سقوط حر لإجراءات الوقاية في وسائل النقل العمومي
تعرف الأسابيع الأخيرة، تراجعا غير مسبوق في الالتزام بإجراءات الوقاية على مستوى المرافق الإدارية و وسائل النقل العمومي بقسنطينة، فالكثيرون تخلوا عن ارتداء الكمامات نهائيا، أما استخدام مواد التطهير فقد بات يدرج ضمن خانة الكماليات بالنسبة للبعض، بالمقابل حطم الناقلون حواجز التباعد الجسدي، و تناسوا صرامة الإجراءات، بالرغم من أن خطر العدوى لا يزال قائما، خصوصا في ظل تحذيرات الأطباء من احتمال تسجيل موجة ثالثة ابتداء من شهر مارس، مؤكدين بأن تراجع عدد الإصابات لا يعني نهاية الكابوس، وذلك بدليل ما تحصيه المستشفيات يوميا من إصابات، منها المستعصية.
شجارات يومية في الترامواي بسبب التهاون
يلاحظ  مستخدمو وسائل النقل العمومي، بأن التزام المواطنين بارتداء الكمامات، تراجع بشكل كبير جدا، مقارنة بالأشهر الماضية، فالأسابيع الأخيرة عرفت تراخيا مطلقا تحولت معه الكمامة إلى مجرد أكسسوار يوضع على الذقن، فيما يحتفظ بها آخرون في جيوبهم أو حقائبهم، تحسبا لأي إجراء عقابي قد يتعرضون له، في حال تدخلت مصالح الشرطة أو الدرك عند حواجز المراقبة على مستوى الطرقات.
 في وقت يواجه العالم ما يقال بأنه موجة ثالثة من فيروس كورونا، و تزيد المخاوف من خطر السلالات الجديدة التي اكتشفت في بعض الدول، على غرار الجارة تونس، يتعامل جزائريون بمنطق اللامبالاة مع الوضع، وهو ما لمسناه خلال استطلاعنا، فقد لاحظنا ونحن نركب إحدى عربات الترامواي، عدم احترام غالبية الركاب لبروتوكول الوقاية، فمواطن واحد فقط من أصل خمسة إلى عشرة، يضع كمامته بالشكل الصحيح، بالمقابل يعلقها البقية على ذقونهم أو يحملونها في أيديهم.
وحسب صالح، و هو عون رقابة في شركة سيترام، فإن مراقبة إجراءات الوقاية و توعية الركاب و حثهم على التباعد، هاجس يومي بالنسبة إليه و إلى زملائه، و هي مهمة لا تخلو، كما قال، من المشاحنات بينهم وبين المواطنين، أو بين المواطنين أنفسهم، كما أن الشجارات بسبب الكمامة لا تتوقف، لأن هناك ركابا يحتجون على عدم التزام غيرهم بارتدائها، أما البعض الآخر فيرفضون، حسبه، التقيد بها و يفضلون النزول على استخدامها، بالمقابل لا أحد يحترم التباعد و ترك مسافة الأمان، حتى أن هناك، كما أخبرنا،  من يدخلون في ملاسنات حادة مع المراقبين، بسبب رفضهم إخلاء المقاعد المخصصة للتباعد، و يجدون صعوبة في تقبل فكرة الوقوف بعيدا، في حين أن هناك مقعدا فارغا.
كبار السن و النساء الأكثر وعيا
لا حظنا خلال جولتنا ، بأن كبار السن و الكهول هم الفئة الأكثر التزاما إلى حد الآن، فهم وحدهم مازالوا يحترمون البروتوكول الصحي، سواء تعلق الأمر بارتداء القناع الواقي أو تجنب الاحتكاك.
و قالت سيدات تحدثنا إليهن، بمحطة الحافلات بحي بو الصوف، بأنهن لا يتخلين عن مطهر الأيدي، مهما حصل، و أصبح قطعة أساسية في حقائبهن، مثل قارورة العطر أو أحمر الشفاه.
 سارة موظفة بوكالة البريد بذات الحي، قالت لنا، بأنها تفاجأت من التراخي الكبير في الوقاية، قائلة بأنها أصبحت تحس بالتهديد، كلما ركبت الحافلة أو سيارة أجرة، فلا أحد، حسبها، يرتدي كمامته أو يستخدم مطهرا ، وكأننا لا نعيش أزمة صحية.
 نفس الملاحظة السابقة سجلناها على مستوى محطة النقل الشرقية، فالجميع تقريبا تخلوا عن الكمامات بشكل نهائي، و ما لمحناه منها، كان إما معلقا على الذقون أو مرميا على الأرض، بالمقابل كانت النساء أكثر من يستخدمنها و أكثر من يحترمن مسافة التباعد بمواقف الحافلات.
أغلب من تحدثنا إليهم من مسافرين في ذات المحطة ،  أجابوا بتهكم عن سؤالنا حول عدم احترام إجراءات الوقاية، حتى أن البعض ذهبوا لحد التشكيك في وجود الفيروس من الأساس، و قال آخرون بأن الجائحة انتهت و زال خطرها، خصوصا بعدما تم توفير اللقاح، و يرى مواطنون ، بأنه لا فائدة من ارتداء الكمامة، لأن الفيروس أصبح ضعيفا وأقل خطرا.
احتكاك داخل الحافلات و تحايل في سيارات الأجرة
يبدو أن معظم حافلات الركاب عادت للعمل، وفق النظام القديم، فقد لاحظنا و نحن نراقب بعض محطات التوقف، بأن الكثير من المركبات تصل ممتلئة عن آخرها، تقربنا من قابض في حافلة عاملة على خط الخروب ـ   بو الصوف، وسألناه عن مدى تقيد الركاب بالبروتوكول الوقائي الذي وضع كشرط لاستئناف النقل الحضري، فقال بأن الإجراءات كانت تحترم في البداية، والكمامة كانت إجبارية، لكن الوضع اختلف الآن، حسبه، فالرقابة الأمنية خفت،  كما قال، وذلك راجع في اعتقاده إلى أن الوضع الصحي استقر،  و بالتالي فإنه لا داعي لاستمرار ما وصفه بـ«التضييق»   على الركاب، معلقا بأن كل شخص مسؤول عن تصرفه، وهو كقابض ليس معنيا بمراقبة الجميع.
بعض من سألناهم من سائقي سيارات الأجرة، تبنوا أيضا نفس الطرح، مؤكدين بأن كل شخص مسؤول عن نفسه، و أنهم ملوا من التضييق، و ما عاد بإمكانهم التحكم في الركاب، بالمقابل اشتكى مواطنون مما وصفوه  بـ « تحايل  السائقين»، و قالوا لنا بأنهم ضاعفوا عدد الركاب إلى ثلاثة و حتى أربعة في السيارة الواحدة،  مقابل الاحتفاظ بنفس تسعيرات النقل التي أقرت خلال الحجر الصحي، تماشيا مع تقليل عدد المسافرين، فالراكب لا يزال مجبرا على دفع مبلغ 150دج من عين سمارة إلى قسنطينة، رغم أنه يتقاسم سيارة الأجرة مع راكبين أو ثلاثة أحيانا.
الدكتور محمد ياسين أمين خوجة
قد ندفع ثمن التراخي غاليا ابتداء من شهر مارس
حذر رئيس مصلحة الاستعجالات بمستشفى البير بقسنطينة، الدكتور محمد ياسين أمين خوجة، من مغبة التراخي و الاستهتار بإجراءات الوقاية، مؤكدا بأن التخلي عن الكمامة في الفضاءات العمومية و وسائل النقل، مغامرة صحية غير محمودة العواقب، قد ندفع ثمنها، كما قال ، خلال الأسابيع القادم، أي ابتداء من شهر مارس، الذي يتوقع المتابعون بأنه قد يحمل موجة ثالثة من عدوى كوفيد 19، خصوصا وأن الكثير من  دول العالم، تسجل تصاعدا متسارعا في منحنيات الإصابات بالفيروس.
 و قال الطبيب بأن تراجع معدلات العدوى في بلادنا، نسبي، و لا يعني نهاية الأزمة الصحية، بدليل أن المستشفيات تحصي يوميا إصابات جديدة، بينها حالات مستعصية تستوجب تحويلها نحو العناية المركزة، و منها ما تنتهي بوفاة المرضى، مضيفا بأن مستشفى البير يحصي وحده شهريا ما يزيد عن 70 مصابا بالفيروس، 3 إلى 4 بالمئة منهم بحاجة إلى عناية دقيقة بمصلحة الإنعاش، أين يطرح أحيانا مشكل نقص قارورات الأوكسجين، ما يعقد  في كل مرة ظروف التكفل و يضاعف معاناة المرضى والأطقم  الطبية على حد سواء، وهو تحديدا ما يستوجب أخذ الحيطة و الحذر و احترام البروتوكول الصحي الذي وضع منذ البداية، كشرط لتخفيف إجراءات الحجر.
 الدكتور أمين خوجة، أشار من جهة أخرى، إلى أن توفر اللقاح لا يقابله تراجع العدوى، لأنه لا مجال للحديث عن تأثير كبير و إيجابي لعملية التلقيح في مراحلها الأولى، خصوصا إذا لم تصل نسبة المستفيدين منها إلى 70 بالمئة من إجمالي سكان البلاد، و بالتالي فإن الحل الأضمن، يكمن في الوقاية والالتزام بشروط التباعد الجسدي.
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى