بين الموت والحياة، تمر تحت أعين عمال المقابر العشرات من جثث من سقطوا في الحرب على فيروس كورونا منذ أكثر من سبعة أشهر، وهم يواجهون الخطر في كل يوم بوسائل قليلة حاملين على أكتافهم الهزيلة توابيت المتوفين الذين أثقلهم «كوفيد-19» بأكثر مما تحتمله أجسادهم، ليُنزلوها دُورها الأخيرة لوحدهم في غياب المشيعين، الذين فرقهم الخوف من العدوى والضرورة.
روبورتاج: سامي حبّاطي
النّصر قضت يوما مع عمّال مؤسسة تسيير مقابر بلدية قسنطينة، الذين لم يتقاضوا أجورهم منذ شهر أكتوبر الماضي وما زالوا ينتظرون حلولا لمشاكل، حيث تنقل في هذا «الروبورتاج» جزءا من معاناتهم مع نقص أداوت الحماية ووسائل العمل، وطريقة تكفلهم بجثث الراحلين التي ارتفع عددها كثيرا مقارنة بالأعوام الماضية ما اضطر إلى اللجوء للمقابر العائلية، فيما يقدم مدير المؤسسة معطيات حول الجوانب التقنية والتجاوزات المسجلة والصعوبات المالية في ظل ارتفاع التكاليف منذ بداية الجائحة.
تنقلنا مع عمال المؤسسة العمومية لتسيير مقابر بلدية قسنطينة من مقرها في حي عبد الحميد كروش بوسط المدينة إلى المقبرة المركزية، حيث التقينا بزملاء لهم على متن شاحنة وكانوا يرتدون جميعا بدلات زرقاء واقية وأقنعة، لكنّنا استغربنا عند ترجل عاملين من بدلتيهما الممزقتين وآثار الوحل العالقة بهما، فبادرنا بسؤالهما حول ما إذا كانا يقومان بالحفر، ليردا علينا بأنها آثار من الأيام الماضية، لأن البدلات لا تصمد كثيرا. وكان عمال الدفن ينتظرون وصول جنازة رجل توفي بفيروس كورونا، في حين رافقونا إلى القبر الذي يُفترض أن يُدفن فيه لنطّلع على عملية الحفر، حيث سِرنا عبر المسلك الرئيسي للمقبرة لننعطف يمينا في ممّر ضيق ونواصل طريقنا إلى أن شاهدنا شخصين يقومان بالحفر.
ساعتان ونصف لحفر قبر واحد
واقتربنا من الحفّارين فوجدنا أنهما أعدا حفرة مستطيلة، عمقها يتجاوز المتر، وبينما كان شاب نحيل يضرب الأرض بالفأس، كان الثاني يرتاح قليلا، ثم يخلف زميله في إخراج الأتربة من الحفرة بالرفش، وظلا يقومان بنفس العملية إلى أن جهزا المكان لاستقبال التابوت الذي سيستقبل جثة المتوفى. وأوضح لنا صاحب الفأس أن عملية الحفر استغرقت منه ساعتين ونصف، في حين كان يقيس طول الحفرة بطول قدمه، موضحا لنا أنه يجب أن تعادل طول ثمانية أقدام.
وواصل العاملان الحفر أكثر إلى أن وصلا إلى الطول المطلوب، الذي يتفاوت قليلا بحسب نوعية التابوت، فطول التوابيت المصنعة في الجزائر لا يتجاوز المترين، بينما يصل في التوابيت أجنبية الصنع مثلما قال حامل الفأس، إلى مترين وعشرين سنتيمترا، ما يستدعي توسيع الحفرة أكثر. وأكد لنا نفس المصدر أنه قضى أعواما طويلة وهو يعمل حفارا للقبور في مؤسسة تسيير المقابر لبلدية قسنطينة، حيث نبه أنه اعتاد على عمله، مشيرا إلى أن حفر القبر لا يتطلب أكثر من عامل واحد على العموم، كما أشار إلى أنه استطاع حفر أربعة قبور في يوم واحد في بعض الأحيان.
ولاحظنا كيسا بلاستيكيا أسود بجوار القبر المفتوح، حيث أخبرنا الحفّار أنه يضم عظام الجثتين اللتين كانتا في القبر من قبل، مشيرا إلى أنه سيضم ثلاثة موتى بعدما تُعاد العظام ويوضع معها الرجل المتوفى بكورونا، حيث أكد لنا أنه لا يمكن إعادة فتح قبر قبل مرور خمس سنوات من تاريخ الوفاة، مضيفا أن القبور التي يوضع فيها الموتى في توابيت لا يمكن إعادة فتحها أبدا. وأضاف نفس المصدر أنه اعتاد في عمله فتح قبور يسعى أصحابها إلى الدفن فيها مع أقربائهم.
ولاحظنا أن التربة طرية من خلال ضربات الفأس التي كانت تخترقها بسهولة، حيث ذكر لنا الحفار أنها أنسب للحفر من نقاط أخرى من نفس المقبرة، اضطر فيها مع زملائه من العمال إلى إزالة صخرة ضخمة من أجل التمكن من حفر قبر واحد، فيما أشار إلى أن عمال مقابر أخرى خارج بلدية قسنطينة أوفر حظا منهم، لأن آليات الحفر يمكنها التنقل إلى داخلها ما يوفر عل عناء العمل اليدوي. وأشار نفس المصدر إلى أنه حفر مع زملائه في اليوم السابق لتواجدنا في المقبرة، خمسة قبور لدفن متوفين بإتباع بروتوكول الوقاية الخاص بفيروس كورونا، فضلا عن جثة أخرى دفنت بالطريقة العادية.
«اللايف» لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان متوفى بكورونا
وانتظرنا داخل المقبرة مع العمال وصول جثة الشخص الذي سيدفن في القبر، حيث مكثنا لحوالي الساعة قبل أن تصل سيارة الإسعاف التابعة للحماية المدنية، أين وضع أعوان الحماية التابوت الذي يضم الجثة وغادروا، ليتقدم أربعة عمال من المقبرة مرتدين البدلات الواقية والأقنعة والقفازات، فضلا عن الكمامات.
وشحن العمال التابوت في مؤخرة الشاحنة وصعد معهم على متنها ثلاثة من عائلة المتوفى ثم اتجهوا صوب المكان المحدد للدفن، قبل أن ينزلوا التابوت، الذي أكدوا لنا أن عملية نقله إلى غاية القبر تتم بصعوبة بالغة بسبب ثقله ووعورة المسلك المؤدي إليه.
وقد كان العمال يجتهدون للسير بالتابوت الثقيل بين القبور بخطى تُخاتل بجهد لعدم الدوس على القبور، التي بالكاد يتسع ما بينها من فراغ لموطئ القدم، في حين أودِع الميت داخل القبر باستعمال مجموعة من الحبال يتم شدها من الجانبين لإنزال التابوت ثم تسحب من تحته.
وقد أحضر العمال الحبال معهم ومجموعة من الرفوش، بينما لاحظنا أن أحد أفراد عائلة المتوفى كان يتصل بأقربائه في بث مباشر بالفيديو لجنازة المتوفى وكنا نسمع عبارات التكبير من هاتفه أثناء وقوفنا لمشاهدة عملية الدفن. وقد حضر عدد من أقرباء المتوفى إلى المقبرة لتشييعه، لكنهم لم يقتربوا من الجثة أو من أبناء المعني، حيث أوضح لنا أحد العمال أنه لا يسمح لهم بالاقتراب أو المشاركة في إهالة التراب على الميت ويكتفون بتتبع الجنازة من بعيد.
اللجوء إلى الدفن في الممرات والمقابر العائلية
واستقبلنا السيد عبد المجيد عامر، المدير العام لمؤسسة تسيير مقابر بلدية قسنطينة، حيث أوضح  أن مقابر المدينة تعرف حالة تشبع من قبل كورونا، لكن عدد المتوفين تزايد مؤخرا ما اضطر المؤسسة إلى الدفن في الممرات وجميع المساحات الشاغرة، إلى أن تقرّر وقف عمليات الدفن في كل من المقبرة المركزية وزواغي والقماص باستثناء ما يكون في القبور القديمة، في حين ما زال استقبال المتوفين جاريا في المقابر المنظمة الأخرى، وهي كل من جبل الوحش و بومرزوق سيدي مسيد وصالح باي وابن الشرقي.
ودفعت الجائحة بالمصالح المعنية إلى الدفن في مقابر عائلية لا تسيرها المؤسسة نزولا عند طلب عائلات المتوفين، مثلما أوضح لنا المدير، حيث دفنت أوّل سيدة متوفاة جراء الإصابة فيروس كورونا في البلدية في مقبرة الخامسة بالمنية، فيما يبلغ عدد المقابر العائلية الموزعة عبر إقليم البلدية أربعة وعشرين؛ تتمثل في «بوبقيرة» و»بوصباح» و»سيدي علي البني» و»سيدي الدخيخ» و»سيدي مالك» و»سيدي سليمان» و»بوسنة» و»ابن بهناس» في منطقة الجباس، و»سيدي خليل» و»بودربالة» و»ابن صابر» و»حيدوسية» و»توام» في جبل الوحش، و»مزنية» في الكيلومتر السابع، ومقبرة «جامع الطرشة» في المنطقة التي تحمل نفس الاسم و»مستاوة» ومقبرة الكيلومتر الرابع و»أديات برغوث» في شعبة الرصاص و»نكاش» و»الكروبات» و»سيدي مسيد الغراب» في منطقة صالح باي ومقبرة «الكافور» في جسر دومال.
وأضاف نفس المصدر أن واجب المؤسسة يتمثل في مرافقة عملية دفن المتوفين بالفيروس في أي مكان تحمل إليه الحماية المدنية والمصالح الأمنية الجثة، في حين أوضح محدثنا أن بعض عمليات الدفن جرت حتى عند منتصف الليل، فيما أوضح أن المقابر العائلية قديمة جدا، موضحا أن بعض العائلات تحوز مقابر داخل حدائقها، مشيرا إلى أن المؤسسة غير مؤهلة قانونيا للتدخل فيها أو تسييرها.
مؤسسة المقابر لا تتلقى مستحقات عند دفن المتوفين بكورونا
ولا يرى مسؤولو أو عمال مؤسسة تسيير المقابر فرقا في عمليات الدفن العادية أو في دفن المتوفين بفيروس كورونا، باستثناء الإجراءات الوقائية المتبعة، حيث أوضح مدير المؤسسة أن مصالحه لم تسجل أية إصابة بين العمال بالفيروس، ما عدا عامل واحد التقط «كوفيد-19» من خارج محيطه المهني، مضيفا أن عدد العمال المتدخلين في التكفل بجثث المتوفين بالجائحة يقدر بخمسة وعشرين شخصا، مقسمين في مجموعات، في حين نبه إلى أن المؤسسة لجأت إلى التّفويج بسبب العدد المعتبر من الحالات التي سجلت خلال المرحلة الأولى من الوباء.
وذكر محدثنا أن عدد عمال المؤسسة يقدر بخمسة وثلاثين، بعد أن كانوا خمسين في وقت سابق، لكن 15 منهم غادروا العمل لأسباب مختلفة في أوقات سابقة، حيث رخص رئيس البلدية للمؤسسة بإعادة توظيف ما يعوض المناصب الشاغرة، إلا أن نقص الموارد المالية يحول دون ذلك في الوقت الحالي.
وأشار نفس المصدر إلى أن الحفر اليدوي ليس سهلا، لكنه نبه أن المؤسسة تتكبد تكاليف إضافية عندما يتعلق الأمر بالوفاة بسبب الفيروس، فالمستشفى يتكفل بعملية وضع الجثة في التابوت وتجهيزها ثم تنقلها مصالح الحماية المدنية والمصالح الأمنية لتستلم منها وتتكفل المؤسسة بعملية الدفن، ولذلك لا يتم دفع تكاليف الدفن من طرف عائلة المتوفى على غرار ما هو معمول به في حالات الوفاة العادية.

ورغم أن تكاليف الدفن التي تدفعها عائلات المتوفين في حالات الموت العادية، لا تغطي إلا حوالي عشرة بالمئة من التكلفة الفعلية لعملية الدفن، إلا أن المؤسسة واجهت مؤخرا صعوبات مالية ظهرت في عدم دفع رواتب العمال لشهر أكتوبر الماضي، ومن بين أسبابها عدم تلقي المستحقات في حالة دفن ضحايا كورونا، مثلما أكد المدير العام، الذي قال أن المؤسسة ذات طابع اقتصادي بالدرجة الأولى وكانت تحصّل حوالي نصف كتلة أجور العمال من مستحقات الدفن قبل الجائحة، لكن المسؤول شدد على أن العنصر المذكور لا يمثل السبب الوحيد، ولكن ينبغي على الإدارة الوصية دعمها أيضا.
عملية دفن واحدة تكلف 8000 دينار
وقال نفس المصدر أن تطبيق التسعيرة الحقيقية لمستحقات الدفن سيجعل دفعها أمرا صعبا على المواطنين، حيث تقدر تكلفة العملية الواحدة بحوالي 8 آلاف دينار، بينما لا يطلب من المواطنين إلا 800 دينار مقابل عملية الدفن، في حين نبه إلى أن المؤسسة تقدم خدمة عمومية قبل كل شيء. وقدم محدثنا أمثلة عن طبيعة التكاليف، حيث ذكر أن اللبنات الخرسانية المستعملة لتغطية القبر قبل غلقه تباع للمواطنين بنفس سعر شرائها دون الاستفادة من أي هامش ربح باستثناء إضافة «الرسم على القيمة المضافة»؛ أي بسعر 150 دينارا للّبنة.
أما عن عملية دفن ضحايا كوفيد، فأوضح المسؤول أن مصالحه لم تقيم إن كانت تكلف أكثر أو أقل، لكنه أوضح أنها لا تتطلب وضع اللبنات الخرسانية، على عكس الدفن في الوفاة العادية التي تتطلب وضع سبع لبنات ، بقيمة 1050 دينار، رغم تأكيده على أن دفن متوفى بكورونا يستهلك وقتا أطول، كما أن كل فريق عمل يضم خمسة عمال، يحفرون القبور في الصباح ويدفنون في المساء.
وتوجه مستحقّات الدّفن المقدرة بثمانمئة دينار لاقتناء ألبسة العمل ووسائل الواقية والمستلزمات الضرورية وتغطية المصاريف الإجبارية مثل التأمين، حيث ذكر المسؤول أن أغلب البدلات المستعملة حاليا تعود إلى العام الماضي، كما أن المؤسسة غير قادرة حتى على ملء علبة الأدوات الصيدلانية الخاصة بالعمل اليومي. وأشار محدثنا إلى أن تسيير مقبرة يتطلب وسائل ومواد أخرى مثل الإسمنت وبعض المواد، إلا أن المؤسسة تتلقى بعض المساعدات والتبرعات من المحسنين لتغطية بعض العجز المسجل لديها. وسألنا المدير عن سبب عدم توفير جهد العمال باستعمال الآليات للحفر، حيث أشار إلى أن وضعية المقابر المكتظة لا تسمح بتحركها بداخلها، على عكس مقابر أخرى تتوفر على المساحة الكافية، مثل مقبرة البعراوية في بلدية الخروب.
أشخاص ينجزون قبورا وهمية لحجز أماكن
ويكتنف تسيير المقابر الكثير من التفاصيل، حيث أوضح المسؤول أن إدارته فكرت في وضع كاميرات لحراسة المقابر ونظام إلكتروني لتسجيل القبور الموجودة في مشروع أعدته واقترحته المؤسسة ثم قدم من طرف لجنة التعمير في المجلس الشعبي الولائي، شارحا أن الهدف من النظام الإلكتروني يتمثل في إمكانية التعرف على أماكن القبور والوصول إليها بسهولة، لكن المؤسسة لم تتمكن من تجسيده في ظل انعدام الموارد الذي تواجهه. وأوضح نفس المصدر أنه من المستحيل إجراء مسح شامل لجميع القبور خصوصا في المقابر القديمة التي يعود تاريخها إلى قرون وتوجد فيها الكثير من القبور المنسية من أهلها بسبب قِدمها.
وقد ضبطت المؤسسة العديد من التجاوزات في المقابر خلال السنوات الماضية، خصوصا التي تعرف منها تشبعا؛ من بينها قيام أشخاص بإنجاز «قبور وهمية» من أجل حجز أمكنة لدفن موتاهم، ومنهم حتى من قد يعرضونها للبيع لأشخاص آخرين، مثلما أوضح المدير، حيث يتم الأمر ببناء قبر لا يضم أي جثمان بداخله، من أجل إعادة فتحه والدفن فيه عند الحاجة؛ ولا يمكن لأحد أن يعلم بأن القبر فارغ إلا من قام ببنائه مثلما أكد. وأضاف المدير أن بعض الأشخاص يقومون بالاستيلاء على مساحات بجوار قبور أهاليهم من خلال بناء مقاعد وحجزها للمستقبل.

كما أوضح لنا أن ملكية المساحات الصغيرة المحاطة بأسيجة في المقبرة تعود إلى أشخاص دفعوا ثمنها من قبل وخصصوها لدفن أفراد عائلاتهم، لكنه أوضح أنه لم يعد معمولا بهذه الطريقة، فضلا عن أن الإدارة طلبت من أصحابها تقديم الوثائق التي تثبت ملكيتهم لهذه المساحات، وطهرت قائمتها وضبطتها مع المساحات الحقيقية التي استفادوا منها بالطريقة القانونية. وأشار محدثنا إلى أنه ضبط شخصا قام بإنجاز جدار داخل المقبرة، فتم هدمه، بعدما لم يقدم من بناه أي وثائق تثبت أنه استفاد من المساحة التي قام بإحاطتها.
أكثر من 3500 عملية دفن ببلدية قسنطينة منذ بداية العام
واقترحت المؤسسة من قبل مساحة فلاحية تابعة لأملاك الدولة تقدر بخمسة وستين هكتارا في عين الباي لتخصيصها للدفن وحل مشكلة بلدية قسنطينة والمقاطعة الإدارية علي منجلي، حيث نبه إلى أن المشاكل المذكورة مسجلة بسبب التشبع، كما أشار إلى أن سكان علي منجلي يدفنون موتاهم في مقبرة زواغي ما زاد من تشبع المكان بسرعة كبيرة خلال الأعوام الأخيرة.  وقدم لنا مدير المؤسسة الإحصائيات الخاصة بعدد عمليات الدفن العادية والخاصة بكورونا، التي عرفتها مقابر بلدية قسنطينة، حيث بلغت 3526، منذ شهر جانفي إلى غاية نوفمبر الجاري، تتصدرها مقبرة زواغي التي استقبلت 1201 متوفى، تليها المقبرة المركزية بـ921، ثم مقبرة القماص بـ695 وجبل الوحش بـ353 وبومرزوق بـ185 وابن الشرقي بـ146 وسيدي مسيد بـ25 عملية دفن. وأوضح المدير أن العدد ارتفع مقارنة بالسنوات الماضية، التي لم تبلغ فيها عمليات الدفن الثلاثة آلاف طيلة العام، على عكس العام الجاري الذي ما زال فيه شهرٌ كامل.
ونبه محدثنا أن المؤسسة كانت تحوز على أكثر من مئة تابوت خشبي، لكنها منحتها كلها للمستشفيات خلال الجائحة، في حين أوضح أنه جعل من سيارة الخدمة الممنوحة له مركبة لتنقل العمال بسبب نقص الوسائل.    
س.ح

* مسؤول التنسيق سامي نويصر:
عملية الدفن الأولى لمتوفى بكوفيد 19 كانت أشبه بالسير نحو المجهول
وسرد علينا سامي نويصر، مسؤول التنسيق بين فرق دفن ضحايا كوفيد بعضا من يومياته المهنية؛ حيث أوضح أن العمال منقسمون حاليا إلى فريقين، تبقى إحداهما في المقبرة المركزية بينما تتنقل الثانية بين المقابر الأخرى، فيما ذكر محدثنا أنه يعمل في دفن ضحايا الجائحة منذ أول جنازة في مقبرة «المنية»، مشيرا إلى أن المرة الأولى لم تكن صعبة من الجانب التقني، لكن العمال كانوا يشعرون بالخوف بسبب الجهل بالوباء والخوف من التعرض للإصابة. وقد عبر عن شعوره في اليوم الأول بالقول أنه «كان يشبه السير نحو المجهول».
ويبدأ سامي نشاطه في الصباح بالتواصل مع جميع محافظي المقابر التابعين للمؤسسة، حيث يبلغونه بعمليات الدفن المبرمجة، في حين تتصل به مصالح الحماية المدنية فيما بعد لإبلاغه بوجود متوفين بكوفيد، لينسق بعد ذلك مع العمال من أجل حفر القبور الخاصة بهم، وما إن يصبح جاهزا يطلب من فريق الدفن التنقل إلى المقبرة ويبلغ الحماية المدنية بأن القبر جاهز لاستقبال الجثة، مثلما أوضح لنا. وذكر لنا نفس المصدر أنهم سبق أن واجهوا بعض الصعوبات مع عائلات متوفين بالوباء، حيث يرغب بعضهم في إخراجهم من التابوت، لكنهم يقتنعون فيما بعد بضرورة التقيد بالبروتوكول المعمول به.
ويعاني العمال نقصا فادحا في وسائل الوقاية والحماية، حيث ذكر لنا مسؤول التنسيق أن مدير المؤسسة يضطر أحيانا إلى تحمل نفقات الكمامات وبعض الوسائل على عاتقه ، إلى جانب العمال الذين غالبا ما يضطرون لاقتناء الكمامات والمعقم بأموالهم الخاصة، خصوصا وأن الأمر يتطلب تغيير الكمامة في كل عملية دفن على الأقل، و»اثنتين عند كل دفن أحيانا» مثلما قال.
* عامل الدفن بلال عويس:
أعمل أحيانا إلى العاشرة ليلا و نعاني من نقص الوسائل
أما عامل الدفن بلال عويس، فيعمل في فريق المقبرة المركزية لكنه يتنقل إلى أي مقبرة عند الحاجة كما يمارس مهام الصيانة أيضا، حيث يبدأ يومه بتلقي التعليمات من طرف مسؤول التنسيق ليتجه إلى المكان ويقوم بتفقد القبر المخصص لاستقبال الجثة، ليتم إبلاغ المسؤول بمجرد الانتهاء من عملية الدفن، ثم يتنقل للتكفل بجنازة أخرى ويظل على نفس الوتيرة إلى غاية انتهاء العمل، مثلما حدثنا المعني، مؤكدا أن العمل يستمر من الثامنة صباحا إلى غاية العاشرةليلا في بعض الحالات.
ونبه محدثنا أنه كان يعزل نفسه تماما عن أفراد أسرته في الأيام الأولى، لكنه اعتاد الآن على الأمر، لكنه قال أن الإشكال حاليا يتمثل في انعدام الوسائل، بينما أرانا المدير بدلات فوقية واقية يفترض أن تستعمل مرة واحدة، لكن العمال يضطرون لاستعمالها عدة مرات بسبب نقص الوسائل، كما أوضح لنا أن القفازات تتضرر كثيرا وتتطلب تغييرها بعد كل عملية، لكن نقص الموارد جعل أغلبية زملائه يعملون بقفازات ممزقة، لكن لم يسبق أن تركت جنازة دون التكفل بها رغم كل المشاكل المسجلة، مثلما ذكر محدثنا.
وطالب العامل برفع منحة كورونا التي يستفيد منها عمال المقابر إلى 10 آلاف مثل باقي القطاعات، مشيرا إلى أن الجهد الذي يقومون به كبير ولا يقل عن أي قطاعات أخرى، بينما لا يستفيدون إلا من 5 آلاف دينار كمنحة، «رغم أنه يصل في عمله إلى احتضان تابوت المتوفى»، كما عبّر.
* عامل الدفن حسام سعدان:
حملت توابيت تتقاطر منها دماء المتوفين
وسرد علينا حسام سعدان أن الخوف تملكه في البداية إلى درجة رفض العمل في دفن الضحايا، إلى أن هددهم المدير بالفصل بسبب عدم القيام بالواجب واضطر المسؤول بعد ذلك إلى مرافقتهم خلال عمليات الدفن، لكنه أكد أنه اعتاد على الأمر مع زملائه، وصاروا يعملون اليوم دون الحاجة إلى مرافقة، موضحا أن الحاجة إلى الإمكانيات هي المشكلة الأولى، فضلا عن أن الأمر كان في غاية الصعوبة من الناحية النفسية في المرحلة الأولى من الجائحة.
وذكر لنا حسام أنه عانى وزملاءه من صعوبات كبيرة في البداية بسبب عدم جودة التوابيت، حتى أنهم سجلوا حالات لتوابيت تتقاطر منها دماء المتوفى، وهو نفس ما أكده لنا مدير المؤسسة، خصوصا في الفترة التي عرفت ارتفاعا في الوفيات خلال الأشهر الماضية، في حين نبه إلى أنهم صاروا اليوم يتفقدون التابوت ويضيفون إليه مسامير إضافية لزيادة تماسكه، كما قال أن الوضع صار متحكما فيه بشكل أكبر.                     
س.ح 

الرجوع إلى الأعلى