يعاني مستفيدون من شاحنات وكالة دعم تشغيل الشباب «أونساج» والصندوق الوطني للتأمين عن البطالة «كناك» بقسنطينة، من ضعف نشاطهم التجاري منذ سنوات، ما جعلهم يعجزون عن تسديد الديون، و اضطر العديد منهم إلى اللجوء إلى نشاطات يتقاضون عنها أجورا زهيدة، فيما وصل الأمر بكثيرين إلى نقل جهاز العرائس و جثث الموتى، و هو ما ترصده النصر في هذا التحقيق.
تحقيق: حاتم بن كحول
وتوجهت النصر إلى أماكن ركن الناقلين الخواص ممن استفادوا من مشاريع في إطاري جهازي «أونساج» و «كناك»، وقد كانت البداية من المنطقة الصناعية «بالما» أين تركن العشرات من المركبات على حواف الأرصفة، والتي كان أصحابها يجلسون داخلها فاتحين الأبواب. هؤلاء الأشخاص الذين كان جلهم كهولا كانت رؤوسهم مطأطأة و قد بدت ملامح عدم الرضا على العديد منهم، كما أن ترقيم هذه الشاحنات يدل على أنها جديدة، لكن حالتها تُظهِر العكس.
اقتربنا من كهل كان يجلس داخل شاحنته، ففرح ظنا منه أننا أحد الزبائن الذين يطلبون خدمة توصيل، وقال مصطفى صاحب الـ 55 سنة، وهو رب عائلة تتكون من 5 أفراد، أنه استفاد من شاحنة «رونو ماستر» سنة 2014، بعد أن اشترِط عليه إبرام عقد مع أحد الشركات، و هو ما تم بالفعل.
«غلق الشركة التي كنت أتعامل معها وضعني في مأزق»
وأضاف مصطفى أنه قام بنقل مادة الخميرة مرة واحدة من قسنطينة إلى العاصمة، مقابل مبلغ 1.2 مليون سنتيم، و قد كانت هذه الرحلة الأولى والأخيرة بالنسبة له، مثلما قال، بعدما أغلقت الشركة، ليدخل منذ ذلك الحين في رحلة بحث عن عقد مع شركة أخرى دون أن يتمكن من ذلك، ما اضطره إلى ركن الشاحنة في المنطقة الصناعية «بالما» بحثا عن «كورسة».
وذكر محدثنا، أنه ظفر قبل أسابيع بعرض لنقل بضائع إلى ولاية بسكرة، مقابل مبلغ 12 ألف دينار، ولكن في رحلة العودة أتلِفت إحدى عجلات الشاحنة، بسبب الحمولة الزائدة، فاضطر لشراء عجلة جديدة مقابل 9000 دينار إضافة إلى تزويد الشاحنة بمادة «المازوت» مقابل 2000 دينار، ليعود إلى عائلته ومعه 1000 دينار فقط رغم أنه قطع أكثر من 500 كيلومتر، كما أخبرنا بمرارة أنه صار عاجزا عن تلبية طلبات ابنته من أجل شراء بعض الأغراض المدرسية.
أسبوعان للظفر بـ «كورسة» بألفي دينار
وقال الكهل، إن معظم الزبائن الذين يقصدونه وبقية زملائه، يطلبون منهم نقل جهاز العرائس، أو أغراض منزلية على غرار الثلاجات وغسالات الملابس أو أجهزة تلفاز، كما أنهم مقصد للمواطنين الذين يقومون بتغيير سكناتهم من خلال حمل كل المستلزمات دفعة واحدة، مضيفا أن الناقلين ينتظرون في بعض الأحيان مدة تتجاوز 15 يوما من أجل نقل بضاعة مقابل 2000 دج، و ذلك، مثلما قال، بعدما اعتقد بأن استفادته من مشروع «أونساج»، ستخرجه من حالته الاجتماعية الصعبة، لكنه وجد نفسه مدينا بمبلغ كبير.
وتحدث ناقل آخر، يدعى عاشور ويبلغ من العمر 47 سنة، أنه تحصل على شاحنته سنة 2012 في إطار جهاز «كناك»، مضيفا لم يسبق له الظفر بعقد مع شركة خاصة، حيث يكتفي بنقل البضائع أو الأغراض المنزلية للمواطنين، منذ قرابة 8 سنوات، و يقول عاشور الذي أخبرنا أنه أب لأربعة أطفال، بأنه لم يعد قادرا على توفير الضروريات اللازمة لعائلته.
شجارات يومية للظفر بالزبون
و ذكر محدثنا أن الشجارات تنشب بين الناقلين الذين يزيد عددهم عن 20 في المنطقة الصناعية «بالما»، و ذلك مباشرة بعد تقدم أي زبون باتجاههم، حيث يرغب كل واحد منهم في إغرائه وعرض أسعار منخفضة، وهو ما يزعج بقية زملائه، موضحا أن الجميع تحولوا إلى بطالين، إلى درجة أن بعضهم ينامون داخل الشاحنات.
توجهنا بعد ذلك إلى ناقل آخر، لم يكن حاله أفضل من سابقيه، حيث قال لنا رياض صاحب الـ 50 سنة، وهو جد متأثر، إنه استفاد من الشاحنة سنة 2010 في إطار جهاز «كناك» أيضا، و كان حينها يعمل مع الشركات بشكل عادي في إطار عقد يجمع بين الطرفين، كما كان قد شرع في تسوية وضعيته المالية من خلال دفع أشطر مالية بطريقة عادية، إلى أن جاء اليوم «المشؤوم» كما وصفه، و ذلك عندما منحت البنوك تسهيلات للشركات الخاصة من أجل الاستفادة من عشرات الشاحنات، و كانت الشروط جد بسيطة، حسبه، مقارنة بما تم التعامل به معه وبقية المستفيدين.
متاعب تزيد مع تسهيل البنوك في شراء الشاحنات

وقال المتحدث، إن الأوضاع تغيرت منذ ذلك اليوم رأسا على عقب، حيث كان ذلك القرار بمثابة إرساله و زملائه إلى البطالة، إذ لم يتمكن هو وغيره ممن كانوا يعملون في مجال نقل سلع الشركات الخاصة من أدوية ومنتجات غذائية و غيرها، من إدخار الأموال، ما جعلهم غير قادرين على مواصلة دفع الأقساط التي يدينون بها للبنك و «كناك».
وأضاف نفس الناقل، أنه وبقية زملائه، أصبحوا يشترطون أموالا مقابل نقل الأموات خلال الجنائز، بعدما كانوا يقومون بهذا الأمر مجانا في السنوات الماضية، مرجعا ذلك إلى حاجتهم الماسة للمال، خاصة وأن نقل أغراض العرائس لا يكون إلا في فترة محددة من السنة تكون عادة في فصل الصيف فقط.
«بالما»  تتحول إلى حظيرة للشاحنات العاطلة عن العمل
وقال ناقل آخر، إنه استفاد من شاحنته سنة 2014، بعد أن حظي بعقد مع إحدى شركات توزيع الأدوية، ولكن عدم جدية هذه الأخيرة، جعلته، مثلما تابع، مجبرا على فسخ العقد والبحث عن فرصة مع مؤسسة أخرى، ليجد نفسه في محطة ركن الشاحنات بالمنطقة الصناعية «بالما» ينتظر قدوم أي زبون من أجل كسب قوت يومه، موضحا أنه اضطر مؤخرا لاقتراض أموال من أجل شراء الأضحية، فيما عجز عن إصلاح شاحنته المعطلة.
وأكد محدثنا أنه لن يقدر على إعادة مبلغ 240 مليون سنتيم، للجهات المدينة له، خاصة وأنه لا يكسب الكثير و يحتاج تكاليف العلاج لـ 3 أبناء مرضى، كما ذكر أنه لا يملك بطاقة «شفاء»، لأنه لم يتمكن من تسديد الاشتراك السنوي لصندوق التأمين للعمال غير الأجراء، بسبب ارتفاع المبلغ من عام إلى آخر لتصل القيمة حاليا لأكثر من 4.5 ملايين سنتيم، و كل ذلك حسبه، دون احتساب المصاريف الأخرى على غرار التأمين على المركبة.
مستفيدون باعوا قطع الغيار وأبقوا على الهيكل
توجهنا بعدها إلى ثاني نقطة يتواجد فيها بكثافة، الناقلون المستفيدون من شاحنات «أونساج» و»كناك»، و ذلك بمحاذاة مديرية «سونلغاز» بباب القنطرة، حيث كانت العشرات من الشاحنات مركونة على يسار ويمين الطريق، وأصحابها جالسون داخلها، و من بينهم عبد الحليم، و هو رجل في الخمسينات من العمر اختصر وضعيته بالقول إن «سائقي الفرود أفضل حالا منهم».
أما فارس البالغ من العمر 36 سنة، فأخبرنا أنه كان متعاقدا مع شركة مختصة في توزيع الجرائد ولكنها أفلست بعد مدة وأغلقت أبوابها، ليتنقل بعدها إلى العمل مع مؤسسة لتوزيع الأدوية، غير أنها استغنت عن خدماته مباشرة بعد استفادتها من شاحنات هي الأخرى.
وأوضح آخر، أنه ورغم أن المحطة التي يتواجدون فيها تقع بوسط المدينة، إلا أن نشاط الناقلين ضعيف جدا، ما جعلهم يقبلون بنقل أغراض مقابل 800 دج تفاديا للعودة إلى منازلهم دون أموال، مضيفا أن بعض الشركات تعرض عليهم استئجار الشاحنات، ولكن بعد مدة زمنية قصيرة يتم إتلاف محركاتها و تُعاد لصاحبها دون أي تعويض.
كما أخبرنا شاب بأنه اضطر إلى نقل العجول بسبب ضعف النشاط التجاري، كما قام بالعمل قبل أيام عيد الأضحى في نقل الكباش، فيما وجد آخرون أنفسهم مجبرين على بيع أجزاء من شاحناتهم بسبب الضائقة المالية والديون المفروضة عليهم من كل جهة، حيث قاموا ببيعها قطعة بعد قطعة ولم يتبق منها إلا الهيكل الحديدي.
لا نريد تمديدا لآجال التسديد بل عقود عمل!

وأجمع من تحدثنا إليهم، على أن مشروع الاستفادة من الشاحنات كان «فاشلا»، حيث يطالبون   البنوك والمؤسسات التي منحتهم قروضا بـ «تخفيف الضغوط عليهم»، مضيفين أن على الجهات المعنية إيجاد حلول لحالة البطالة التي يعيشونها، من خلال مساعدتهم على الظفر بعقود مع شركات خاصة قصد العمل وإنعاش نشاطهم، وهو الأمر الوحيد الذي سيمكن من مواصلة تسديد الديون المتراكمة عليهم، مثلما يقولون.
 كما طالب المستفيدون   بوقف التسهيلات التي تطرحها البنوك للشركات الخاصة في مجال الاستفادة من الشاحنات، نافين الاتهامات الموجهة إليهم بخصوص استغلال الشاحنات في أمور غير أخلاقية، حيث أكدوا أن جلهم أرباب عائلات وسنهم يفوق 45 سنة، لكنهم اعترفوا بأن بعض الشباب الطائش ربما يستغلون مركباتهم في هذه الأغراض، غير أنهم لا يركنونها بمحطاتهم المعروفة.
مدير «كناك» قسنطينة جمال الدين خميسي
 النقل اختيار سهل و بيع الشاحنات ممنوع
المدير الولائي للصندوق الوطني للتأمين عن البطالة «كناك» بقسنطينة، جمال الدين خميسي، ذكر من جهته بأن المشكلة التي يواجهها أصحاب شاحنات نقل السلع والبضائع، راجعة إلى أنهم اختاروا أسهل الاستفادات، فالأمر يتطلب رخصة سياقة فقط للحصول على الشاحنة.  وأضاف المسؤول أن العديد من المستفيدين يدفعون ديونهم المتمثلة في أقساط، بشكل عادي، موضحا بأنه لا يمكن للمعنيين بيع الشاحنات، لأنها مرهونة لدى البنك أولا و الصندوق ثانيا، و يُمنع، حسب تأكيده، التصرف فيها إلا بعد تسديد الديون، كاشفا أن مقدار التحصيل بالنسبة للصندوق الوطني للتأمين عن البطالة معتبر وبأن «كناك» من أوائل الأجهزة وطنيا في مجال تحصيل الديون.
ح.ب

الرجوع إلى الأعلى