عائلات عالقة في مأزق شقق " أف 1"

تحوّلت فرحة الاستفادة من سكن اجتماعي بغرفة واحدة بعلي منجلي في قسنطينة، إلى مأساة مع  مرور السنوات ، بعد أن وجدت عائلات متعددة الأفراد نفسها داخل « أقفاص» لا تسمح بحد أدنى من شروط العيش ولا حتى بالتنفس ،  الوضع الذي أفرز حالات اجتماعية صعبة أصحابها في مأزق، كونهم استنفدوا حقهم في السكن الإجتماعي، حينما كانوا يشكلون عائلات صغيرة عام 2001 ، وهم اليوم غير قادرين على التسجيل في صيغ أخرى ، بسبب حالة الفقر التي يعيشونها.
تحقيق: حاتم بن كحول
 النصر وقفت على ظروف عيش جد قاسية   بالوحدة الجوارية 8 بالمجمع السكني 4 بعلي منجلي، أين تقع السكنات الاجتماعية ذات الغرفة الواحدة ، والتي رحل إليها  عرسان جدد   من الأكواخ القصديرية بحي نيويورك عام 2001،  أصبحوا اليوم يشكلون عائلات متعددة الأفراد.
    عند وصولنا بالقرب من مدخل البنايات التي ظهرت على عدد منها تشققات،  شاهدنا عددا كبيرا من الأطفال الصغار يلعبون وسط الأوساخ ومياه الصرف الصحي المنتشرة في المساحات المحاذية لها . حيث توجد حوالي 14 عمارة في كل واحدة منها 5 شقق ذات غرفة واحدة ،   ما يعادل   70 شقة أو بالأحرى «استوديو»  .
  قصدنا أول عمارة ،  وكان مدخلها غارقا في مياه الصرف الصحي، مع انتشار الروائح الكريهة، صعدنا إلى الطابق الأول   أين وجدنا بأن هناك  5 شقق في الطابق الواحد ،   وهو ما يفسر وجود الشقق ذات الغرفة الواحدة ، والتي تقع وسط  كل رواق ، طرقنا بابا بدا  متآكلا  ويسهل على أي شخص فتحه بمجرد دفعه بشيء من القوة، ، ولكن لم يفتح لنا أحد .
مطبخ يتحوّل إلى غرفة وحمام للطهي

واصلنا الصعود إلى الطابق الثاني ، أين لاحظنا أن عددا  كبيرا  من الزرابي لا تزال موضوعة  على الحاجز الحديدي للسلم،  رغم أننا كنا في منتصف اليوم تقريبا ، هذه المرة فتح لنا  صاحب الشقة ، و مباشرة بعد ولوجنا  إلى داخل المنزل ، تفاجأنا أن مسافة الرواق لا تتجاوز مترين، كما تجمع حولنا 4 أولاد إضافة إلى رب البيت ، والذي قال إنه سعيد  وحزين  في نفس الوقت ، سعيد لأننا سننقل معاناته عبر وسائل الإعلام لأول مرة، وحزين للظروف الصعبة التي يعيشها داخل هذا «القفص»، ولم يكن يصعب علينا أخذ نظرة شاملة عن كل زوايا المنزل في ظرف 10 ثواني نظرا لضيقه، حيث لم تكن مساحته تزيد عن 25 مترا مربعا، و أول ما شد انتباهنا تلك  الملابس المعلقة على مستوى إطارات الأبواب ،  حيث أكد لنا  الأب أنه اضطر للقيام ببعض التغييرات على الشقة ، ليس من أجل كسب الجمالية ، وإنما من أجل ربح مساحة إضافية، حيث اضطر لتحويل الحمام إلى مطبخ، فيما تم تخصيص المطبخ إلى غرفة صغيرة.
غرفة واحدة لكل الاستعمالات
الملاحظ أن مساحة المطبخ ضيقة جدا، وقد اكتفت العائلة بوضع جهاز الطبخ إضافة إلى «طابونة» ، وخزانة صغيرة معلقة   لتفادي احتلال الأواني لحيز من المكان  ، وقد اكتشفنا  على أن ما اعتقدنا أنه  مطبخ هو هو في الحقيقة عبارة عن حمام ، وذلك من خلال وجود قدر يحتوي على ماء ساخن،  قبل أن يؤكد لنا رب العائلة ذلك ، أما الغرفة المقابلة وهي الغرفة الوحيدة ، فكانت متعددة الخدمات ، حيث وضع بها   تلفاز و مكيف وثلاجة و  مدفأة ، إضافة إلى أفرشة مرمية   أرضا ، إضافة إلى سريرين وخزانة بها كتب و كراريس مدرسية ،  أما الغرفة الثانية فلا تتعدى مساحتها مترين ، وهي في الأصل مطبخ ، فقد وضع بها سرير صغير به عدد كبير من الأفرشة، وتقابله خزانة قديمة بها ملابس كل أفراد العائلة ، فيما لا يتوفر المكان على شرفات باستثناء نافذتين صغيرتين ،  وأدى ضيق المساحة إلى  وضع المدفأة بالقرب من مكان نوم الأطفال،  وهو ما يشكل تهديدا على حياتهم.
  عادل الذي يقطن  الشقة منذ 2001، عاد بالذاكرة لتلك الفترة   التي تزوج  فيها حديثا وكان يبلغ حينها 23 سنة،  قال إنه كان سعيدا ، جراء استفادته من سكن اجتماعي ، ليقطن  في شقة مستقلة مع زوجته  ، ولكنه لم يكن يتوقع أن تتحول تلك الفرحة في يوم من الأيام إلى حسرة  ، حيث حدثنا أنه وبعد مرور السنوات بدأ ينجب الأطفال، ليصل العدد إلى أربعة،  3 بنات في سن  11 و12  و18 سنة ، وابن عمره 16 سنة،  مشيرا أنه أصبح يعيش  ظروفا صعبة بسبب ضيق مسكنه.
يزوج ابنته في سن مبكرة لإخراجها من « الضيق»
 و أكد محدثنا  أنه سيضطر لتزويج ابنته في سن مبكرة، حيث قبل بأول عرض زواج وصله من أحد معارفه، وذلك بسبب الظروف التي تعيشها العائلة، وأضاف أنه بدأ يفكر في مكان إقامة الزفاف لأن منزله الضيق لا يمكن أن يستقبل الضيوف  ، وسيتحتم عليه كراء قاعة حفلات، رغم أن دخله الشهري محدود بحكم  أنه يعمل بناء عبر فترات متقطعة،  وأحيانا يدخل في  بطالة لعدة أشهر، وخاصة في فصل الشتاء.
وحول ما إذا طالب بتغيير مسكنه مقابل بيت واسع يكفيه وبقية أفراد عائلته، أكد المعني أنه وجه شكوى  إلى رئيس دائرة الخروب ، وتم تحويله إلى دائرة قسنطينة، ثم مديرية ديوان التسيير العقاري، والتي بدورها أكدت له أنه مستفيد ولا يمكن منحه مسكنا آخرا، وأضاف أنه يناشد والي قسنطينة من أجل التدخل لإيجاد حل لهذه القضية.
صالون وأثاث .. حلم الكثيرين

كما أكدت زوجة المتحدث أنها ملت من هذه الظروف التي جعلتها تتعرض لمرض نفسي، وأضافت أنها لم تسعد في حياتها، حيث حرمت من كل ما تتمناه أي امرأة، من أثاث منزلي وصالون تفتخر به أمام ضيوفها، حيث أصبحت تحرج كثيرا عند زيارة  الأقارب  لها ، كما تضطر للطبخ في ظروف صعبة ، وأنها لا تملك آلة غسيل، لعدم توفر المساحة ، فيما أوضحت أنها تضطر أيضا لتسخين المياه كلما أراد فرد من العائلة الاستحمام، لعدم وجود سخان للماء، خاصة وأن المنزل لا يحتوي على شرفة.
أما عند قدوم أحد الضيوف للمبيت عندهم، فأكدت أن أحد  الزوجين   يضطر لترك المنزل والمبيت عند أهله ، مضيفة أن أفراد عائلتها وعائلة زوجها أصبحوا لا يزورنهما لتفادي إحراجهما .
  بعمارة مجاورة، دخلنا شقة أخرى  بدا  الوضع  بها مختلفا وأكثر سوء  ،  لعدم قيام صاحبها بأي تغيير على مستوى الشقة،  حيث اكتفى بغرفة واحدة مع الحفاظ على المطبخ والحمام، فيما قسمت الغرفة الوحيدة إلى نصفين عن طريق جدار خشبي، النصف الأول خاص بالأبناء والثاني بالزوجين، وتحدثنا مع جمال صاحب البيت وأب لـ3 أبناء   مراهقين  أكبرهم بنت تبلغ من العمر 18 سنة ،  وهي مقبلة على اجتياز شهادة البكالوريا ،  بدا  المسكن  في حالة فوضى كبيرة،  وكانت الأفرشة ملقاة على الأرض ، حتى أنه لم يعد هناك أثر  لبلاط الأرضية، فيما كادت أن تخلو الغرفة من الأثاث.
وقال  جمال ، أن  أبناءه أصبحوا يعيشون معظم أوقاتهم في الشارع ،  لعدم توفر وسائل الراحة في البيت ، مما يجعلهم عرضة للآفات الاجتماعية، على غرار أبناء جل أصحاب السكنات الضيقة، وأضاف أن ابنته التي ستجتاز شهادة البكالوريا تضطر للمبيت في بيت جدها عندما يقترب موعد الامتحانات ، من أجل الدراسة ، لأنها لا تستطيع مراجعة دروسها في ظروف مشابهة، مضيفا أن أولاده رسبوا عدة مرات، كما هو الحال مع بقية أولاد الجيران نظرا للظروف التي يعيشونها .
عائلات تحدد النسل لمحدودية المساحة
 مواطن آخر قال إنه  اكتفى بإنجاب طفل  واحد فقط ، يبلغ حاليا 15 سنة ، مضيفا أنه يفضل عدم إنجاب الأطفال لأن مسكنه غير مناسب، وأوضح أن العديد من الجيران القاطنين في منازل تتوفر على غرفة واحدة قاموا بنفس الأمر بسبب السكن، فيما أخبرنا ساكن آخر وجدناه جالسا بقرب العمارة ،  أنه انفصل عن زوجته بسبب كثرة تذمرها من ضيق المسكن،  حيث يعيش 6 أفراد في غرفة واحدة ،  مشيرا أن امكانياته لم تسمح بإجراء تعديلات على الشقة.
وقال لنا جل القاطنين في هذه السكنات الضيقة  إنهم يعانون من أزمة مالية بسبب المدخول المتواضع لبعضهم وبسبب البطالة للبعض الآخر، وهو ما جعلهم لا يسددون ثمن الكراء  ، حيث أكد أحدهم أن ديوان الترقية يطالبه بدفع ما قيمته 21 مليون سنتيم، دفعة واحدة ، كما أضاف آخر أنه ملزم بدفع 12 مليون سنتيم، وهو لا يملك هذا المبلغ، وآخر  وصلت  ديونه    24 مليونا وهو مطالب بتسديدها على دفعتين، رغم أنه بطال.
 فيما قال البعض أنهم رفضوا تسديد قيمة الكراء لأن الديوان لا يقوم بعمليات الترميم و الصيانة،  و  جل السكنات مهملة وتعرضت للتآكل  وظهرت تشققات داخل الغرف و العمارات .

ديوان الترقية والتسيير العقاري
  «تغيير السكنات  من صلاحية الولاية»
أكدت المكلفة بالإعلام على مستوى مديرية ديوان الترقية والتسيير العقاري بقسنطينة، أن إجراء تحويل من سكنات ذات الغرفة الواحدة إلى أخرى أوسع ، ليس من صلاحيات  الديوان، الذي  يتحرك وفق طلب من  السلطات من خلال مراسلته عبر رئيس الدائرة، مضيفة أن أصحاب تلك السكنات يمكن لهم المقايضة ، فيما بينهم على أن يتم الاتفاق المادي بين المعنيين.
 وعن اقتحام بعض المساكن في الوحدتين الجواريتين 5 و7،    ردت المتحدثة  أن ذلك غير قانوني وسيخضع الفاعلين  للمساءلة القانونية ، على أن تكون التسوية  مقتصرة على المصالح الولائية .
أما بخصوص امتناع العديد من المستأجرين عن  دفع مستحقات  الكراء ، فقد أوضحت ذات المصدر  أنه تم  تكثيف عمليات التحسيس من أجل حث المستأجر على دفع ما عليه اتجاه  الديوان،  متطرقة إلى وجود     تسهيلات في السداد، مؤكدة أنه و بعد توجيه اعذارين  يتم اللجوء إلى القضاء للفصل.    ح/ب

الرجوع إلى الأعلى