18 ألــف حـامــل لفيـروس السيـــدا غيـر معروفيـــن


البروفيسور تاج الدين عبد العزيز رئيس جمعية "حق الوقاية"
18 ألف حامل لفيروس السيدا غير معروفين  
  30 ألف حالة بالجزائر و ألف إصابة سنويا
أوضح البروفيسور تاج الدين عبد العزيز ، مختص في الأمراض المعدية، أن برنامج الأمم المتحدة لمكافحة السيدا، أحصى 30 ألف إصابة بالداء في الجزائر، منها 12 ألف حالة تم الكشف عنها، والتكفل بها متواصل وأعطى نتائج إيجابية، بينما لا تزال 18 ألف حالة دون اكتشاف، مما يضاعف خطر العدوى و بالتالي ظهور حالات جديدة، و يجري العمل للوصول إلى الحالات غير المعروفة و الحد من انتشار الداء، الذي يسجل سنويا حوالي ألف إصابة جديدة.
وقال البروفيسور تاج الدين عبد العزيز المختص في الأمراض المعدية بمستشفى الأطفال في كناستيل، في تصريح إعلامي بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة السيدا، أن الحديث عن الحالات المسجلة سنويا، لا يعني بالضرورة أنها حالات جديدة، بل أغلبها حالات قديمة لم تكتشف في الوقت المناسب، و أوضح البروفيسور أن جمعية «حق الوقاية» التي يرأسها هي الوحيدة من نوعها وطنيا التي تتكفل بالكشف الفوري السري والمجاني عن الداء منذ 10 سنوات، مبرزا أن الكشف هو الأساس لمكافحة المرض، كونه يسمح بتحديد المصاب والتكفل به، خاصة وأن الدولة توفر الأدوية اللازمة رغم تكلفتها الباهظة.
و بالتالي يتم الحد من العدوى بكل أشكالها ، خاصة وسط الفئات الهشة المستهدفة، وأكد في ذات الصدد، أن الانتقال الكبير للعدوى يتم بين الأزواج، مشيرا إلى أن انتقال الفيروس بطرق غير جنسية، لا يشكل سوى 0,1 بالمئة، مما يعني أن العدوى تنتقل بصورة كبيرة وسط فئات معينة، سواء تلك التي تمارس الدعارة أو مستعملي المخدرات عن طريق الحقن، وهي الفئات التي طالب البروفيسور تاج الدين ، بضرورة التكفل بها و استهدافها في عمليات الوقاية، لكن دون وسم أو تهميش أو تمييز، كونهم مواطنين مثل غيرهم، ومن حقهم الحصول على الرعاية والتكفل الصحي، خاصة وأن السيدا اليوم تحول إلى مرض مزمن مثله مثل الإصابة بالسكري أو أمراض أخرى.
بهذا الخصوص، قال البروفيسور أن للجمعية فرع قانوني يتكون من محامين من أجل الدفاع عن هذه الفئة، وحصولها على حقوقها، لأن التمييز والإقصاء ضدها لم يقتصر على المجتمع العادي،  بل حتى في الوسط الصحي من أطباء وشبه طبيين وغيرهم.
وأبرز البروفيسور تاج الدين، أن الجمعية قامت بدراسة للوضع و تبين أن مناطق الجنوب الجزائري، فيها بؤر كبيرة لتواجد الفئات الهشة المذكورة سابقا، مما جعلها تفتح مركزا ببشار،  بدعم من الإتحاد الأوروبي وتستعد لفتح مركز ثان في غرداية لاستهداف هذه الفئات والكشف عنها قبل نشرها للداء.
استهداف الفئات الهشة وضع حدا لانتقال الفيروس
لم نغادر مقر جمعية «حق الوقاية» لمكافحة داء السيدا، دون التطرق لكيفية التكفل بالفئات الهشة و المستهدفة، وهو العمل الذي يقوم به  شابان من الجمعية نحو فئات منها مثيلي الجنس و ممارسي الدعارة .
و أوضح المتحدثان، أن اختراق فضاء هذه الفئات التي تتوخى الحذر والسرية التامة في التعامل، لم يكن سهلا، فبعض المنتمين إليها عندما يسمعون الحديث عن السيدا،  يهربون ويتجنبون التعامل معهما، لكن تدريجيا وبعد ترسخ ثقتهم في الجمعية، بأنها تهدف لوقايتهم من انتشار الداء ومن الإصابة به، فإن الكثيرين استجابوا وأصبحوا من المتعاملين مع الجمعية بطرق إيجابية.
وأضاف الشابان أن عملهما يرتكز على توضيح آليات الوقاية والعلاج، و بأن المصاب به يمكنه العيش بطريقة عادية، إذا انتبه إلى الإجراءات التي تحميه، منها استعمال الواقي الجنسي و الحذر من أي عدوى تسمح بانتقال الفيروس، وأبرزا مثلا بأنه لولا توعيتهما لهذه الفئات بضرورة استعمال الواقي الجنسي الذي تمنحه لهم الجمعية، فإن هذه الفئات تتحاشى التوجه إلى الصيدليات لاقتنائه، وأضافا أن مهمتهما لا تقتصر على الفاتح ديسمبر الموافق لإحياء اليوم العالمي لمكافحة السيدا، بل العمل متواصل على مدار السنة للتوعية و التحسيس، سواء وسط الفئات الهشة أو المجتمع ككل، من خلال خرجات ميدانية للكشف الفوري.
وعلى صعيد آخر، أوضح أحد الشابين ، أن بعض الفئات التي تم استهدافها تكون لها الشجاعة لإبلاغ أحد أفراد العائلة الذي يكون قريبا منها، بأنها مصابة بالداء، ولكن هناك حالات قليلة تنغلق على نفسها و تنعزل عن الجميع، لأنه من الصعب تقبل الداء ، و آخر حالة من هذا النوع اتصلت بالجمعية، شاب كان يعلم منذ سنة أنه حامل للفيروس، لكنه رفض العلاج وظل منغلقا على نفسه ويخشى تناول الدواء، ظنا منه أن مضاعفاته ستظهر عليه مثل سقوط الشعر أو ظهور بثور وغيرها، لكن بعد إخضاعه لعلاج نفسي من طرف الطبيب النفساني للجمعية، استعاد ثقته بضرورة العلاج وحماية نفسه و تجنب نقل العدوى للآخرين.
 مصابون تسسبوا في وفاة زوجاتهم و أصحاء تقبلوا حاملات الفيروس
بمقر الجمعية دائما، حضرنا لقاءا لرجال و نساء في إطار مجوعات الدعم التي أنشأتها جمعية «حق الوقاية»، لتجعلها فضاء للكلام و طرح الانشغالات و المشاكل و كذا الترفيه على المصابين.
محمد أحد الرجال المشاركين في اللقاء، حالته الصحية مستقرة ومعنوياته تحسنت نوعا ما ، مثلما قال لنا، محمد توفيت زوجته بعد أن نقل إليها الفيروس، لم تكن تعلم بمرضه و لم تعلم حتى غادرت الدنيا رغم خضوعها للعلاج لمدة قاربت شهر في المستشفى،  وكانت في شبه غيبوبة.
بعد ذلك حاصرت محمد  العائلة و الأقارب والأولاد فأصيب بانهيار عصبي و بدأ العلاج منه بالمهدئات، التحق بالجمعية بفضل بعض الأشخاص الذين دلوه عليها،  ليحصل على الدعم المعنوي، وخضع للعلاج من السيدا وبدأت حالته في التحسن تدريجيا.
تزوج محمد لاحقا من سيدة حاملة لفيروس وأنجب منها طفلة سليمة، وعاد إليه أولاده من زوجته الأولى التي توفيت بسببه، و لم يخبرها أنه أصيب بالسيدا في إطار علاقات جنسية غير شرعية، هو «ذنب» يحاول محمد التخلص منه شيئا فشيئا.
أما أمينة فاستعادت حيويتها ونشاطها بعد فترة عصيبة تحملتها وحدها، لا أحد من عائلتها يعرف إلى غاية اليوم حقيقة إصابتها سوى زوجها، فقد انتقل إليها الفيروس عند طبيب الأسنان، و لم تكن تعلم بذلك إلى غاية يوم عقد قرانها، حيث أجرت التحليل ، فاكتشفت حملها للفيروس، و لم يساندها سوى زوجها الذي تقبلها كما هي ، رغم أنه لم يكن مصابا، و رافقها في رحلة العلاج و رفع معنوياتها، و كتم السر عن الجميع، أمينة اليوم أم لطفلة سليمة.
حالات عديدة إلتقيناها في الجمعية، تجاوزت مرحلة الانهيار التي تلت اكتشافها للإصابة، و أصبحت تلقائيا و سيطة بين الجمعية و الفئات الهشة وكل المجتمع من أجل حث الجميع على الكشف عن حالتهم و الحد من انتشار و انتقال الفيروس.
بن ودان خيرة

51 إصابة جديدة وسط الأطفال في 2018 بوهران
تحصي مصلحة الأمراض المعدية بالمستشفى الجامعي بن زرجب بوهران، 51 إصابة بداء فقدان المناعة المكتسبة «السيدا» على مدار ال 11 شهرا المنقضية من السنة الجارية، ويخضع هؤلاء الأطفال حاليا للعلاج بذات المصلحة، يحدث هذا في الوقت الذي توفر فيه الدولة العلاج الثلاثي بأثمان باهضة من أجل إستعماله للزواج وإنجاب أطفال أصحاء غير حاملين للفيروس، حيث غالبا الإصابات وسط الأطفال تكون من والدين مصابين أو حاملين للفيروس ولا يخضعان للعلاج المناسب لتفادي نقل العدوى لأطفالهم.
وقد سجلت مصلحة الأمراض المعدية بالمستشفى الجامعي بن زرجب بوهران، 560 حالة إصابة في ظرف 11 شهرا من السنة الجارية وفق السيد ربوحة أمين إطار بخلية الإعلام للمستشفى، الذي أفاد أن شهر مارس الماضي كان أقل الأشهر تسجيلا للإصابات، حيث لم تتعدى فيه 36 حالة في الوقت تخطت فيه 65 حالة شهري جويلية وأوت وتباينت الأرقام في باقي الأشهر، علما أن المصلحة توفر الكشف المجاني والسري عن الداء حفاظا على هوية وكرامة المصاب.
 بن ودان خيرة

البروفيسور عبد العزيز سقني للنصر
  السيدا مرض مزمن و لا بد من ثورة لتغيير الذهنيات
يدعو البروفيسور عبد العزيز سقني في اليوم العالمي لمكافحة السيدا، إلى إحداث ثورة جذرية في الذهنيات السائدة بمجتمعنا و النظر إلى مرضى السيدا على أنهم وصمة عار وبؤر ناقلة للعدوى ، مؤكدا بأنه لا بد أن يساهم  الجميع في إدماجهم في الوسط الأسري و التعليمي و المهني، و معاملتهم كأناس عاديين يعانون من مرض مزمن يتطلب تناولهم الأدوية المتوفرة ببلادنا مجانا، في ظل التطور الكبير في علاج هذا الداء، و بإمكانهم اليوم الزواج و إنجاب أبناء سليمين غير حاملين للفيروس، كما أكد أخصائي الأمراض المعدية بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة، في اتصال بالنصر، مشيرا إلى عديد النقاط الطبية التي تميط اللثام عن حقائق حول يوميات مرضى السيدا.
. النصر: لا يزال يعاني مرضى السيدا في مجتمعنا من نظرات تشوبها المخاوف و الاشمئزاز وحتى الاحتقار، من المحيطين به و حتى من أفراد الطاقم الطبي وشبه الطبي ، ماذا يمكن أن تقول لهم ؟
ـ البروفيسور عبد العزيز بن سقني:
من الناحية الطبية أؤكد أنه لا يوجد فرق اليوم بين مرض السيدا أو الأيدز و بقية الأمراض،  إلا كونه مرض مزمن ، كمرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم و غيرهما من أمراض العصر.
. طرق انتقال عدوى السيدا معروفة بالنسبة للأغلبية في مجتمعنا، لكن اللافت أن المحيطين بمريض السيدا و من بينهم أفراد أسرته، لا يزالون يخشون لحد اليوم من انتقال العدوى إليهم عن طريق ملابسه و أغراضه الخاصة، و كذا المرافق المشتركة كالمراحيض و الحمامات و غيرها، هل من كلمة تطمئنهم؟
ـ لقد تطور علاج السيدا كثيرا في السنوات الأخيرة، و الأدوية متوفرة حاليا بمختلف أنحاء العالم و تتحمل الدولة الجزائرية تكلفتها على عاتقها ، لتوزع بالمجان على المرضى، و عليهم فقط الالتزام و الانتظام في تناولها، كما يصفها لهم الأطباء المعالجون، منذ تشخيص إصابتهم بفيروس نقص المناعة المكتسبة، و سيتناقص تكاثف الفيروس تدريجيا في الجسم،  في ظل تناول هذه الأدوية حتى يختفي تماما، و يصبح مريض السيدا غير معد، و بالتالي تعتبر  أغراضه و كل مستلزماته غير معدية تماما و لا داعي للمخاوف. و أكرر هنا أن مرضى السيدا عاديون يعانون فقط من مرض مزمن، و بإمكانهم ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، إذا التزموا بأخذ أدويتهم، مثلهم كباقي المرضى المزمنين .
و بالتالي أدعو كأخصائي في الأمراض المعدية ، عبر منبر النصر، إلى إحداث ثورة في الذهنيات و تغيير النظرة السائدة إلى مرضى السيدا و التي أصبحت جزءا من ثقافة مجتمعنا، رغم أنها خاطئة و لا أساس طبي لها، و هي نظرة خوف و ارتياب و احتقار و اشمئزاز ، وأوضح بأنه من الضروري مساعدة هؤلاء المرضى و دعمهم ليتمكنوا من الاندماج في الوسط الدراسي و المهني و الاجتماعي، بدل تركهم فريسة لليأس و الإحباط و الانهيار العصبي و العزلة بسبب مواقف سلبية ناجمة عن جهل بحقيقة الداء .
التشخيص وقاية فعالة للفرد و المجتمع
. ماذا عن التشخيص؟
ـ هذه أكبر مشكلة نواجهها كأطباء و يعاني منها المجتمع ككل، قبل سنوات لم تكن وسائل التشخيص موجودة ببلادنا، لكن تلك الصفحة طويت، و أصبحت من الماضي البعيد، و كل الإمكانات و الوسائل متوفرة حاليا، و يكفي أن يبادر الشباب و غيرهم بالتشخيص، خاصة و أنه يتم بالمجان و في سرية تامة بمراكز معينة، و في قسنطينة هناك مركز متخصص بسيدي مبروك، و نسعى كأطباء لتشجيع الجميع على التشخيص المبكر، و في هذا الإطار و بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة السيدا ، ستنظم مصلحة الأمراض المعدية بالمستشفى الجامعي بن باديس يوم  4 ديسمبر الجاري، عملية تشخيصية واسعة تستهدف الطاقم الطبي و شبه الطبي و كل الراغبين في الخضوع للتحليل. المؤكد أن دور الأطباء و وسائل الإعلام كبير لحث كل شاب يشك في إصابته، إثر سلوك أو ممارسة جنسية مشبوهة أو أخذ حقن ملوثة و غيرها من وسائل العدوى التي نظمت بشأنها لسنوات متتالية حملات تحسيس و توعية على كافة المستويات، أن يسرع إلى التشخيص السري و النتيجة ستكون سرية أيضا بينه و بين نفسه و ضميره، فالقانون الجزائري لا ينص على الردع في هذا المجال، بل على وقاية الأفراد و من ثمة المجتمع.
بإمكان مريض الإيدز إنجاب أطفال سليمين
.  على ذكر الضمير نلاحظ بأن العديد من المقبلين على الزواج لا يخضعون للتحاليل الطبية في ما يتعلق بالأمراض المعدية، بالرغم من أن قانون الأسرة الجزائري ينص على تقديم شهادة الخلو من الأمراض ضمن ملف عقد القران، قبل إتمام الزواج..ماذا يمكن أن تقول للشباب حول هذه النقطة؟
ـ  أشير هنا إلى أن الفرق كبير بين مريض السيدا قبل أن يشخص مرضه و بعد أن يشخص، فقبل أن يشخص يكون ناقلا للعدوى بالطرق المعروفة، و بعد أن يشخص و يتناول دواءه بشكل مستمر مدى الحياة، لا يصبح ناقلا للعدوى، لأن كمية الفيروس تتقلص إلى أن تصبح النتيجة سلبية ، و عندئذ بإمكانه أن يتزوج و يمارس حياته الجنسية بشكل طبيعي و ينجب أطفالا سليمين لا يحملون الفيروس.  لهذا من الضروري و الحيوي أن يخضع المقبلون على الزواج لتحاليل حول الأمراض المعدية و من بينها التهاب الكبد الوبائي و فيروس نقص المناعة المكتسبة، و في كل الحالات يجب أن يصارح كل طرف الآخر. و إذا حدث القبول و الموافقة، أنصح مريض السيدا بانتظار نقص كثافة الفيروس إلى أن يصبح التحليل سلبيا في ظل تناول الأدوية، و أوضح هنا بأن النتيجة السلبية لا تعني الشفاء ، بل لابد من تناول الأدوية مدى الحياة، و بمجرد أن يتوقف يتكاثر الفيروس مجددا. ففي عصرنا هذا الذي يركز على الوقاية، أصبح بإمكان حاملات الفيروس الخاضعات للعلاج و المتابعة الطبية الحمل و إنجاب أطفال سليمين.
  و أشير هنا بأنه بالنسبة للمقبلين على الزواج الذين يكتشفون بعد التحاليل إصابتهم بفيروس التهاب الكبد من نوع «ب»، ما عليهم إلا أخذ اللقاح ليعيشوا حياتهم الزوجية بشكل طبيعي، إن الحياة جميلة و لذيذة، و علينا أن نعيشها بتعزيز الوقاية قبل العلاج.
تعدد فيروسات السيدا يؤخر اختراع اللقاح الناجع

. لماذا في رأيكم لم يتم اختراع لقاح فعال مضاد لفيروس نقص المناعة المكتسبة ليشفى المرضى نهائيا، بالرغم من التطور الهائل في الأبحاث الطبية؟
ـ نعم قضى الباحثون عشرات السنين في البحث عن هذا اللقاح ـ  الحلم، و لم يتم التوصل إليه إلى غاية اليوم، إن الفيروس أصلا لديه طرق و ميكانيزمات للتغير و التحول،  و   ثبت أنه ليس فيروسا واحدا، بل هناك عدة فيروسات من نفس العائلة مسؤولة عن الإصابة بالسيدا، مما لا يسمح بإيجاد اللقاح المناسب لمكافحتها كلها بسهولة، لكن البحوث لا تزال متواصلة.
. يعتقد الكثيرون بأن الأفارقة النازحون من بلدانهم التي تعاني من صراعات و حروب يساهمون في انتشار عدوى السيدا ببلادنا..
ـ فيروس السيدا اكتشف في ثمانينات القرن الماضي بالدول المتقدمة ، و هو الآن منتشر عبر كافة أرجاء العالم، في شمال الكرة الأرضية ، الظروف الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية تسمح بتوفير الأدوية  مما قلص من عدد الإصابات و التحكم في العدوى، و في الجنوب الفقير المجاعة و الظروف القاهرة و تكاليف العلاج الكبيرة، أدت إلى عدم التحكم في العدوى كما يجب، القضية تتعلق بالعدالة و الحق في العلاج و الوقاية.
اتهام الأفارقة النازحين بنشر السيدا ببلادنا عنصرية تتعلق باللون، و هي خطأ ، تكفينا مظاهر العنصرية السائدة بيننا كجزائريين، علينا أن نواجه الأمر بعقلانية و حكمة، فلا يمكن أن نتهم مئات أو آلاف النازحين بنشر العدوى وحدهم، و ننسى الملايين من الجزائريين، لهذا علينا أن نعتمد على الوقاية و نشجع الجميع على التشخيص المبكر، ليكون العلاج مبكرا و فعالا في حال ثبوت الإصابة.
حاورته إلهام طالب

شاب من قسنطينة يروي للنصر معاناته مع الداء
أوصيت عائلتي بإخفاء مرضي إلى غاية وفاتي
لا تزال نظرة المجتمع القاسية و السلبية تلازم مرضى السيدا، و تعتبره وصمة عار على جبينهم، فالسائد في المجتمع أن العلاقات الجنسية المحرمة هي السبب الرئيسي في الإصابة بالداء، و يتجاهل الأغلبية أن هناك طرق عدوى أخرى، ما يجعل المرضى يتعرضون للتهميش و الإقصاء حتى في الوسط الطبي، الذي ترفض بعض طواقمه التعامل المباشر معهم، ما يدفع حاملي فيروس الايدز إلى العزلة و التكتم عند العلاج على علل أخرى ، و هو ما استقيناه عندما أجرينا روبورتاجا بمصلحة الأمراض المعدية بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة ، و تحدثنا إلى شاب مصاب بالداء فضل إخفاء المرض عن أقاربه و أوصى والدته بكتم سره إلى أن « يوافيه الأجل» ، كما قال لنا.
روبورتاج /  أسماء بوقرن
زرنا مصلحة الأمراض المعدية بالمستشفى الجامعي بقسنطينة ، تزامنا و اليوم العالمي لمرض فقدان المناعة المكتسبة « السيدا» المصادف للفاتح ديسمبر ، و حاولنا التقرب من المرضى بداء لا يزال الإفصاح عن  الإصابة به طابوها في المجتمع ، لترسخ فكرة أن الحاملين له مذنبون ، جراء انتقال  العدوى بواسطة العلاقات الجنسية أو تعاطي المخدرات، و أصبحت من المسلمات لدى الأغلبية ، حتى في الوسط الطبي، فيقابل هؤلاء المرضى بالرفض في عيادات الأسنان و عند إجراء عمليات جراحية ، ما جعل الكثيرين يتكتمون عن الداء ما أثر على التشخيص المبكر لدى الأغلبية و كذا مواصلة العلاج، في المقابل يجهل الكثيرون أن عددا كبيرا من المرضى ضحايا ، بسبب خضوعهم المستمر لعمليات نقل الدم  و كذا انتقال العدوى بين الزوجين دون علم أحد الطرفين.
سلكنا الرواق السفلي لمصلحة الأمراض المعدية، بحثنا عن القاعات المخصصة لمرضى الإيدز، فدلنا عليها أحد عناصر الطاقم الطبي و قال لنا بأن هناك غرفة واحدة يمكث بها مريض منذ شهر، في آخر الرواق.
و عند وصولنا إليها وجدنا أنها  مختلفة عن باقي الغرف ، فبابها كان مغلقا و نافذتها الزجاجية المطلة على الرواق مغطاة بالكامل ، هي غرفة معروفة لدى الجميع،  خاصة المترددين على المصلحة بأنها مخصصة لمرضى الإيدز،  و هو ما يشكل إحراجا لدى بعض المصابين بالداء لاعتبارها وصمة عار على جبين كل مريض يقبع بها.
« أتفهم كل سلوك يصدر عن الآخرين »
دخلنا إلى القاعة، فوجدنا شابا في 29 من العمر ينحدر من قسنطينة، كان مستلقيا على سريره ويده موصولة بالمصل، و وجهه شاحب يشوبه السواد ، كما أنه نحيف البنية، حاولنا التحدث إليه عن بداية رحلة علاجه ، فكان متحفظا في حديثه إلينا و يجيب على أسئلتنا باختصار شديد أو  يلتزم في بعض الحالات بالصمت.
ذكر بأنه منذ نحو شهرين فقد الشهية للأكل و أصبح يشعر بعياء شديد، بالإضافة الى ارتفاع درجة حرارة جسمه و إصابته بالتعرق ليلا  و الإسهال، بالإضافة إلى فقدان الوزن، فتوجه إلى طبيب عام لتلقي العلاج.  طلب منه الطبيب إجراء مجموعة من التحاليل و بعد اطلاعه على نتائجها، تم تحويله إلى مصلحة الأمراض المعدية بمستشفى قسنطينة، أين خضع لفحوصات و أجريت له مجموعة من التحاليل، التي أثبتت إصابته بالداء، فتعقد وضعه الصحي.
أوضح الشاب بأنه لم يتم إخباره بطبيعة مرضه في البداية، إلى غاية التأكد من وضعه، قائلا بأن ذلك لم يشكل صدمة له، لأنه لا اعتراض على مشيئة الله،  مضيفا بأنه حاول التحلي بالشجاعة،  و إقناع نفسه بأن الإيدز مرض كباقي الأمراض، غير أن ملامح وجهه و نظراته توحي بعكس ذلك.
المتحدث قال بأنه يقبع بالمستشفى منذ نحو شهر، تزوره والدته مرة كل أسبوع، فيما  يتداول إخوته على المبيت معه ليلا، مؤكدا بأنهم ساندوه في رحلة علاجه و قدموا له الدعم اللازم، في حين لم يتم إبلاغ بقية أقاربه بأنه متواجد بالمستشفى ، و قال بهذا الشأن”أوصيت أفراد أسرتي و خاصة والدتي، بعدم إخبار أي كان بطبيعة مرضي وبتواجدي بالمستشفى»، مبررا ذلك بعد التزامه الصمت لفترة، بأنه يمكث بغرفة خاصة يعرفها الجميع لكونها مخصصة لإيواء حاملي هذا الداء، ما يكشف طبيعة مرضه ، بمجرد قدوم أي شخص لزيارته، و هو ما يرفضه جملة و تفصيلا ، وأضاف و قد اغرورقت عيناه بالدموع
« حرصت على التكتم على مرضي و قلت لوالدتي لا تخبري أي كان، إلى غاية يوم وفاتي.. عندئذ  أخبري الجميع” .
حالة التأثر كانت واضحة على الشاب، فبالرغم من محاولته التظاهر بالشجاعة، إلا أن إيماءات وجهه و نبرة صوته، كانت تدل على عكس ذلك تماما، حيث كان يتجنب النظر إلينا طوال مدة حديثنا إليه، فيما لم يذكر اسم المرض إطلاقا. سألناه عن معاملة الطاقم الطبي له فقال بأنها جيدة ، مضيفا  بأنه يتفهم كل سلوك يصدر من الآخر، لكون طبيعة المرض تفرض على كل شخص اتخاذ احتياطاته لتجنب انتقال العدوى إليه.
جمال قلياني ممرض بمصلحة الأمراض المعدية
نتجنب في البداية الإفصاح عن الداء لتحاشي الصدمة
قال لنا جمال قلياني، ممرض رئيسي مشرف على  علاج المصابين بالسيدا، بأن التعامل مع هذه الفئة، خاصة في بداية العلاج، يتطلب شجاعة وذكاء، فنوعية المرض تستدعي تحضير المريض نفسيا، قبل إعلامه بطبيعة مرضه، الذي يعتبره كل مصاب به من فئة الكبار، وصمة عار لا يستطيع مواجهة عائلته به.
و أوضح بأنه يتجنب في جل الحالات الإفصاح عن الداء لحامله ، و الاكتفاء بالقول بأنه يحمل فيروسا في الدم، و علينا إعادة الفحوصات للتأكد من ذلك قبل مباشرة العلاج، لتجنب إصابته بصدمة نفسية قد تدفعه حتى إلى الإنتحار، خوفا من نظرة العقاب و اللوم التي ستصدر من أسرته و المجتمع ، و من احتمال انتقال العدوى إلى أسرته، مضيفا بأنه في المقابل يتم الاتصال بأفراد عائلته و إخضاعهم لتحاليل، مع إخبار الزوج أو الزوجة أو الأولياء بالأمر، لأخذ الاحتياطات اللازمة، خاصة و  أن مريض الإيدز يواجه في بداية العلاج، مشكلا نفسيا أكثر منه صحي، ما يستلزم إجراء معاينات لدى طبيب نفسي و عقلي، ليستطيع مباشرة العلاج .  
و أضاف المتحدث بأن الطاقم الطبي المشرف على حالات السيدا بالمصلحة، معرض لخطر الإصابة، خاصة عند نزع عينات الدم و وضع المصل و غيرها، موضحا بأن أفراد الطاقم  يحاولون اتخاذ الإجراءات اللازمة  عند الاحتكاك المباشر بالمريض، بارتداء قفازات و بدلة و قناع واقي ، مشيرا إلى أن هناك حالات يصعب التعامل معها، و يكون فيها الفريق الطبي أكثر عرضة للخطر ، و ذلك عند التكفل  بالأشخاص المدمنين على المخدرات، حيث يكونون في بداية العلاج ، عنيفين جدا و يصعب التعامل معهم و علاجهم.
وبخصوص الحالات التي تقصد المصلحة، قال بأن كثيرا من الحاملين للداء هم مغتربون بالإضافة إلى عدة حالات من مناطق مختلفة من الشرق والجنوب الجزائري مرجعا سبب انتقال الفيروس في كثير من الحالات، إلى  العلاقات الجنسية غير الشرعية  و تعاطي المخدرات،  مشيرا إلى أن المرضى الذين تكون حالتهم مستقرة ، لا يمكثون بالمستشفى و إنما يخضعون لمتابعة دورية ، ما عدا الحالات المعقدة  التي تبدو عليها بعض الأعراض، كالإسهال و ارتفاع درجة الحرارة .

رئيسة مصلحة الأمراض المعدية الدكتورة  نادية بولكحل
نواجه مشكلة رفض التكفل بمرضى السيدا في مصالح أخرى
رئيسة مصلحة الأمراض المعدية بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة الدكتورة نادية بولكحل، المكلفة بعلاج مرضى السيدا بالمصلحة، قالت للنصر ، بأن هناك بعض الأفكار الخاطئة التي لا تزال مطروحة بخصوص هذا الداء، حتى في الوسط الطبي، حيث يتعاملون مع المريض كأنه مصاب بمرض معد و يجهلون بأنه يتنقل بالطرق المعروفة، قائلة بأنها تواجه إشكالا عند تحويل مريض السيدا لتلقي العلاج بمصلحة أخرى، متحدثة عن مريضة تحمل الفيروس حولت إلى مصلحة التوليد لتلقي العلاج، إلا أنه تم عزلها في قاعة بمفردها  لكي لا تشكل خطرا على البقية،  كما يقابلون بالرفض من قبل جراحي الأسنان و عند الخضوع إلى عمليات جراحية، و هو ما يؤثر على نفسية المريض و يدفعه لإخفاء مرضه عند زيارته أي طبيب، ما يشكل خطرا في انتقال الفيروس لكون الطبيب لا يتخذ الاجراءات اللازمة.
و بخصوص مدى التكفل بعلاج المصابين بالداء، قالت المتحدثة بأن تطورا ملحوظا سجل في ما يتعلق بالأدوية المستعملة،  في الأربع سنوات الأخيرة ، فيما لا يزال مشكل التكفل النفسي و الاجتماعي مطروحا بالمصلحة، لعدم تخصيص نفسانية و لا مساعدة اجتماعية هناك، كما أن عددا من التحاليل التي يقوم بها المريض باهظة الثمن و غير متوفرة بالمستشفى ، مشيرة إلى تسجيل نوع من الاستقرار في عدد الحالات ، حيث سجلت في الأربع سنوات الأخيرة بين 125 إلى 130 حالة في العام، أغلبها ناتجة عن علاقات جنسية غير شرعية، ليأتي بالدرجة الثانية انتقال العدوى  من الأم إلى الابن، بمعدل 3 حالات هذه السنة ، توفي أحدها مؤخرا. و في المرتبة الثالثة انتقال العدوى عن طريق نقل الدم.
و أضافت الطبيبة بأن أكثر الفئات العمرية التي أصيبت بالمرض المسجلة بالمصلحة، تتراوح أعمارها بين 30 و 40 سنة ، أغلبها رجال، موضحة بأن التزام المريض بالنصائح و العلاج المنتظم و ممارسة الرياضة، مع تجنب التدخين و الكحول ، يساعد في العلاج، خاصة عند بداية المرض.  
أ / ب

 

الرجوع إلى الأعلى