الأدب الجزائري يعاني من استصغار الذات و معاملة الكاتب كمتبرع
أجمع، مساء أمس الأول، كتاب و نقاد في ندوة أحاديث العشيات، المقامة ببلدية أولاد دحمان بولاية برج بوعريريج، على أن ما يقدمه الكتاب الجزائريون تجاوز في جانبه الإبداعي ما يكتب عربيا و مشارقيا، مستدلين بما يحظى به الكاتب و الأدب الجزائري من اهتمام في الخارج و في الدول العربية بصفة عامة، في حين يبقى الكاتب مهمشا في بلده سواء من قبل المجموعة الوطنية الفاعلة، و حتى من قبل الكتاب في حد ذاتهم و فيما بينهم.
و أبدى السيناريست والقاص عيسى شريط تذمره، من محاولة استغلال الكاتب في الملتقيات و الندوات الأدبية و الفكرية و الثقافية، و حتى في الدورات التكوينية، أين توجه الدعوات للكتاب، دون أن يحظى جهدهم بمقابل مادي، ما اعتبره تعاملا مجحفا في حق الكاتب الذي يتعب ليقدم أعمالا في المستوى و كتابات تليق بالقارئ، لكنه يجد نفسه مهددا بالإفلاس لعدم تقدير عمله ماديا و التعامل معه كمتبرع في كل وقت ، في حين توجه الأموال إلى أشخاص لا يستحقونها، مجددا تأكيده على أنه لن يشارك مستقبلا في أي ندوة فكرية أو دورة تكوينية إلا بعد الحصول على ضمانات بمنحه  المقابل المادي عن جهده الفكري و عما يقدمه من كتابات و أفكار تعب لأجلها ، خاتما بالقول أن فعل الكتابة و الأدب لا يعول عليه في العيش بالجزائر ، بل لا بد للكاتب أن يبحث عن مصادر استرزاق أخرى عكس ما يجري في البلدان المتحضرة التي تعترف بالجهد الفكري و العلمي .
 من جانبه تساءل الكاتب عبد القادر رابحي عن سر عقدة القارئ و الكاتب الجزائري تجاه كل ما هو محلي ، منبها إلى تقبل ما يكتب في الخارج مهما كانت قيمته الابداعية و الفكرية و الجمالية، في حين يستهان كما أضاف بتجارب جزائرية في الكتابة الأدبية ، أثبتت حضورها عالميا و تفوقت على ما يقدم مشارقيا و بالدول العربية، لكنها تبقى تعاني من عقدة الاستصغار و نكران الذات وطنيا، حتى بين الكتاب في حد ذاتهم .
و انتقد الأستاذ و الناقد بغورة الصديق، في حديثه عن تجربة عيسى شريط في كتابة السيناريو للأعمال التلفزيونية، ما يقدم حاليا و بالأخص خلال شهر رمضان من أعمال تلفزيونية، مبديا حالة من الاستهجان و الحيرة، لما قدم من أعمال بلغة ركيكة و منحصرة في حيز جغرافي ضيق، كما أنها تفتقد كما قال للجانب الإبداعي و جماليات النص، مستدلا بتقديم عمل تلفزيوني بلغة يحاول من خلالها كاتب السيناريو و مقدم العمل، تكسير اللغة العربية بلهجة هجينة و ممزوجة بكلمات فرنسية، في جميع الحلقات ما يعطي الانطباع أن الهدف لم يعد منصبا على اقناع الجمهور و تحقيق رغباته بل هي محاولة مبيتة كما أضاف لإضعاف اللغة العربية البسيطة و المفهومة من قبل الجميع عن المشهد التلفزيوني والسينمائي.
 بلدية أولاد دحمان تتحول إلى قبلة و واجهة للأدب و الثقافة بالبرج
 تتنفس بلدية أولاد دحمان الواقعة بالمدخل الشمالي لولاية برج بوعريريج، أدبا و ثقافة و شعرا بحضور نخبة من الكتاب و النقاد و الأكاديميين، في تقليد أحاديث العشيات الذي بلغ طبعته التاسعة عشرة، حيث لا تزال هذه العشيات تصارع البقاء، رغم الإمكانيات المتواضعة، إلا أن كتابا و مثقفين من أبناء هذه البلدية،  على غرار الكاتب القاص عيسى بن محمود و الشاعرين جيلالي بن عبيدة و كريم لعيداني، حولوها إلى قبلة للشعراء والكتاب والأدباء من داخل الوطن و خارجها، و أصبحت بلدية أولاد دحمان قبلة و واجهة أدبية و ثقافية لولاية برج بوعريريج، حيث استقطبت في ندوتها الأخيرة، السيناريست و القاص عيسى شريط و الكاتب و الأكاديمي عبد القادر رابحي و الشاعرة عدالة عساسلة و الروائية ناهد بوخالفة و الشاعرة سلوى زارع، و الشاعر و الإعلامي بوبكر مخلوفي الذي استعاد مؤخرا نبض الكتابة الشعرية، بعد غياب طويل أرجعه إلى انشغاله بالكتابة الإعلامية و الصحفية و إلى عدم تقدير العمل الإبداعي و غياب الجو الملائم للإبداع، و طغيان الثقافة الاستهلاكية و المضامين السهلة على كتاب الجيل الحالي على حساب جمالية النص ورسالته وقوته الابداعية، وعكس ما كان عليه سنوات السبعينات و الثمانينات، أين كانت الجزائر تعيش فترة زهو ثقافي و أدبي و ابداعي، ومنافسة حادة بين الكتاب من مختلف التيارات و المشارب.
 و تداول خلال هذه الندوة العديد من الكتاب و الشعراء على قراءة مقاطع من أعمالهم على غرار الروائي المبتدئ لونيس بلال و الشاعر عريب عبد المطلب، كما ارتوى الجمهور الحاضر بالقاعة بتقديم قراءات شعرية وروائية و قصصية من قبل الحضور المدعويين على غرار الشاعرة عدالة عساسلة التي أضفت على الندوة نسائم ابداعية بنصوصها الجميلة و القائها المميز، كما كشفت الروائية ناهد بوخالفة عن مقطع من روايتها الجديدة (سيران و بحث عن رجل متفائل) التي تناولت فيها حالة امرأة مغلوب على أمرها تصطدم بصعوبة في توفير قوت أبنائها و تجد نفسها مورطة ببيع شرفها، مشيرة في ردها على أسئلة النقاد أنها تحاول أن تقدم في كتاباتها ما تراه في القارئ، دون أن تهمل ذاتيتها و محيطها لكنها قد تقسو في كتاباتها على المرأة في تقمص لرؤية القارئ و محاولة الإحاطة بالحالة المعالجة من جوانب وزوايا متنوعة.                            
ع/بوعبدالله

الرجوع إلى الأعلى