الصحفي يسعد يروي فصولا من حياة الأقدام السوداء بوهران  
غاص الصحفي الكاتب يسعد رقيق خليل، عبر مؤلفه الثاني في أعماق المجتمع الوهراني خلال سنوات الخمسينيات وبداية الستينيات، عن طريق رواية بوليسية فتح من خلالها المجال للقارئ للتموقع في الأحداث التي تتضمنها، و بذلك يعطي للقارئ فسحة حرية، مثلما خص بها نفسه أثناء الكتابة.
عبر 155 صفحة في ثاني مؤلف له، يعود الصحفي الكاتب يسعد رقيق خليل، ليستقرئ جوانب من تاريخ الجهة الغربية و يسلط الضوء على نقاط الظل في هذا المسار التاريخي، الذي قال بشأنه أنه يجب الكشف عن الحقائق لتصويبه، و كتابة التاريخ بمعطيات صحيحة لا يزال بعض صناعها على قيد الحياة، و رغم حالته الصحية بعد أن تعب قلبه،  فإنه لا يزال ينبض بفعل الكتابة التي تقاعد منها كإعلامي و يواصلها ككاتب، حيث أنهى خليل كتابة مؤلفه في أوت 2016 و صدر مؤخرا عن دار الأديب بوهران.
 كان الكاتب يتمنى أن يصدر نسخة أخرى في فرنسا،  لتكون في متناول المؤرخين المهتمين بتاريخ الجزائر للتصدي لمحرفي التاريخ، فقد فضل أن يمزج في مؤلفه بين الأسلوب الصحفي الخبري و الأسلوب الروائي البوليسي، ليضفي منسوبا معتبرا من الحقيقة على الأحداث التي تناولها، والتي تنقل فيها من حكواتي «الطحطاحة» بقلب المدينة الجديدة ، إلى المطاردات البوليسية وجرائم المنظمة المسلحة السرية الفرنسية التي شارك فيها العديد من الأقدام السوداء و اليهود أساسا، هؤلاء الذين عاد بخصوصهم من الفترة الأولى إلى غاية تضامن سكان وهران معهم، جراء سقوط تدابير مرسوم «كريميو» عنهم في بداية الٍأربعينات وعزلهم وقطع المؤونة عنهم من طرف الفرنسيين، ولولا سكان وهران الذين أطعموهم من جوع وأمنوهم من خوف، لقتلتهم قوات الاستعمار، إلى غاية خيانتهم بالتحاقهم بالمنظمة المسلحة السرية الفرنسية، و ارتكابهم جرائم ضد الجزائريين.
وأوضح الكاتب خليل يسعد خلال زيارة النصر له في بيته للإطمئنان على صحته، أنه استجمع قواه خلال الفترة الأخيرة وتحدى مرض القلب، لكي ينهي الرواية، لتكون مرجعا ربما لمؤرخين متخصصين في كتابة تاريخ الثورة ، للإستلهام منها في أعمالهم، لأنها حقائق عاش هو شخصيا جزءا منها، واستسقى عن الباقي من أفواه صانعيها.
و أضاف أنه ركز على الفترة التي بدأ الإستعمار الفرنسي يتقهقر فيها ، مما انجر عنه تقهقر الأقدام السوداء أيضا، الذين انتابهم الخوف الشديد، جراء الحديث عن إستقلال الجزائر الذي يضر بمصالحهم ومنافعهم فيها، خاصة المنحدرين من أصول إسبانية الذين سكنوا وهران على مدار قرون، حيث قدموا إثر الاحتلال الإسباني الأول 1509 إلى 1708 ، ثم الحملة الاستعمارية التي دامت من 1732 لغاية 1791، وهو تاريخ طردهم من طرف الباي محمد بن عثمان الكبير.
ولم يلبثوا أن عادوا إلى وهران سنة 1880 ، وفق الكاتب الذي استرسل في سرد الأحداث التاريخية المتعلقة بتواجد هؤلاء الإسبان بوهران، ثم تحولوا إلى معمرين وأقدام سوداء، مشيرا إلى أنهم لجأوا إلى سياسة الأرض المحروقة،  للتأثير على باريس خلال مفاوضات إيفيان، رغم الضمانات التي تحدث عنها ممثلو جبهة التحرير الوطني آنذاك، بأن يبقوا في الجزائر و يواصلوا حياتهم بشكل عادي، لكنهم لم يقتنعوا بسبب شعورهم بإهمالهم من طرف الفرنسيين، مبرزا أنه بالنظر لإلتحاق حوالي 98 بالمئة من الأقدام السوداء بالمنظمة المسلحة السرية الفرنسية، تطفو إلى سطح أحداث الرواية، جوانب من عمل المخابرات و الاستعلامات العامة و البوليس، وكذا وضعية «القياد» الذين كانوا بدورهم يتساءلون عن وضعيتهم في حال استقلال الجزائر.
و استذكر الصحفي خليل بعض ذكريات طفولته من خلال قصة الحكواتي «بارودي» الذي كان يجمع الناس بساحة «الطحطاحة» بالمدينة الجديدة، ويروي لهم قصصا وحكايات تبدو أسطورية، لكنها تعكس وقائع استعمارية وحقائق تاريخية عن وهران، وذات أحد كان متوجها كالعادة للساحة، لكن لم يرو قصته، بل سجل اسمه في سجل الشهداء بعد أن اغتالته أيادي المستعمر بتهمة التحريض.
ولم ينس الكاتب نوستالجيا المدينة فكل شبر فيها يؤرخ لشيء ما، فقام بمسح لشوارع وهران بحاناتها و أحيائها والأسماء التي كانت تطلق عليها قديما، و قاده الحس الانتمائي لمحادثة الجدران والفدائيين والفنانين الذين لا يزالوا يحملون شهادات حول تلك الفترة.
للعلم، فقد زاول الصحفي يسعد رقيق خليل مهنة الكتابة الإعلامية، على مدار عشرات السنين منذ عهد الأحادية إلى غاية التعددية، وكان متابعا للأحداث الأمنية خلال فترة التسعينات، حين تحدى الإرهاب بتنقلاته بين الولايات الغربية، للوقوف على جرائم الإرهاب، ليواصل مهنته إلى غاية السنة الماضية، حين تقاعد من الكتابة الإعلامية ليتحول إلى الكتابة الروائية، و له مؤلفين الأول «ألبرتين» سنة 2015، والثاني «سبيل المشنوقين» هذا العام.
بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى