سأصدر 18 مجلدا و معرض افتراضي لإبداعاتي قريبا
شعاره في الحياة «أنا أبدع أنا موجود»، فهو لا يعترف بتأثير عامل السن على تطويع الضوء لسلطة الألوان و ملاحقة فراشات الكلمات في زوايا سيرتا البهية.. عشقه اللامتناهي الذي يتماهى مع الطفل الذي لا يكبر فيه و رعشة صوته و دهشة نظراته المسافرة دوما عبر الزمن، فمن لا يعرف عمار علالوش؟! الرجل الطاعن في الحلم، الفنان و المدرسة التشكيلية المتجذرة في قلب قسنطينة و رمزها الممتد الذي عانق معارضها و كافة احتفالاتها و مناسباتها على مدار أكثر من نصف قرن، و هاهو اليوم يعدها بإصدار 18 مجلدا من بنات أفكاره و محطات مساره بدأ يكتبها في الستينيات.
إبداعه أخطبوطي يمد أذرعه بين اللوحات و المنحوتات و القصائد و السير الذاتية و المحاضرات و الشهادات التاريخية و الفنية و الفكرية و قصص الإبداع الذي لا ينضب، و قد يمتد إليك أنت الذي قد تطرح عليه سؤالا ، فيرد على كل الأسئلة حتى التي لم تفكر في طرحها، فهو نهر جارف سخي من الأفكار و الأحاديث و الألوان، قد تغرق بينها إذا لم تحسن السباحة..
أن تلتقي علالوش يعني أنك ستسمع عن مئات المشاريع، فسنوات عمره التي قفزت فوق حاجز الثمانين لم تهزمه، بل ألبسته إكليل الغار، و المجد كل المجد للشباب الذي أقسم ألا ينزعه عن جدار القلب و الروح، قال لنا بأنه يكره التسرع و يجسد كل مشاريعه بخطى بطيئة، لكن واثقة و ثابتة، مقتديا بتجارب من سبقوه، فكل من تسرعوا ، حسبه ، في نشر مؤلفاتهم، و كتبوا من أجل الكتابة ندموا و لم ينجحوا في تحقيق أهدافهم.
بدأت الرسم بالكلمات بالموازاة مع الألوان
 شدد مسؤول اتحاد الفنانين التشكيليين الجزائريين، في حديثه للنصر، بأنه يطمح أن يثري المكتبة الجزائرية بمؤلفات لها وزن و قوة، تفيد و توجه من يقرأها و تجعله يجني ثمار جهوده، مشيرا إلى أن 18مجلدا جاهزا للنشر، على غرار كتاب «من فن الطاسيلي إلى الفن المعاصر»،  مشيرا إلى أنه بصدد البحث عن جهة مناسبة لتتكفل بنشرها، و يرجح أنها ستكون وزارة الثقافة، معلقا «بعض دور النشر التي اتصلت بها تركز على الجانب التجاري فقط، لذا أعتمد كثيرا على وزارة الثقافة، لدي حق و لها حق، لنتعامل معا من أجل تجسيد المشاريع الفنية».
التكنولوجيا جعلت الإنسان المعاصر يتراجع فكريا
و أكد من جهة أخرى بأن التكنولوجيا أثرت كثيرا على مجرى الحياة المعاصرة و جعلت الإنسان يتراجع فكريا بشكل مخيف، و يفقد الكثير من القدرات و القيم الجميلة، كالقدرة على الحب و الصداقة و التعاون و التضامن، و بالتالي يفشل في العديد من الأمور، و يرى علالوش بأن الفن في صراع مع التكنولوجيا التي غيرت إشكاليات الفن و أبعاده، لأنها تحقق عنصر السرعة، مؤكدا بأنه ضد الفن السريع الذي لا يغير الواقع، و الذي لا يدرج في إطار تربوي ، للارتقاء بالذوق و السمو بالأحاسيس و الأفكار و توسيع الآفاق المعرفية.
و ذكر سؤالا قديما ، قال بأنه يتجدد باستمرار «ماذا لو يأتي فنان جزائري أو مغاربي و يقول لنا لقد كرهت النمط الأوروبي و الغربي عموما، ما هو البديل الذي بإمكانكم أن تمنحوني؟»
الرد ، حسبه، يجب أن يكون كالتالي «أيها الفنان لا تقطع الحبل السري الذي يربطك بمحيطك الفني الأم، و لا تعتقد بأن الفن سهل و وسيلة للربح السريع ، كأن تضع الذهب فوق النفايات لتلمع، فالفن الحقيقي له وزن و عمق و قيمة و فلسفة، و يتطلب التكفل به و إعادته إلى الساحة، و كذا دراسة تفاصيله و آفاقه و أبعاده، بطريقة استشرافية».
الهوة تتسع بين الفن والتربية
و يرى الفنان التشكيلي الذي يتعاون مع شبكة للفنون التشكيلية في جامعة السوربون، بأن هناك هوة تتسع بين الفن و التربية ببلادنا، نجمت عنها أزمة هوية عند الطفل و مشاكل تربوية عديدة تجعلنا نتساءل «هذا الجيل إلى أين؟!»، و «ماذا يمكننا أن نفعل لنقنعه بحمل المشعل بعدنا؟!»، و كل الردود تصب في نفس الفكرة و هي ضرورة تقريب، و لما لا دمج الفن في التربية و التعليم منذ الصغر، لصقل المواهب و استثمارها مبكرا.
و عندما سألناه إذا كانت هناك حقا مدرسة جزائرية للفنون التشكيلية، على غرار المدارس العالمية المعروفة، و هل يوجد لدينا سوق للفن ،  رد محدثنا بأنه و قبل أن نطلق على مدرسة فنية بأنها مدرسة جزائرية، يجب أن يكون لها بعد عالمي، و يؤسسها بالعمل و الجدية، فنانون و ليس الدولة، و نفى وجود سوق للفن التشكيلي حاليا ببلادنا، و لا يمكن  لغير التشكيليين أن يؤسسوا أو يفتحوا سوقا، فمكة أدرى بشعابها .
و أضاف بأن هناك معايير لا بد من توفرها لنطلق على شخص ما صفة فنان حقيقي و هي الفكر ، العمل الجدية و الرصانة و الأحلام، ثم الموهبة، كما يجب أن يفكر في وطنه و ما يمكنه أن يقدمه له ، و يتخذ مواقف لدعم زملائه و الارتقاء بمجاله، خاصة و أن هناك قانونا للفنان ببلادنا، يحميه ليعيش بكرامة و لا تضيع حقوقه، مع ضرورة تعاون الفنانين مع بعضهم و تفكيرهم معا ، من أجل تغيير واقعهم و ظروفهم إلى الأفضل، و وجه الرسالة التالية إلى المواطنين و خاصة زملاءه في الاحتراق فنا «كفانا من الكذب و التزييف و الطمع و الصراعات، فلنعمل و نبدع و نطور قدراتنا و بلادنا و نحمي مساحتها الترابية و الإنسانية، الجزائر يجب أن تتغير و لا نبقى في خندق و ننظر إلى بعضنا البعض، و نقول الجزائر «راحت»، فهي لا تزال قوية و صامدة برجالها».
فضاء مفتوح للتشكيليين بقلب قسنطينة
و أعرب علالوش عن افتخاره باتحاد الفنانين التشكيليين الجزائريين الذي أسسه بقسنطينة و يترأسه، لأنه يقوم بجهود كبيرة للتغيير ،  كما توجه بالشكر إلى الفريق الذي يسير حاليا بلدية قسنطينة ، لأنه جاء بنظرة جديدة و قرر أيضا رفع شعار التغيير في الاتجاه الإيجابي، مشيرا إلى أن مسعى فناني الولاية الذي وُجه لسنوات طويلة بالرفض أو المماطلة، توج أخيرا بالموافقة على يد هذا الفريق، و يتمثل في الحصول هذا العام على فضاء استراتيجي مفتوح و دائم، لعرض إبداعاتهم و بيعها و تبادل الخبرات و التجارب مع الاتحاد الدولي للفنانين التشكيليين، و يوجد الفضاء الفني بساحة كريكري وسط المدينة، و هو الآن في طور الأشغال و التهيئة، كما قال .
و يدعو المتحدث جميع التشكيليين للاتحاد و التعاون و التكامل و تجاوز الخلافات و الصراعات الشخصية، من أجل الارتقاء بالإبداع و تحديد معالمه و أهدافه و مواكبة موجة التغيير التي يشهدها العالم، مضيفا بأن اللوحة التشكيلية تجسيد للجمال قبل كل شيء، لهذا يشجع الفنان على استعمال أي تقنية يشاء، إذا كانت تعبر عن أفكاره و أحاسيسه ،  و تابع بأنه ليس ضد الفن أو الرسم التصويري، لكن قبل أن يقول الفنان بأنه مع موجة الفن المعاصر الجديد ، لا بد أن يتقبل التغيير و يواكبه و يكون هو أيضا جديدا و متجددا بإبداعاته و قناعاته، و يرفض الركود في قالب فكري و إبداعي واحد .   
عندما يبكي التاريخ والآثار..
و يرى التشكيلي بأن الهوية الوطنية مرتبطة بحماية التاريخ بكل ما يضمه من معالم و آثار و كهوف و مغارات و رسوم و نقوشات في الطاسيلي و غيرها، مؤكدا بأنها ليست مرتبطة بالعروبة أو الأمازيغية، و بإمكاننا، حسبه، أن  نتحدث بالدارجة التي يفهمها الجميع، لنضمن الوحدة و الخير و السعادة، على حد تعبيره.
و دعا من جهة أخرى إلى تكريس الجوانب الإيجابية و الجيدة في تاريخنا و الاستناد إليها، و عدم الالتفات إلى الجوانب السلبية و «الهدامة»، التي قد تضر ببلادنا، لنحقق  الوحدة الوطنية و الاستقرار و التطور و الازدهار.
و عن رأيه في قسنطينة اليوم، قال علالوش بأن تاريخها و آثارها تبكي، و لابد من الاهتمام أكثر بها و جمعها و صيانتها قبل أن تندثر، و إحياء فنونها و تراثها العريق و تكريس كل الجهود لإنعاش السياحة بها، و قبل كل ذلك لابد من تخليص المدينة العريقة من أكوام النفايات التي تحاصرها و تشوه جمالياتها النادرة، كما أكد، و دعا من جهة أخرى إلى الإسراع في ركوب موجة التغيير العمراني، لأن أراضي ولاية قسنطينة تتقلص، حسبه، نظرا للإصرار على  تبني الشكل الأفقي في العمران، بدل العمودي الذي يوفر المساحات و يتيح الفرص لاستغلالها في مجالات أخرى.
و عن مشاريعه قال الفنان بأنه ينتظر بفارغ الصبر تدشين فضاء التشكيليين بساحة كريكري بقسنطينة ، و يعتبر أكبر مشروع لديه مع المتحف العمومي الوطني سيرتا، حيث اتفق مع مديرته آمال سلطاني، على تخصيص معرض افتراضي للأعمال التي جسدها طيلة نصف قرن من عمره الإبداعي، سواء الفنية التشكيلية أو المكتوبة، و ذلك بأحد أجنحة المتحف، و يمكن القيام بزيارات افتراضية للمعرض  من مختلف أنحاء العالم.
و مشروعه الثاني عبارة عن معرض لأعماله بتونس، إلى جانب المشاركة في ملتقى بتونس أيضا، و تقديم محاضرة حول اقتصاد الثقافة في المغرب العربي، و تبقى قائمة مشاريعه طويلة ، كما أكد لنا متحديا تقدمه في العمر بالتقدم في الحلم و الطموح، و ختم الباحث في الفن التشكيلي حواره مع النصر، بقوله بأن العمر ليس له معنى و لا دور في حياتنا، سوى أنه يتيح لنا المجال للعمل و الإبداع، و معلنا تشبعه بفلسفة الألماني نيتشه .
إلهام طالب

الرجوع إلى الأعلى