتابة للمبدعين. مع مشروع أكثر أهمية و ضرورة أعتبره الأهم على الإطلاق، هو مشروع» عدم تشجيع الرداءة « بأي شكل من الأشكال، و هنا قد يعود إلى قارئه ذلك المبدع الذي اختار مرغما الانزواء بعيدا، يطيّر حمامات إبداعه في سماء غرفته أو مكتبه.
أظن أنه بجائزة أو بغير جائزة؛ الوضع هو نفسه بالنسبة للمبدع في الجزائر و في الوطن العربي، مع استثناء بعض الجوائز المحترمة التي لا تتوقف عند حدود إعلان أسماء الفائزين بها، و لكنها تواصل دورة حياة تعطيها السمعة الجيدة و تجعلها فعالة ذات أهداف إبداعية حقة، و ذلك بنشر الأعمال الفائزة و توزيعها لتصل إلى القراء، و لتضمن لفائزيها تحقيق القيمة المعنوية كاملة، و إلا فما نفع هذا الكم الكبير من الجوائز التي لا تواصل عملها ولا تصيب أهدافا بعيدة المدى و كأنها مسابقات طومبولا. بالمختصر؛ المسابقات الجادة و المحترمة، توصل النص الجيد للمهتمين به. و المهتمون هم قراء الأدب و جمهور المسرح و السينما و غيرهم من متذوقي الفن في المنتجات الفنية.
حاورتها مريم بحشاشي

الرجوع إلى الأعلى