حكايات الجدات ذاكرة الأمة و على المجتمع الاهتمام بروايتها للأطفال
يرى الحكواتي صديق ماحي، ابن مدينة سيدي بلعباس، أن حكايات الأطفال المتوارثة عن الأجداد هي بمثابة ذاكرة الأمة، كما تأسف لعدم الاهتمام بالحكاية و الأسطورة في الوقت الحالي، داعيا الأولياء إلى روايتها للأطفال لأنها تساعد في تنمية قدراتهم الفكرية.
الروائي المعروف بقوال العصر الحديث ،يعتبر من بين الفنانين البارزين في رواية القصة و الأسطورة داخل و خارج الوطن، بدأ مسيرته منذ 25 سنة ،بالمسرح في زمن كاتب ياسين الذي كان يشرف على مسرح سيدي بلعباس، و تتلمذ على يد عبد القادر علولة، عبد الرحمان كاكي و عزالدين مجوبي، لينعزل بعدها عن المسرح خلال فترة العشرية السوداء، قبل أن يجد نفسه يروي الحكايات لأصدقائه بطريقة عفوية داخل الحي الذي يسكن فيه، بتشجيع من أحد الأصدقاء الذي انتبه لموهبته و نصحه بتطوير هذا الفن، ليقتحم بعدها عالم البراءة و يصبح من بين الحكواتيين المعروفين في العالم. 

              
النصر:كيف كانت تجربتك في تنشيط الحصص الإذاعية لبرامج الحكاية في فرنسا و في الجزائر؟

صديق ماحي: قمت بتجربة كبيرة مع راديو "غزال" في فرنسا منذ حوالي 04 سنوات، و هي قناة إذاعية 99 بالمائة من برامجها موجهة للجالية المغاربية، قمت بتنشيط حصة كل يوم أربعاء عن طريق "سكايب" أحكي فيها "واش قالت ناس زمان"، و كان يتابعها جمهور كبير من المستمعين ابتداء من الساعة الثالثة إلى غاية الخامسة مساء، وأحيانا يتم تمديد البرنامج إلى غاية السابعة مساء، بطلب من المستمعين، أسرد فيها حكايات و كان المستمعين يتصلون عن طريق الهاتف لإبداء آرائهم و المشاركة في البرنامج.

. يعني كان الطلب كبيرا على هذا البرنامج؟

ـ نعم بالطبع ،و يتضح ذلك من خلال الاتصالات التي كنت أتلقاها خلال بث البرنامج، حيث كان المتصلون من مغاربة، جزائريين، و تونسيين يشاركون في العديد من الأحيان برواية قصص عن الأمهات و الجدات، حسب اللهجات، و المناطق،حيث كان البرنامج بمثابة منبر للجالية المغاربية ككل. و بحكم شخصية الجوال التي كنت أتميز بها كنت في كل مرة أنشط الحصة من مكان معين سواء في المهجر، أو في أي ولاية من الجزائر عن طريق "السكايب"، و كان المتصلون يسألون في كل مرة عن أحوال و عادات كل منطقة أتواجد بها لحظة تنشيطي للبرنامج، وهو ما جعل الجالية في تواصل دائم من خلال الحصة، لكن أريد أن أوضح أن مجتمع اليوم لا يهتم بالحكاية ،و ذلك خطأ في حق الأطفال ،لأن حكاية الجدات تعبر عن ذاكرة الأمة.

.على ذكر الجالية ، بأي لغة كنت تلقي الحكايات؟

ـ روايتي للقصة في المهجر كانت متعددة اللغات، حيث أعيد كل مقطع ألقيه بالعربية إلى ما يقابله باللغة الفرنسية في نفس الوقت، مع الحفاظ على الريتم المتبع في الرواية باللغتين، و كان الكل يفهم معنى القصة بهذه الطريقة من خلال الترجمة الذاتية للمتتبعين.

.و ماذا عن تجربتك في الجزائر؟

ـ في الجزائر خضت تجربة مع التلفزيون الجزائري ، كنت أنشط فيها حصة جميلة جدا من محطة وهران طيلة سنتين، لكن هذه الحصة لم يكتب لها الاستمرار لأسباب خاصة بالتلفزيون، البرنامج كان يتابعه جمهور واسع.

. تحدثت عن إجراء بحوث عن الحكايات القديمة في التراث الجزائري أين وصل المشروع ؟

ـ البحوث أجريت في منطقة الأهقار، و قمت بإعادة كتابة أسطورة شعبية اختفت من الذاكرة، قدمتها في شكل حكاية في العديد من دول العالم، و هي متعلقة بأحد الأنواع من العصافير التي صادفتها في منطقة الأهقار. قال لي سكان المنطقة بأن هذا الطائر يبشر بالخير، فطلبت منهم سرد حكايته ،فلم أجد شخصا يعرفها ،نظرا لنسيان القصة و اختفائها من الذاكرة. بدأت عندئذ  في البحوث التي استغرقت وقتا طويلا. و تمكنت في النهاية من كتابة أسطورة الطائر الذي يسمى "ملة ملة"، و يتميز بلونه الأسود ،و وجود شعر أبيض على رأسه، و هو طائر يعتز به أهل المنطقة نظرا لاعتقاد الأجداد بأنه فأل خير.

. في ما يخص المحاولات التي قمت بها لإعادة بعث الحكاية في الأماكن العمومية، هل كانت هناك استجابة من طرف الجمهور؟

ـ كانت هناك العديد من التجارب مؤخرا بهذا الخصوص، مثلا بمناسبة تنظيم المسرح المحترف بالعاصمة، قدمت عرضا في الساحة الخارجية لمسرح عزالدين مجوبي، و هناك تجربة أخرى جميلة جدا و ناجحة بامتياز، قمت بها في مدينة عنابة،حيث تمت دعوتي في رمضان الفارط من قبل المسرح الجهوي، فقمت بتنشيط عرض في ساحة "الكور" بمدينة عنابة، و كان هناك تجاوب كبير من قبل الجمهور.

. ما هي أهمية المهرجانات الخاصة بالحكاية في انتعاش هذا الفن؟

ـ المهرجانات و اللقاءات مع الجماهير مهمة جدا، سواء داخل أو خارج الوطن، لأن دعوة الحكواتي أو ما يسمى "بالقوال" هو بمثابة رد اعتبار لهذا الفن، لأن هذا النوع لم تكن لديه مكانة معينة في مراحل مضت، كون المنظمين الحاليين و المهتمين بالمهرجانات، يعطون أهمية أكبر للمهرجين و أصحاب الألعاب السحرية و المسرح، و ذلك على حساب الحكاية و الحكواتي.

.ما هي مشاريعك المستقبلية؟


ـ خلال هذه السنة نحن بصدد التحضير لمشروع مشترك مع حكواتي آخر من دولة الكونغو . نقوم حاليا بجولات في العديد من البلدان لإحياء "ليالي الحكاية الإفريقية"، حيث ينشط صديقي عروضا يقدم فيها الحكايات التي سمعها في الصغر من أبيه في إفريقيا السمراء،و أنا أنشط عروضا موازية أقدم فيها حكايات خاصة، بمنطقة شمال إفريقيا، سمعتها عن المرحومة والدتي.كل ذلك يقدم في عرض واحد رفقة الحكواتي الإفريقي الذي جمعتني به اللغة الفرنسية، و تجدر الإشارة إلى  أن العرض المشترك قدم في مدينة بجاية ،بمناسبة مهرجان المسرح العالمي. كما تم عرضه في عدة مدن فرنسية،و قمنا بجولة في دولة الكونغو،رفقة الحكواتي الإفريقي جوروس مابييلا، و حاليا نحن بصدد تنظيم جولة فنية في لبنان، إضافة إلى المغرب و تونس، و دول أخرى للتعريف أكثر بالحكاية و المحافظة على هذا الفن.  

حاوره: خالد ضرباني

الرجوع إلى الأعلى