فايسبوك تسبّب في أضرار صحيّة وتأجيج العنـــف بعدة بلدان

تشهد الساحة العالمية نقاشا واسعا، إثر المعلومات التي تم تسريبها مؤخرا بخصوص إضرار سياسات شركة “فايسبوك” بالصحة العقلية للأطفال والمراهقين وتسببها في تأجيج العنف والفرقة، ليعود الحديث عن “سطوة” هذا العملاق التكنولوجي الذي يتعامل بمنطق تجاري في غياب قانون واضح يحكمه خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية. ويؤكد خبراء في المعلوماتية أنه من الصعب التخلي عن خدمات هذه المنصة التي يستخدمها قرابة 23 مليون جزائري، لكن الوقت حان للتفكير في استحداث تطبيق تواصل محلي يراعي خصوصيات المجتمع والأفراد.

بعد سلسلة “الفضائح” المتعلقة باختراق الخصوصية والتأثير على الناخبين الأمريكيين من طرف “فيسبوك” المالك لمنصتي «واتساب» و «أنستغرام»، جاءت القضية الأخيرة التي فجرتها الموظفة الأمريكية السابقة في الشركة، “فرانسيس هاوغن»، لتكشف عن حقائق صادمة بدأت من صحيفة “وول ستريت جورنال» شهر سبتمبر الفارط بالشروع في نشر سلسلة تسريبات من داخل «فيسبوك» تضمنت وثائق و معلومات خطيرة.
وكان ذلك متبوعا بظهور الموظفة المسّربة على قناة تلفزيونية أمريكية في الثالث أكتوبر، حيث تحدثت فيها عن حقائق أثارت جدلا أكبر و دفعت بالكونغرس الأمريكي لاستدعاء «هاوغن»، وقبل ذلك تم استجواب رئيس السلامة العالمية في فيسبوك “أنتيغون ديفيس” من قبل المشرعين الأميركيين حول الأضرار العقلية والعاطفية التي يمكن أن تلحقها خدمات الشركة بالأطفال.
وكشفت التقارير المقدمة أن فيسبوك كانت تعلم أن منتجاتها يمكن أن تسبب ضررا حقيقيا، بما في ذلك التأثير السلبي على الصحة النفسية للمراهقين، لكنها لم تقم بإجراء تغييرات كبيرة لإصلاح مثل هذه المشاكل، رغم أنها أعدت بنفسها دراسات أثبتت أن مراهقين أصبحت لهم ميولات انتحارية بسبب تطبيق “انستغرام”، وخصوصا وسط الفتيات اللواتي تأثرن بـ “معايير الجمال” التي تروج لها هذه المنصة.
“فايسبوك كانت تعلم أن هناك حسابات لأطفال أقل من 13سنة»
وقالت «هاوغن» إن فيسبوك اختارت مصالحها الخاصة مثل كسب مزيد من المال، كما أكدت خلال جلسة الاستماع في الكونغرس أن «شركة فيسبوك تعلم أن هناك حسابات لأطفال تحت سن 13 سنة على موقعها وهي تجني أرباحا طائلة من الإعلانات التي يستخدم الأطفال فيها»، وأضافت أن «الخوارزميات في فيسبوك قد تؤدي إلى فقدان الأطفال لشهيتهم والموقع يعلم ذلك».
و أشارت الموظفة التي اشتغلت مع فريق مكافحة التجسس التابع للشركة، إلى أن هذه الأخيرة «تزيد من الكراهية وتنشر معلومات مضللة وتسبب الأزمات السياسية»، كما أججت العنف المميت في ميانمار وإثيوبيا، زيادة على أن خوارزمياتها تعزز الفرقة، حتى أن عصابات المخدرات والاتجار بالبشر تستخدم خدمات «فيسبوك» علنا مثلما حصل في المكسيك.
أما «مارك زوكربيرغ» وهو مؤسس شركة «فيسبوك» التي خسرت ملايير الدولارات على إثر هذه التسريبات ثم توقف خدماتها في الرابع أكتوبر، نشر رسالة مطولة نفى فيها المعلومات التي قدمتها الموظفة السابقة و حاول أن يدافع عن سياسات شركته.

الخبير في المعلوماتية يزيد أقدال
المحتوى المحافظ أقل ظهورا من الأخبار المضللة على التطبيق
يرى يزيد أقدال الخبير في المعلوماتية و هو أيضا رئيس لجنة في التجمع الجزائري للناشطين الرقميين، أن النقاش حول الخصوصية و نوعية محتوى «فيسبوك» ليس أمرا جديدا، فالمستخدمون على علم أن معلوماتهم الشخصية تُباع للشركات، و بأن كل تفاعل يجلب لها زبائن جدد، ليتابع قائلا “في الأخير، فيسبوك و كل الشبكات الاجتماعية مجانية وهناك قاعدة تقول إنه إن كان المنتوج المقدم لنا مجانيا فنحن المنتج”.
و يوضح الخبير أن هدف فيسبوك هو بقاء المستخدمين في الشبكة لأطول مدة ممكنة، و لتحقيق هذا الأمر يتم وضع محتوى يجذب الأشخاص سواء تعلق الأمر بنص، صورة أو فيديو، و بالتالي تحقيق ربح مادي، فيما لا يتم حذف هذه المضامين حتى لو كانت تتنافى مع الأخلاقيات، وهو أمر وقفت عليه الموظفة السابقة في “فيسبوك”، فرانسيس هاوغن، كما كشفت أن الشركة تستخدم تقنيات لها علاقة بنفسية الأشخاص خصوصا في انستغرام ما سبب مشاكل في الصحة النفسية للمستخدمين سيما لدى الفتيات المراهقات، لتصل القضية إلى البيت الأبيض ويتم استدعاء هذه الموظفة للكونغرس الأمريكي، في انتظار فرض عقوبات على فيسبوك أو سنّ تشريعات خاصة.
و يضيف المتحدث أن من الأمور الأخرى التي تم اكتشافها، هي أن المحتوى المحافظ الذي يدعو عادة إلى الحد من مظاهر سلبية معينة، لا يظهر على فيسبوك بقدر ظهور المحتوى المضلل الذي يجلب ضجة وتفاعلا أكبر ويأتي بأكبر عدد من المتابعين.
و يرى الخبير أن الإشكال معقد كون الحكومة الأمريكية هي القادرة على فرض عقوبات على شركة “فيسبوك” التي تقع على ترابها، ليعلق قائلا “إذا كانت هناك جهة يمكن أن تؤثر على سياسات فيسبوك فهي الحكومة الأمريكية التي يخضع لقوانينها».
ويتابع أقدال أن حديث الكثير من المستخدمين عن شعورهم بالارتياح إثر توقف منصات شركة فيسبوك لمدة 6  ساعات في الرابع أكتوبر، يحمل شيئا من التناقض، فهؤلاء المستخدمون هم أنفسهم حمّلوا التطبيق و يدخلونه اختياريا، ما يعطي صورة بأن الأمر يتعلق بحالة إدمان.
و يردف المختص في المعلوماتية في حديثه للنصر، أن وسائل التواصل الاجتماعي و منها فيسبوك، أمر واقع ليس من السهل الخروج منه نهائيا، خصوصا أن استخدامات المشتركين تختلف من شخص لآخر، بين من يضع المحتوى و يتلقاه، و بين من يتواصل أو يقوم باستخدامات تجارية وغيرها.
سياسات تحكمها حسابات ربحية وإيديولوجية
وزيادة على الحسابات الربحية، يعتقد المتحدث أن هناك حسابات إيديولوجية تحكم سياسات فيسبوك وهي تتعلق أساسا برؤية القائمين على المنصة، وهو ما ظهر جليا خلال نقل الأخبار والصور المتعلقة بالغارات الإسرائيلية على غزة في شهر ماي الفارط، لذلك فإنه “لا توجد قواعد واضحة” بهذا الشأن.
و يتوقع المتحدث أن شركة “فيسبوك” ستستمر على الأقل لسنة أو اثنتين، لكن العالم الرقمي من المجالات التي يصعب توقعها، فقد يكون “النزوح” الذي حدث باتجاه تطبيقات أخرى مثل تيلغرام و «سينغال» خلال العطب الأخير، مجرد ردة فعل لحظية، بالمقابل، استطاع تطبيق الدردشة الصوتية “كلوب هاوس» أن يستقطب ملايين المستخدمين في ظرف قصير، وهو أمر يقول الخبير إنه يمكن تفسيره بأن استعمال الشبكات الاجتماعية جديد على الأفراد كما أن استخدامها يختلف بين المجتمعات المشغولة وبين تلك التي يعيش بها أشخاص يملكون أوقات فراغ كثيرة.

الخبير في الاتصالات الحديثة يونس قرار
العديد من الجزائريين يوافقون على شروط خدمات فيسبوك دون قراءتها
يرى الخبير في التكنولوجيات الحديثة والاتصالات، يونس قرّار، أن فيسبوك يبقى مؤسسة قوية جدا، وهي كغيرها من المؤسسات التجاربة تعمل بمنطق تجاري، فرغم تأكيدها الدائم أنها تراعي مسألة الأخلاقيات و تتعامل بميثاق داخلي للحفاظ على خصوصية المستخدمين، إلا أن العكس يحصل، فعلى سبيل المثال يقول فيسبوك إنه يرفض المحتوى الذي يمس بكرامة المرأة لكن مضامين مسيئة لها موجودة في الفضاء الأزرق، و»هنا يدوس الربح على الأخلاقيات» مثلما يعلق المتحدث.
و يضيف قرّار في اتصال بالنصر، أن الجزائر تحصي اليوم قرابة 23 مليون مستخدم في منصات فيسبوك، انستغرام و واتساب، وهي تطبيقات يوافق العديد من الجزائريين على شروط استخدامها قبل حتى أن يقرؤوها.
ويردف المتحدث أن الحكومة الأمريكية هي الجهة الوحيدة القادرة على إلزام فيسبوك بإصلاحات، لذلك فمن الصعوبة فرض دولة لوحدها شروطها على هذه الشركة العملاقة باستثناء الصين التي استطاعت تطوير تطبيق “وي شات» و فرض استعماله بعدما لم يرضخ فيسبوك لطلباتها.
و يعتقد الخبير في التكنولوجيا الحديثة والاتصالات أنه من الأفضل على البلدان، ومنها الجزائر، التكتل ضمن مجموعة من الدول، مثلما حصل في الاتحاد الأوروبي، من أجل تشكيل قوة تسمح بالتفاوض مع فيسبوك وفرض شروطها، حيث يمكن أن يحدث ذلك على سبيل المثال، ضمن تكتلات تجمع الدول الإسلامية أو الأفريقية أو دول منطقة البحر المتوسط وغيرها.
و يرى قرّار أنه يجب من الآن، تشجيع الجزائريين على استخدام حلول أخرى غير فيسبوك، خاصة أن بعض المؤسسات لا تتواصل مع المواطنين إلا عبر هذه المنصة، ليضيف أن “الحل الأفضل” هو الوصول إلى استحداث تطبيق محلي يستخدم داخل الجزائر من طرف المواطنين و مختلف الهيئات، لكن تنفيذه على المدى المتوسط أو الطويل، يتطلب وضع استراتيجية جدية ترسم هذا المشروع و توفِّر شروط نجاحه بالاستعانة بالكفاءات الموجودة و الموارد المالية اللازمة.
و قد ظهرت أهمية التطبيق المحلي، مثلما يضيف قرار، عند توقف خدمات فيسبوك و أنستغرام و واتساب دفعة واحدة، وهي منصات يعتمد عليها الجزائريون بشكل كبير في التواصل سيما فيسبوك و واتساب، حيث وجدوا أنفسهم “معزولين” لحوالي 6 ساعات.
و يردف الخبير قائلا “حان الوقت للتفكير بجدية في حلول أخرى لكي لا نبقى رهائن مؤسسة أو دولة، فنحن نرى الصراعات وتضارب المصالح بين الدول وقد يتم استعمال معطياتنا ضدنا».
ياسمين بوالجدري

الرجوع إلى الأعلى