زادت في الآونة الأخيرة، مظاهر خرق سكان المقاطعة الإدارية علي منجلي بقسنطينة، للحجر الجزئي، ضاربين بذلك كل الأوامر والتعليمات الصحية عرض الحائط، حيث أصبح مواطنون يقضون سهرات رمضانية بصفة عادية داخل التجمعات السكنية، فيما ركبت نساء موجة التهاون بوباء كورونا، بعد أن أصبحن يجلن رفقة أزواجهن الأحياء بعد الإفطار، بينما أصبح الأطفال يلهون مساء في الطرقات.

ويواصل العديد من سكان علي منجلي تهاونهم في تطبيق إجراءات الوقاية من فيروس كوفيد 19، رغم أن عدد الحالات المصابة على مستوى الولاية ارتفع وفاق 300 حالة مؤكدة، وهو ما وقفت عليه النصر في جولة قامت بها ليلة أول أمس ببعض الوحدات الجوارية الجديدة التي امتدت إليها هذه المظاهر على غرار 17 و19 و20.
كانت الساعة تشير إلى الثامنة إلا الربع مساء، عندما بدأ بعض الشباب يخرجون من مداخل العمارات حاملين أكواب قهوة، لتبدأ جولتنا من الوحدة الجوارية 6، أين كانت أصوات الأطفال وهم يلعبون تتعالى في الشوارع، فيما لم يظهر أثر لأوليائهم، حتى أن بعضهم كانوا يمارسون كرة القدم، فيما اتخذ آخرون بعض الأماكن العالية للقفز، وجلس آخرون على حافة الطريق.
واصلنا سيرنا على الأقدام باتجاه الوحدة 8، و وقفنا خلال عشرات الأمتار على خرق للحجر الصحي من طرف شباب كانوا يجوبون الأحياء بكل حرية، وخاصة عند أول 30 دقيقة بعد آذان المغرب، كما كانت حركة المركبات كبيرة وخاصة بالشوارع الرئيسية، و كان السائقون يسيرون بسرعة فائقة.
القهوة تباع بالمنازل بعد الإفطار
بأحد مداخل الوحدة الجوارية 8 الواقعة بالقرب من القاعة الرياضية، سمعنا ضجيجا كان يزيد كلما اقتربنا أكثر، وما هي إلا بضعة أمتار حتى وجدنا أنفسنا داخل مجمع سكني يعج بالمواطنين، لنشاهد بعد ذلك أشخاصا يحملون أكوابا وهم يخرجون من أحد مداخل العمارات، وهنا وجدنا شبابا وكهولا ينتظرون في شكل طابور عشوائي لم يحترموا خلاله مسافة الأمان، وما هي إلا ثوان حتى نزل شاب حاملا علبة كرتونية بها عدد من أكواب القهوة، التي تم توزيعها بسرعة قبل أن يعود صاحبها إلى منزل لجلب كميات أخرى.
وعلمنا أن الشاب يملك مقهى بأحد الأحياء ولكن مع تدابير الحجر الصحي منع من ممارسة نشاطه على غرار بقية المقاهي، ما جعله ينقل الآلة إلى منزله ويقوم بتحضير القهوة لزبائنه الذين يعتبرون كلهم من الجيران.
طاولات بيع الحلويات وسط المجمعات السكنية
بعدها توجهنا إلى أحد معارفنا الذي وجدناه يتوسط مجموعة من الشباب، في واحدة من عشرات المجموعات المتشكلة بمختلف الزوايا المظلمة، ليقوم صديقنا بأخذنا في جولة داخل مكان يمكن وصفه بـ»العالم الآخر»، حيث سرنا لحوالي 50 مترا، لغاية وصولنا إلى مدخل ضيق يتوسط مسبح غير مكتمل، لنجد أنفسنا وسط مجمع سكني كبير به عشرات العمارات، و هنا لاحظنا جلوس بعض الشيوخ في مداخل البنايات على كراس خشبية من الطراز القديم، وهم يحتسون الشاي و القهوة و يتبادلون أطراف الحديث.
وغير بعيد عن هؤلاء الشيوخ، شاهدنا عددا من الشباب يبيعون «قلب اللوز» ومرطبات وشاي و»شاربات» على طاولات وضعت بالقرب من مداخل العمارات وتعمد أصحابها التواجد في الأماكن المضيئة لتسهيل عمليات البيع والشراء، كما لاحظنا أن الإقبال كبير من طرف الزبائن الذين يعتبرون من أقارب وجيران البائع، وعند مرورنا من حي لآخر داخل هذا المجمع السكني المغلق، شاهدنا بعض الكهول يتجمعون على طاولة حلويات في إحدى المساحات التي تتوسط الحي وكأنهم في بهو فندق يتبادلون القهقهات ويضعون رجلا على رجل في انتظار وصول المشروبات.
عائلات تتخلص من تخمة وجبة الإفطار بالتنزه!
توجهنا بعدها إلى الوحدة الجوارية 7 القريبة، وكان ذلك في حدود الساعة التاسعة ليلا، حيث وجدنا المجمعات السكنية تعج بالشباب، فيما تخطى خرق الحجر كل الحدود بالنسبة لسكان هذه المنطقة، إذ خرجوا إلى قارعة الطريق وجلسوا على الأرصفة، فيما اتكأ بعضهم على سور صغير واضعين أكواب القهوة بجانبهم، و وقفوا في شكل مجموعات متقاربة من بعضها.


واصلنا السير من المركز التجاري الرفاهية باتجاه «سان فيزا»، وخلال ذلك شاهدنا عائلات تقوم بالتنزه راجلة، ومنها زوج وزوجته وابنتاه اللتان كانت إحداهما تقود دراجة هوائية، فيما رافقت نساء أزواجهن خلال جولة في جو يسوده نسيم الهواء النقي المحفوف بمخاطر انتقال عدوى فيروس كورونا، كما لاحظنا أن أفراد العائلات يسيرون بسرعة بطيئة جدا وكأنهم يؤكدون أنهم يتنزهون وليسوا على عجلة من أمرهم أو أنهم خرجوا مضطرين لقضاء بعض الضروريات.
توجهنا بعدها إلى وحدة جوارية قريبة وتعرف أيضا بخرق الحجر الصحي، وهي الوحدة رقم 9 وتحديدا حي «الفيرمة»، ورغم الظلام المخيم على أرجاء المكان، إلا أن عشرات الشباب اتخذوا من زواياه مكانا لتبادل أطراف الحديث، فيما اكتظت حظيرة السيارات المحاذية لحي «سوريست» عدل 1، بمركبات كان يتواجد داخلها 4 شبان على الأقل وهو ما يشكل خطرا كبيرا لإمكانية انتقال العدوى من شخص لآخر.
«الدومينو» لتمضية الوقت في السهرة
شاهدنا أيضا شبابا يجلسون أسفل سور صغير يفصل حي «سوريست» عن عمارات السكن الاجتماعي، أين اتخذوا من صناديق بلاستيكية كراسي لهم، واستعملوا طاولة خشبية تستخدم في بيع الخضر والفواكه نهارا، من أجل ممارسة بعض الألعاب على غرار لعبة الأوراق، لنتجه بعدها نحو حي آخر وجدنا به شبابا يجلسون بمداخل العمارات، وكانوا يمارسون بتركيز كبير اللعبة الشعبية «دومينو»، فيما كانت الأصوات والضجيج المنبعث من تلك التجمعات دليل آخر على خرق الحجر الصحي.
بعدها واصلنا الجولة باتجاه بقية الوحدات الجوارية على متن مركبة، لوقوعها على بعد مسافة طويلة، وبعد حوالي 30 دقيقة من السير بين الوحدات 1 و 2 و4 ثم 18 ومنها إلى 19 ثم العودة إلى الوحدة 2 بعد المرور على الرقم 17، تأكدنا أن تلك المظاهر تتكرر داخل كل المجمعات في علي منجلي، وكأن السكان أصبحوا لا يخشون الوباء، علما أن رجال الشرطة أوقفوا عشرات الأشخاص الذين خرقوا الحجر الصحي بهذه المدينة التي يقترب عدد قاطنيها من ربع مليون نسمة، وقد كانت التوقيفات خاصة بالوحدتين 14 و16.
وخلال الجولة التي قمنا بها، لاحظنا أن رجال الشرطة كثفوا من عمليات المراقبة التي مست كل الوحدات الجوارية، حيث تمت مطاردة المخالفين، فيما اضطرت بعض عناصر الأمن لصعود سلالم العمارات في سبيل توقيفهم، خاصة وأن الشباب يتعمدون البقاء بالقرب من مداخل العمارات من أجل الهرب عند قدوم الشرطة، كما لاحظنا أن بعض الدوريات تقوم بمراقبة كل المركبات المتحركة أثناء الحجر، و التأكد إن كان يحوز أصحابها على رخصة التنقل.
حاتم بن كحول

الرجوع إلى الأعلى