تمكّن باحثون جزائريون  من اختراع أنظمة ريّ وزراعة ذكيّة قلّصت المياه المستعملة بخمسين بالمئة، ورفعت جودة المحصول وكميّته، كما طوّر باحثون شتلاتٍ مقاومة للجفاف والأمراض ونجحوا في تجريب زراعاتٍ استراتيجيّة كالشمندر السكري والزعفران.  ووقفت النصر في هذا التحقيق على تجارب واعدة، يقوم بها باحثون اعتمدوا المعلوماتية الحيوية والذكاء الاصطناعي في ابتكار أنظمة حديثة، سرّعت عجلة البحث العلمي وأعطت نتائج فاقت التوقعات، ودعمت التوجه الجديد للدولة القائم على اعتماد الزراعة الذكيّة لضمان الأمن الغذائي المستدام، في ظل نقص الموارد المائية و التغيرات المناخية.

تحقيق: أسماء بوقرن

تنقل النصر نماذج فلاحية أعطت نتائج مبهرة، جُسدت على أرض الواقع في إطار أبحاث علمية مشتركة، بين باحثين ومهندسين زراعيين ومختصين في المعلوماتية الحيوية، مكنت من اختراع أجهزة و أنظمة زراعة ذكية، وحسنت جودة أصناف زراعية، منها زراعة الزعفران، الذي أصبح بفضل التقنيات الحديثة أجود الأنواع على المستوى العالمي، متفوقا على الزعفران الإيراني، وفق نتائج تحاليل مخابر أجنبية، وهي مؤشرات إيجابية في نظر مختصين في الأمن الغذائي، تدل على قطع أشواط متسارعة نحو تحقيق الاستقلالية في عدة منتجات، حيث أكدوا للنصر بأن الجزائر تتوفر على مؤهلات تجعلها قادرة على تنفيذ مشروع الزراعة الذكية.
البحث العلمي يتصدى لتهديدات الجفاف بحلول مستدامة
تجاوب البحث العلمي مع الآليات التي وضعتها الدولة للتصدي لكل المتغيرات التي تهدد الأمن الغذائي، على رأسها التغيرات المناخية و زيادة موجات الجفاف، وكذا إشكالية ندرة الموارد المائية، التي حالت دون تحقيق الاكتفاء الغذائي، بالرغم من توفر البلاد على مساحات زراعية شاسعة، فمشكل المياه شكل حاجزا حال دون تحقيق التنمية وتجسيد استثمارات فلاحية مستدامة.

ويتوقع باحثون وعلى رأسهم الباحثة في العلوم البيئية والفلاحية فطوم الأخضري، حسب ما كشفت مؤخرا في ندوة حول الأمن الغذائي في الوطن العربي بجامعة قسنطينة، بأن العجز في تحقيق الأمن الغذائي سيزيد بحلول 2050، في ظل التهديدات التي يفرضها الجفاف والتصحر، خاصة بعد أن  سجلت دول المغرب العربي ارتفاعا بدرجة ودرجتين منذ 50 سنة، مع تمركز الجفاف والمزيد من موجات الحر، وتتوقع الباحثة بحلول سنة 2050 انخفاض هطول الأمطار من 20 إلى 30 بالمئة، و زيادة حدة الجفاف والتصحر.
التصدي لهذه التهديدات المناخية المتصاعدة، وتطبيق توجه الدولة الرامي لتطوير قطاع الفلاحة، سرع عجلة البحث  العلمي على مستوى مراكز البحث والمعاهد والجامعات، حيث استطاع باحثون في الفلاحة والمعلوماتية الحيوية والذكاء الاصطناعي، إيجاد حلول لتجاوز مشكلة الأمن الغذائي في الجزائر، وذلك بالتوجه نحو الزراعة الذكية كتقنية مستحدثة لتحقيق التنمية الزراعية ومنه تحقيق أبعاد الأمن الغذائي، حيث تعتمد أساسا على التقنيات الحديثة باستخدام تقنية انترنت الأشياء المدعومة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، التي من شأنها زيادة وتحسين الكفاءة الإنتاجية للمحاصيل، والمرتبطة أساسا بالزراعة والري الذكي و وضع بيوت بلاستيكية ذكية، وتكثيف شتلات مقاومة لتقلبات المناخ، مع تقليص معدل التبذير، بما يضمن التوسع في حجم الاستثمارات الفلاحية وبالتالي تحقيق الاستدامة في الأمن الغذائي.
 اقتصاد 40 بالمئة من مياه الري
ولعل أبرز تجارب الزراعة الذكية الناجحة، التي فاقت نتائجها توقعات باحثين على مستوى مستثمرات فلاحية بمختلف جهات الوطن بما فيها مناطق قاحلة، هي تجربة الزراعة الذكية لمنتوج الزعفران والشيا والشمندر السكري، الذي يعد من الزراعات الاستراتيجية التي توفر ثروة بديلة، خارج إطار المحروقات، حيث شجعت الدولة على زراعته لتوفير مادة السكر ذات الاستهلاك الواسع لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ويكون ضمن المشاريع البحثية المسطرة في إطار الزراعة الذكية، التي أنجزت  بفضل اختراع جهاز ذكي من قبل باحثين من مركز البحث العلمي والتقني حول المناطق القاحلة، من بينهم الباحثة فطوم الأخضري.   

وقد أطلعنا الدكتور زين الدين خمري، باحث على مستوى مركز البحث العلمي والتقني في المناطق القاحلة بولاية بسكرة ومدير مركز بعث الابتكار والتكنولوجيا على مستوى المركز و رئيس  قسم العلاقات الخارجية وتثمين نتائج البحث والاستشراف، على طريقة عمل نظام الزراعة الذكي، حيث يشتغل هذا الأخير  بناء على قاعدة بيانات تتضمن نتائج تحليل نوعية التربة و المياه،  وعلى حالة رطوبة التربة وسرعة الرياح وهطول الأمطار وتوفر المياه و التحكم في ملوحة التربة، يتم استقبالها بمحطة المعالجة  عن طريق أجهزة استشعار ذكية، وهي ثلاثة خاصة بالرطوبة ودرجة الحرارة والرياح، يتم تثبيتها بالأرض من خلال أجهزة إرسال لا سلكية تضمن إرسال تردد لاسلكي، و يمكن النظام الذكي المزارع أو مسير النظام من الوصول إلى ما أسماه "خادم المعلومات"، عبر الأنترنيت بعد تحميل التطبيق و تثبيته بنظام "أوندرويد"  عبر الهاتف المحمول أو "وينداوز".
 وأكد مخترعو النظام للنصر، أن تطبيق الاختراع الحالي يعد ذا أهمية قصوى في أي منطقة يكون الماء فيها عاملا مقيدا للزراعة المستدامة، حيث أثبتت النتائج بمثمرات فلاحية أنه يضمن إدارة مستدامة للمياه و التربة، ويقتصد 40 بالمئة من مياه الري، ومناسب لجميع أنواع المحاصيل الزراعية، سواء بتطبيق الري بالتنقيط أو الرش أو الري المحوري، ويعمل بناء على احتياجات النبتة، ويوفر الوقت والمال.
بيانات رقمية حول 12 نوعا من التربة
وبناء على قاعدة البيانات التي يشتغل على أساسها النظام، يتم تحديد آليا نسبة الرطوبة التي تحتاجها النبتة، ما يحد من تبذير المياه، و تضرر النبتة، بحيث يقوم النظام عند انخفاض مستوى الرطوبة في التربة بتشغيل مضخة المياه، والقيام بوظيفة السقي آليا دون تدخل العامل البشري، كما يرسل رسالة نصية "أس أم أس" للفلاح، تتضمن توقيت ومدة السقي، حيث أشار الباحث إلى أن الجهاز يتوقف آليا عند تساقط الأمطار أثناء عملية السقي، ناهيك عن قيامه بوظيفة تحديد سمات النبتة وعمرها وطبيعة الجذور ونوع التربة، كما يحدد عتبة السقي ونوعه، سواء كان سقي موضعي أو رش محوري أو السقي بالتقطير، آخذا في الاعتبار مدى مقاومة النبتة للأملاح، وما ميز الجهاز، حسب الشروحات المقدمة من قبل الفريق البحثي، هو توفره على معطيات تتعلق بـ 12 نوعا من التربة، كما أنه يعمل بالطاقة الشمسية لاقتصاد الطاقة، ويشتغل أيضا بالطاقة الكهربائية، مؤكدين بأن نجاعة النظام أبهرت باحثين أجانب.
تكنولوجيا جعلت الزعفران الجزائري الأفضل عالميا


المخترعون جسدوا مشاريع بحثية على مستوى مستثمرات فلاحية، وبالتنسيق مع فلاحين، فكانت البداية بتطوير زراعة الزعفران باستخدام نظام السقي الذكي و تثبيته في خمس جهات من الوطن، وعلى مستوى 35 ولاية، لتحديد المنطقة الأنسب لزراعة أجود أنواع الزعفران، و لمعرفة كيفية تأقلم الجهاز مع الظروف البيئية المحيطة به.
وقد أعطى نتائج مبهرة، حسب ما وقفنا عليه، حيث نجح في اقتصاد أكثر من 40 بالمئة من المياه و قدم أحسن مردود لمنتوج الزعفران، تبين بعد تحليل عينات منه بمخابر أوروبية أنه أجود أنواع الزعفران على المستوى العالمي، متفوقا على الزعفران الإيراني، الذي تقدر نسبة أهم مركب فيه وهو مركب الكروسين الذي يحدد نوعيته، 19 بالمئة، ليتخطى الزعفران الجزائري هذه النسبة، مسجلا نسبة فاقت 22 بالمئة، و زيادة في معدل إنتاجه، نتيجة توصل الباحثين لبرنامج ري مناسب، اعتبروه بالسابقة في مجال زراعة هذا المنتج، الذي لم يتم لحد الآن التوصل لبرنامج سقي يتلاءم و زراعته بشكل أنجع، حيث أكد الباحث خمري بأن النتائج المحققة أبهرت باحثين وخبراء أجانب، الذين طلبوا تسويق الجهاز وعرضوا إنجاز استثمارات مشتركة.

تجسيد آليات الزراعة الذكية، مكن من تحديد المناطق التي تعطي إنتاجا أوفر و ذا جودة عالية مع اقتصاد المياه، وهي مغنية ومعسكر وتيارت، والتي تعاني أساسا من نقص كبير في المياه، إلا أن ذلك لم يؤثر على إنتاجه، حسب مبتكري النظام، بفضل نظام الري الذكي، الذي ساعد في زيادة الإنتاج بنصف كيلوغرام في الهكتار، ليبلغ معدل الانتاج أكثر من واحد ونصف كيلوغرام في الهكتار، بعد أن كان لا يتجاوز واحد كيلوغرام من الزعفران،  الذي يصل سعر الغرام الواحد منه 6 آلاف دينار جزائري.
استراتيجية أنجحت زراعة الشمندر السكري
فريق المعهد، سار بوتيرة متسارعة ليجسد مشروعا استراتيجيا حث رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون على تجسيده في إطار تحقيق الأمن الغذائي وتوفير الأمن المائي، ويتعلّق الأمر بتوسيع زراعة الشمندر السكري للحد من قائمة استيراد السكر، وحث على إنتاجه و استخلاصه من بعض المنتجات الفلاحية، لتحقيق الاكتفاء الذاتي.   
استعمال نظام الزراعة الذكي الذي اخترعه وطوره باحثون من المعهد، على رأسهم الباحثة فطوم الأخضري، ساعد في تخطي أكبر العقبات التي حالت دون نجاح إنتاجه في ظل موجات الجفاف، والمتعلقة باستهلاك المياه خاصة في المناطق القاحلة، والذي كان يصل ألف و 200 ملمتر من المياه في العام، غير أن الفريق استطاع تحقيق  اقتصاد بنسبة 50 بالمئة، و بلغ معدل الاستهلاك بفضل جهاز السقي الذكي 600 ملم، أما بالنسبة للمردود فقد فاق كل التوقعات، حيث  تم تحصيل 150 طنا في الهكتار، بعد أن كان يتراوح ما بين 80 إلى 120 طنا في الهكتار.
أما بالنسبة لنوعية الشمندر وكمية السكر المستخلصة من الشمندر السكري بفضل تقنيات الزراعة الذكية فكانت المفاجأة، حسب الدكتور خمري، حيث بلغت ما نسبته 24 بالمئة، وهي تفوق النسبة المسجلة عالميا، والتي لا تتخطى 19 بالمئة.
نتائج غير مسبوقة في إنتاج "الشيا" ببسكرة وتقرت
النظام الذكي لم يعط نتائج مبهرة في إنتاج الزعفران فحسب، وإنما قدم كذلك منتوجا ذا جودة وبوفرة أكبر، في زراعة الشيا، التي تم تجسيدها بثلاث مناطق بالجزائر هي بسكرة و تقرت و تمنراست، وأعطى نتائج ممتازة، حسب الفريق البحثي التابع لمركز البحث العلمي والتقني للمناطق القاحلة ببسكرة، بفضل ضمان معدل سقي مدروس كما ساهم في اقتصاد المياه، بنسبة بلغت 30 بالمئة، مع تحقيق مردود جد عال، و بالتالي تمكن الفريق البحثي بالتعاون مع فلاحين، من تحقيق معادلة اقتصاد المياه مقابل زيادة معدل المنتوج، وذلك بمعدل استهلاك 50 لترا من الماء مقابل إنتاج  100 كيلوغرام من الشيا.
الجهاز يعتمد في عدة مشاريع سطرتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بالتعاون مع مديرية التطوير العلمي والتكنولوجي، منها مشاريع بحثية وضعت في إطار تحالفات عربية لتحقيق الأمن الغذائي، وقد قام الفريق بتقديم مشروع الري الذكي، حيث سيتم العمل فيه مع دولة عربية، في مجال زراعة الحبوب.
ممثل الفريق البحثي، الدكتور زين الدين خمري شدد على ضرورة التركيز على البحث العلمي، الذي يعد الأداة التي تقدم حلولا مستدامة، تساعد في الحفاظ على البيئة و المياه وتحقيق الأمن الغذائي، الذي يتأتى بالتكنولوجيا و استخدام الذكاء الاصطناعي، الذي سهل وحسن أداء الفلاح، خاصة في ظل تسجيل مشكل عدم توفر اليد العاملة.
فلاحون يتكيفون مع تحولات التكنولوجيات الزراعية
الجهاز قدم امتيازات للفلاح، أحدهم  في الغرب الجزائري واكب الزراعة الحديثة باستخدام نظام الاستشعار و الري الذكي، الذي وفر له الوقت و الجهد، حيث أنهت التكنولوجيا معاناة تنقله بشكل دائم للمستثمرة الفلاحية، التي كان يقطع مسافات طويلة للوصول إليها، إذ يقوم الجهاز بالدور المنوط، كما يرسل له معطيات عبر رسائل نصية، تصله عبر التطبيق المثبت بهاتفه، ناهيك عن تسجيل ارتفاع في معدل الإنتاج إلى الضعف تقريبا، وهي شهادة نقلها الباحث خمري عن فلاح من مغنية، قدمها في إطار البحث المشترك الذي جسد لمزرعته، مؤكدا بأن الفلاح اليوم بات يؤمن باستخدام التكنولوجيا، ويراها ضرورة لزيادة معدل منتوجه و تحسين جودته، كما نقل الدكتور شهادة فلاحين بتيزي وزو تم تجريب نظام الزراعية الذكي بمستثمراتهم الفلاحية، والذين أبدوا استعدادهم لشراء الجهاز خاصة في المناطق التي تعاني من انخفاض المياه الجوفية و المياه السطحية.
بيوت بلاستيكية ذكية ثورة في الزراعة الرقمية
وضع بيوت بلاستيكية ذكية تسير بتقنية أنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، بتطبيق المعلوماتية الحيوية، مع استنباط أصناف نباتية  ذات الانتاجية المرتفعة وأكثر تحملا لظروف الجفاف ودرجات الحرارة، من بين آليات نجاعة الزراعة الذكية، وتكمل ابتكارات أنظمة وأجهزة الزراعة الذكية، التي لا تقتصر على أنظمة الري وإنما تشمل مختلف البرامج الرقمية الخاصة بدراسة نوعية التربة ونسبة الملوحة الموجودة بها، واستشعار مختلف التغيرات الطارئة، وهو ما راهن عليه مركز البحث الوطني في البيوتكنولوجيا بقسنطينة، بفضل مجهودات باحثين في قسم الفلاحة وخلية المعلوماتية الحيوية التي تضم عددا من المختصين في مجال الإعلام الآلي وأنترنت الأشياء وغيرها، إلى جانب باحثين في تطوير أنظمة الزراعة و تطوير شتلات مقاومة لمختلف الظروف المناخية، والأمراض.

رئيس قسم الفلاحة بمركز البحث الوطني للبيوتكنولوجيا الدكتور بوعلام حرفي، قال بأنه تمت مباشرة تجسيد مشروع متعلق بالزراعة الذكية، عبر مرحلتين الأولى تمثلت في وضع البنى التحتية بمحطة تجارب فلاحية، وذلك بوضع الدفيئات الزراعية بمنطقة البعراوية، أين لاحظنا إنجاز ستة بيوت بلاستيكية بمساحة 180 مترا مربعا، وأخرى  بمساحة 500 متر مربع، ليتم على مستوى كل بيت بلاستيكي تجسيد مشروع زراعي، حيث يتوفر البيت البلاستيكي على نظام مراقبة ذكي لاستشعار معدل دخول وخروج الهواء، وكذا نظام تبريد.
و وقفنا خلال زيارتنا للمحطة التجريبية، على الدور الكبير الذي قامت به وحدة المعلوماتية الحيوية، التي تضم باحثين، تمكنوا من وضع أنظمة رقمية و استشعارات ذكية وغيرها من التجهيزات الرقمية، لجمع كل المعلومات اللازمة المتعلقة بمحيط نمو النبتة، وأخذ بيانات مفصلة عن كل مرحلة من مراحل النمو، التي لم تكن متاحة من قبل، وتتعلق أساسا بدرجات الحرارة ودرجات الرطوبة مع إرسال إشعارات وتنبيهات بظهور مرض، كما تساعد في ضبط موعد السقي، فضلا عن تقديم صور حية من أبعاد مختلفة لنمو النبتة، وتعطي هذه البيانات نماذج تساعد على تدوين معلومات دقيقة في قاعدة البيانات الخاصة بنظام السقي، وانتقاء نوع المحصول الذي أعطى نتائج جيدة  نوعا وكما.
رش المبيدات و ضبط كميتها بالذكاء الاصطناعي
 ونجح الباحثون بفضل قاعدة البيانات الدقيقة، في التحكم وفي ضبط شروط نمو النبتة، من خلال التحكم في معدل السقي ودرجات الحرارة وتنويع المحصول، وانتقاء الأنسب لكل منطقة، حيث أكد الباحث عبد الباسط بوقليع، أحد عناصر خلية المعلوماتية الرقمية، التي تضم خمسة باحثين، بأن نظام الزراعة الذكي الذي تم اختراعه لا يقدم معلومات متعلقة بتوقيت السقي والظروف المناخية للنبتة فحسب، وإنما يقوم آليا بضبط التوقيت المناسب لرش المبيدات ومعدل استعمالها، كما يساعد الفلاحين في تحديد موعد الزرع و السقي واستعمال المبيدات.

قال الدكتور عبد الباسط بوقليع، في لقاء بالنصر، بأن الخلية تستعمل الخوارزميات في ميدان الإعلام الآلي لمساعدة الباحثين في الزراعة في جمع معلومات، معتمدا على أنترنت الأشياء، لالتقاط البيانات المساعدة  في تثبيت قاعدة بيانات تتعلق  بالنبتة واستشعار كل التغيرات التي تطرأ عليها في حال ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها أو عند حدوث أي تغير مناخي، كما تستشعر وجود الحشرات التي تظهر عند تغير درجات الحرارة، حيث أوضح الباحث عبد الباسط، بأن الخلية تعمل وفق خوارزميات خاصة بالذكاء الاصطناعي عبر تقنية التعلم العميق، لإيجاد و تحديد سمات كل نبتة بدقة، و تساعد الخبير الزراعي في اتخاذ القرار وتحديد المنطقة المناسبة لزراعة كل نوع من أنواع المحاصيل، كما تساعد المعلومات في إنشاء شتلات جديدة مقاومة أكثر للجفاف و يمكن زراعتها في أي منطقة بما فيها المناطق القاحلة.
تهجين البقوليات لتحقيق الاكتفاء الذاتي
 قطع الباحث بلقاسم زعروري باحث في المركز الوطني للبحث في البيوتكنولوجيا، قسم البيوتكنولوجيا الزراعية بجامعة قسنطينة 2 عبد الحميد مهري، أشواطا هاما في دراسة علمية تتعلق بالتحسين الوراثي للعدس في إطار تحسين جودة البقوليات و تنويعها، باعتماد طرق علمية، أبرزها طريقة التهجين، للحصول على أنواع مختلفة تلبي حاجيات الإنتاج الوطني و تقلص قائمة استيرادها، لتخفيف الأعباء على ميزانية الدولة، و إنشاء أقطاب فلاحية لزراعتها.  

البروفيسور بلقاسم زعروري،  قال في لقاء جمعه بالنصر على مستوى المركز، بأنه يُعد بحثا علميا يتعلق بالتحسين الوراثي للعدس، حيث اختار شعبة زراعية مهمة تتمثل في شعبة البقوليات، مرجعا سبب تركيز بحثه على نوع واحد المتمثل في العدس، لأسباب لخصها أساسا في عدم توفر سوى نوع واحد فقط من العدس على المستوى الوطني يسمى "سوريا 229"، توزعه تعاونية الحبوب و البقول الجافة على فلاحين معروفين بإنتاجه منذ مدة طويلة، لا يملكون آليات علمية لتطوير زراعته، حيث يكتفون باتباع طرق تقليدية في زراعته لجني المحصول في موسمه، ما جعل الإنتاج الوطني محدودا في إنتاج نوع معين بمناطق محددة في شرق و غرب البلاد، لا يلبي حاجيات السوق الذي يعتمد على أنواع أخرى مستوردة، تكلف ميزانية الدولة أعباء مالية و تثقل فاتورة استيراد  المواد الغذائية.

الباحث قال بأنه باشر بحثه منذ خمس سنوات، بعد أن حدد هدفا أساسيا يكمن في تلبية الاحتياجات الوطنية من الإنتاج الوطني للعدس، و التخفيض من قائمة الاستيراد على المدى القريب، و وضع استراتيجية ناجعة للاستغناء كليا عن استيراده، من خلال اعتماد طرق علمية للتحسين الوراثي للعدس، و طرح أنواع جديدة و تطويرها بما يتلاءم و التغيرات المناخية و غيرها من العوامل، منها طريقة التهجين، التي تعتمد مبادئ علم الوراثة وطرق علمية أكاديمية، تساعد في استنباط أنواع جديدة، لها خصائص كثيرة كخاصية التكيف ومقاومة الجفاف، موضحا أن التحسين الوراثي للعدس يقوم أساسا على تطوير أنواع جديدة لتوزيعها على الفلاحين المنتمين لشعبة إنتاج البقوليات و بالضبط العدس، كاشفا بأنه توصل لنتائج إيجابية غير أنها ليست نهائية،  فالبحث الذي باشره منذ خمس سنوات، لا يزال متواصلا حسبه، على مستوى مخبر المركز، أين يجرى اختبار العينات و العمل على تطوير أنواع جديدة أخرى، إلى أن يصل للمرحلة النهائية، التي يقوم خلالها بانتقاء الأنواع الأكثر مردودية و جودة و المستوفية لكل الشروط العلمية.
أنواع عدس مقاومة للجفاف والفطريات
وأكد الباحث بلقاسم زعروري، أن الدراسة الأولية حققت نتائج مبهرة وإيجابية، بتقديم أنواع من العدس تتوفر على عدة عوامل جديدة ملائمة للظروف الحالية، كما أنها أكثر جودة و ذات مردودية أحسن وقيمة غذائية أفضل، تطهي في مدة أقل من النوع المستهلك حاليا، مقاومة للأمراض خاصة الفطرية والحشرات، وللعوامل المناخية، مشيرا في هذا السياق إلى أن التغيرات المناخية التي أصبحنا نشهدها في السنوات الأخيرة تم مراعاتها و بالأخص تساقط الأمطار في غير أوانها و عامل الجفاف، الذي أصبح مؤشرا و عاملا أساسيا في قياس نسبة المردود السنوي سواء من البقوليات أو غيرها من المحاصيل الزراعية.
وبخصوص عدد الأنواع التي توصل إليها، قال بأنها لم تحدد بعد، لكن تقريبا هناك ما بين ثلاثة أو خمسة أنواع من العدس، هذا كنتيجة أولية، مشيرا إلى أنه نتيجة البحث النهائية ستثمر عن طرح أنواع معينة، غير أن البحث لن يتوقف وسيتواصل لتوفير أنواع أخرى  في سنوات الموالية، مضيفا فيما يتعلق بتحديد الأراضي الصالحة لزراعة حسب طبيعة كل نوع، بالقول بأن التفكير مبدئيا يتجه للمناطق المنتجة حاليا للعدس والموزعة على كل من ولاية سوق أهراس وقالمة وقسنطينة وميلة.
كذلك، يضيف، بولايات بالغرب الجزائري باتجاه تيارت وسيدي بلعباس وعين تيموشنت، مشيرا إلى أن تطوير هذه الشعبة بطرح أنواع أخرى سيوسع رقعة زراعته، حيث سيشمل ولايات أخرى، ويجرى تجريب بعض من الأنواع المتوصل إليها، لانتقاء في الأخير المساحة الزراعية المناسبة، بحسب طبيعة التربة والأراضي الزراعية المناسبة لتقديم منتوج ذي جودة وكمية، كما سيتم في المراحل النهائية للبحث الخروج من المخبر لتجريب عينات من الأنواع على أرض الواقع لاختبار المردودية، ولانتقاء الأنواع المناسبة.
 وأشار الباحث إلى أن طبيعة التربة ومناخ المنطقة لهما دور كبير، لذا اختبار المردودية عملية أساسية ومهمة في تحديد أماكن زراعة كل نوع، مؤكدا بأنه يعكف على القيام بتجارب دقيقة في المخبر للتمكن من تقديم نتائج دقيقة وجيدة تحدث نقلة نوعية في المجال الزراعي وبالأخص في زراعة العدس، حيث يأخذ بعين الاعتبار عوامل عدة في ضبط خاصية كل نوع تراعى فيها الأمراض المنتشرة بالتربة والأسمدة والمبيدات والحشرات، أملا في توفير أنواع تحقق التنوع والجودة في هذه الشعبة لتحقيق الاكتفاء من الإنتاج الوطني والتخلص من قبضة الاستيراد، خاصة أن الجزائر تتمتع بشساعة أراضيها وتنوع مناخها، ما يؤهلها لإنشاء أقطاب فلاحية، بتحويل مناطق من الوطن إلى قطب يختص في زراعة نوع معين من العدس.
أ.ب

* كريم عفيصة مهندس زراعي بالمعهد الوطني للأراضي والسقي
آليات السقي الذكي ضرورة لنجاعة الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي
أكد كريم عفيصة مهندس زراعي بالمعهد الوطني للأراضي و السقي وصرف المياه وبالمخبر الجهوي بأم البواقي، و رئيس الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين وعضو المكتب الإداري للجمعية العربية لعلوم الأرض والمياه، أن اعتماد آليات السقي الذكي ضرورة لنجاعة الزراعة و تحقيق الأمن الغذائي، موضحا بأن المهندس الزراعي ساير بدوره الثورة التكنولوجية الحاصلة في مجال الفلاحة، لمرافقة الفلاح الذي أبدى تجاوبا، حسبه.
وقال المتحدث، بأن المعهد يعتمد على برامج رقمية تساعد على أخذ صور عن طريق الساتل و تحليلها لتقديم معلومات تساعد الفلاح على اتخاذ القرار، كما يوفر التقنيات الحديثة المقتصدة للمياه، منها أنظمة السقي بالتقطير لزراعة الخضروات و الأشجار المثمرة و حتى زراعة الذرى، بعد أن تم الاستغناء عن التقنيات القديمة، و تعويضها بأخرى ذكية تثبت داخل التربة لقياس نسبة الرطوبة، و معرفة مدى حاجة النبتة للمياه، كما يوفر أجهزة ذكية متصلة بمحرك رقمي يقوم بتحليل النتائج التي يقدمها جهاز القياس المثبت بالتربة، و هو متصل بدوره بأجهزة السقي ليقوم بتشغيل النظام الذي يحدد الوقت المناسب الذي تحتاج فيه النبتة للسقي، كما يقوم بتحليل المياه لمعرفة مكوناته من الناحية الفيزيائية و الكيميائية، ومن خلال هذه التحاليل  يتم تقديم توجيهات للفلاحين.
أ.ب

* إبراهيم موحوش الخبير في الأمن الغذائي والمائي
نسجل تطورا هاما في الفلاحة الذكية بالجزائر
قال أستاذ الأمن الغذائي و المائي في المدرسة الوطنية العليا للزراعة بالجزائر العاصمة، و عضو المجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجيات، البروفيسور إبراهيم موحوش، إن هناك تطورا هاما في الفلاحة الذكية ببلادنا، وقد أحدثت البيوتكنولوجيا الحديثة تغيرات كبيرة جدا في مجال النشاط الفلاحي، بتثبيت المبادئ الأساسية لاختيار النبتة التي تقاوم نقص المياه، والتوجه نحو الأنواع التي تستهلك أقل،  فضلا عن اعتماد تقنيات ذكية والذكاء الاصطناعي لضبط نظام سقي مقتصد للمياه وللطاقة ويقدم كمية السقي التي تحتاجها النبتة، ولا يحتاج ليد عاملة.
وأضاف المتحدث، بأن الجامعة و مراكز البحث تقوم بعدد لا يحصى من التجارب تستحق التثمين و التجسيد على أرض الواقع، في المقابل هناك فلاحون واكبوا هذه التقنيات الذكية و قاموا باعتمادها من خلال تجسيد مشاريع منتجة، و هذا دليل على تشارك كل الفاعلين و السير بخطى ثابتة نحو تطوير الزراعة، و التخلص و من أعباء الاستيراد خاصة استيراد المواد الاستهلاكية.
أ.ب

* نصر الدين العبيد مدير المركز العربي لدراسات المناطق الجافة
الجزائر تولي أهمية بالغة للتقنيات الزراعية المبتكرة و الذكية
أكد المدير العام للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"، الدكتور نصر الدين العبيد، للنصر، بأن الجزائر تولي أهمية بالغة للتقنيات الزراعية المبتكرة والذكية لتحقيق الأمن الغذائي، وتسير نحو مضاعفة الإنتاج خلال المواسم الزراعية المقبلة، من خلال زراعة الأصناف المحسنة ذات الكفاءة الإنتاجية المرتفعة، المقاومة للإجهادات الأحيائية، فضلا عن أنها لعبت دورا مهما في اعتماد العديد من السلالات المستنبطة من برنامج التربية والتحسين الوراثي في منظمة "أكساد"، حيث تم اعتماد نحو 15 صنفا، وحققت زيادة وصلت إلى قرابة 20 إلى 25 بالمئة في الإنتاج الإجمالي من الحبوب، وأسهمت بشكل كبير في رأب الفجوة الإنتاجية وتعزيز الأمن الغذائي.
محدثنا أردف، بأن المركز العربي أكساد تولى مسؤولية إجراء بعض التعديلات في منظومة القطاع الزراعي، التي تتمثل في تطوير التطبيقات المبتكرة والذكية مناخيا، لتحسين كفاءة النظم البيئية الزراعية وتحسين مقدرتها التكيفية، مع مراعاة المحافظة على استدامة الموارد الطبيعية الزراعية "التربة والمياه"، بما يضمن تحقيق الأمن الغذائي العربي، وقد اتسمت هذه التقنيات بتحمّل الجفاف، وإعطاء إنتاجية أفضل خلال فترة زمنية قصيرة، ومقاومة الأمراض، والحشرات، كما أنها قادرة على الإنتاج بشكل جيد تحت ظروف الخصوبة المتدنية للتربة، وذات كفاءة إنتاجية مرتفعة بالمقارنة مع باقي التقنيات، مؤكدا بأنه من أهم الآليات التي سعت منظمة أكساد لتطبيقها بهدف خفض انبعاث الغازات الملوثة، وتحسين عوامل التكيف مع تغّير المناخ، و استنباط أصناف من القمح والشعير والذرة الرفيعة ذات كفاءة إنتاجية مرتفعة، وأكثر كفاءة في استعمال المياه والأسمدة المعدنية.
ويسعى المركز العربي لتطبيق نظام الزراعة الحافظة أو ما يسمى بـ "الزراعة بدون فلاح" بدلاً من نظام الفلاحة التقليدية، حيث أسهم في نشر وتطبيق نظام الزراعة الحافظة كنظام زراعي متكامل، بتقنيات مبتكرة وذكية مناخيا في معظم الدول العربية، الجزائر، والسودان، وتونس، وموريتانيا، والأردن، وسوريا، ولبنان، والعراق وغيرها، مشيرا إلى أن وزارة الفلاحة والتنمية الريفية في الجزائر تهتم بتنفيذ مشروع "الاستعمال العقلاني للمكننة في المحاصيل الكبرى وتنمية تقنيات تسيير الأراضي لتحسين الإنتاج والمحافظة على الموارد الطبيعية الزراعية باستعمال الزراعة الحافظة" والذي تمت الموافقة عليه من طرف الدول العربية في الجزائر سنة 2022.
ويتم عرض المشروع على مؤسسات التمويل العربية والدولية لتأمين التمويل اللازم، حيث قدم أكساد خلال الندوة العلمية حول "الأمن الغذائي في الوطن العربي"، في مدينة قسنطينة، مشروعين في مجال الموارد المائية، الأول يتعلق برفع كفاءة الري باستخدام تقنيات الري الذكي، والثاني يعنى بالتغيرات المُناخية، وأساليب التكيف معها لتعزيز الأمن المائي والغذائي.
أ.ب

الرجوع إلى الأعلى