يعاني تلاميذ العديد من المشاتي و القرى بضواحي قسنطينة، من  مشكل  النقل المدرسي الذي تحول إلى كابوس ينغص يومياتهم و يحرمهم  من  الالتحاق  بمؤسساتهم التعليمية في بعض الأحيان.
النصر عايشت معاناة عينة من هؤلاء التلاميذ، بمناطق الظل ببلدية بني حميدان و حامة بوزيان و عين عبيد،  خلال هذا الروبورتاج، حيث التقت بتلاميذ يضطرون لقطع مسافات طويلة، سيرا على الأقدام  للوصول  إلى  مدارسهم منهكين، فيما عمق العمل بنظام التفويج في النقل المدرسي من حدة  المشكلة.

و أرجع مسؤولون ببعض البلديات السبب إلى نقص المناصب المالية المخصصة لتوظيف السائقين، و استهتار بعض العاملين على هذه الخطوط، دون  مبالاة بمصلحة التلاميذ.
تلاميذ يقطعون مسالك جبلية صعبة للعودة  إلى بيوتهم
محطتنا الأولى كانت  ابتدائية زعيم بوحوش التي شيدت على مرتفعات بلدية بني حميدان التي يزاول بها تلاميذ قرية جنان الباز و شعايبية دراستهم.
كانت الساعة  تشير  إلى الحادية عشر و النصف صباحا،  توقفنا  أمام  باب المدرسة، للسؤال عن حافلة النقل، فرد الحارس أنها لم تحضر اليوم و أن التلاميذ الصغار، غادروا المكان سيرا على الأقدام، قبل دقائق  للعودة    باتجاه  بيوتهم، و  اختار  بعضهم قطع مسالك جبلية وغابية، اختصاراُ للمسافة  نحو بيوتهم.
قطعت السيارة مسالك جبلية وعرة و منعرجات عديدة، فلمحنا  من بعيد مجموعة من  البنات و الصبيان يرتدون مآزر و يحملون حقائب مدرسية، و هم يتجاذبون أطراف الحديث، للتخفيف على الأجساد الصغيرة تعب السير الطويل.
توقفنا بالقرب منهم ،  فانتابهم الخوف، و منهم من فر هاربا واختبأ   بين الأشجار، اقتربنا منهم و سألناهم عن الحافلة، فردت تلميذة أن سائق الحافلة أخبرهم بأن النقل سيكون متوفرا في الأسبوع المقبل، و بالتالي يتوجهون إلى بيوتهم بعد خروجهم من المدرسة، سيرا على الأقدام، و أحيانا تصادفهم سيارة أو شاحنة في الطريق، فيطلبون من صاحبها نقلهم.
الأطفال تحدثوا عن المخاطر التي يمكن أن يصادفوها في طريق العودة، تحديدا الحيوانات المفترسة، لهذا يفضلون السير في مجموعة، للتصدي لأي خطر يمكن أن يتعرضوا له.
مرت شاحنة من هناك، فتوقف صاحبها و عرض على الصغار نقلهم إلى بيوتهم، فرافقناهم،و  بعد السير حوالي 20 دقيقة عبر المنعرجات، و صلنا إلى مشتة جنان الباز، و بالتحديد إلى موقف الحافلة،  فوجدنا  بعض تلاميذ الطور المتوسط، في انتظار قدوم الحافلة لتنقلهم إلى المتوسطة الكائنة وسط بلدية بني حميدان، و كانوا يخشون عدم حضورها، وبالتالي غيابهم عن الدراسة ذلك اليوم. على حافة الطريق كان يوجد مجرى مائي توقف أمامه تلاميذ الابتدائي، لأخذ قسط من الراحة، و الاستعداد لقطع مسافة أخرى سيرا على الأقدام، للوصول إلى منازلهم، قالت لنا إحدى التلميذات، أنها و بقية التلاميذ الصغار ، يضطرون في فصل الشتاء للتوقف أمام المنبع المائي لغسل أحذيتهم من الوحل،  قبل الصعود إلى الحافلة إذا وجدوها هناك.
رافقنا التلاميذ الذين واصلوا طريقهم بشجاعة و فخر كبيرين، لأنهم يقطعون كل يوم هذه المسافات في سبيل العلم، كان الطريق غير معبد، تملؤه الأوحال و المطبات، وسط مناظر طبيعية ساحرة، في حين كانت مساكنهم لا تزال بعيدة في المرتفعات، توقفنا بعد أن أرهقنا المشي، و ودعنا التلاميذ الذين تفرقوا عبر عدة مسالك، كل باتجاه بيته.
نفس المشكل يعاني منه  تلاميذ  قرية القارف، في بلدية حامة بوزيان، الذين يزاولون دراستهم في ابتدائية عدوي رابح، فهم يضطرون لقطع ثلاثة  كيلومترات، للعودة في المساء إلى منازلهم، بسبب عدم توفر النقل في تلك الفترة المسائية، وهو ما أكده للنصر، أحد الأولياء الذي وجدناه ينتظر أمام مدخل المؤسسة ابنيه، و عدد من أبناء جيرانه، فقد اتفق الجيران على التناوب كل يوم، في انتظار أبنائهم و مرافقتهم في طريق العودة إلى المنزل.

 

 

النهوض في الفجر للالتحاق بالقسم في المساء
يواجه تلاميذ الطور المتوسط و الثانوي في بلدية بني حميدان و عين عبيد، مشكل تذبذب النقل المدرسي، إذ لا تتوفر سوى مناوبتين فقط الصباحية و المسائية، ما زاد من معاناتهم في ظل التدريس بالتفويج.
وجدنا أمام متوسطة لحنش رابح ببني حميدان ، مجموعة من التلاميذ يفترشون الرصيف بالقرب من المؤسسة، اقتربنا منهم لسؤالهم عن أماكن إقامتهم، فتبين أنهم من سكان المشاتي، على غرار المارة،  طيكوك و جنان الباز و سيدي إدريس و غيرها.
بخصوص توفر خدمة النقل، أكدوا لنا أنهم يعانون كثيرا، بسبب عدم توفر مناوبة منتصف النهار، بعد نهاية دروس الأفواج الصباحية، لهذا يضطر تلاميذ الأفواج المسائية للنهوض كل يوم  في الفجر، لركوب حافلة  النقل المدرسي و الانتظار أمام المؤسسة من الثامنة صباحا إلى حدود الواحدة بعد  الزوال، لدخول  القسم، نفس السيناريو يتكرر مع تلاميذ الأفواج الصباحية بعد نهاية الدراسة، حيث يبقون أمام مؤسساتهم إلى غاية الخامسة مساء، في انتظار قدوم الحافلة.
قالت إحدى التلميذات إنها و بقية زملائها  ينتظرون قرابة خمس ساعات يوميا قرب المتوسطة، حيث يفترشون الرصيف أو يجلسون تحت الأشجار، مؤكدة أن هذا الوضع يرهق ولكن لا خيار لهم، من أجل مزاولة دراستهم، كونهم  يقطنون قرى بعيدة، و لا توجد هناك وسائل النقل العادية، و يعاني من نفس المشكل تلاميذ الطور الثانوي . نفس الوضعية يعيشها تلاميذ ببلدية عين عبيد التي توفر النقل لهم مرتين في الصباح و المساء، أما مناوبة منتصف النهار فهي غير متوفرة، كما أخبرنا عدد من الأولياء .
متمدرسون يجبرون على التغيب
قال عدد من تلاميذ الابتدائي و المتوسط و الثانوي و أوليائهم للنصر، إن تذبذب خدمة النقل المدرسي، وراء الغيابات المتكررة للتلاميذ منذ بداية الدخول المدرسي، تحديدا تلاميذ الدوام المسائي، الذين لا يستطيعون الالتحاق بالقسم، في حال عدم قدوم الحافلة.
في مشتة جنان الباز، صادفنا مجموعة من تلاميذ الطور المتوسط، ينتظرون قدوم الحافلة، للحاق بالفوج المسائي، لكن بعد  طول انتظار،  تبين  أنها  غير متوفرة، فاضطروا إلى العودة للبيت، و قال التلميذ محمد، أنه تغيب ثلاث مرات، لعدم توفر النقل، فاضطر والده إلى الذهاب معه إلى المتوسطة، لتبرير غيابه، مضيفا أنه حال الكثير من زملائه.
أزيد من 50 تلميذا في حافلة واحدة
إلى جانب تذبذب خدمة النقل المدرسي في مناطق الظل، على غرار حامة بوزيان و بني حميدان و عين عبيد، يطرح أيضا بشدة مشكل الاكتظاظ داخل الحافلات، و عدم الالتزام بالتباعد الجسدي، رغم الأزمة الوبائية.هذه النقطة أثارها تلاميذ تحدثنا إليهم ، حيث قالت تلميذة إن حافلة واحدة تنقل تلاميذ الأطوار الثلاثة كل صباح، من عدة مشاتي ببني حميدان، على غرار جنان الباز، المارة، طيكوك و العمري، باتجاه ثلاث مؤسسات تعليمية، و يصل عدد الركاب أحيانا إلى 50  تلميذا.
نفس الطرح ذهب إليه عدد من تلاميذ مناطق الظل ببلدية حامة بوزيان، حيث أكدوا أن الظفر بمكان في الحافلة صعب جدا ، بسبب الازدحام و الضغط الكبير، و في الكثير من الأحيان يتسبب ذلك في حرمان بعض التلاميذ من الالتحاق بالأقسام.
قرب متوسطة لحنش رابح ببني حميدان، وجدنا عددا كبيرا من التلاميذ أمام الموقف، في انتظار الحافلة الصغيرة القادمة من ثانوية سعيد بومعراف، و عندما بلغت الموقف، لم تكن هناك كراس شاغرة و اضطر التلاميذ إلى التدافع من أجل الصعود و العودة إلى بيوتهم في ظروف مزرية، إلى جانب طول المسافة التي تفصلهم عن مختلف القرى عبر مسالك صعبة.
تحدث التلاميذ عن وجود حافلة واحدة لنقل تلاميذ  تنقل يوميا 50 تلميذا في الطورين  الثانوي و المتوسط، يقطنون جنان الباز، طيكوك ، شعيبية و غيرها، فيما اشتكى تلاميذ قرية عامر صراوية في عين عبيد، من انعدام النقل المدرسي.
أولياء يطالبون بتوفير النقل حماية لأبنائهم
أعرب عدد من الأولياء الذين التقيناهم  خلال إجراء هذا الروبورتاج ، عن استيائهم من الوضعية التي يعاني منها أبناؤهم جراء تذبذب النقل ، و أكد عدد من سكان قرية جنان الباز، أنهم توجهوا إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي، لزيادة  عدد حافلات النقل المدرسي و تغطية العجز المسجل، لكن دون نتيجة. قال أحد الأولياء إن الأطفال معرضون للخطر عند العودة من المدرسة الابتدائية التي تقع على بعد 4 كيلومتر، و السير وسط الأحراش و الغابات،  في حين يستيقظ تلاميذ المتوسط و الثانوي في ساعات الفجر الأولى للالتحاق بالحافلة، و يتعرضون لشتى المخاطر بالنظر إلى طبيعة الوسط القروي، وهو ما حدث مؤخرا مع إحدى التلميذات التي هاجمها حيوان بري في الظلام، و أبدى آخرون خوفهم على بناتهم عند الذهاب إلى الدراسة، و البقاء لساعات طويلة في الشارع، في انتظار دخول الأقسام.
* رئيس المجلس الشعبي البلدي بني حميدان
المشكل مطروح على مستوى خطوط النقل التابعة للبلدية
في رده على سؤالنا حول مشكل تذبذب خدمة النقل المدرسي في عدد من مشاتي بلدية بني حميدان، أكد السيد رضوان زريدة رئيس المجلس الشعبي البلدي، وجود
 اضطراب في الخطوط الأربعة للبلدية، على مستوى مشاتي جنان الباز، شعايبية، المارة و سيدي إدريس، بالنسبة لتلاميذ المتوسط و الثانوي، حيث تتوفر فقط مناوبة واحدة في الصباح و أخرى في المساء، أما مناوبة منتصف النهار فهي غير متوفرة بشكل يومي، بسبب توفر سائق واحد فقط، يعمل على نفس الخط، وهو في حقيقة الأمر يعمل بحظيرة البلدية، و تم تكليفه بالنقل المدرسي، إلى غاية فتح مسابقة لتوظيف سائقين.
أما في ما يتعلق بتلاميذ ابتدائية زعيم بوخوش، أكد أن المشكل  غير  مطروح لتلاميذ جنان الباز و شعايبية، لوجود فوج واحد فقط، خصصت لهم حافلة، لنقلهم في الصباح الباكر و كذا عند العودة على الساعة 11 صباحا، وهو ليس على علم  بوجود تذبذب، و سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة مع السائق العامل على هذا الخط ، كما أكد، مضيفا أن عدد الحافلات كاف، لكن المشكل يتعلق بالمناصب المالية للسائقين، مشيرا إلى أن لقاء سيعقد قريبا لإعادة ضبط برنامج النقل المدرسي بالبلدية.
* رئيس المجلس الشعبي البلدي لحامة بوزيان
الحافلات متوفرة و الإشكال مطروح  في عدد السائقين
من جهته أكد رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية الحامة بوزيان السيد عبد الرزاق فيلالي للنصر، أن البلدية تدعمت مؤخرا بحافلتين للنقل المدرسي، تضاف إلى الحافلات المتوفرة،وهو عدد كاف لتغطية خدمات النقل في البلدية، لكن الإشكال يتعلق بنقص عدد السائقين ، حيث يوجد سائقان فقط، في انتظار منح منصب مالي آخر قريبا لتغطية العجز.
و أضاف المسؤول أن البلدية وضعت برنامج عمل مضبوط، لضمان نقل التلاميذ، وفي حال حدوث تذبذب، فهو راجع إلى عدم التزام السائقين ببرنامج العمل، و تحايلهم على حساب مصلحة التلاميذ، و سيتم  التحقيق  في الأمر قريبا، حسبه.
* رئيس جمعية أولياء التلاميذ  ببني حميدان
هناك فوضى في تسيير النقل المدرسي
أعرب السيد نصر الدين محسن،  رئيس جمعية أولياء التلاميذ ببني حميدان للنصر،  عن استيائه من سوء تنظيم مسارات و توقيت حافلات النقل المدرسي، خاصة ما يتعلق بالمناوبات الدورية.
هذه الفوضى يدفع ثمنها تلاميذ أبرياء، كما عبر المتحدث، حيث يضطر بعضهم إلى المشي مسافات طويلة من أجل الوصول إلى أقسامهم، مضيفا بأن جمعية أولياء التلاميذ، تتابع باستمرار ملف النقل المدرسي، من أجل رفع شكاوى للجنة التربية بالمجلس الولائي.                                    وهيبة عزيون

الرجوع إلى الأعلى