تهدد الجزائر من بين المخاطر 14 الكبرى المحددة من قبل هيئة الأمم المتحدة، 10 مخاطر، وتتمثل أساسا في الزلازل والفيضانات والحرائق إلى جانب المخاطر البيولوجية، ولا تقل جميعها خطورة عن الحروب والنزاعات والأمراض الفتاكة، وهي تمثل تحديات فعلية أمام السلطات المعنية للتخفيف من آثارها سواء على البيئة أو على سلامة وصحة الأفراد.
وتواجه الجزائر بشكل خاص حرائق الغابات التي تتكرر سنويا لعوامل مناخية وأخرى تتعلق بتدخل اليد البشرية، ومهما كانت الأسباب فإن هذه الكارثة تقضي في كل مرة على مساحات واسعة من الأشجار والأغطية النباتية، كما تتهدد بلادنا الفيضانات الناجمة عن التقلبات المناخية، في وقت لم تتمكن بعض البلديات من مسايرة الوضع وإعداد مخطط لإعادة تهيئة الإقليم للوقاية من هذه المخاطر، لا سيما بالولايات الجنوبية التي تبقى أكبر المناطق تضررا.
كما تصنف الجزائر من الدول المعرضة لمخاطر الزلازل، بسبب وقوعها في منطقة نشاط زلزالي، وتعتبر كافة الولايات الشمالية للوطن مناطق زلزالية، ولنا أمثلة عديدة عن الخسائر المترتبة عن هذه الكارثة، على غرار ما عاشته ولاية بومرداس في سنة 2003، وزلزال الشلف في سنة 1980 من القرن الماضي، وأخيرا الزلزال الذي ضرب ولاية ميلة.

 وتساهم في رفع حصيلة الخسائر الناجمة عن المخاطر الكبرى وفق المختصين، اليد البشرية بسبب عدم احترام معايير العمران، فالكثير من السكنات الفردية التابعة للخواص منجزة على أرضيات غير صالحة للبناء، وعلى مجرى الوديان وعلى أرضيات مهددة بالانزلاقات، مما يفسر ارتفاع حصيلة الخسائر المادية عند حدوث نشاط زلزالي بشدة متوسطة.  ويؤكد مختصون بأن أكبر نسبة من الحرائق التي تأتي سنويا على مساحات غابية واسعة سببها تعدي الإنسان على الطبيعة، فالكثير من الاشخاص يتعمدون إضرام النيران لغايات مختلفة دون أن يدركوا مآلها، آخرها الحرائق التي شهدتها عشر ولايات من بينها تيبازة والبليدة وبومرداس وتيزي وزو وتلمسان والشلف.  وتعرف المادة 2 من قانون 04/20 المتعلق بتسيير والوقاية من المخاطر الكبرى، الخطر الكبير بأنه كل تهديد محتمل للإنسان وللبيئة قد يحدث بفعل طارئ طبيعي استثنائي، أو نشاطات يقوم بها الإنسان، ويحدد النص المخاطر الكبرى التي تهدد الجزائر في الفيضانات وتقلبات الطقس وحرائق الغابات والأخطار الصناعية والطاقوية وأخطار الإشعاعات والأخطار النووية، والأخطار المتعلقة بالصحة، والأخطار المرتبطة بالصحة الحيوانية والنباتية، والتلوث البيئي والأرضي والبحري والمياه، إلى جانب أخطار الكوارث المرتبطة بالتجمعات البشرية الهامة.
وللتخفيف من الأضرار الناجمة عن المخاطر الكبرى، يشدد المختصون والخبراء على ضرورة التركيز على الجانب الوقائي، بالتحسيس والتوعية بأهمية احترام قوانين العمران، وعدم المساس بالبيئة، والعناية بالمساحات الغابية عبر حملات التشجير المستمرة، وإنجاز مسالك لاستعمالها من طرف أعوان الغابات والحماية المدنية في حال اندلاع النيران، إلى جانب إنجاز فواصل بداخلها تمنع انتشار الحرائق على نطاق واسع.ومن ضمن أهم المقترحات أيضا إقحام موضوع الوقاية من المخاطر الكبرى في المقررات الدراسية لمختلف الأطوار التعليمية، وإدراجها كتخصص في الجامعة، فضلا عن استغلال البحوث العلمية والوسائل التكنولوجية الحديثة في الوقاية من الكوارث الطبيعية ومواجهتها ومعالجة الخسائر الناجمة عنها.                                            لطيفة بلحاج   

الخبير عبد  الكريم شلغوم رئيس نادي المخاطر الكبرى
نصف عدد المخاطر يتسبّب فيه الإنسان
أكد الخبير في مجال المخاطر الكبرى البروفيسور عبد الكريم شلغوم، ورئيس نادي المخاطر الكبرى، بأنه إلى جانب الكوارث الطبيعية التي تهدد الجزائر، هناك أيضا الأخطار الصناعية التي لا يمكن أبدا تفاديها بصفة كاملة، مهما كانت مخططات الوقاية المعتمدة.
وقال عبد الكريم شلغوم في رده على سؤال «للنصر» بخصوص كيفية الحد من الخسائر الناجمة عن المخاطر الكبرى، إن بلوغ مستوى «صفر أخطار» غير ممكن، وذكر على سبيل المثال المخاطر الصناعية التي يستحيل تفاديها تماما، لأنها مرتبطة باستخدام آلات وعتاد ومواد خطيرة، لذلك تبقى الإجراءات الوقائية الحل الوحيد للحد من الخسائر الناجمة عنها، ولحماية حياة وصحة العمال.
ويؤكد البروفيسور شلغوم بأن المخاطر الكبرى نصفها يتسبب فيه الإنسان، كالمخاطر الصناعية الناجمة عن تسرب الإشعاعات، على غرار حادثة  المفاعل النووي»فوكوشيما» باليابان سنة 2011، ويؤكد المتحدث بأن الجانب الوقائي يقلل نسبة المخاطر بـ90 بالمائة ولا يمنعها، لتبقى نسبة 10 بالمائة من الخطر قائمة دائما.
ويرى الخبير في المخاطر الكبرى بأن الجانب الوقائي تتحمل مسؤوليته مصالح تهيئة الإقليم والعمران، لا سيما وأن قانون 04/20 حدد المناطق المهددة بالمخاطر الكبرى، قائلا إن النص موجود لكن على أرض الواقع ما يزال هناك عمل كبير ينبغي القيام به، للحد من التجاوزات التي ارتكبت في حق الطبيعة، ولتسوية فوضى العمران، بسبب إنجاز سكنات على مجرى الوديان وعلى أرضيات مهددة بالانزلاقات والنشاط الزلزالي.
وبشأن المخاطر الكبرى المتعلقة بحرائق الغابات، حمل عبد الكريم شلغوم مسؤولية نسبها هامة منها للإنسان، داعيا في هذا السياق  إلى تكثيف الإجراءات الوقائية لحماية الغطاء النباتي، خاصة بالمناطق الجبلية، مقترحا أيضا إنشاء مناطق عازلة تمنع انتشار رقعة النيران في حال اندلاعها للتخفيف من حجم الخسار، قائلا إن بأن الحرائق الأخيرة تسببت في إتلاف 50 ألف هكتار من الغابات.
وأدرج المتحدث وباء كورونا ضمن المخاطر الكبرى التي تهدد كافة الدول من ضمنها الجزائر، معتقدا بأننا سنعيش على مدى ثلاث سنوات أخرى تداعيات الوباء، وبخصوص القانون المتعلق بالوقاية من المخاطر الكبرى، أوضح البروفيسور شلغوم بأنه لا يطرح أي إشكال، بل جاء شاملا ملما بهذا الملف، يبقى فقط تفعيله على أرض الميدان.
     لطيفة بلحاج   

يتم تكوينهم على مستوى المدرسة الوطنية للحماية المدنية
فرقٌ ذات مؤهلات عالية لتسيير الأزمات الناجمة عن الكوارث
تضم مصالح الحماية المدنية أعوانا مختصين ومؤهلين للتدخل عند وقوع كوارث طبيعية، وتتميز هذه الفئة من الأعوان بتكوين عالي المستوى في مجال الإنقاذ والإسعاف، وهي التشكيلة نفسها التي يتم انتدابها في الخارج لمساعدة البلدان التي تشهد كوارث طبيعية تتسبب في خسائر بشرية ومادية فادحة.
أفاد مصدر من خلية الإعلام والاتصال للمديرية العامة للحماية المدنية «للنصر» بأن التدخل الفوري في حال وقوع الكوارث الطبيعية، يتم من طرف أعوان مؤلهين للقيام بهذه المهمة، تم إخضاعهم مسبقا إلى دروة تكوينية عالية المستوى في مجال معالجة آثار المخاطر الكبرى، سواء لإنقاذ الأشخاص من تحت الردوم أو لانتشال الضحايا، وإخماد حرائق الغابات، والإنقاذ في الأماكن الوعرة، وكذا في حال وقوع الحوادث التكنولوجية، كتسرب غازات خطيرة أو مواد مشعة، وغيرها من المخاطر الكبرى التي تهدد الإنسان.
ويتم انتداب هذه الفئة من الأعوان في الخارج، للمشاركة ضمن عديد البعثات التي تأتي من دول مختلفة في إسعاف الناجين من الكوارث الطبيعية وانتشال الضحايا، إذ تحوز الجزائر على شهادة عالمية في هذا المجال، وبحسب نفس المصدر فإن الدورات التكوينية تجري على مستوى المدرسة الوطنية للحماية المدنية إلى جانب الملحقات التابعة لها، لفائدة فرق ذات مؤهلات عالية، كما تضمن المدرسة تكوينا قاعديا لباقي الأعوان في مجال مختلف التخصصات، للتدخل عند وقوع مخاطر كبرى أو الكوارث الطبيعية التي تعرفها بلادنا، لا سيما الفيضانات والزلازل والحرائق.
ويتم انتقاء الأعوان الذين يحصلون على تكوين تأهيلي عالي المستوى بناء على شروط محددة، من بينها اللياقة البدنية وعدم الإصابة بأية أمراض، إلى جانب اتقان اللغات الأجنبية خاصة الإنجليزية، لأن هذه الفرق هي نفسها التي تشارك بها الجزائر في الحملات التضامنية الدولية لمساعدة الدول المتضرر من الكوارث الطبيعية في التكفل بالضحايا، ومعالجة آثار هذه الحوادث التي تتجاوز في كثير من الحالات قدرات وإمكانيات البلد المعني.
وبشأن كيفية التدخل عند وقوع كوارث على مستوى الوطن، أفادت ذات المصادر بأن المتدخلين الأوائل في الميدان هم عادة من الفرق ذات المؤهلات العالية، لينضم إليها بعد ذلك باقي الأعوان المتخصصين، لأن الكارثة تتطلب تضافر الجهود وتدخل أسلاك أخرى للتكفل بسرعة بالضحايا، سواء كانوا جرحى أو عالقين تحت الانقاذ والردوم أو المحاصرين بالنيران.
ويتضمن النظام التكويني القاعدي المبادئ الأساسية للإنقاذ، لإعداد  فرق مختصة للتدخل في مختلف المخاطر الكبرى، كإطفاء النيران والبحث عن العالقين تحت الردوم، في حين يتم تحديد عدد الأعوان المتدخلين حسب حجم الكارثة، كما يتم الاستعانة بالكلاب المدربة في البحث عن العالقين، المعروفة باسم الفرق «سينو تقنية».    
لطيفة/ب

المندوب الوطني للمخاطر الكبرى البروفيسور عفرة حميد للنصر
نقترح إدراج الوقاية من المخاطر الكبرى في البرامج التعليمية
كشف المندوب الوطني للمخاطر الكبرى الدكتور عفرة حميد في حوار «للنصر» على أهمية إقحام البحوث العلمية في الوقاية من الكوارث ومعالجة أثارها، مقترحا إدراج محور بهذا الخصوص في البرامج التعليمية وفي الجامعة، معلنا أيضا عن التحضير لإعادة إطلاق التجربة الرائدة «السد الأخضر» لمواجهة التصحر، إلى جانب إطلاق مشروع مع الباحثين لتدعيم وسائل مكافحة الحرائق، عبر إنتاج طائرات دون طيار محلية بمواصفات عالية، للحد من الأعمال الإجرامية التي تهدد الثروة الغابية.
حاورته/ لطيفة بلحاج 
كيف نعرف المخاطر الكبرى، وأي نوع من هذه المخاطر تواجه الجزائر؟
المخاطر الكبرى التي تهدد الجزائر محددة في القانون04/20 الصادر في سنة 2004 المتعلق بتسيير والحد من الكوارث الطبيعية والتكنولوجية في إطار التنمية المستدامة، وهي تتمثل في 10 مخاطر كبرى، من بينها خطر التغيرات المناخية الذي ينقسم بدوره إلى 6 مخاطر أخرى، إلى جانب الزلازل والفيضانات وحرائق الغابات والخطر المتعلق بصحة الإنسان أي الأوبئة كالكوفيد، مما يؤكد بأن القانون كان استشرافيا، لأن الأخصائيين توقعوا هذا الظرف خلال إعداد القانون سنة 2004 ، وأنا كنت من بينهم.
إضافة إلى الخطر المتعلق بصحة الحيوان، فقد عشنا بعض الأوبئة كالحمى القلاعية، وبالرجوع إلى التاريخ، نجد أن الجزائر تعرضت إلى أربعة مخاطر كبرى هي في الواقع تعود في كل مرة، وهي الزلازل وحرائق الغابات والفيضانات.
فعلى سبيل المثال، سجلت الجزائر منذ مطلع السنة الجارية « أكثر من 120 هزة أرضية، شدتها فاقت 3 درجات على سلم ريشتر، وبالنسبة للحرائق فقد شهدت 12 ولاية في عطلة نهاية الأسبوع 6و7 نوفمبر الماضي، حرائق أتت على أكثر من 40 ألف هكتار من المساحات الغابية، علما أن الخسائر المترتبة عن هذه الكارثة تقدر بـ1.5 مليار دج سنويا.
في حين بلغت قيمة الخسائر التي سببتها الفيضانات والحرائق والزلازل منذ سنة 2004، تاريخ صدور القانون 04/20 المتعلق بالمخاطر الكبرى، وإلى غاية ديسمبر 2019، 545 مليار دج، وتمثل الخسائر الناجمة عن كارثة الفيضانات أكبر نسبة وهي تقدر بـ374 مليار دج، ما يعادل 69 بالمائة، لأنها تتكرر في كل مرة.  
إذا لماذا لم يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي الخسائر الناجمة عن الفيضانات مادامت تتكرر ويمكن التنبؤ بها؟  
صحيح هذا خطر كبير ناجم عن التغيرات المناخية، التي أنتجت ما يعرف علميا بالأحداث الطبيعية العنيفة، أي الظواهر الطبيعية التي تحدث في زمن قصير جدا لا يتعدى 30 دقيقة، وعلى سبيل المثال تهاطل كميات من الأمطار تعادل ما يتساقط في ثلاثة أو أربعة أيام، مقابل استحالة تصميم شبكات للصرف لاستيعاب هذه الكميات الهائلة من مياه الأمطار.
كما لا يمكن أبدا بلوغ مستوى صفر أخطار، فهذا لا يوجد أبدا في الواقع، ومن المستحيل الوصول إلى هذه الدرجة، ومفهوم الخطر علميا هو عبارة عن عشوائية مضروب في هشاشة، والعشوائية لا يمكن التحكم فيها عكس الهشاشة، التي يمكن للإنسان التدخل فيها لتقليصها، باستعمال على سبيل المثال البناء الملائم للمخاطر الكبرى، أي الزلازل والفيضانات، وهنا لا بد من الإشارة إلى نقطة هامة وهي ضرورة احترام المواطن لقوانين التهيئة والعمران، لأنه للأسف الشديد، نجد بنايات مشيدة في الوديان وأماكن غير مرخص لها، وفي أرضية غير ملائمة.
هل المشاريع السكنية الكبرى معنية بهذه النقائص، وهل يتم  استشارة المندوبية قبل مختلف البرامج؟
ما نلاحظه عقب وقوع أي أزمة بصفة عامة، هو أن البنايات المشيدة من طرف الخواص تسجل أكبر نسبة من الخسائر، وبالنسبة لسكنات عدل هي مشيدة وفق دراسات دقيقة وباختيار الأرضية،  عكس البنايات الخاصة، علما أن السكنات الفردية تمثل نسبة 60 بالمائة من حظيرة السكن في الجزائر، وهي الأكثر تضررا عند حدوث أي كارثة، على غرار زلزال ميلة الذي كان بشدة 4.9 ورغم عدم قوته إلا أنه أضر بأكثر من 1600 بناية خاصة أنجزت على أرضية غير صالحة متشبعة بالمياه ودون رخصة، ومعرضة للانزلاق.
ما الفرق بين الكارثة الطبيعية والمخاطر الكبرى؟
لا يوجد كارثة طبيعية وإنما ظاهرة طبيعية، ومن يحولها من ظاهرة إلى كارثة هو الإنسان، وأذكر على سبيل المثال الزلزال فالله سبحانه تعالى خلق الأرض تتحرك، ويعد هذا من بين مظاهر الحياة على الكرة الأرضية باعتبارها كائنا حيا، ومن يقتل حين وقوع الزلزال هي البنايات التي أنجزها الإنسان،  فلو كان البناء وفق القواعد لما حدثت الخسائر، وهو ما يتم تسجيله في كل مرة،  فالإنسان له مسؤولية كبيرة في تحويل الظاهرة من طبيعية إلى كارثة.
ذلك نحن لا نسير الكارثة وإنما خطر الكارثة، وهما مفهومان مختلفان لأن الكارثة تقع في زمن غير معلوم ووجيز كالزلزال مثلا، لكن الخطر الناجم عنه قد بدأ منذ عشرات السنين بتشييد بنايات غير لائقة، إذا تسيير الكارثة هو مرحلة من مراحل تسيير الخطر، بالوقاية والتنبؤ.
كيف يمكن التنبؤ بإمكانية وقوع مخاطر كبرى، كالزلازل مثلا؟
بالنسبة للزلزال غير ممكن، لكن يمكن التنبؤ بالفيضانات من خلال النشريات الجوية الخاصة التي تصدر حوالي ثلاثة أيام من قبل، للتحذير من تساقط أمطار غزيرة، وهي تتوقع أيضا نسبة ارتفاع المياه، وعلى إثرها تقوم وزارة الداخلية بمراسلة كل الولاة لاتخاذ التدابير اللازمة، إلى جانب تجنيد أعوان التدخل، من بينهم أعوان الحماية المدنية.
وبخصوص حرائق الغابات، هناك مجموعة من العوامل المناخية كالرطوبة والحرارة وسرعة الرياح واتجاهها، هي احتمالات يمكن استعمالها لتوقع حدوث حريق في منطقة ما يكون كبيرا، وجب الاستعداد لمواجهته، وتجدر الإشارة هنا أيضا إلى أن يد الإنسان ساهمت في تحويل ظاهرة الحرائق إلى كارثة، فأحيانا العوامل الفيزيائية أو النماذج الخاصة بالتوقعات لا تشير إلى إمكانية حدوث حرائق، لكن الإنسان يقوم بإشعال النيران، فتتغير كل المعطيات، والحل هنا يكمن في الردع، وقد تابعنا مؤخرا حملة لمحاربة هؤلاء الأشخاص، لأن الخسائر كانت كبيرة جدا.
كم يلزمنا من وقت لاسترجاع المساحات الغابية التي أتلفتها النيران، وكيف يتم تسيير خطر الكارثة؟
إن استرجاع غابة على حالها الأول يتطلب نصف قرن، ويبقى ذلك مرتبطا بطبيعة الغطاء النباتي، وقد قمنا مؤخرا بإطلاق حملة لإعادة التشجير في إطار تسيير أخطار الكارثة، الذي يتم على أربع مراحل، وهي الوقاية والتنبؤ والتدخل والعودة إلى الحالة الطبيعية أو القبلية، واستخلاص الدروس لتفادي النقائص.
وبالنسبة لارتفاع درجات الحرارة بالجنوب، كيف يمكن مواجهة الظاهرة؟
هنا الأمر يتعلق بالموجات الحرارية وهي أيضا خطر كبير مصنف في القانون 04/20، إذ يسجل خلال فصل الصيف ارتفاعا غير عادي في درجات الحرارة، يتم التحذير منها في النشرات الجوية بالبقاء في البيوت وعدم الخروج إلا للضرورة، ويتم الإعلان عن الموجة الحرارية، في حال تجاوزت الحرارة المعدل الشهري بنسبة 25 بالمائة.
 ما هي الولايات الأكثر عرضة للمخاطر الكبرى؟
الجزائر كلها معرضة لهذه المخاطر، لكنها تتغير حسب طبيعة كل منطقة، فهناك ولايات أكثر عرضة للزلازل، وكما نعلم توجد خمس مناطق زلزالية في بلادنا، وكل ما هو صحراء مصنف في المنطقة صفر، غير أن هذه المنطقة تواجه خطر الفيضان في ظل التغيرات المناخية الجديدة، التي تسبب في أمطار في غير وقتها إلى جانب خطر الحرارة.
ألا يدعو هذا إلى ضرورة إعادة النظر في تقنيات البناء، وهل رفعتم توصيات بهذا الخصوص؟
نعم رفعنا توصيات، والقانون يتضمن مخططات للوقاية من كل المخاطر الكبرى، فبعد دراسة تقييمية للسنوات السابقة منذ 2004 تبين بأن القانون شامل، ويتضمن أسس معالجة المخاطر الكبرى، لكن من الجانب التنفيذي ما يزال هناك نقص، إذ من بين 30 مرسوما تنفيذيا كان من المفترض أن يصدر عقب المصادقة على القانون، لم يتم الإفراج إلا على أربعة مراسيم تنفيذية فقط.
ولوضع إستراتيجية لا بد من تشخيص الحاضر، لتكوين نظرة مستقبلية، وفي نظري فإن تأخر صدور المراسيم التطبيقية يعود إلى عدم تحديد الآجال ضمن النص في حد ذاته، كما أن الجهات المعنية بإصدار المراسيم وتنفيذها لم يحددها القانون 04/20، إلى جانب عدم تحديد أدوات التنفيذ ومصادر التمويل، فهل يكون ذلك في إطار قانون المالية أو من صندوق خاص.
ويظهر أيضا بأن القانون تجاوزه الزمن، بعد أن ظهرت مصطلحات جديدة منذ العام 2015 الذي تم فيه المصادقة على إطار «سنداي»، وهي تسيير الخطر وليس الكارثة، لذلك أصبح لازما وضع إستراتيجيات مع المجتمع وليس للمجتمع، وإشراكه في وضع البرامج وتنفيذها، لا سيما وأنه يبادر إلى المساهمة حين وقوع الكوارث للتكفل بالضحايا، لكنه للأسف غير منظم بعد.
فلا بد من نظرة جديدة لتدارك النقائص عبر تحديد المسؤوليات والآجال ومصدر التمويل في معالجة مخلفات الكوارث، وأن تكون الإستراتيجية قيد الإعداد ملائمة للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الجزائر خاصة في إطار «سنداي»، مع جعل المجتمع المدني شريكا في الإعداد والتنفيذ، ولتحقيق هذه الأهداف تحضر وزارة الداخلية والجماعات المحلية لتنظيم لقاء وطني خلال هذا الشهر، سيتضمن مساهمة المختصين التابعين لمختلف القطاعات، والهيئات المعنية إلى جانب المجتمع المدني.
وبعدها سنتجه إلى إعداد النصوص التطبيقية، لأن القانون موجود، كما سنصدر كتابا أبيضَ حول المخاطر الكبرى يشارك فيه المختصون عبر تقديم المقترحات.
فيما تتمثل النظرة الجديدة التي تطمحون إليها؟
نريد إدخال البعد العلمي في إطار الإستراتيجية الجديدة، لا بد من تسيير المخاطر الكبرى بالعلم والتكنولوجيا، وليس فقط بتدخل أعوان الحماية المدنية أو أعوان الغابات، فالعلم أو التكنولوجيا هو الحل، وقد بدأنا نأخذ بعين الاعتبار البحوث الصادرة في مجال المخاطر الكبرى، واستغلال نتائجها وتطبيقها ميدانيا.
بدأنا مع قطاع البحث العلمي وأنا ابن القطاع، بحرائق الغابات باستعمال الطائرات دون طيار، والقاذفة للمياه في التدخل لإخماد الحرائق، وقد تم الاتفاق على مشروع نموذجي لصنع هذه الطائرات محليا، بالتعاون مع باحثين جزائريين لهم تجربة، سبق لهم وأن بادروا إلى صنع طائرات «الدرون» لكن لاستعمالات غير محددة.
 وقد عبرت مؤخرا وزارة الداخلية عن احتياجاتها، بتحديد مواصفات الطائرات دون طيار، من بينها مستوى ارتفاعها في الجو والسرعة ومدى مقاومتها للرياح والحمولة القصوى، لاستعمالها في التنبؤ والإنذار بحرائق الغابات ذات المصدر الإجرامي، لأن الطائرات عندما تحوم في السماء ستكون عينا ساهرة على المساحات الغابية.
وأعطي مثالا على ذلك، يوم تنصيب خلية اليقظة والمتابعة لحرائق الغابات التي نشبت مؤخرا تراجعت بنسبة 70 بالمائة، لأنه من ضمن مهام الخلية الحوصلة اليومية، وإعطاء المعلومة للسلطات وتقييم وسائل التدخل والتحقيقات، لأن الخلية تضم ممثلين عن مديرية الأمن والدرك الوطنيين، من أجل القيام بالتحقيقات.
لكن بعد أسبوع، وعقب الإعلان عن منح تعويضات للمتضررين، ارتفعت نسبة الحرائق بـ 70 بالمائة، مما يؤكد العلاقة ما بين اندلاع الحرائق والعمل الإجرامي، ويستدعي هذا الموقف التأكيد على ضرورة غرس ثقافة التأمين على الكوارث، فالقانون الصادر في سنة 2004 يجبر على تأمين البنايات ضد المخاطر الكبرى، إلى جانب قانون آخر للتأمين على المحاصيل الفلاحية، في حين أن نسبة المؤمنين لا يتعدى 10 بالمائة فيما يخص البنايات، لأن الجزائري لا يلجأ إلى التأمين إلا عند تأجير أو شراء مسكن، أي في كل ما يتعلق بالمعاملات التجارية فقط، ليصبح التأمين مجرد ورقة في ملف تجاري.
يعاب على المندوبية تأخرها في وضع المخطط الوطني للمخاطر الكبرى، وتعود هذه الانتقادات كلما تسجل كوارث طبيعية، ما تفسيركم لهذا؟
كما قلت إن التأخر يعود إلى عدم صدور كافة المراسيم التنفيذية للقانون 04/20، وهذا ما نطمح إليه، وقد تم مؤخرا المصادقة على الإستراتيجية الوطنية الخاصة بالوقاية من الفيضانات التي ستكون موضوع مرسوم تنفيذي هو قيد الدراسة، في انتظار صدور مخطط الوقاية من الحرائق ثم التصحر والزلازل، لضبط الآجال والمسؤوليات، ومصادر تمويل الإستراتيجية التي سنضعها.
هل سيتم تخصيص دورات تكوينية للمتدخلين حين وقوع الكوارث؟  
 نعم سيتم تكوين المتدخلين، إلى جانب المجتمع المدني فهو شريك في إعداد وتنفيذ الإستراتيجية، ولابد أيضا من تخصيص دورات تكوينية على المستوى المحلي، لأن الإستراتيجية تنفذ من قبل الإدارة المركزية وصولا إلى الإدارة المحلية، إلى جانب أعوان الحماية المدنية والغابات والدرك الوطني.
ونطمح أيضا إلى إدراج هذا المحور في البرنامج الدراسي للأطوار التعليمية، لتلقين الفرد الجانب الوقائي وكيفية التصرف قبل واثناء وقوع الكارثة وبعدها، كما سنقترح إدراج اختصاص في الجامعة حول المخاطر الكبرى، مع إعداد بحوث وإنشاء مخابر بحثية في هذا المجال.
تأتي ظاهرة التصحر على مساحات شاسعة سنويا من الأراضي، هل أعددتم مخططا لمواجهتها؟
أجل إن ذلك سيكون ضمن الإستراتيجية قيد الإنجاز، فقد أنهينا إعداد مخطط مواجهة الفيضانات، في انتظار إتمام كل ما يتعلق بالتصحر والزلازل وحرائق الغابات، وهي بدورها قيد الإعداد، وستصدر مرفقة بمخططات الوقاية.
ما هي المقترحات بالنسبة بمكافحة التصحر؟
سنعود إلى تجربة السد الأخضر الرائدة، سيتم إحياؤه من جديد، إلى جانب اعتماد نماذج بناء ملائمة للمساهمة في الحد من الظاهرة، وأذكر على سبيل المثال الطرق السريعة في الجنوب نجد أن حوافها مصممة على نفس الطريقة المعتمدة في الشمال، وهي لا تساعد على مكافحة التصحر، لذلك يجب أن تتأقلم نظم البناء مع البيئة الصحراوية.
وأذكر بالتحضير لتنظيم لقاء وطني تشارك فيه قطاعات عدة،  ومختصون وممثلون عن المجتمع المدني قبل نهاية هذا الشهر، لإعداد الإستراتيجية الوطنية للحد من المخاطر الكبرى، وأوجه من هذا المنبر نداء لكل مختص للمشاركة في هذا اللقاء، والمساهمة في إعداد الكتاب الأبيض.

الرجوع إلى الأعلى