زيغود يوسف هندس هجومات 20 أوت ولم يحرق وثائق سرية عند استشهاده
يؤكد الباحث في التاريخ المعاصر بجامعة الانتماء السوربون1، رياض شروانة،  وجود الكثير من اللبس التاريخي في ما يتعلق بحياة الشهيد زيغود يوسف و دوره في الثورة التحريرية، التي قدم لها الكثير كقائد للولاية الثانية، فالشهيد وعكس ما أشيع عنه، لم يحرق وثائق سرية خلال المعركة التي سقط فيها بوادي بوكركر، كما أنه لم يشارك ميدانيا في هجومات 20 أوت 1955 ، بل كان مهندسها الرئيسي.
من وثقوا سيرة الشهيد أساؤوا إليه بتوظيفهم للخرافة
بمناسبة مرور 99 سنة على ميلاد البطل زيغود يوسف، الموافق لـ 18 فيفري 1921، كشف الباحث بأنه بصدد العمل مع المؤرخ علاوة عمارة، لانجاز كتاب حول السيرة الذاتية للشهيد البطل، يستند إلى وثائق دقيقة، هما بصدد جمعها الآن، وذلك لتوفير مادة بحثية علمية، تصحح الكثير من الأخطاء التي روجت عنه في كتابات و شهادات سابقة، تفتقر للتأريخ الدقيق و الصادق، خصوصا وأن هناك قصص أبعدتنا، حسبه، عن الصورة الحقيقية للبطل، لأنها ذهبت في معظمها في اتجاه الأسطرة و الخرافة و حتى الدروشة أحيانا، ذاكرا على سبيل المثال، من يقولون أنه امتاز بالجلد و الحدة، لأنه كان حدادا، و أنه كان يستلهم إستراتيجيته العسكرية من أفلام «ويستيرن»، و منهم من ذهب إلى أبعد من ذلك، على غرار ما قام به باحث في لقاء تلفزيوني قائلا بأنه يصح أن نطلق عبارة « رضي الله عنه» على زيغود، بعد ذكرنا لاسمه للرفع من قيمته، لكنها في الحقيقة ممارسات، أضرت بصورة الشهيد وأساءت إليه.
هناك أيضا بعض المذكرات و الكتابات، كما أضاف الباحث، تضمنت معلومات غير صحيحة عن زيغود يوسف، على غرار ما جاء في مذكرات  المجاهد علي كافي، حين ذكر حادثة استشهاد البطل بتاريخ 23 سبتمبر 1956، مشيرا إلى أن زيغود أحرق وثائق سرية هامة كانت بحوزته، عندما احتدم الاشتباك بينه وبين جنود العدو، و أن الجهات الأمنية الفرنسية حددت موقعه من جراء الدخان المنبعث من الحريق، و هكذا ألقت القبض عليه و أردته قتيلا.
 ويؤكد رياض  الباحث في التاريخ المعاصر، بأن  ذلك غير صحيح ، لأن وثائق زيغود صودرت بعد استشهاده، و أنه اطلع عليها شخصيا، لكونها لا تزال محفوظة في الأرشيف العسكري الفرنسي المعروف بـ « أس أش بي» أو المصحة التاريخية للدفاع ، بقصر فانسان، بضواحي باريس، موضحا بأن الأمر يتعلق بنسخ أصلية من وثائق احتوتها حقيبة الشهيد، بينها أرضية الصومام و التقسيم الجديد للولايات و الحدود التي أقرها المؤتمر، إضافة إلى وثائق كاتبه الخاص بوجمعة لباردي، و الأهم من ذلك مذكرات زيغود الخاصة، التي تطرق فيها إلى أهم المحطات التي تركت وقعا عميقا في نفسيته.
كما وجد في الحقيبة أيضا سجلات هامة و وثيقة أمضى عليها بمناسبة مؤتمر الصومام، و تخص قرار تكليف عمار بن عودة بتونس بمهمة شراء السلاح و نقله.
 المذكرات سجلت أيضا وقائع عديدة، كما ذكر فيها الشهيد مرحلة طفولته، و مرحلة انضمامه إلى حزب الشعب الجزائري و الانتخابات البلدية التي شارك فيها سنة 1947، ناهيك عن حادثة هروبه من سجن عنابة، بعد تفكيك المنظمة الخاصة و إلقاء القبض عليه رفقة بن عودة سنة 1950، زيادة على تفاصيل تخص تحضيراته لاندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر1954، حيث فصل في ذكر بعض المحطات، على غرار الاجتماعين اللذين سبقا يوم الحدث و اجتماع 27 و28 أكتوبر بكوخ بشير ميهوبي، أحد المشاركين في انتخابات 1947، وهو كوخ جمع العديد من المناضلين، منهم عمارة بن عودة و لحضر بن طبال ، كما تطرق أيضا لاجتماع يوم 29 في منزل عمه السعيد.

 ومن بين الأمور التي ذكرها رياض شروانة عنه، أن زيغود برمج لعملية يوم 31 أكتوبر ـ 1 نوفمبر،  وهو هجوم على مركز الجندرمة ببلدة السمندو، مشيرا إلى أنه وضع يده على تقرير لفرقة الجندرمة لبلدة» كوندي  السمندو» ، وهي وثيقة وجدها رفقة زميله في البحث، في الأرشيف الفرنسي، وقد قدمت لهما، كما عبر، تفاصيل تخص أحداث الهجوم و قائمة لمن شاركوا فيه بمن فيهم زيغود يوسف و مناضلون آخرون منهم ميهوبي محمد الصالح المعروف ببلميهوب، وبشير ميهوبي و رشيد بوضرسة و رشيد مصباح و علاوة بوضرسة، كما برمج البطل أيضا، حسب ذات المصدر، عمليتين أخريين الأولى يوم 6 نوفمبر و الثانية يوم 10 نوفمبر، استهدفت الأولى تخريب السكة الحديدة و الثانية كانت قد استهدفت جسرا ببلدة السمندو وكان زيغود هو من صنع المتفجرات التي استخدمت فيه.
 يقول الباحث، أن مرحلة ركود تلت هذه الأحداث، سببها نقص العدد و العدة، فقد أصدرت القيادة، حسبه، أوامر بعدم الاحتكاك مع الجهات الأمنية الفرنسية، شريطة الاستماتة إن تطلب الأمر ذلك، وهذه في رأيه، هي الصورة التي نرى عليها قائد الولاية الثانية خلال استشهاده، بمعركة مشتى قراوة و المعروفة بمعركة واد بوكركر.
زيغود ترك مهمة تنفيذ هجومات 20 أوت لقادته العسكريين
و من أهم المحطات التي كان لها وقع في نفسية  زيغود يوسف حسب ما كشفت عنه مذكراته، هي أحداث 20 أوت 1955، التي كان هو مهندسها، و هنا أيضا لابد أن نرجع حسب المؤرخ، إلى دور الرجل في هذه الهجومات، فمع أنه كان قائدا لها إلا أنه خطط للعمليات دون المشاركة فيها ميدانيا، إذ تكفل بإدارتها في حين نفذها قادته العسكريون و أبرزهم ميهوبي محمد الصالح، إضافة إلى زيغد إسماعيل الذي ولاه مدينة سكيكدة و مسعود بوعلي الذي ولاه منطقة الميلية، فلا يمكن في تقديره، أن يقود زيغود الهجوم في سكيكدة و الميلية و بلدة السمندو.
 من جهة ثانية فإن هناك تقريرا ثانيا، يسمى بـ « لوكولينيل دوفيزم لمنطقة الحروش بتاريخ 25 اوت  1955»، يقدم كما قال، صورة عن الأحداث بشكل تسلسلي منذ اندلاعها في 19 أوت،  إذ يذكر أن القائد العام لناحية قسنطينة، أمر بعمليتين استهدفتا زيغود يوسف مباشرة، فالفرنسييون وصلتهم معلومات عن تواجد زيغود في مشتتة التفاحة بدوار الصوادق ولذلك برمج لعملية بواسطة المدفعية و الهيلكوبتر، ألغيت قبل انطلاقها بعد ورود معلومات عن انتقال الهدف إلى مشتى الكرمات، لكنها فشلت أيضا بعد تحويل مسارها لأن البطل كان قد انتقل مجددا.
ومن الأحداث المهمة أيضا في حياة زيغود، مؤتمر الصومام، وذلك بحسب ما توضحه مذكراته و وثائق أخرى صادرتها فرنسا إثر عملية بزريبة الحبايش بمشتتة الحبايش بأعالي القل، بتاريخ31 جانفي 1957، استهدفت سكريتارية الولاية الثانية،  وهي عملية أطلق عليها  اسم « عملية الخليج»، من نتائجها مصادرة وثائق والقضاء على كتاب الولاية الذين كان من بينهم الطاهر بن مهيدي أخ العربي بن مهيدي،إذ تضمنت المجموعة 30 مراسلة بين الولاية الثانية و لجنة التنسيق و التنفيذ في العاصمة بقيادة عبان رمضان، بينها وثيقة جاء فيها خبر استشهاد زيغود يوسف.
كما وجدت بالإضافة إلى ذلك وثائق تخص الولاية الأولى قدمت كما قال محدثنا، فكرة عن دور الشهيد في مؤتمر الصومام، إذ كلف رفقة العقيد عميروش بإصلاح ذات البين بين الأشقاء الفرقاء في الولاية الأولى، بعد الشقاق الذي أحدثه استشهاد مصطفى     بن بو العيد، بين عمر بن بولعيد و عاجل عجول، على من يستخلف الشهيد، وقد جاء في الوثائق أن عمر بن بولعيد، ذهب إلى مؤتمر الصومام حاملا رسالة تقول إنه تلقى تكليفا بتمثيل الولاية في المؤتمر، لكنها رسالة رفضت، لتجنب تعميق الهوة و زيادة الشرخ.
 ومن بين ما يبرز دور زيغود في المؤتمر، اختياره للتوسط بين الطرفين، حيث كان من المفترض أن ينتقل رفقة عمار بن عودة   و إبراهيم مزهودي ، في 10 أكتوبر  إلى الأوراس، للقاء المعنيين، لكنه استشهد قبل ذلك، لينقل بعدها موطن الصلح إلى تونس لضمان التحاق بن بلة وآخرين بالمساعي التي كانت قائمة لحل الإشكال.
  هكذا تم التكتم على خبر استشهاد زيغود

 يشير الباحث، إلى أن الوثائق التاريخية المتوفرة، تتحدث كذلك عن تبعات وفاة زيغود يوسف، ففي مراسلة وجدت بين ما صودر في زريبة الحباش، ذكر أنه بتاريخ 25 سبتمبر، بعث لخضر بن طبال بخبر استشهاد « سي حمد» أو زيغود يوسف، إلى لجنة التنسيق و التنفيذ بالجزائر العاصمة، و في اليوم الموالي جاء رد مختوم بختم يوسف بن خدة، تصدره تأسف على المصاب كما تضمن أيضا سؤالا حول ما إذا كان الفرنسيون قد وضعوا أيديهم على وثائق الشهيد، لكن لخضر بن طبال لم يجب لسبب لم يعرف بعد، وهو ما ترك القيادة غير متأكدة من خبر الوفاة، بدليل أنه في 3 أكتوبر أرسل عبان رمضان مراسلة أخرى إلى لخضر بن طبال يطلب فيها تأكيد خبر استشهاد زيغود يوسف و تقريرا عن نفسية الجند و سؤالا عن حقيقة اجتماع لجنة الولاية لتعيين خليفة للفقيد، بمعنى أنه كان هنالك تخوف من تكرار سيناريو الولاية الأولى.
وبتاريخ 8 نوفمبر أرسل بن طبال، رسالة فيها مجموعة من التطمينات إلى القيادة  كتب فيها بما معناه « لقد تجاوزنا هذه المحنة و معنويات الجند مرتفعة، فقد تعودنا على هكذا ضربات قاسية»، وطمأن إلى أنه قد جمع القادة وأمور الولاية الثانية مستتبة، بعدها  وفي 21 نوفمبر أعاد عبان إرسال، وثيقة أخرى للولاية الثانية يؤكد فيها تثبيت لخضر بن طبال في منصب قائد الولاية.
 ويؤكد الباحث، بأن القيادة العليا للثورة، حرصت كثيرا على إخفاء خبر استشهاد زيغود و عدم الإعلان عنه في الصحافة حتى لا تحبط معنويات الجند ولا تعمق الهوة التي كانت موجودة في الولاية الأولى، وذلك بحسب ما جاء في تقارير متوفرة، أشارت حسبه، إلى أن تأخير الإعلان عن رحيل زيغود ضروري لتجنب التساؤل عن سبب تسريع استخلافه بعكس ما يحصل في الولاية الثانية.
كما يذكر أيضا، أنه بتاريخ 2 جانفي 1957، تلقت بلدية السمندو رسالة نسبت الى زيغود يوسف يقول فيها « أنا مازلت على قيد الحياة»، لكن رئيس البلدية تفطن إلى كونها مزورة بعدما قارن ختم الرسالة بأختام زيغود التي حفظت في سجلات البلدية بعد مشاركته في الانتخابات1947.
و عاد محدثنا للحديث عن سيرة الشهيد الذاتية، موضحا بخصوص الجدل حول أصل تسميته بين زيغوت يوسف أو زيغود يوسف، بأن التسميتان صحيحتان، لأن الفرنسيين عندما نسخوا ألقاب الجزائريين اعتمدوا على السماع و لأن هنالك حروفا لا تنطق في الفرنسية و غير موجودة أساسا في أبجديات هذه اللغة ظهرت تسميتان.
 أما عن استخدام المذكرات الخاصة للمجاهدين وشهود العيان، كمصدر للبحث العلمي، فقد قال المؤرخ، بأنها لا تعتبر مرجعية نهائية أي أنها ليست في مرتبة الوثائق التاريخية، بقدر ما يمكن الاعتماد عليها أكثر كقاعدة للبحث.
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى