شهادات جديدة عن هجومات 20 أوت

تحيي الجزائر اليوم الذكرى المزدوجة لهجومات 20 أوت 1955م ومؤتمر الصومام 20 أوت 1956م . وبقدر ما كان ثمن الهجومات باهظا من دماء الشعب الجزائري الذي قدر بأزيد من 12 ألف شهيد في ثلاثة أيام بقدر ما كانت نتائجها باهرة عسكريا وسياسيا واجتماعيا. وتلك طبيعة فلسفة الثورات التي استوعبها الشهيد القائد زيغود يوسف ورفاقه الذين رأوا أن الاقتصار على مجرد الزاوية القتالية وحرب العصابات لن يجدي مستقبلا  لاستمرار الثورة ناهيك عن انتصارها.
مما يحتم تعميق حضورها اجتماعيا في الحواضر كما الأرياف وفي الطبقات المتوسطة والبورجوازية كما الطبقات الكادحة. بما يعجل بإحداث اختراق إعلامي عالمي كفيل بإعطائها بعدئذ زخما سياسيا دوليا يجعل منها ثورة شعب بدل تمرد فئة على نظام حاكم. لذلك جاءت فكرة هذه الهجومات التي عكست نظرته للثورة وحققت له ما كان يخط لها ويتمناه.. فقد التحق بالثورة بعد الأحداث الآلاف بعد أن كان عدد المجندين بالمئات في الشمال القسنطيني. ودخلت الثورة قلب المدن والتحم الثوار بالمدنيين ووصل الموت إلى صدور المعمرين في منازلهم وحصونهم بقلب فيليب فيل وهم الذين كانوا يطنون أنهم بمنأى عن ضربات المجاهدين. وأن حصونهم وجيشهم كاف لحمايتهم. بل إن الرعب تملك الملاك المعمرين الذين استهدفت زروعهم ومحاصيلهم وبساتينهم في كل مكان والشعب الذي ظنوا أنهم وطئوه تحت الأقدام ودسوا رأسه في التراب يوم 08 ماي 45 ها هو يستيقظ مرفوع الهامة بصدر عار يواجه المستعمر غير عابئ بخيلائه. ولئن كانت انطلاقة ثورة الفاتح نوفمبر من الأرياف منتصف الليل فان زيغود أبى إلا أن يوجه رسالة للمستعمر وللشعب ولرفاق دربه بالأوراس وغيرها أنه سيواجه المستعمر هذه المرة في قلب المدينة بدل الجبال وفي منتصف النهار بدل منتصف الليل ! لذلك عبر زيغود عن نتائج الهجومات بقوله (إن ما تشاهده شعوب العالم على صفحات الجرائد حيث النساء الجزائريات ردائهن الأسود والصبيان والعجائز والشيوخ متناثرة في الشوارع وفوق الأرصفة . .. ستصدر حكمها النهائي على فرنسا الاستعمارية التي تدعي ان ما يجري في الجزائر مجرد عصيان وتمرد مستوحى من الخارج). وهذا معنى نجاح الثورات فقد كانت الهجومات المسمار الأكبر الذي دق في نعش الاستعمار عسكريا واجتماعيا وسياسيا. ومن يومها طفت القضية الجزائرية على سطح الأحداث العالمية وأمست فرنسا في كل اجتماع أممي تتلقى الصفعات الديبلوماسية من قبل نظرائها أدرجت «القضية الجزائرية» في جدول أعمال الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة يوم 30 سبتمبر 1955 بطلب من 15 بلدا من أصل 29 بلدا شاركوا في مؤتمر باندونغ. فرنسا التي كشفت طريقة تعاطيها مع الأحداث عن نفسية متوحشة تسكنها في أعماق اللاشعور تستمرئ القتل وتتلذذ بالتمثيل بالجثث والأشلاء. حين تعرى وجهها الحقيقي الذي لم تستطع مساحيق شعارات التمدن أن تحجبه. وهي تكدس الجثث فوق بعض وتقتل قتلا عشوائيا دون رقابة ضمير أو رقابة قانون أو سلطة. لقد انهزمت أمام العالم وأمام الثوار أخلاقيا وإنسانيا واجتماعيا وسياسيا وذاك هو الأهم في مسيرة ثورة شعب يبحث عن دفعها لتقرير مصيره وإعادة بناء دولته المصادرة. وفي هذا الملف كشف للثام عن بعض الحقائق التاريخية حول هذه الهجومات والمجازر الاستعمارية التي واكبتها على لسان مجاهدين شهود عيان وباحثين مؤرخين تعاطوا مع الوثائق التاريخية التي تدين الاستعمار، وتقدم أدلة محاكمته في أي مرحلة من مراحل التاريخ القادمة.

المجاهد إبراهيم نطور
توزعنا على 06 فرق وهاجمنا القل يوم 20 آوت 55
يقدم المجاهد إبراهيم نطور شهادة تاريخية عن هجومات 20 أوت 1955م بالقل حيث يقول كانت الهجومات بناحية القل تحت إشراف عمار شطايبي هذا الأخير لما التقينا به نزع منا بطاقات الهوية حتى لا نعرف لو تعرضنا لأي تفتيش من قبل جندرمة أو جيش العدو. ولما وصلنا لمكان اسمه بوزويتنة استرحنا قليلا قبل أن يلتحق بنا جماعة من القل جلبوا لنا علب سردين وقطع خبز كانت لنا غذاء وفطورا في الوقت ذاته. وفي هذا المكان وزعنا عمار شطايبي على فرق كل فرقة من 07 إلى 08 أفراد مكلفة بمهام في ناحية من نواحي المنطقة. فالفرقة الأولى بقيادة معماش السبتي أرسلت إلى بومهاجر بحضور المجاهد نطور إبراهيم (المعني) كانت مكلفة بالحراسة وقطع الأشجار ووضعها على شكل متاريس في الطريق لتعطيل سيارات العدو أثناء عبورها بين الطريق الرابط بين القل والميلية. والفرقة الثانية بقيادة بكوش لخضر أرسلت إلى ضواحي وادي بوعسلة قرب القل كانت مهمتها الحراسة والمراقبة. والفرقة الثالثة بقيادة نطور عبد العزيز أرسلت إلى القل مهمتها الهجوم على المدينة لتخريب منازل ومتاجر المعمرين. والفرقة الرابعة بقيادة حركات مصطفى  أرسلت إلى الطريق الرابط بين الزيتونة والقل كانت مهمتها الدفاع والحراسة وتعطيل النجدات الاستعمارية. والفرقة الخامسة بقيادة عياش رابح أرسلت إلى معمل الخشب والفلين لإشعال النيران في المصنع وكانت السبب الرئيس في إنجاح المهمة. والفرقة السادسة بقيادة قوفو إبراهيم الذي استشهد بعين المكان أرسلت إلى مركز الجندرمة . وقد توجهت كل فرقة إلى وجهتها وكانت إشارة الانطلاق الأذان ورفع العلم الوطني. 

 

الفيديو الذي حرّك الرأي العام الأممي
عرض احد الباحثين في ملتقى حول هجومات 20 آوت 55 عقد نهاية الأسبوع بمتحف المجاهد علي كافي بسكيكدة صورا وأشرطة فيديو قصيرة منها هذا الشريط الذي صوره مراسل صحفي فرنسي لقناة أمريكية حيث يخرج دركي مواطنين عزل من خيمتهم بعين عبيد في ال20 أوت 55 ويقتلهم بدم بارد خارج العدالة حيث عرض الشريط في القناة الأمريكية ثم نقلته قنوات أمريكية أخرى ما احدث شجبا اممميا وعبثا حاولت فرنسا نفي الحدث او الادعاء بأنه مرتب مسبقا حيث تنقل صحافيون فرنسيون آخرون لعين المكان ونقلوا الصور وشهدوا على الإحداث فكان هذا الشريط احد الأدلة على جرائم فرنسا وإدانتها أخلاقيا وسياسيا والدفع بالقضية الجزائرية للتدويل.          ع/خ

المجاهد محمود بوحبيلة أحد أعضاء الكومندوس المشارك في العملية
هكذا تم توقيف وإعدام رئيس بلدية السبت
شهدت بلدية السبت (بني والبان) بولاية سكيكدة يوم 20 أوت 55 حدثا تاريخيا شكل صفعة للمستعمر واختراقا امنيا كبيرا لأجهزته ومراصده حين تمكن كومندوس من حوالي 20 مجاهدا بقيادة القائد الشهيد محمد الصالح بلميهوب والمجاهد علي كافي من توقيف رئيس البلدية المنصب من قبل الإدارة وبعض أعوانه في  مكتبه في وضح النهار في يوم سوق أسبوعي. وحسب شهادة المجاهد محمود بوحبيلة فانه صبيحة العشرين من أوت وبعد ليلة تحضير توافد الكومندوس صبيحة السبت على الساعة الخامسة وأحاطوا بالسوق التي كانت تغص بالتجار والمتسوقين وفتشوا أهلها للتعرف على هوياتهم والمطلوبين منهم.
وظلوا محيطين بهم حتى وفد رئيس البلدية (ح.ل) ودخل مكتبه فباغته المجاهدون وأوقفوه بمعية 05 أفراد آخرين وهم ابن المير وعون أمن حارس الحقول (شنبيط) وثلاثة آخرين وفي تلك الأثناء ظهرت طائرة عسكرية في السماء فانبطح المجاهدون والمواطنون أرضا فاستغل أحد الموقوفين الفرصة وفر وبعد عبور الطائرة نزع علي كافي حزام المير ولباسه وقال أنا أولى من يكون ميرا وليس هذا كما أمره بلميهوب بإطلاق عيارات نارية في السماء. ثم تنقل الكومندوس مع الموقوفين نحو منزل منيقر أحمد. وبعدها حوكم الموقوفون حيث تقرر إطلاق سراح عون الأمن وكلف بتبليغ إدارة الاستعمار بالقل بما حدث لبث الرعب فيه وإظهار التحدي لها. بينما تقرر إعدام رئيس البلدية وابنه وقد التمس رئيس البلدية العفو عن ابنه لكن القيادة رفضت بعد محاكمة من قبل بلميوهب وعلي كافي. وهو القرار الذي بلغ لزيغود ووافق عليه. فاعدم المير وابنه، فكانت رسالة قاسية للمستعمر. وكانت هذه آخر سوق أسبوعي بتلك المنطقة.
وعن أسباب توقيف المير وإعدامه قال الشاهد انه ظل يتعامل مع فرنسا ودس ابنه في صفوف المجاهدين والشعب ليأتيه بالأخبار. هذه الشهادة أكدها بعض من كان حاضرا نهار أمس بعين المكان الذي حدثت فيه الواقعة ومنهم المجاهد زغدود مبارك السبتي وبعض من كان شاهد عيان وإن لم يكن مجندا وقتها ومنهم قطيط محمد وطاوطاو المكي. وكذا المجاهد عبد الله بوفدح بديسي الذي أطنب في الحديث عن أسباب وخلفيات قرار توقيف المير وإعدامه حيث قال أن المير ظل يتحدى المجاهدين يستهزئ بهم ويحرض على قتالهم بكل الوسائل وقال كيف يمكن لجماعة السمندو التحكم فينا.
واستحضر حادثة استضافته لقبطان أم الطوب ببيته وضمن له بني والبان ومشاتيها كما تقدم له بالتماس لإرسال مدد من السلاح لدعمه حتى يقاتل المجاهدين. وهو ما أكده بعد ذلك المؤرخان رياض شروانة وعبد العزيز فيلالي في ندوة تلت الشهادة مساء أمس ببني والبان.                        
ع/خ

 

 

البشير شيهاني و هجمات 20 أوت.. حقائق جديدة
أصبحت قضية ربط هجمات 20 أوت 1955 بالشمال القسنطيني بطلب من البشير شيهاني قائد منطقة الأوراس-النمامشة، لفك الحصار عن هذه الأخيرة وبربطها أيضا بالوحدة المغاربية، من المسلمات التي تبنتها جميع الكتابات، غير أن تعمقي في الموضوع وحصولي على وثائق الإدارة بمعنى هيئة قيادة منطقة الأوراس-النمامشة، في عهد قائديها الأولين مصطفى بن بولعيد والبشير شيهاني، وأيضا وثائق ناحية تبسة خلال قيادة محمد شامي لها، بالإضافة إلى معلومات مباشرة لأعضاء في إدارة هذه المنطقة، جعلتني أقف عند المسلمات السابقة وهي النجاعة الفعلية لحصار منطقة الأوراس ودور البشير شيهاني وقيادة الأوراس في هذه الهجمات.
البشير شيهاني: قائد مثقف ومهندس ثوري
بعد مغادرة القائد مصطفى بن بولعيد لمنطقة الأوراس في منتصف شهر فيفري 1955، برفقة مدور وعمر مستيري في مهمة إلى طرابلس لملاقاة أحمد بن بلة وقيادة جيش التحرير في الخارج، بدأ البشير شيهاني نائب قائد الأوراس-النمامشة، في عملية تنظيم الثورة ونشرها خارج المنطقة، غير أنه تفاجأ بخبر نشر إذاعة «مونتي كارلو» لخبر اعتقال مصطفى بن بولعيد وهذا يوم 15 فيفري 1955 بعد خمسة أيام من العملية التي تمت في بن قردان على الحدود الليبية-التونسية، حيث أقفل المذياع مباشرة ودعا إلى الهدوء وإلى نقل مقر القيادة إلى ناحية خنشلة.
بوصوله إلى المقر الجديد الواقع بعين القلعة جنوب خنشلة في يوم 20 فيفري 1955، تمت دعوة كل قادة الأوراس-النمامشة لاجتماع انعقد يوم 5 مارس 1955 بتاوليلت تم بموجبه إعادة هيكلة الإدارة بتعيين عمار بن بولعيد رئيسا شرفيا تكريما لأخيه الأسير، وتعيين البشير شيهاني قائدا للإدارة بمعنى هيئة أركان منطقة الأوراس-النمامشة. شرع البشير شيهاني بعدها مباشرة في إكمال عمله التنظيمي لنشر الثورة خارج مجالات الأوراس-النمامشة، وذلك بإرساله لأفواج عسكرية على رأسها مسؤولين ميدانيين مكلفين بشن عمليات عسكرية وبنشر الثورة.
فبالإضافة إلى هيكلته للثورة في النمامشة وتبسة بتعيين عباس لغرور على ناحية خنشلة ومحمد شامي على ناحية تبسة ولخضر حمة على ناحية سوف وإنشاء ناحية جديدة داخل تونس تشمل قفصة والقصرين والكاف برئاسة الجيلاني بن عمر السوفي وتعيينه لعمر جبار على رأس ناحية سوق اهراس خلفا لمختار باجي الذي استشهد في 19 نوفمبر 1954، فقد بدأ البشير شيهاني في ارسال أفواج مسلحة لتنفيذ عمليات والاتصال بمنطقة الشمال القسنطيني ومنطقة القبائل الكبرى وداخل التراب التونسي لربط الاتصال بقدماء الفلاقة التونسيين.
محاولة ربط الاتصال بالقائد سي عبد القادر؟
كان البشير شيهاني مندهشا من الهدوء السائد في الشمال القسنطيني خلال الأشهر الأولى من عام 1955، بل كان متذمرا من عدم قيام عمار بن عودة بأعمال عسكرية رغم تلقيه لأسلحة واكتفائه بالتموقع في مناطق غابية، ولهذا قرر انطلاقا من مركزه بعين القلعة إرسال 60 جنديا بقيادة سي أحمد وأمره بشن عمليات عسكرية في ناحية الدرعان وعنابة، بمعنى الناحية التابعة لقيادة عمار بن عودة، حيث غادرت هذه المجموعة ناحية خنشلة وقامت بعمليات عسكرية عدة وبقيت هناك طوال عام 1955.
أما فيما يخص الناحية الوسطى المتواجد بها قائد المنطقة في الشمال القسنطيني، فقد أرسل البشير شيهاني وفدا بقيادة محمد مرير لربط الاتصال بسي عبد القادر الذي هو الاسم الحركي لديدوش مراد دون أن يكون على علم باستشهاد هذا الأخير. وبالفعل تمكن هذا الوفد من الوصول إلى مقر قيادة الشمال القسنطيني في مشتة الكرمات بدوار الخرفان التابع حاليا لبلدية أولاد أحبابة الواقعة في الجنوب الشرقي لولاية سكيكدة، والتقى بقائد المنطقة الجديد يوسف زيغود «سي أحمد». لما عاد هذا الوفد إلى عين القلعة في شهر أفريل، أبلغ البشير شيهاني بخبر استشهاد مراد ديدوش في مشتة قراوة بوادي بوكركر (دوار الصوادق – بلدية كندي السمندو –زيغود يوسف حاليا) في 18 جانفي 1955. كان محمد مرير مرفوقا بوفد الشمال القسنطيني المتكون من أربعة أشخاص بقيادة الطاهر القسمطيني الذي هو الاسم الحركي للطاهر صلاحي، حيث قام البشير شيهاني بإرسال قرار تعيين يوسف زيغود في منصبه، بحجة أن الأول كان يمارس سلطته باسم القيادة العليا لجيش التحرير الوطني التي يستمدها من اتصاله المباشر بأحمد بن بلة بطرابلس. كما قام البشير شيهاني بإرسال تعليمات وأسلحة وذخائر و40 جنديا أوراسيا مع الطاهر صلاحي ووفده. ومن بين التعليمات التي أرسلها البشير شيهاني هو ضرورة تحريك عمار بن عودة لشن هجمات. وقبل مغادرة الوفد والمقاتلين، عيّن البشير شيهاني على رأس الفرقة الأوراسية قرفي الربيعي وهدفها المساهمة في تحريك الوضع وشن الهجمات. قام هذا الفوج بالأهداف المسطرة ولم يعد إلى عين القلعة إلا في جوان 1955.
كان هدف البشير شيهاني ليس تزعم منطقة من هذه المناطق، وإنما نشر الثورة ومساعدة الثوار أينما كانوا وإعطاء الثورة بعدا وطنيا بمعنى عدم حصرها في منطقة الأوراس حيث كثفت القوات الاستعمارية من عملياتها وانتشارها.
فشل الاستعمار في إعاقة تحركات جيش التحرير بمنطقة الأوراس-النمامشة
لم يقتصر تركيز البشير شيهاني على الشمال القسنطيني والصحراء وتونس، بل حاول أيضا ربط الاتصال بكريم بلقاسم قائد منطقة القبائل، حيث أرسل وفدا بقيادة عمر المدرس أصيل البويرة برفقة تسعة جنود، لكن لم يكتب للعملية النجاح ، لأن المجموعة سقطت في كمين باليشير قرب مدينة برج بوعريريج يوم 21 جويلية 1955، حيث استشهد ستة وأسر أربعة. ولم تثنه مختلف الحملات العسكرية عن نشر وتنظيم الثورة خارج منطقة الأوراس-النمامشة، ولهذا استحق لقب «الشيخ» رغم صغر سنه (26 سنة) نظرا لقدراته التنظيمية الكبيرة وتأقلمه مع العمليات العسكرية ونجاح خططه بشكل كبير. فإذا كانت منطقة الأوراس – النمامشة قد سجلت ارتقاء عدد كبير من الشهداء العسكريين والمدنيين (189 شهيدا و87 أسيرا) إلى غاية 10 أوت 1955، وهي الفترة التي كان البشير شيهاني «سي مسعود» على رأسها وهذا خلال 24 عملية عسكرية معادية، فإن أفواجه نجحت بشكل باهر في قتل وأسر عدد كبير من الجنود الفرنسيين بينهم 6 أسرى من أصول فرنسية، والاستحواذ على وثائق سرية بحوزة مسير بلدية عثر فيها على نسخة من مخطط التهدئة لضرب الثورة المعروف بمخطط الجنرال بارلونج (Le général Parlange).
إن التمعن في مراسلات البشير شيهاني وتحرك أفواج الأوراس-النمامشة شمالا وشرقا وجنوبا يدعو إلى مراجعة فكرة نجاح القوات الاستعمارية في محاصرة الثورة في الأوراس، بل يمكن القول أن وثائق البشير شيهاني تترك انطباعا بقوة الثورة وانتشارها بشكل كبير باستثناء نقص السلاح الذي كان بصدد انتظار دخول الشحنات التي وعد بها أحمد بن بلة واكتفى شيهاني بشراء الأسلحة من تونس بمساعدة قدماء الفلاقة التونسيين والتجار السوفيين. كان البشير شيهاني راض عن انخراط الشعب بمنطقة الأوراس في الثورة لكن في المقابل كان مستاء من الهدوء الذي كان يسود معظم المناطق الجزائرية الأخرى وأيضا عدم ارسال الرئيس المصري لشحنات أسلحة لمساعدة الثوار، حيث كتب له رسالة قوية لام فيها زعيم العروبة الذي لم يقدم بعد شيئا ملموسا للثوار الجزائريين.
التنسيق بين البشير شيهاني ويوسف زيغود
تعطي لنا وثائق إدارة منطقة الأوراس-النمامشة ومحاضر الاستنطاق معلومات جديدة عن تواصل البشير شيهاني ويوسف زيغود بشكل مستمر منذ نهاية فيفري 1955، فعلى سبيل المثال، فقد أُحضرت الوثائق التي غنمها جيش التحرير الوطني وتعود إلى مسيّر البلدية ديبي (Dupuy) الذي قتل في العملية والتي تحتوي خصوصا على مخطط التهدئة الذي أعده الجنرال (Le général Parlange) لخنق الثورة اجتماعيا واقتصاديا. في مقره الواقع بعين القلعة، اختلى البشير شيهاني ثلاثة أيام لقراءة هذه الوثائق حيث تفاجأ بعلم الإدارة الاستعمارية بتواجده بعين القلعة، ولكن الذي استنفره أكثر هو مخطط الجنرال المذكور لضرب الثورة بعدما فشل في القضاء عليها عسكريا. أعدّ البشير شيهاني مخططا مضادا، وأمر بتعميمه على كافة النواحي والأقسام عن طريق تعليمات مكتوبة، كما أرسل بنسخة منها إلى يوسف زيغود قائد الشمال القسنطيني. قضية أخرى تواصل فيها البشير شيهاني مع يوسف زيغود بالإضافة إلى التواصل المستمر فيما يخص السلاح، وهي قضية التدخين. هذه المسألة شغلت البشير شيهاني كثيرا نظرا لتأثيرها الكبير على ميزانية جيش التحرير الوطني في منطقة الأوراس. فقد وجدت قيادة منطقة الأوراس-النمامشة صعوبة في جمع مبلغ 100000 فرنك فرنسي ليأخذها مصطفى بن بولعيد في مهمته إلى طرابلس، ولهذا فكر البشير شيهاني في تدعيم القدرات المالية للثورة وتوفير المال، حيث طلب من قادة النواحي احصاء عدد الجنود المدخنين ولما بلغته المعلومات، وجد أن الكلفة السنوية للتبغ تكلف الخزينة مليون فرنك، ولهذا قرر منع التدخين على المجاهدين يوم 9 أفريل 1955، وعلى عامة الشعب في اليوم الموالي، وهذا لتخفيف المصاريف وضرب الاقتصاد الاستعماري. وبعث بنفس الاجراء ليوسف زيغود الذي طبقه بصرامة في منطقة الشمال القسنطيني.
هجمات 20 أوت 1955 تفاجئ البشير شيهاني
تجمع وثائق البشير شيهاني والشهادات النصية المباشرة على عدم تنسيق قيادة الشمال القسنطيني عملية شن هذه الهجمات مع قيادة منطقة الأوراس-النمامشة. صحيح أن البشير شيهاني دعم منطقة الشمال القسنطيني بالأسلحة والتعليمات والجنود، لكن مجموعة الربيعي قرفي البالغ تعدادها 40 جنديا رجعت إلى ناحية خنشلة في جوان 1955 أي قبل شن هجمات 20 أوت 1955. وحتى الدعم بالسلاح لشن هذه الهجمات لم يكن إلا بعد 22 أوت 1955  لا ندري بالضبط، متى انطلق وفد الشمال القسنطيني برئاسة الطاهر صلاحي مرفوقا بحسين بوشامة وجنديين آخرين إلى عين القلعة لملاقاة البشير شيهاني. الشيء المؤكد أنه وصل إلى مقر قيادة إدارة الأوراس في عين القلعة يوم 10 أوت 1955 تزامنا مع قرب اجتماع قادة الأوراس والهدف هو طلب التزود بالأسلحة وتبليغ الكلمات السرية التي أقرها يوسف زيغود في مراسلاته وهي: 1-11-1954 و5-7-1830، حيث يشير التاريخ الأول إلى تاريخ اندلاع الثورة والثاني إلى بداية احتلال الجزائر.
حضر الطاهر صلاحي اجتماع قيادة الأوراس-النمامشة برئاسة البشير شيهاني بداية من 16 أوت 1956: عمار بن بولعيد ووقاد خميسي وحسين بن براهيم عن ناحية الأوراس، وعباس لغرور وعاجل عجول وبراهيم عثماني ولحسن مرير عن ناحية خنشلة، ومحمد شامي والبشير ورطان وشريط لزهر وعمر عروش المدعو بوقسي والوردي قتال عن ناحية تبسة، وكتب المحضر محمد شامي. بينما كان معظم قادة الأوراس متواجدين بعين القلعة بعد نهاية الاجتماع، استمع الجميع لخبر شن هجمات 20 أوت 1955 وهذا عبر إذاعة «مونتي كارلو» في نشرتها المسائية (الثامنة)، و تفاوت رد القادة بين مبارك لها ومتحفظ ورافض لها، فإذا كان عاجل عجول ومحمد بن سدراتي ولزهر شريط قد أشادوا بها، فإن البشير شيهاني تفاجأ بها، بل وشجب العملية، حيث اعتبر شن هجمات في منتصف النهار بهذه الكيفية نوعا من الانتحار يعرض المهاجمين لمحرقة القوات المعادية. دافع الطاهر صلاحي عن موقف قيادة الشمال القسنطيني واعتبر أن شن هذه الهجمات في وضح النهار ببنادق الصيد وبعض البنادق الحربية هو تحد للإدارة الاستعمارية، وتوجه لقادة الأوراس قائلا: «أعطوا لنا الأسلحة وسترون ماذا سنفعل بها». غادر الطاهر صلاحي ووفده عين القلعة بعدما أرسل معهم البشير شيهاني مجموعة من المجاهدين وعددهم 30 مدججين بأسلحة حربية وبنادق صيد ورشاش فرنسي الصنع، حيث تم تشكيلها من جنود كانوا في أفواج عاجل عجول وعلي كردابو، حيث قاتلت هذه المجموعة في الشمال القسنطيني إلى غاية استشهاد الغالبية العظمى من عناصرها في السنوات اللاحقة على غرار علي بوعبد الله المعروف بعلي الخنشلي وأيضا محمد الخنشلي برفقة ابراهيم ريكوح في 26 مارس 1956 بمشتة تفاحة الواقعة بدوار الصوادق في بلدية السمندو، وبقي آخرون على قيد الحياة على غرار عيسى عبد الوهاب بعدما شاركوا اخوانهم في الشمال القسنطيني في محاربة القوات الاستعمارية.
الهجمات جاءت بقرار من قيادة الشمال القسنطيني
إن قراءة وثائق إدارة الأوراس تبين إذن أن ما قيل عن علاقة منطقة الأوراس – النمامشة بها غير دقيق تماما، لكن يمكن القول أن البشير شيهاني ساهم في دفع العمليات العسكرية في الشمال القسنطيني لكنه لم يكن على علم بشن هجمات في وضح النهار بهذه الكيفية وتفاجأ بالخبر. هو إذن قرار قيادة الشمال القسنطيني وتحديدا قيادة الناحية الوسطى المعروفة بقيادة السمندو التي يشرف عليها يوسف زيغود مباشرة والمتشكلة من نائبيه على الناحية الأم – السمندو وهما محمد الصالح ميهوبي المعروف ببلميهوب وبولعراس بوشريحة المعروف بالشيخ بولعراس، وقائد ناحية قالمة عبد السلام بخوش المعروف بسي الساسي ونائبه عيسى بوضرسة المعروف بسي عمار (زوج الأخت غير الشقيقة لزيغود يوسف)، وقائد ناحية سكيكدة سماعين زيغد ونائبه العايب دراجي المعروف بدراجي ستان، قبل أن تعمم الفكرة على قيادة الناحية الغربية و التي ضمت لخضر بن طبال المعروف بسي عبد الله الميلي ونائبيه حسين بوعلي المعروف بسي مسعود والعربي بن رجم المعروف بسي العربي الميلي وقائد الناحية الشرقية بن مصطفى بن عودة المعروف بسي عمار بن عودة ونائبه عثمان راشدي. لكن عمليا، كان مركز ثقل هذه الهجمات هي المنطقة الوسطى التي يشرف عليها يوسف زيغود مباشرة من قالمة إلى حدود القرارم وصولا إلى سكيكدة والقل وضواحيها، في حين كانت مشاركة الناحية الشرقية والغربية محدودة جدا ان لم نقل منعدمة تقريبا باستثناء قطاع الميلية الذي أشرف على هجماته سي مسعود بوعلي.

يتبع يتبع يتبع

الرجوع إلى الأعلى