التنميـــة هـــي الحـــل الأمثــــل لمشـــــاكل الحــــدود
لابد أن تستغل الجزائر موقعها لاقتحام إفريقيا

أجمع المشاركون في الملتقى المنظم قبل يومين من طرف وزارة الداخلية و الجماعات المحلية والتهيئة العمرانية حول «تهيئة المناطق الحدودية وتنميتها» على أن أكبر تحدي يواجه الحدود هو التنمية، وأكدوا أن التنمية تبقى العامل الرئيس والأساسي والحل الأمثل لحماية الحدود ومن ورائها البلاد برمتها، ويرى هؤلاء على اختلاف مشاربهم ومسؤولياتهم واختصاصاتهم بأن التنمية هي الأمن في نهاية المطاف وبأنها هي وحدها القادرة على محاربة الآفات والتهديدات التي قد تأتي عبر الحدود. ولأجل خلق دينامية تنموية حقيقية في المناطق الحدودية فإنه لابد من اعتماد مقاربة شاملة متكاملة تعتمد التنسيق المحكم بين مختلف القطاعات من جهة، والتنسيق مع دول الجوار من جهة أخرى ولكن أيضا خلق أرضية حقيقية وقاعدة لوجيستية صلبة تتمازج فيها الإمكانات الاقتصادية والهياكل القاعدية بالتطور الحاصل في مجال الإعلام والاتصال والرقمنة، و بلامركزية ومرونة في مجال التسيير، و تسهيلات في مجال الاستثمار والتعاون والتبادل التجاري.
ويرى خبراء ومتدخلون في الميدان أن للجزائر اليوم فرصة من ذهب عبر حدودها الجنوبية إن هي أرادت فعلا اقتحام السوق الإفريقية، فعليها استغلال طريق الوحدة الأفريقية الذي كلف الكثير ولا يستغل اليوم إلا بنسبة ضئيلة جدا، وعليها استغلال الفضاء التجاري المفتوح مع دول الجوار في هذا الاتجاه، و استغلال الهياكل والمنشأت التي أنجزت أيضا بالمناطق الحدودية.

والي تمنراست جيلالي دومي


يجب استغلال موقع الجزائر كبوابة لإفريقيا والرفع من جاذبية المناطق الحدودية
يرى والي تمنراست السيد جيلالي بودومي أن أكبر تحدي وأكبر مشكل تعاني منه المناطق الحدودية هو التنمية بكل اختصار، ويقول انه لا بد من العمل على الرفع من مستوى جاذبية المناطق الحدودية لخلق الثروة.
وردا عن سؤال «النصر» حول ظاهرة التهريب وما إذا ستؤدي تنمية المناطق الحدودية إلى نتائج عكسية في مجال التهريب على اعتبار أن الثروة والموارد ستكون متوفرة وبالتالي تشجع المهربين قال محدثنا على هامش ملتقى تهيئة المناطق الحدودية وتنميتها بالمركز الدولي للمؤتمرات بأن العكس هو الذي سيحصل في حال تطورت هذه المناطق.
ويرى أن التركيز على المنطقة الحدودية يعني التفاعل مع الجار المقابل، ويضيف أن مفهوم الخط الحدودي يعني عدم الاعتناء بالساكنة الموجودة على الحدود وهو الشيء الذي يشجع التهريب وظواهر أخرى، أما مفهوم المنطقة الحدودية فالمقصود به الاعتناء بالساكنة الموجودة على الحدود، فمثلا نشاطنا الرعوي موجود على الحدود أكثر منه داخل الإقليم.
وعليه فيجب هنا الاهتمام أكثر بالتفاعل التاريخي الموجود في المناطق الحدودية، علما أن الجزائريين البدو موجودون وراء الحدود وهمهم الوحيد في ذلك هو الكلأ، ولما لا تأخذ المناطق الحدودية نصيبها من التنمية معنى هذا عدم وجود شغل وعدم وجود تنمية وهذا ما يشجع ظواهر مثل التهريب وغيره.
ويطرح والي تمنراست -باعتبارها ولاية حدودية بامتياز واسعة ومترامية الأطراف وتستقر بها كل فئات الشعب الجزائري وفئات المهاجرين من دول أفريقية أخرى- يطرح تساؤلا مهما مفاده ما مصير موقع الجزائر الاستراتيجي  كبوابة لإفريقيا؟ ويجيب بأن تنمية المناطق الحدودية هي بمثابة إرساء للدعامة الأولى لخلق منطقة قوية سوف تستقطب نشاطا تجاريا وصناعيا موجودا وراء الحدود.
وبشأن مشكل الهجرة الذي يعتبر من أعقد الإشكاليات القادمة عبر الحدود اليوم وأخطرها يقول الوالي أن  هذه المسألة سيادية والذنب لابد ألا يوضع على من هاجر، لأن المهاجر يفر من مناطق فيها هشاشة أمنية واقتصادية ووضع اجتماعي مزر جدا، لكن على المنظمات الدولية التي تكتفي فقط بالتفرج وانتقاد الدول  أن تقدم يد المساعدة لهؤلاء بالمساهمة في إقامة بنية اقتصادية وخلق ظروف معيشية أحسن.
ومن هذا المنطق ينبه السيد دومي إلى أن الجزائر اليوم مطالبة بأن تغير نظرتها نحو المناطق الحدودية ونحو إفريقيا، فمن غير المعقول مثلا أن نقيم مصنعا للاسمنت في أدرار وهي ولاية حدودية ولا ننفتح على السوق الإفريقية في هذا المجال، ومثال تصدير 100 ألف طن من الاسمنت نحو بعض الدول الإفريقية قبل مدة أحسن دليل على ما نقول، فلما انطلقت الشاحنات الأولى المصدرة للاسمنت خلقت حركية اقتصادية لا مثيل لها، وبدأت بخلق مناصب شغل، ثم إقامة مستودعات للتخزين للجملة ونصف الجملة، معنى هذا أن الناس على الشريط الحدودي وجدوا فرص عمل وهو ما سيؤدي بهم إلى تغيير التفكير في الهجرة.
ويتساءل محدثنا عن مصير الطريق العابر للصحراء غير المستغل اليوم، ونفس الشيء بالنسبة لخط الإنترنيت الجزائر أبوجا غير المستغل أيضا؟ ويضيف ان هناك إمكانيات تصدير نحو أفريقيا تفوق الخيال، هناك محطة لتوليد الكهرباء في عين قزام لابد أن تصدر الكهرباء نحو الجيران، وهناك أيضا موارد معدنية كبيرة.
وخلاصة القول يؤكد الوالي بأن الانفتاح على إفريقيا لا مفر منه، حيث لابد أن نتساءل عن الفائدة الاقتصادية من كل هذه الهياكل ولابد من الانفتاح على دول الجوار، وبالنسبة له فإن معبر عين قزام هو أحسن معبر لمثل هذا الانفتاح على النيجر وهو ما سيكون له أثر ايجابي على ساكنة المناطق الحدودية مع التأكيد على ضرورة مرافقة هذا الانفتاح بتأطير محكم في مجال العبور والجمركة وخلق مركز مزدوج بين الجزائر والنيجر.

والي تندوف مرموري أموني


المعبر الحدودي مع موريتانيا هو مستقبل المنطقة وفرصة لاقتحام إفريقيا
من جهته يرى والي تندوف- الولاية الحدودية الواقعة في أقصى الجنوب الغربي-  مرموري أموني أنه لا يمكن الحديث عن تحدي  واحد موحد بالنسبة للمناطق الحدودية لأن لكل واحدة من هذه الأخيرة خصوصيات خاصة بها تميزها عن باقي  المناطق الأخرى، وبالتالي لكل ولاية إمكانياتها الخاصة وصعوباتها ومشاكلها الخاصة بها.
 بالنسبة لولاية تندوف فهي حاليا لا مشكل لها من الناحية الأمنية، لأن موريتانيا متحكمة في أراضيها، و الصحراء الغربية أيضا متحكمة، والمغرب كذلك، إذن من الناحية الأمنية لا يوجد أي تحد، يضاف إليه جهود الجيش الوطني الشعبي الموجود بقوة على الحدود  الذي له طريقة تأمين فعالة في هذا المجال.
ويضيف محدثنا «للنصر» بالتالي فإن التحدي الأكبر هو التحدي التنموي، وهنا لا نقصد عدم وجود هياكل ومنشآت ومطارات ومياه وغيرها، بل المقصود هو كيف نخلق الثروة؟ و  نحن نفكر في خلق مناطق اقتصادية وأرضيات لوجيستية أيضا بالنسبة لمؤسساتنا الاقتصادية الموجودة في الشمال ولم لا ميناء جاف.
وتعليقا على القافلة الاقتصادية التي توجهت قبل أيام إلى موريتانيا عبر تندوف يضيف السيد مرموري قائلا أن تندوف التي كانت منطقة عبور صعبة لم تعد كذلك اليوم بفضل المعبر الحدودي الذي دشن مؤخرا، وهو ما سيسمح للجزائر من العبور إلى موريتانيا ومنه إلى أفريقيا الغربية.
ونحن اليوم نركز- يضيف المتحدث- على شيئين أساسيين هما، أولا استغلال منجم  غار جبيلات وبالتالي خلق نشاط حول هذا المشروع المهيكل، وثانيا المعبر الحدودي، وبالتالي كيف نستثمر في هذا المعبر من خلال جلب المستثمرين كي يحولوا حتى بعض الصناعات الموجهة للتصدير و يقوموا بتوطينها في الولاية، فضلا عن  تجارة المقايضة وبعث تظاهرة المقار بمشاركة كل دول الجوار.
وما نحن اليوم بصدد تسويقه للمتعاملين والمستثمرين  مع وجود المعبر الحدودي هو أن هناك اليوم فرصة لدخول إفريقيا قبل فوات الأوان في ظل المنافسة القوية من دول أخرى، مع العلم أن السلع الجزائرية مطلوبة بقوة في أفريقيا.
 بالنسبة لمطار تندوف فهو يستقبل كل أنواع الطائرات و يجمع كل مواصفات المطار الدولي وشركة الخطوط الجوية الجزائرية تفكر حاليا في فتح خطوط مباشرة مع موريتانيا ودول افريقية أخرى بعد ذلك.
 وعما إذا كان هناك تخوف من انتشار التهريب بعد تنمية هذه المناطق قال والي تندوف أن العكس هو الذي سيقع لأنه لما يكون هناك نشاط رسمي فإن النشاط غير الرسمي سيختفي، و لما تسمح للناس بالدخول بسهولة  وبطريقة منظمة وجلب السلع بطريقة قانونية، والمتاجرة بطريقة قانونية فإن التهريب لن يكون، انطلاقا من قاعدة كل ممنوع مرغوب، وبالنسبة للمواد الغذائية فهناك إجراءات وقانون في هذا الصدد.  

3 أسئلة للخبير الاقتصادي كمال رزيق


المناطق الحدودية تواجه تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية والحل في تنميتها
 السكان هم أول مدافع عن الحدود لذلك يجب تنمية مناطقهم
 النصر: ما هو أكبر تحد تواجهه المناطق الحدودية عندنا هل هو ذو طابع اقتصادي أم أمني أم اجتماعي؟
 كمال رزيق: المناطق الحدودية تواجه كل التحديات، التحدي الأمني لأنها أصبحت نقطة ضعفنا، والتحدي الاقتصادي لأن جزءا كبيرا من الساكنة يشتغل على التهريب، وأيضا تحدي اجتماعي لأن الكثير من سكان هذه المناطق صعدوا نحو الشمال. ومن أجل إعادة مركزة السكان في مناطقهم لابد من مشاريع اقتصادية وتنموية واجتماعية، وهياكل وغيرها، لأن تمركز السكان في مناطقهم هو أكبر حل للتحدي الأمني، فعندما تكون الحدود مأهولة بالسكان لا يمكن للإرهاب أن يسكنها، لأن السكان هم أول مدافع عن الحدود قبل الجيش. و الحكومة التي أدركت هذه التحديات أخرجت اليوم وسائلها الكبرى، لأنه لابد أن لا ننسى أن لنا 12 ولاية حدودية لها تماس مع 7 بلدان مجاورة وهي تمثل نسبة 60 من المائة من المساحة الإجمالية للبلاد، في وقت سابق استنزفنا أكثر من اللزوم الجيش وقوات الأمن خاصة على الجبهة الليبية حيث لا مدن ولا حواضر متقدمة، عندما تكون هذه المدن ستخفف العبء على الجيش وقوات الأمن، وهذا الطرح أخذت به الحكومة. وحتى بالنسبة للتوزيع السكاني يجب أن يؤخذ هو الآخر بجدية كاملة، وقد لاحظنا أن كل الوزراء الذين لهم علاقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية شاركوا في الملتقى المنظم من طرف وزارة الداخلية، و  تطوير وتنمية المناطق الحدودية لا يعود بالفائدة علينا فقط بل على  الجيران أيضا. فمثلا فتح الحدود مع موريتانيا وعبور 47  حافلة كدفعة أولى ربط بين العائلات الموجودة على الضفتين، ولم شمل هذه العائلات سيعطينا الاستقرار الأمني، ويمكن من خلاله تطوير السياحة والتجارة وغيرها، ولابد أن نفتح معابر أخرى مع الدول الأخرى، وبالتالي لابد من دعم إستراتيجية تطوير المدن الصغيرة وجعلها مدنا كبيرة.
 أهملنا كثيرا أفريقيا كامتداد لنا في جوانبها الاجتماعية، ولكن أيضا كعمق اقتصادي مهم، كيف ترون هذه المسألة؟
 أهملنا أفريقيا كسوق و كعمق لأننا لم نبذل جهودا، من يريد التصدير نحو أفريقيا لابد ألا يعتمد على الطائرة لأن الإمكانيات هناك متواضعة، بل يكون ذلك عبر الطريق البري كما حدث مع معبر موريتانيا، اختراق الأسواق الأفريقية يكون عبر الطريق البري وعبر ميناء شرشال والطريق العابر للصحراء، صحيح ربما هناك مشاكل أمنية في مالي والنيجر لكن تطوير المناطق الجنوبية سيقضي على ذلك، فمثلا لا يمكن العبور إلى موريتانيا إلا عبر تندوف وهذا يدفع الصناعيين والمتعاملين إلى التفكير في خلق صناعات تجميعية في الولايات الحدودية وخلق بالتالي حركية اقتصادية.
ميزة أخرى لم نستغلها في الجنوب هي العائلات الموجودة في أكثر من دولة، لابد أن نستغل هذا التنوع البشري كي نخترق الأسواق الإفريقية، فالمعادلة تقول انه لا يمكن أن تستغل سوق إفريقيا الغربية إلا عبر موريتانيا، ودخول موريتانيا يتم عبر الامتداد العائلي بين الجزائر وهذه الأخيرة، ونحن لنا هذا الامتداد.
 ألا ترون مثلا أن تطوير و تنمية الولايات الحدودية قد يؤدي إلى زيادة الهجرة والتهريب؟.
- العكس في اعتقادي هو الذي سيقع، لما نفتح نقاط التماس والعبور نسمح مثلا للعائلات الموريتانية بالتنقل إلى الجزائر لزيارة ذويهم بسهولة وفي إطار منظم، و الغلق هو الذي يخلق التهريب والمشاكل  الأخرى. بالنسبة لقضية الهجرة لما يحصل المواطن في المناطق الحدودية على منصب عمل وتجارة وصناعة ومناطق تجميع صناعية وغيرها فإن الشباب النائم ينهض ويتحرك ويعمل. وأرى أن أحسن طريقة لمحاربة الهجرة والتهريب هي تنمية هذه المناطق ولكي ننميها لابد من مشاريع، ولا بد أن نعلم أن أي مستثمر من الشمال مثلا لا يمكن له أن يقيم مشروعا صناعيا أو تجميعيا في تندوف مثلا من أجل مستهلكي هذه الولاية لأن ذلك لا فائدة من ورائه بالنظر لتواضع عدد المستهلكين، بل يقيم هذه المشاريع من اجل المستهلك في موريتانيا وما وراء موريتانيا. لا نجزم بطبيعة الحال أن ذلك سيقضي على الهجرة كلية لكن سيقضي عليها بنسبة 90 من المائة.  إلياس .ب 

ملف:من إعداد   إلياس .ب

الرجوع إلى الأعلى