منابع تبرك للعرسان ، ولإحياء الموتى في الأذهان

معرفة نظام السقي بمنطقة الفقارة و قصر تمنطيط و تذوق مياه فقارة أنهيل من أبرز ما يحرص السياح عـلى مشاهدته ومعاينته ببلدية تمنطيط . هذا ما أفاد به مندوب الفلاحة بالبلدية المذكورة السيد قاسمي مبارك والمهندس الفلاحي بدائرة فنوغيل السيد حامك الوناس . جولة لمدة نصف ساعـة لا تكفي للإلمام بكل هذا . الأمر قد يتطلب ما لا يقل عن ساعـتين من أجل معـرفة عـينات فقط من القصر و الفقارة.

ارتبطت حياة سكان الصحراء بالفقارة لأنها سبب وجود الحياة بها  ، ولأنها تمدهم بالمياه التي يشربونها ويسقون بها مزروعاتهم من النخيل وغيرها مما يعـرف بالزراعـة البينية المنتشرة بين بساتين النخيل بالواحات  التي تشكل جميعـها  مصدر رزقهم .

لفهم أكبر لنظام الفقارة يجب الوقوف عند مختلف مراحل عملها من البداية إلى النهاية . ولعـل أكثر ما يلتصق بذهن القارئ عـن الفقارة ( إذا كان لا يعـرفها من قبل )  هـو نظامها التقليدي العـجيب بدقته في تقسيم مياهـها بين الشركاء المساهمين في إنجازها واستغـلالها لأن كل مجموعـة من أصحاب البساتين لها فقارة أو أكثر .

يجمع معـنى الفقارة كل أجزاء نظامها بداية من البئر الأولى التي تشكل منبع الفقارة والتي يصل عـمقها إلى حوالي 30 مترا ثم القناة التي تجلب مياه هـذه البئر التي تحفر تحت الأرض بقطر يزيد عـن 60 سنتيمترا للسماح بمرور إنسان وهـو في وضع منحنٍ . القناة تمر عـبر مجموعـة متواصلة من الآبار بين كل واحدة و أخرى مسافة عشرة أمتار أو أكثر قليلا ومهـمة هـذه الآبار( المتسلسلة في خط واحد لمسافة قد  تصل إلى 15 كلم مثل فقارة أرمول الكبيرة ) ، أنها تسمح بدخول العـامل المكلف بصيانة هـذه القناة ( وتسمى بالتعـبير المحلي  أنفاذ ) من أجل إزالة كل ما يمنع انسياب الماء بها بفعـل الجاذبية الأرضية من المنبع إلى المصب الذي يظهر عـلى سطح الأرض في شكل قناة معـدنية ( تسمى أغـوسرو ) تصب في قناة أخرى مفتوحة ( تسمى الساقية ) تصب بدورها في رأس حوض غـير عـميق يسمى ( القصري ) وهـو مثلث الشكل . تتشكل حافة قاعـدته من أجزاء مقسمة بحساب دقيق يجعـل كمية الماء التي تمر عـبر كل فتحة تساوي القدر المتناسب مع مساهـمة كل فرد في تمويل إنجاز الفقارة . ثمة مكيال خاص لرسم فتحات توزيع مياه الفقارة ( يسمى الحلافة ) . هي آلة مشكلة من ثقوب فيها جميع التقسيمات الموجودة : الحبة و نصف الحبة و القيراط .. وعـبر الفتحات المحددة بهـذه الآلة تذهـب المياه إلى البساتين عـبر قنوات عـلى سطح الأرض الذي يبدو منبسطا لكن انسياب الماء يؤكد أنه مائل . و يحدث كثيرا أن تجد ساقية أو أكثر يتقاسم مياهها هي الأخرى شركاء آخرون بتقسيم مشابه للتقسيم الأول.

يتوفر قصر تمنطيط  على 74 فقارة ، منها 24 فقارة مستغـلة حاليا . أما العدد الباقي فغير مستعمل ويطلقون عليه تسمية " ميت " . يذكر أن تمنطيط كانت توجد بها عـبر التاريخ 366 فقارة ولهـذا كثيرا ما يجد الناس حاليا آثارا لممرات فقارات عـند قيامهم بحفريات البناء .

من أهـم الفقارات الموجودة حاليا ببلدية تمنطيط فقارتي أرمول والمشرع  اللتان  تضمان كل واحدة منهما 360 حاس .

الآبار الأولى ـ أو المنابع ـ لفقارات تمنطيط تتواجد  بالجهة الشرقية من البلدية وهي منطقة مرتفعـة يتم حفر الآبار فيها ثم يجري الماء تحت الأرض في أنفاذ  ـ مثلما ذكرنا سابقا ـ بحيث يرتفع المجرى تدريجيا إلى أن يخرج عـلى سطح الأرض عـندما يصل إلى الواحة فيسقي بساتين النخيل و المزروعات الموجودة بها.

تتولى جمعـية الفقاقير تسيير وصيانة هذه الأخيرة بحيث تقوم بمتابعـة ميدانية يومية لها.

تظهر آبار صيانة الفقارات واضحة عـندما تقـترب من المحيط العـمراني لأنها مبنية في شكل دائري مرتفع عـن سطح الأرض مسافة واحد متر وتعـبر الفقارة أحيانا الشوارع مثلما يلاحظه الزائر لعـاصمة الولاية أدرار فيتعـجب الذي لا يعـرف الفقارة من وجود هـذه الآبار فيحسبها شيئا من الديكور التقليدي لكنها في الحقيقة آبار صيانة الفقارة تقوم مقام البالوعـات المستعـملة في شبكة تصريف المياه فكلما وقع انسداد في الشبكة يتم تسريحها باستعـمال هـذه البالوعـات إلا أن آبار الفقارة مبنية عـند فوهـتها.

الترميم بمواد حديثة يشوه القصر

لم يبق حاليا بالقصر القديم لتمنطيط سوى القليل من السكان ومنهم من قام بترميم منزله بمواد بناء حديثة باستعـمال الطوبة الإسمنتية دون أن يقوم بتلبيسها فحدثت مناظر مشوهـة للطابع العمراني التقليدي. ورغـم مغـادرة السكان للقصر إلا أنهم يأتون للصلاة في المساجد المنتشرة به.

تجدر الاشارة إلى أن أغـلب مساكن القصر قد تهـدمت أسقفها وكثير من جدرانها . وباتت تستدعي عمليات ترميم حتى تبقى نموذجا حيا يروي طابع العـمران التقليدي.

فقارة أنهيل للسقي والعلاج

اشتهرت فقارة أنهيل الموجودة بأولاد سيدي وعـلي الصغـرى ببلدية تمنطيط بعـذوبة مياهـها وفعـاليتها العـلاجية لأمراض الكلى . ما يقوله الناس عـنها أنها تفتت الحصى الموجود  في الكلية و أن المرضى الذين واظبوا عـلى شربها اختفت منهم هـذه الحصى تماما . ويقول مرشدنا السياحي أن تحليلات مخبرية أجريت عـلى هـذه المياه أثبتت أنها تفوق جودة المياه المعـدنية. ولهـذا يقصدها الناس من كل مكان للتزود من مائها رغـم جودة مياه الحنفيات في المنازل .

يبعـد مصب هـذه الفقارة ــ الذي يوجد عـلى حافة الطريق ــ عـن أدرار بـ 10 كلم وعـادة ما تجد مجموعـة من المواطنين يملأون دلاهم منها. وهي غـزيرة التدفق إذ تكفي الجميع بما في ذلك سقي البساتين وهي مهمتها الأساسية.

سألنا مرشدنا عـن رد فعـل ملاك هـذه المياه تجاه كثرة الذين يأتون للتزود منها للشرب أجاب بأن أهل الفقارة يرحبون بالجميع لأنهم يعـتقدون أنهم يجلبون معـهم البركة.

ذكر الدكتور أحمد جعـفري( أستاذ بالجامعـة الإفريقية بأدرار ) : أن " الفقارة  ارتبطت أيضا في حياة المجتمع التواتي بمعظم العادات والتقاليد المعروفة . فإذا حل إنسان بقصر ما جيء له بماء الفقارة ليعاود المجيء إلى القصر لأنهم يعتقدون أن من شرب ماء فقارة عاد إليها ولو بعد مدة . وإذا خرجت العـروس من عشها الزوجي توجهت أولا إلى الساقية وتخطت عليها ثلاثا كرمز للثبات والتشبث بالأرض وبعـد ذلك تغرف منها ما تشربه في وقتها أملا في الاستقرار والطمأنينة ، كما تشرب جميع البنات من حولها أملا في زوج المستقبل . والصبي كذلك حين يحفظ القرآن الكريم ويشرع في مراسيم احتفاله المعهودة يتوجه صوب الساقية أيضا ليشرب ويتخطى هو الآخر . وفي حال وفاة شخص ما داخل القصر فإن جميع ملابسه تُخرج إلى الساقية علنا لتغـسل وتنشر هناك . وأخيرا فإنه وفي يوم عاشوراء من كل سنة فإن النساء يتوجهن  إلى السواقي ليملأن أوانيهن وجرارهن . ومن ثم التوجه بها إلى القبور في محاولة لبعث روح الحياة من جديد في جسد الميت كما يقال ويعتقد " .

عـلى المستوى الرسمي وضعـت الدولة نصوصا لحماية الفقارة ومنها ما ذكره نفس المصدر السابق ومن ذلك  القرار الحكومي رقم 426 الصادر بتاريخ 23/06/1996م والذي ينص في كل بنوده على ضرورة حفظ وحماية الفقارة الحية منها والميتة وجاء القرار في 13 مادة من أهمها:

 في حالة إنشاء فقارة جديدة يكون عمق الفقارة المنجزة يوازي عمق أقرب فقارة.

لا يتم أي تنقيب على الماء إلا بعد مشورة ومصادقة المصالح التقنية المختصة وممثلي الفقارة.

لا يجوز إقامة أي بناية سكنية بدون مراعاة المعطيات التقنية وفي كل الحالات لا تقل مسافتها عن 10 أمتار من محور الفقارة .

لا تمنح رخصة البناء لكل بناية ذات استعمال صناعي أو تجاري يقل عن الفقارة على ما يلي :( عشرون متر ا للبنايات التي من شأنها انبعاث الضجيج ومائة متر للبناءات التي من شأنها إنتاج مواد سامة أو خطيرة تخضع لما جاء به قانون المياه .

لا يرخص إقامة أي بناء عند المنبع الرئيسي أو الفرعي للفقارة على مسافة تقل عن 35 مترا من كل الجوانب.

- تمنع إقامة المساحات الخضراء على ظهر الفقارة وما جاورها .

-  يمنع رمي القاذورات بجانب أو داخل فوهات الفقاقير.

-يلزم القرار تجميع وبناء فوهات الفقاقير على شكل دائري داخل النسيج العمراني .

لكن رغـم وجـود هـذا التشريع إلا أن الجانب الخاص بنظافة آبار صيانة الفقارات صارت ، بما في ذلك وسط مدينة أدرار، مكانا لرمي الفضلات بفعـل غـياب الحس المدني وعدم تقدير بعض المواطنين لهـذا التراث حق قدره.

م / ب 
الرجوع إلى الأعلى