وديـــان تـتحوّل إلـى مجـــار لـلسّمـــوم

تتعرض الأودية في الجزائر يوميا لعملية تلويث متعددة الأوجه حولتها إلى مصدر خطر على الصحة العمومية، بفعل ما يلقى بها يوميا من  قاذورات ومياه صرف ومواد سامة ، وهي مشكلة تتقاسم مسؤوليتها السلطات والمواطن على حد سواء، بفعل تجاهل الأهمية الاقتصادية والطبيعية لهذا المورد الطبيعي.
وإذا كان ظهور الكوليرا قد نبه لما تبتلعه يوميا وديان تشق المدن والقرى، فإن المشكلة تضرب بجذورها إلى سنوات بعيدة ، حينما تم تجاهل ضرورة  تصفية مياه الصرف قبل توجيهها للوديان ، فأصبحنا لا نفرق بين مكب المياه القذرة ومجرى الوادي بفعل اختلاط مياه عذبة بمخلفات الصرف الصحي، إضافة إلى جرائم يومية ترتكب في حق الطبيعة من طرف أصحاب وحدات صناعية وحتى مصانع كبرى ومحطات غسل وتشحيم وغيرها من النشاطات التي يتخلص أصحابها من نفاياتهم الكيميائية برميها في الوديان. مياه قذرة، أدوية، مواد بناء، حيوانات وتجهيزات مستعملة، تلك هي محتويات أغلب الوديان بشرق الجزائر،  التي ومع سنوات الجفاف أصبحت أهم مصدر للسقي رغم  ارتفاع نسبة  التلوث الذي طالها، زيادة على تأثيرات البناء الفوضي على حوافها، لتكون النتيجة مياه سوداء وروائح كريهة تقول الكثير عما خلفته يد الإنسان في الطبيعة. النصر نقلت صورة عن واقع الأودية بعدد من مدن الشرق وأسباب تلوثها والحلول التي يجري العمل على تنفيذها لحماية الطبيعة والإنسان.

فيما لا تزال مياه الصرف الصحي تصب فيها
أدويــة و أبقـــار و أثـــاث منزلـــي في وديــان قسنطينـــة
أثار اكتشاف بؤرة لداء الكوليرا، بوادي بني عزة بولاية البليدة، تخوفا كبيرا وسط الجزائريين، الذين يعيش عدد كبير منهم على حواف الوديان، التي يتعرضون لمياهها بحكم احتكاكهم الدائم بمحيطها، كما أن ظاهرة سقي المزروعات بشكل مباشر من هذه المجاري المائية، أعادت نظر الكثيرين في مدى صلاحية استهلاك الخضر و الفواكه التي يتناولها المواطن في غذائه اليومي، خاصة أن معظم الوديان لا تقل تلوثا عن وادي بني عزة.
روبورتـــاج : عبـد الـرزاق مشاطــــي
في ولاية قسنطينة تمتد سلسلة من الوديان و فروعها، على عشرات الكيلومترات، و تشق تراب عدة بلديات، قادمة من ولايات مجاورة، لتلتقي في مجرى واحد، يكمل طريقه نحو الساحل الشرقي ليصب في البحر الأبيض المتوسط، غير أن هذه الوديان و أشهرها واديا بومرزوق و الرمال، تبدو على درجة عالية من التلوث، و هو ما يظهر من لون المياه، و الروائح الكريهة المنبعثة منها، و كذا ما يرمى فيها من أوساخ و قاذورات، و مياه الصرف الصحي، و رغم عمليات التهيئة الكبرى التي تخضع لها، و التي قاربت على نهايتها، غير أن مظاهر التلوث لا تزال مستمرة، عبر كامل الأماكن التي تشقها هذه الوديان، و قد زارت النصر بعض النقاط التي يكثر بها التلوث، لننقل صورة عما رأيناه بهذه الأماكن.
حيوانات نافقة ومواد بناء ترمى بوادي الرمال
كانت البداية من مجرى وادي الرمال و بالتحديد على مستوى إحدى النقاط القريبة من تجمع سكاني، يدعى دوار «ماء بارد» بين مدينتي عين سمارة و حي بوالصوف، في هذا المكان، يشق الوادي قنطرة صغيرة تربط القرية بالطريق الرئيسي نحو قسنطينة، و أسفل الجسر، قنوات عريضة تسهل مرور المياه المتدفقة بغزارة، و لأن المجرى قريب من الطريق، فهو يسهل الرمي العشوائي لكل أنواع النفايات، التي وجدناها على ضفاف الوادي و وسطه.
إذ يبدو المكان مفرغة للردوم و مخلفات مواد البناء، من إسمنت و طوب و آجر، إضافة إلى الطلاء، و مختلف أنواع البلاستيك، أما أكثر ما شد انتباهنا هو بقايا أدوية مرمية على حافة الوادي و داخل مجراه، بعضها فارغة و أخرى تحتوي على أقراص دواء، ذات صنع محلي، كما أن الكمية بدت معتبرة، و يبدو أنها رميت في المكان بعد أن انتهت صلاحيتها، و ذلك قصد التخلص منها، و ما يلاحظ أيضا أنه على الرغم من سرعة تدفق المياه، إلا أن الكثير من الأوساخ كانت عالقة، ما يؤكد على أن قعر الوادي، مليء بالرواسب و الأشياء التي رميت في السابق و بقيت ملتصقة بداخله.
و قد تحدثنا إلى بعض السكان الذين أوضحوا لنا، بأنهم يشاهدون من حين لآخر، و خاصة أثناء الليل، شاحنات تفرغ حمولتها في الوادي، ثم تنصرف بسرعة، قبل أن يتمكنوا من اللحاق بها، حيث يفرغون على حد تأكيد محدثينا، الردوم، و القمامة، و حتى الحيوانات الميتة، من أغنام و أبقار، و حتى أحمرة و كلاب، موضحين بأن هذه الحيوانات تعلق لأيام داخل مجرى الوادي، و تتحلل ، حيث تتعفن و تنبعث منها الروائح الكريهة، و أحيانا يتطلب الأمر تدخل مصالح البلدية لرفعها، و هو ما حدث قبل أيام، حسب تأكيدهم، عندما علقت بقرة ميتة، أسفل الجسر، و لم يتم إخراجها إلا بصعوبة كبيرة، باستخدام رافعة، و غير بعيد عن هذا المكان، أين يمر مجرى الوادي أمام إحدى التجمعات السكنية، قال بعض من صادفناهم بالمكان، بأن معظم قنوات الصرف الخاصة بالسكان تتجمع داخل قناة رئيسية لتصب مباشرة في الوادي.
مفارغ في مجرى وادي بومرزوق
و في حي الإخوة عباس، المعروف بوادي الحد، أين يمر المجرى المعروف محليا بـ «وادي الكلاب» و هو أحد فروع وادي بومرزوق، وسط تجمعات سكنية قصديرية رحل معظم قاطنيها، غير أن وضعية  المجرى لم تتغير، فالتلوث لا يزال واضحا، على مستوى عدة أماكن به، ففوق الجسر الرابط بين وادي الحد و حي الرياض، وقفنا على كمية من الأوساخ الكبيرة العالقة بالمكان، إذ يبدو أن المكان يعد مفرغة عشوائية للنفايات المنزلية، التي تنبعث منها الروائح الكريهة، و قد تجمعت فوقها الطيور لتقتات منها.
هذا المشهد يتكرر على طول مجرى الوادي، كلما اقترب هذا الأخير من التجمعات السكنية، حيث يمكننا أن نشاهد مخلفات أخرى على غرار الأثاث المنزلي، إذ رأينا زرابي و بقايا أجهزة كهرومنزلية، على غرار تلفاز قديم و سخان مائي، و بطاريات للسيارات، كما يبدو بأن زيوت السيارات ترمى بشكل عشوائي في الوادي، من قبل ورشات الميكانيك المنتشرة في المكان، و بمنطقة الجدور و رغم أن مياه وادي بومرزوق السوداء كانت لا تحتوي على نفايات أو ردوم صلبة، ما عدا بعض إطارات السيارات، غير أن الروائح الكريهة كانت تنبعث لتصل إلى عشرات الأمتار، و يبدو أن مصدرها كان شبكة الصرف الصحي، الخاصة بمئات البيوت، و التي شاهدناها تصب مباشرة في وادي بومرزوق. أما أجزاء واديي الرمال و بومرزوق التي تمت تهيئتهما، و بالرغم من أن مجراهما كان خال من النفايات و الأوساخ، غير أن المياه كانت قذرة، و تبدو بأنها مياه صرف صحي، فلونها أسود و رائحتها كريهة، على غرار منطقة شعاب الرصاص، أين تمت تهيئة مجرى الوادي المار بالمكان بطريقة جميلة، و تم وضع العشب الطبيعي على الحواف، إضافة إلى تهيئة طريق إسمنتي للراجلين، و وضع عدد من الكراسي ، ما أعطى بعدا جماليا للمكان، بعد أن كان نقطة سوداء، غير أن لون المياه و رائحتها عكرا صفو المكان.

مديرية الري
المصانــع مـن أكبــر أسـبـــاب تلــوث الـوديــــــان
مديرية الموارد المائية و على لسان السيد مزغيش أحد رؤساء المصالح، أوضحت بأن تهيئة واديي الرمال و بومرزوق، بلغت نسبة جد متقدمة، حيث تم تهيئة أكثر من 9 كيلومترات، على حد تأكيده ، مع العلم أن طول المجرى المعني بالتهيئة يقدر بـ 12 كيلومترا، حيث أن عملية التهيئة ستنتهي حسب محدثنا قبل نهاية السنة الحالية، موضحا بأن جميع قنوات الصرف الصحي التي كانت تصب على مستوى الأماكن التي خضعت لإعادة الاعتبار، قد تم تهيئتها هي الأخرى، من خلال إنجاز شبكات صرف مستقلة، حيث أصبحت لا تصب في الوديان مثل السابق.
و بخصوص تلوث المياه قال بأنها تمر بعدة ولايات قبل الوصول إلى قسنطينة، و بالتالي فالتلوث يبدأ من مصدرها الأساسي، و لذلك فإن تصفية المياه يجب أن تتم عدة مرات، و في ما يخص ولاية قسنطينة، فقد أكد بأن هناك محطة تصفية على مستوى بلدية حامة بوزيان، تعمل في الوقت الحالي، فيما سيضاف لها محطتا تصفية جديدتين، توجدان قيد الإنجاز، حيث وصلت نسبة الأشغال بهما إلى أكثر من 80 بالمئة، إحداهما على مستوى مدينة علي منجلي، و المحطة الثانية بمدينة زيغود يوسف، فيما ستنطلق الأشغال قريبا لإنجاز محطة تصفية جديدة بمدينة الخروب، مشيرا إلى أن هذه المحطات، ستساهم في تصفية الوديان على مستوى ولاية قسنطينة و تنظيفها من المياه القذرة.
و أضاف المسؤول بأن المصانع لا يمكن أن ترمي المياه القذرة مباشرة في الوديان، حيث أن القانون يفرض عليها تصفية المياه المستعملة، من خلال وحدات تطهير على مستوى هذه المصانع، قبل تحويلها إلى الوديان، و في هذا الخصوص أكد بأن هناك لجنة ولائية مشتركة، تقوم بخرجات مراقبة كل حوالي أسبوعين، من أجل الوقوف على الحالات التي لا تحترم هذا الإجراء، و منع المخالفين، غير أن محدثنا أوضح بأن العديد من المصانع و بالخصوص على مستوى بعض المناطق الصناعية مثل ديدوش مراد، لا تزال تلوث الوديان من خلال رمي مياهها القذرة بشكل عشوائي، مضيفا بأن نسبة كبيرة من تلوث وادي الرمال، مصدرها هذه المصانع.      
ع.م

وزارة البيئة تطلق مشروعا لتقليص تدفق السوائل الصناعية  
زيــوت  ومــواد كيميائية  بـوادي سيبــوس
حركت الوضعية المتدهورة للوديان والمصبات بعنابة وما جاورها،   وزارة البيئة والطاقات المتجددة، بإطلاق برنامج استعجالي، للحد من التلوث بأحد أكبر الوديان بالجهة الشرقية العابر لعدة ولايات، نظرا للتجاوزات الخطيرة التي تقترفها المؤسسات الصناعية و مختلف المنشآت، بطرح الزيوت و المواد السامة بواد سيبوس، المرتبط بثلاث مصبات رئيسية بعنابة أبرزها واد بجيمة ، مبعوجة، الصفصاف.
كشفت رئيسة مصلحة البيئة الحضرية بمديرية البيئة لولاية عنابة السيدة بوعرعور سميرة للنصر، عن إطلاق برنامج وطني من قبل وزارة البيئة للحد من الثلوث المائي والإفرازات الصناعية السائلة بحوض سيبوس، الذي تغيرت طبيعته الفيزوكميائية، بعد أن كان في السابق يستخدم في السقي وتعيش فيه مختلف أصناف الأسماك.
وأوضحت بوعرعور ، بأن التحاليل بينت وجود تعد  على هذا المجال الطبيعي، مما عجل بإطلاق مشروع متابعة وضعية الوادي سنة 2013 ، بإسناد الدراسة لمكتب « صافاج» الذي قام بتعيين المؤسسات وكل الأنشطة الملوثة عبر كامل الولاية، عن طريق الخرجات الميدانية، وإجراء التحاليل الفيزوكميائية ، وبعد تعريف الوحدات والمنشآت التي تصب إفرازاتها بواد سيبوس، أفضت نتائج التحقيقات إلى تحديد 56 مؤسسة ملوثة.
وأضافت المصدر بأن مكتب الدراسات  وعلى ضوء النتائج قدم لكل مؤسسة مصنفة تقريرا يتضمن  مصدر التلوث، والحلول التقنية للحد منه عن طريق المعالجة الأولية، قبل صب المياه الصناعية في الوادي، وأشارت المتحدثة إلى قيام مديرية البيئة مع فرق مختلطة بزيارة دورية لهذه المؤسسات من أجل متابعة مدى تقيدها بالتعليمات التي أعطيت لها للمعالجة المسبقة، مع إلزامها في كل خرجة بالإمضاء على تعهدات للقيام بذلك قبل اللجوء إلى الغلق.    
وأكدت السيدة بوعرعور بأن المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة التابع للوزارة، والذي يتكفل بكل تحاليل المياه الصناعية، يدعم الفرق المختلطة بنتائج التحاليل الفيزوكميائية بشكل دوري، حيث تبين و إلى غاية 2016 وجود 20 وحدة صناعية لا تملك نظام معالجة أولية للمياه الصناعية، كما تضمن التقرير أيضا وجود 4 وحدات لها نظام مغلق لإعادة استعمال المياه، وحدتان قام أصحابها بإعادة التهيئة و  10 مؤسسات توقفت عن النشاط، ووحدة غيرت النشاط.
وشددت رئيسة مصلحة البيئة الحضرية ، على  وإلزام جميع الوحدات والمؤسسات الصناعية، التزود بنظام معالجة أولية يكون فعالا، للحد من تفريغ المياه السائلة الصناعية في الوسط الطبيعي، مع إمضاء تعهدات بتركيب نظام المعالجة وفق جدول زمني محدد، وإمضاء اتفاقيات مع المرصد الوطني للبيئة لإجراء التحاليل الفيزيوكميائية بصفة دورية.
وكشفت ذات المصدر عن اقتراح إنشاء محطتين لمعالجة النفايات السائلة الصناعية بكل من المنطقة الصناعية برحال، و لعلاليق، لتصل السوائل الصناعية بعد المعالجة، ذات تلوث معتدل يسهل عملية التنظيف والتحليل، وفي هذا الشأن تم اختيار الأرضيات على مساحة 3 هكتارات لكل وحدة.
وفي ما يتعلق بنفوق الأسماك عند التقاء واد سيبوس بمصب البحر، أوضحت المصدر بأن مصالحها، تتدخل بالتنسيق مع مصالح مديرية الفلاحة ومختلف الفاعلين في كل مرة، ويتم إجراء التحاليل البكتيرية من قبل مديرية الصحة مرتين في اليوم، من أجل تحديد مصدر التلوث وسبب نفوق الأسماك.
مصبات التجمعات الفوضوية أكبر الملوثات
ومن أهم مصادر التلوث أيضا بولاية عنابة  مجاري المياه القدرة التي تصب بالوديان، أبرزها واد الصفصاف، الذي يعبر   أحياء، الأبطال، الريم، واد فرشة، لاستي، فخارين، سيدي ابراهيم. ويحدث هذا رغم انجاز مشاريع إعادة تهيئة قنوات الصرف الصحي، حيث أن المشكل لا يزال مطروحا حسب جمعيات ناشطة في مجال البئية، نظرا لعدم معالجة مياه هذا المجرى المائي، الذي يعد أحد الأسباب الرئيسية في تلوث المحيط وانتشار الناموس والفئران.
ناموس النمر يدخل عدة أشخاص المستشفيات
و يُرجع سكان هذه الأحياء، سبب انتشار الروائح والناموس، إلى عدم تنظيف الوادي بشكل جيد، و تعمد المصالح المختصة ترك مخلفات عملية الجهر على ضفافه، بالإضافة إلى ربط شبكة المياه القذرة الخاصة بالأحياء الفوضوية المجاورة بالواد مباشرة، مما زاد مؤخرا من تعقيد الوضعية البيئية مع ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف.
ويشتكي السكان من تكاثر الناموس وما يخلفه من لسعات، خاصة لدى الأطفال الصغار، حيث سجلت منذ حلول موسم الاصطياف حسب مصادر طبية، عدة حالات تطورت إلى أورام خطيرة، استدعت تحويلها إلى مصلحة طب الجلد والأمراض المعدية بمستشفى « الحكيم ضربان « أين أرجعها الأطباء المختصون إلى لسعات الناموس الذي يعيش على الفضلات والقاذورات الموجودة في الوادي، أهم هذه الأنواع ناموس النمر الذي ظهر بسيدي سالم غير بعيد عن واد سيبوس، وقام بتصويره عدة مواطنين وإبلاغ السلطات المحلية، نظرا لخطورته في نقل الأمراض الوبائية.
ويمتد الخطر البيئي لواد الصفصاف إلى الأحياء المجاورة التي يمر بها مسببا حالة  من الاستياء وسط السكان كل فصل صيف، ورغم مساعي مديرية البيئة وكذا بلدية عنابة، من أجل التقليل من خطر التلوث بواد الصفصاف، الذي يعد أحد المصبات الكبرى لوادي سيبوس إلا أن الجهود المبذولة تبقى محدودة وليست فعالة، من أجل القضاء على مشكل التدهور البيئي نهائيا، خاصة مع تنامي ظاهرة البيوت الفوضوية التي تفتقر إلى شبكات  لصرف المياه القذرة، وتتخذ من المجاري والوديان القريبة منها مصبات لها.
وأضاف بعض السكان في حديثهم للنصر، بأن واد الصفصاف الذي يُقسم مدينة عنابة إلى قسمين الغربي والشرقي، أصبح يتسبب في انتشار الروائح الكريهة وتكاثر الناموس الناجم عن صب مجاري المياه القذرة به.
حسين دريدح

ينتهي عند مجر ى  أكبر أنهار الشرق   
مصـــب رئيســـي لـلميـــاه القذرة بقالمـــــة
يعد نهر سيبوس الكبير الذي يبدأ من ولاية قالمة أحد أكبر انهار الشرق الجزائري و أكثرها أهمية من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية، فقد ظل سهل سيبوس الممتد من قالمة إلى الطارف و عنابة مهدا للحضارات القديمة و الزراعة و العمران على مر الزمن، لكنه اليوم يواجه مخاطر كبيرة متأثرا بموجات التغير المناخي التي تضرب المنطقة في السنوات الأخيرة، متسببة في فترات جفاف طويلة أضرت بهذا الكائن الطبيعي، الممتد من جبال قالمة إلى الأبيض المتوسط، على طول يتجاوز 110 كلم تخترق تجمعات سكانية كبرى، و أقطاب صناعية، و سهول زراعية واسعة، أصحبت تواجه تحديات كبيرة بسبب مخاطر التلوث التي يعرفها سيبوس مع تصاعد موجات الجفاف، و تراجع كميات الأمطار المتساقطة على حوض المصب المتربع على مساحة تفوق 5 آلاف كلم مربع، تشمل ولايات قسنطينة، أم البواقي ، سوق أهراس، قالمة، الطارف و عنابة.    
و يعد نهر سيبوس من أكثر الأنهار عرضة لمخاطر التلوث بشرق البلاد، و خاصة بالمجرى الواقع بولاية قالمة، فهو يمثل المصب الرئيسي للمياه الملوثة القادمة من المدن و القرى الواقعة على ضفافه بينها مدن حمام دباغ، مجاز عمار، قالمة، بلخير، بومهرة احمد، جبالة خميسي، هليوبوليس، الفجوج، بوشقوف و واد فراغة الوقعة على حدود ولايتي الطارف و عنابة.  
كما تشكل الوحدات الصناعية بمدن الفجوج، قالمة، بومهرة احمد و بوشقوف مخاطر كبيرة على مياه النهر، و خاصة خلال فترات الجفاف.  
و يحاول المشرفون على قطاعات البيئة و المياه و الصحة و الزراعة إيجاد حلول ناجعة لمشاكل نهر سيبوس، لكن المساعي المبذولة لم تأت بنتائج واعدة حتى الآن، حيث تفتقد اغلب المدن الواقعة على ضفاف النهر الكبير إلى محطات معالجة مياه الصرف الملوثة، باستثناء مدينة قالمة التي تتوفر على محطة عملاقة تعالج نحو 5 ملايين متر مكعب من مياه مجاري الصرف في السنة الواحدة، و هي كمية هائلة يعاد ضخها في مجرى سيبوس لاستعمالها في سقي بعض أنواع المزروعات فقط، لأنها تحمل نسبا مختلفة من المعادن الثقيلة التي تشكل خطرا على الصحة و البيئة.    
و تسعى ولاية قالمة إلى بناء المزيد من محطات التصفية بالمدن الكبيرة لخفض نسب التلوث بالمعادن الثقيلة على امتداد نهر سيبوس، و فرض رقابة مشددة على أنواع المزروعات المسقية بمحيط قالمة – بوشقوف المتربع على مساحة تقارب 10 آلاف هكتار، تعد من أجود الأراضي المسقية بشرق البلاد.  
  و يرى المهتمون بشؤون البيئة و الصحة و الزراعة بقالمة بأن المحطة الوحيدة المتواجدة شمال مدنية قالمة على ضفة سيبوس غير كافية لخفض نسب التلوث بالمعادن الخطيرة المسببة لأمراض مستعصية قد تصل إلى الإنسان عن طريق مواد زراعية ذات استهلاك واسع.  
و تواصل قطاعات البيئة و الصناعة بقالمة مساعيها مع الوحدات الصناعية لحثها على بناء محطات لتصفية المياه المستعملة، قبل إطلاقها بمجرى سيبوس، المغذي الرئيسي للأراضي المسقية بولايات قالمة، الطارف و عنابة.  
و لم تبق بوادي سيبوس هذه الأيام إلا مياه محطة التصفية بمدينة قالمة، و مياه الصرف الصحي القادمة من المدن التي لا توجد بها محطات التصفية، و بالرغم من ذلك مازالت عمليات السقي متواصلة ببعض المناطق، رغم تحذيرات خبراء الصحة و الأغذية و الزراعة الذين أوضحوا في وقت سباق في ملتقى بقالمة بأن مياه محطات المعالجة الموجهة للسقي تمثل مصدر الخطر، حيث لا يمكن على الإطلاق تنظيفها و تخليصها تماما من البكتيريا و المعادن الثقيلة المسرطنة، مثل اليورانيوم، الكاتيوم، الانتيموان، الزئبق، الليتيوم، الكوبالت، النيكل، النحاس، الريبيديوم، الباريوم، البور، الحديد و الزنك و الالمينيوم، موضحين بأنه لا يمكن على الإطلاق التخلص نهائيا من هذه المعادن عن طريق معالجة المياه المستعملة، بل يمكن فقط خفض النسب إلى مستويات معينة، تسمح بسقي بعض المنتجات الزراعية فقط.   
كما أن السقي بالمياه غير التقليدية، و هي المياه القذرة المعالجة، محدد بإطار قانوني لا يمكن تجاوزه، و يتمثل هذا الإطار في القرار الوزاري المؤرخ في 02 مارس 2012، المحدد لخصائص المياه القذرة المصفاة المستعملة في سقي المنتجات الزراعية، و القرار الوزاري المشترك المؤرخ في  02 جانفي 2012 المحدد لقائمة المزروعات التي يمكن سقيها بالمياه القذرة المصفاة، و المرسوم التنفيذي رقم 07/149 المؤرخ في 20 ماي 2007، المنظم للري الزراعي.  و مع ارتفاع نسب التلوث بمياه سيبوس ارتفعت الأصوات المنادية بأخلقة النشاط الزراعي، و مناشدة المزارعين و حثهم على الاحتكام للعقل، و وقف عمليات إنتاج الأغذية الزراعية المسقية بالمياه التي تحمل نسبا خطيرة من المعادن الثقيلة المسببة للأوبئة و الأمراض المعدية، المتنقلة عن طريق المياه.  
و بات من الصعب حماية نهر سيبوس الكبير من التلوث، و التشوه الذي أصاب مجراه تحت تأثير الطبيعة و الزمن، و فوضى العمران التي تلاحقه و تحاصره، و تشدد الخناق عليه، بعد ان نال منه الجفاف و حوله إلى مارد نائم، قد يستيقظ ذات يوم ليتطهر، و يجرف كل كائن غريب اعتدى عليه و سكن مجراه.    
فريد.غ  

يتبع

الرجوع إلى الأعلى