بسكـرة تكسـب رهـان الفلاحـة

تحولت ولاية بسكرة في السنوات الأخيرة ، إلى قطب هام للإنتاج الفلاحي بالجزائر، تفوق مداخليه السنوية 250 مليار دينار ، و ذلك بفضل ارتفاع المساحات المزروعة واتجاه فلاحيها نحو البيوت البلاستيكية ، التي جعلت من بسكرة ممونا لـ 40 بالمئة من الاحتياجات الوطنية في الخضر و الفواكه لوحدها ، كما تسجل الجهات المسؤولة ارتفاعا متزايدا في إنتاج التمور الذي يتخطى 4 مليون طن تُجنى كل موسم من 9 ملايين نخلة.
ملف من إعداد : ياسمين بوالجدري
في المقابل استطاع فلاحو الولاية رفع التحدي، رغم مشاكل السقي و التخزين وكذلك نقص العمالة و الأسواق المنظمة، فيما يظل رفض العديد منهم التسوية العقارية عن طريق عقود الامتياز من أكبر العوائق ، أما اقتحام الأسواق الخارجية فلا يزال مقتصرا  على  38 مصدرا فقط،  يبقى عددهم ضئيلا مقارنة بالإنتاج الذي فاق هذا العام 11 مليون  طن ، حيث لا يتعدى حجم الصادرات الفلاحية نسبة تصل أو تفوق 1 بالمئة من مجمل ما تجود به أراض خصبة تصلح لزراعة كل المحاصيل.
النصر غاصت في أغوار قطاع الفلاحة بولاية بسكرة، و استمعت إلى مزارعيها الذين يبذلون مجهودات لا يستهان بها لتطويع الأرض و جني خيراتها، كما تحدثت إلى مسؤولين محليين أجمعوا على أهمية ما تم تحقيقه حتى الآن ، لكنهم يطمحون إلى تطوير حجم الصادرات في ظل منافسة عربية و مغاربية قوية، بلغت  حد تسويق المنتوج الجزائري المعروف بجودته ، باسم دول أخرى استثمرت في الاختلالات الحاصلة و صارت تلعب على ورقة "البيو".
أصبحت بسكرة نموذجا ناجحا في مجال الزراعات المحمية التي تنتج سنويا كميات هائلة من مختلف أنواع الخضر و الفواكه، و هو ما وقفت عليه النصر في مستثمرة خاصة لأحد فلاحي الولاية.
في طريقنا إلى مزرعة السيد بن عزرين صالح الواقعة في منطقة وادي الديبية بمدخل بلدية المزيرعة، أقصى غرب ولاية بسكرة، كانت مساحات شاسعة من الأراضي الفلاحية الخصبة موزعة في الاتجاهين ، حيث تضم غالبيتها بيوتا بلاستيكية كبيرة و صغيرة الحجم. و قبل بلوغ وجهتنا استقبلنا الفلاح بحفاوة و دلنا عبر سيارته رباعية الدفع،  على مزرعته التي وصلنا إليها بصعوبة نظرا لرداءة المسالك غير المعبّدة.
و مع الاقتراب من المستثمرة، بدأت أشكال البيوت البلاستيكية تلوح من بعيد وسط الغبار المتناثر، إلى أن وصلنا إليها ، و هنا أخبرنا “عمي صالح” كما يفضل أن نسميه و المنحدر من منطقة أريس بولاية باتنة، أنه يستثمر على أرضه على مساحة 23 هكتارا قال إن كل المنتجات الفلاحية صالحة للزراعة بها، ابتداء من الكوسة “الجريوات” إلى الفول و الفلفل بنوعيه و الطماطم و البطيخ الأصفر و الأحمر و غيرها من الخضر و الفواكه، قبل أن يعلق قائلا “هذه الأرض من ذهب و ليست مجرد تراب بلا فائدة”.
مارس لجني “الكاوة” و “الطوفان”

دخلنا أحد البيوت البلاستيكية الكبيرة المخصصة لزراعة الفلفل، أين وجدنا شجيرات مربوطة إلى خيوط تم صفها بطريقة منتظمة، و قد امتلأت برؤوس الفلفل الحار خضراء اللون و الممتدة على طول البيت الذي تصل مساحته إلى 1 هكتار ، حيث علمنا من الفلاح أن وقت جنيها قد حان. و تصل المردودية السنوية إلى 400 و حتى 500 قنطار ، تسوق عبر الولايات الـ 48 للوطن، إذ تباع بسعر الجملة بأثمان تبدأ من 100 دينار للكيلوغرام.
توجهنا بعد ذلك إلى البيوت البلاستكية التي زرعت بها الطماطم شهر أكتوبر الماضي، و تم ربطها بأنابيب تعمل بتقنية السقي بالتقطير ، حيث لاحظنا أنها لم تنضج بالكامل بعد ، و لا تزال صغيرة الحجم بينما كان أغلبها ذا لون أخضر ، و حسب الشروحات التي قدمها لنا صاحب المستثمرة، فإن محاصيل الطماطم تقسم إلى قسمين حسب النوع ، إذ يوجد صنف “الكاوة” الذي يتطلب وقتا ليكتسب اللون الأحمر، و «الطوفان» ، و هو نوع يحمرّ بسرعة و يتميز بحجمه الكبير، مضيفا أن عملية جنيها تنطلق غالبا خلال شهري مارس و فيفري من كل سنة.
أما بالنسبة للخيار ، فقد كانت الشجيرات التي بدأت الثمار تتدلى منها، مثبتة إلى السقف بأسلاك معدنية، حيث تصل مردودية الشجرة الواحدة، مثلما يؤكد السيد بن عزرين، إلى ما بين 6 و 7 كيلوغرامات من حبات الخيار، التي تذوقنا بعضها بعدما تم جنيها و وضعها في صناديق بلاستيكية، لنكتشف أن طعمها لذيذ، بينما كانت القشرة ملساء، و هي نوعية ممتازة تباع في بعض أسواق الوطن ، حيث علمنا أن بذورها تستورد من إسبانيا و فرنسا و هولندا، و تلقى طلبا كبيرا.
كل شيء يصلح للزراعة
الفلاح زرع أيضا حقلا خارج البيوت البلاستيكية، بالكوسة أو “الجريوات” التي يشرع في جنيها شهر ديسمبر المقبل، كما أخبرنا أنه سيقوم بزراعة الشمام من نوع “ديارام” في البيت البلاستيكي المخصص للخيار، بعد جني هذا الأخير. و أكد المستثمر أن المناخ الجاف و النوعية الجيدة للتربة، ساعدا على ازدهار زراعة الخضر و الفواكه بهذه المنطقة و إعطاء مردودية معتبرة في فصل الشتاء، ليعلق في هذا الشأن قائلا “هذه الأرض تصلح لزراعة أي نوع”.
و يمكن، حسبما أكده لنا الفلاح، زراعة البطاطا أيضا لكن بكميات لا تتعدى 100 قنطار، و كذلك الثوم و الفول و البصل بل و حتى الفول السوداني و أشجار الإجاص  و البرتقال و الزيتون و التمور من نوع «الغرس» و غيرها من المنتجات، لكن نقص اليد العاملة، مثلما يتابع محدثنا، جعل  أنواع المحاصيل التي تجود بها المستثمرة محدودة، موضحا أن نوعية البذور من العوامل أخرى التي تتحكم في جودة «الغلة».
عمال يأتون من الجنوب و 1500 دينار أجرة اليوم
و في هذا الخصوص، ذكر المستثمر الذي وجدنا معه فلاحيْن أتى أحدهما من ولاية تيبازة البعيدة، أنه اضطر إلى الاستعانة بعمال يأتون على متن الحافلات من ولايات كتبسة و خنشلة و تيبازة و حتى من أقصى الجنوب الغربي للجزائر ، و تحديدا منطقة برج باجي مختار، حيث عادة ما يشتغل هؤلاء الأشخاص في جني التمور، و يتحولون مع انتهاء العملية إلى زراعات الخضر و الفواكه ليتقاضوا مبالغ تتراوح بين 1400 و 1500 دينار لليوم، إذ يصل المبلغ إلى 4.5 مليون سنتيم مع ضمان إطعامهم، لكن العديد منهم يفتقرون لمأوى مناسب يبيتون فيه، بحسب الفلاحين.
 تلف محاصيل لغياب غرف التبريد
و من المشاكل الأخرى التي يعاني منها فلاحو المنطقة، هو عدم تهيئة المسالك و ارتفاع مصاريف شراء الأسمدة التي يطالب المستثمر بن عزيرن بتخفيضها، أما الأسعار فهي ترتفع و تنخفض حسب «الغلة»، و يضيف المتحدث أنه اضطر في بعض الأحيان إلى رمي كميات من الطماطم لعدم تسويقها «نتيجة أسعارها المنخفضة”، و ذلك في غياب غرف تبريد تسمح بتخزين المزروعات. و خلال تبادلنا أطراف الحديث مع الفلاح، علمنا أن البيوت البلاستيكية الصغيرة تنجز من طرف الفلاحين أنفسهم بمساعدة يد عاملة محلية، لكن تفاجأنا بأن الكبيرة منها التي تكون عادة مربعة الشكل، يقوم بتركيبها مختصون في هذا المجال يأتون من المغرب، حيث تكلف مبلغ 80 مليون سنتيم لبيت بمساحة 1 هكتار، ينجز خلال 20 يوما، على أن يبقى صالحا لـ 3 أو 4 سنوات، قبل استبداله.
مغاربة لتركيب  البيوت البلاستيكية

سألنا الفلاح عن سبب اللجوء إلى عمالة من المغرب، فقال إن ذلك راجع إلى عدم وجود مختصين في هذا النوع من النشاطات الفلاحية، مضيفا أن العديد من المزارعين صاروا يستعملونها منذ 5 سنوات، كونها تحمي المحاصيل من الغبار، و هو ما جعل هؤلاء المغاربة يأتون إلى الجزائر كل سنة و يقضون 3 أشهر كاملة في هذه الأشغال.
و يبدي المستثمر تخوفه من خوض تجربة التصدير، حيث قال إنه تلقى في إحدى المرات عرضا من شركة خاصة لتسويق منتوجه خارج الوطن، لكنه رفض “لعدم تلقيه ضمانات”، مضيفا أنه يخشى أن يخسر الأموال ، لذلك فهو يفضل عدم المغامرة في الوقت الحالي ، و الاكتفاء بتغطية الطلب المحلي على الخضر و الفواكه.و لمعرفة أثمان الخضر و الفواكه في سوق الجملة ، توجهنا إلى السوق الوطني ببلدية الغروس و الذي يأتيه التجار من 48 ولاية، و قد كانت أسعار أهم المواد كالآتي:
الفلفل الحار: بين 110 و 120 دينارا
الفلفل الحلو: بين 110 و 120 دينارا.
الطماطم: بين 80 و 100 دينار.
الكوسة “الجريوات”: بين 80 و 100 دينار.
الشمام “الكانطالو”: من 60 إلى 80 دينارا.
الخيار: بين 35 و 45 دينارا.
الباذنجان: بين 40 و 60 دينارا.
الرمان: بين 35 و 45 دينارا.
البطاطا: من 35 إلى 50 دينارا.
ربطة البصل: بين 150 و 300 دينار.
ربطة الخس: من 15 إلى 40 دينارا.
ي.ب

يتبع

الرجوع إلى الأعلى