تاء التأنيث تحكم قبضتها على مهنة التربية و  التعليم

مخاوف من الانعكاسات الاجتماعية السلبية للظاهرة
يتوجه قطاع التعليم في الجزائر نحو التأنيث بشكل متسارع، حيث يجمع المتابعون للشأن التربوي، بأن نسبة الإناث في المجال تتراوح بين 60 إلى 75 بالمئة، و تبرز سيطرة العنصر النسوي على المهنة من خلال العدد الكبير للمعلمات في المدارس التعليمية بمختلف أطوارها، خصوصا المستوى الابتدائي، فضلا عن زحف التأنيث إلى المناصب الإدارية التي لا تزال تعرف سيطرة الرجال نوعا ما، بالمقابل تشكل الإناث نسبة 80 بالمئة من خريجات بعض المدارس العليا للأساتذة على مستوى الوطن، ما حول تأنيث التعليم إلى ظاهرة يتوجب علينا التوقف عندها، حسب الكثيرين، خوفا من انعكاساتها السلبية على التنشئة الاجتماعية و التحصيل العلمي لجيل كامل.
ملف من إعداد : نور الهدى طابي

ظاهرة أنجبتها تراكمات اجتماعية
تتفق مختلف الآراء على أن هناك تراكمات اجتماعية عديدة أنتجت الظاهرة التي برزت بوضوح خلال السنوات الأربع الأخيرة، على غرار نظرة التقدير التي يكنها المجتمع للمرأة المعلمة، باعتبار التعليم المهنة الأنسب لخصوصيتها، بفضل ضيق محيط الاحتكاك الخارجي مع الرجل و قلة ساعات العمل، إضافة إلى امتياز العطل الموسمية، وعوامل مادية أفرزها تعديل القانون الأساسي للمهنة سنة 2008، ما ضاعف حظوظ المعلمات في الزواج و تكوين أسرة ، بالإضافة إلى  ارتفاع نسب نجاح الإناث في شهادة الباكالوريا ، مقارنة بالذكور و اندفاع المرأة للعمل إثباتا للذات و سعيا للتحرر من القيود الاجتماعية و الأسرية،  لكن يرى البعض بما في ذلك متمدرسون و أساتذة و أولياء تلاميذ، بأن اختلال التوازن بين الجنسين في القطاع، قد تكون له تبعات سلبية على الجانب النفسي للتلاميذ، جراء  طغيان السلطة الأنثوية على حساب الذكورية في المحيط المدرسي الذي يعد الأسرة الثانية للطفل، فضلا عن عواقب بيداغوجية قد تنجر عن عطل الأمومة، و الزفاف و العطل المرضية الخاصة، في وقت يؤكد آخرون بأن الجندر لا يشكل تهديدا للشق البيداغوجي، بقدر ما يؤثر التوظيف الخارجي على القطاع ككل، خصوصا في ظل غياب التكوين القبلي و البعدي.
أكثر من 275  ألف امرأة في قطاع التعليم
في سنة 2015 كشفت مديرية الوظيف العمومي عن إحصائيات وطنية، بينت بوضوح هيمنة الإناث على قطاع التعليم، في حين لم تكن نسبتهن تتجاوز 28 بالمئة سنة 1990، فتعداد  النساء العاملات خلال تلك السنة قدر بـ671 ألف و789 امرأة، أي بما نسبته 34 بالمئة من  موظفي الوظيفة العمومية، مع سيطرة النساء على قطاع التربية، حيث قدر عدد العاملين بالقطاع ، بأكثر من 275 ألف امرأة، علما بأن عدد النساء في قطاع التعليم العالي و البحث العلمي، وصل إلى 58 ألف امرأة يشتغلن في التدريس.
تجدر الإشارة إلى أنه و في نفس السنة، كانت وزارة التربية قد أعلنت عن مسابقة خارجية لتوظيف الأساتذة، ترشح لها بالإجمال 19 ألف شخص، و حصلت النساء على 12 ألف وظيفة، من مجمل المناصب المفتوحة، و يعود ذلك ، حسب المختصين، إلى تفوق الإناث على الذكور في شهادة الباكالوريا، وقد بينت ذلك بوضوح إحصائيات وزارة التربية بخصوص نتائج الدورة الرئيسية الباكالوريا  جوان 2018، حيث بلغت النسبة العامة للإناث الناجحات في الدورة 63،48 بالمئة، وفي قسنطينة وحدها بلغت نسبة نجاح الإناث 59بالمئة.كما أن الرجال يميلون أكثر إلى الوظائف المستقلة، كما يتواجدون بقوة في القطاعات المالية و المجال الخاص، ويملكون هوامش توظيف أوسع من المرأة، التي تفضل المهنة الذهنية،  حسب المركز الوطني للإحصاء  الذي كشف مطلع السنة الجارية، بأن العنصر النسوي يمثل الأغلبية في المهن الفكرية بعدد قدره 569000 ،مقابل 514000 رجل.
مشاركة متزايدة في المناصب الإدارية
12 ألف امرأة من أصل  17 ألف موظف في قطاع التعليم بقسنطينة
النصر، تنقلت بين عدد من الإبتدائيات و المتوسطات و الثانويات بكل من المدينة  الجديدة علي منجلي و بلدية عين السمارة بقسنطينة، لمعاينة الوضع عن كثب، حيث لاحظنا من خلال احتكاكنا بعمال على مستوى هذه المؤسسات، بأن المعلمات يشكلن نسبة تفوق 90 بالمئة، وهناك مؤسسات تتعدى ذلك إلى 100بالمئة.
 بعلي منجلي أوضحت معلمة بإحدى المدارس الابتدائية المتواجدة في محيط المنطقة الصناعية، بأن المؤسسة لا تضم سوى معلمات بعدما أحيل المعلم الوحيد الذي كان يشتغل فيها على التقاعد، و تم تعويضه بمعلمة شابة، نفس الوضع عايناه على مستوى ثلاث ابتدائيات أخرى، و أكد لنا موجهون تربويون يعملون بها ، بأن العنصر الرجالي غائب تماما في أقسامها الدراسية.
 وضعية ابتدائيات بلدية عين سمارة لا تختلف كثيرا عما وقفنا عليه في علي منجلي، حيث أن مدارس البلدية ككل، لا تتوفر في معظمها على معلم رجل ما عدا مدرسة واحدة.
 خلافا للإبتدائيات لاحظنا بأن الرجال يتواجدون بنسبة أكبر في المتوسطات، و بنسبة مضاعفة في الثانويات، بمعدل ثلاثة إلى خمسة أساتذة، علما أن تخصصاتهم تتنوع بين تدريس الرياضة البدنية، العلوم الطبيعية ، الرياضيات ، الفلسفة و اللغة الأجنبية الأولى الفرنسية، ففي عين سمارة مثلا تحصي ثانوية توسع حريشة عمار، أربع أساتذة رجال مقابل ثلاث أساتذة في المتوسطة القريبة.
وتحصي مصلحة التوظيف بمديرية التربية بالولاية، 12 ألف امرأة من مجموع 17 ألف موظف في القطاع، مع الإشارة إلى أن النساء متواجدات أكثر في مهنة التعليم، بينما يشكل الرجال النسبة الأكبر من المسيرين و الإداريين، لكن مع تسجيل زحف مستمر للمرأة نحو هذه المناصب أيضا في السنوات الأخيرة، حيث يقدر عدد النساء  في الطور المتوسط بـ  3615 أستاذة، من أصل 4298، بينما يقدر عددهن في الطور الثانوي 2233 أستاذة، مقابل 701 أستاذ.
 أما إداريا فيحصي الطور المتوسط 141 مدير مؤسسة، منهم 67 امرأة، بالإضافة إلى 55 مستشار تربية، 19 منهم نساء، وفي الثانوي هناك 60 مدير مؤسسة، 13 منهم نساء، و 18 مستشارة تربية من أصل 43.

تلاميذ و أولياء
النساء  هنّ الأفضل في الابتدائي و الرجال مطلوبون أكثر في الثانويات
خلال جولتنا، حاولنا استطلاع آراء عدد من تلاميذ الأطوار التعليمية الثلاثة، بالإضافة إلى أوليائهم، حول مدى تقبلهم لهيمنة العنصر النسوي على مهنة التعليم، وقد أجمعت الآراء على اختلافها، أن النساء يعتبرن الأكثر طلبا في الطور الابتدائي،  بالمقابل يفضل كل من التلاميذ و أوليائهم تكريس تواجد الرجال في المتوسطات و الثانويات، أما الأسباب فتختلف.
 تقول كل من تسنيم، هيام و رحيل، وهن تلميذات في الأقسام الابتدائية، بأنهن يفضلن الدراسة عند النساء، بدل الرجال، و تحدثن بحب كبير عن معلماتهن، مكررات في كل مرة « أحب سيداتي أو معلمتي  فلانة..»، موضحات بأنهن يجدن التفهم و الحنان عند المعلمة و يخفن من سلطة المعلم، كما أن المعلمة جميلة ، حسبهن، و تعاملهن بود وكأنها أم ثانية.
ويبدو أن آراء التلميذات لا تختلف عن آراء التلاميذ الذكور، فقد أوضح شكيب، تلميذ في الخامسة ابتدائي، بأنه يفضل المعلمة على المعلم، وقد سبق له أن درس سنتين عند أستاذ تقاعد في الصف الثالث، قبل أن يتم السنتين الأخيرتين عند مستخلفة، وجد بأنها أكثر تفهما و أقل عصبية وضغطا.
 أولياء تلاميذ كثر تحدثنا إليهم، أكدوا نفس آراء أبنائهم، مؤكدين بأن النساء يملكن الأفضلية في التعليم الابتدائي، لأنهن يجدن التعامل أكثر مع الأطفال، كما أن وجود المرأة يمنح الطفل شعورا فطريا بالأمان في محيط جديد كالمدرسة. بالمقابل قالت السيدة وسيلة، بأنها تحبذ وجود توازن في الجنسين في الأقسام المتوسطة و الثانوية، لأن التلميذ يدخل مرحلة المراهقة، وسلطة الرجل تكون ضرورية في هذه المرحلة، لكبح نفسية المراهق من جهة، وتعويده على الاحترام و التعامل بجدية من جهة ثانية، وهو نفس الموقف الذي ذهب إليه السيد عبد الهادي، مضيفا بأن صورة الأستاذ تغيرت، ف»المعلمة مثلا، باتت اليوم صغيرة السن، حتى أنها أقصر من بعض تلاميذها أحيانا، وقد لا يتمكن الفرد من تمييزها عن تلميذاتها في الطور الثانوي، لذلك فإن التحكم في القسم يصعب عليها عكس الرجل». و الغريب أن تلاميذ كثر بالأقسام النهائية، شاطروه الرأي و أكدوا بأنهم كثيرا ما يتواصلون مع الرجال أحسن من الأستاذات.

المدرسة العليا للأساتذة بقسنطينة
70 بالمئة إناث و الذكور يشتكون صعوبة الاندماج
كشف مدير المدرسة العليا للأساتذة بقسنطينة  في تصريح سابق للنصر، بأن 80 بالمئة من خريجي المؤسسة في 2015 إناث، وهو واقع وقفنا عليه خلال تنقلنا إلى المدرسة، واحتكاكنا بطلبتها، حيث أوضحت لنا المكلفة بالإعلام على مستوى المدرسة الدكتورة منى بشلم، بأن الإناث يمثلن نسبة 70 بالمئة من المتمدرسين هذه السنة، إذ تشير الإحصائيات إلى أن 1819 فتاة التحقن بالمدرسة خلال السنة الدراسية 2016 /2017، مقابل 187 طالبا، بالمقابل تخرج منها خلال نفس الفترة، 120 أستاذا، و 1142 أستاذة.
 المتحدثة وهي أستاذة بالمؤسسة، قالت بأن أحد أقسام السنة الخامسة، الذي تشرف عليه، يوجد به 36 طالبا، مقابل عدد إناث يعادل 302، مشيرة إلى أن السنوات الأخيرة شهدت دفعات طلابية لا تحصي أكثر من طالب واحد، موضحة بأن هذه الأرقام هي انعكاس مباشر لنسب النجاح في شهادة الباكالوريا التي تتفوق فيها الإناث عموما منذ سنوات، فضلا عن ذلك فإن مهنة التعليم، حسبها، تعتبر الخيار الأمثل للمرأة بالنظر لطبيعتها الملائمة اجتماعيا، فالمجتمع ينظر، كما قالت، للأستاذة نظرة احترام وتقدير.
أغلب الذكور يختارون التخصصات العلمية
عن نوعية المشاركة الذكورية في الأداء العام للمدرسة، أوضحت الدكتورة بشلم، بأن الذكور يفضلون التخصصات العلمية الدقيقة، على غرار الرياضيات و الفيزياء، ثم تأتي الفلسفة و التاريخ و الجغرافيا في المرتبة الثانية، علما أن عددهم لا يزيد عن أربعة إلى خمسة في باقي المواد، فمن مجموع خريجي السنة الماضية هناك 36 أستاذ علوم دقيقة، 15 في الطور الثانوي و  20 في المتوسط، نسبة منهم مدرسو تاريخ،  أما الطور الابتدائي فقد تم إحصاء 18 أستاذا، و أوضحت بأن هذا الطور بات يستقطب اهتمام الذكور بسبب التوظيف، فمدة التكوين فيه لا تتعدى ثلاث سنوات.
طالبات يتحدثن عن سبب اختيارهن للتعليم الوظيفة أولا و الزوج ثانيا
خلال تواجدنا في الكلية، سألنا عددا من الطالبات عن سبب اختيارهن لمهنة التعليم، خصوصا بعدما علمنا من الأستاذة بشلم، بأن معدلات البكالوريا بالنسبة للبعض، تخولهن للالتحاق بكلية الطب، فكانت الإجابة واحدة، وهي ضمان التوظيف، فطلبة المدرسة يتمتعون بامتياز التوظيف المباشر بعد التخرج ، كما قالوا لنا،  إضافة إلى ذلك شرحت لنا نسرين، سنة ثالثة لغة عربية ، بأن مهنة التعليم مناسبة للمرأة اجتماعيا وماديا، فأجور المعلمين تحسنت، حسبها، بفضل قانون 2008، كما أن المدرسين يستفيدون على مدار السنة من منح خاصة، زيادة على امتياز العطل الموسمية، وساعات العمل المحدودة، ناهيك عن أنهن مطلوبات جدا كزوجات بسبب العوامل السالف ذكرها.
أقلية ذكورية تعاني مشكل الاندماج
لا حظنا و نحن نتجول داخل المدرسة، بأن عدد الذكور قليل جدا، وأنهم لا يتواجدون فرادى،  بل يتجمعون في مجموعات صغيرة، تقربنا من بعضهم و سألناهم عن السبب، فقالوا بأنهم أقلية قليلة، يعانون صعوبة كبيرة في الاندماج داخل الأقسام التي لا يزيد عددهم فيها أحيانا عن طالب واحد ، مقابل أكثرية نسوية. لذلك فإنهم يحاولون التجمع  في الباحة خارج أوقات الدراسة، لاستدراك الموقف و الحفاظ على توازنهم «العقلي»، كما علق، منير، قائلا ليس من السهل التواجد في وسط كله نساء.
محدثونا قالوا بأنهم صدموا بعد التحاقهم بالمدرسة بواقع هيمنة الإناث، خصوصا و أنهم لم يتخيلوا الوضع مسبقا، حتى أن عددا من الطلبة انسحبوا كليا من المدرسة، بينما يفضل آخرون التغيب طوال السنة، مشيرين « هناك أساتذة يميلون أكثر إلى العنصر النسوي، لقناعتهم أن المهنة مناسبة أكثر للنساء، و أنهن  أكثر عطاء فيها، و منهم ، كما أضافوا، من  يميزون بين الجنسين في التقييم البيداغوجي».
عن أسباب اختيارهم للتعليم دون التخصصات الأخرى، أجمع محدثونا أن السبب الرئيسي هو التوظيف المباشر، وقد علمنا بأن هناك فئة التحقت بالمدرسة العليا للأساتذة ، بفضل شهادة بكالوريا ثانية، حصلت عليها عقب تخرجها من تخصص جامعي سابق لم يوفر لها منصب عمل، كما أخبرنا  وائل.

الاتحادية الوطنية لمستخدمي قطاع التربية «سناباب»
 نسب نجاح الإناث في البكالوريا ضاعفت حصصهن في التوظيف
تفوق نسبة تواجد الإناث في بعض المؤسسات التعليمية عبر الوطن، 80 بالمئة، حسبما ذهب إليه  بلعموري لغليظ، رئيس الاتحادية الوطنية لمستخدمي قطاع التربية «سناباب»، مستندا في ذلك إلى معطيات القوائم الوطنية، كما أوضح، و تعد سيطرة تاء التأنيث على القطاع ، كما قال، نتيجة مباشرة و حتمية لارتفاع نسب نجاحهن في شهادة البكالوريا مقارنة بالذكور، حيث كشفت معاينة ميدانية لعديد المدارس بالعاصمة، عن وجود مؤسسات لا يتعدى عدد الرجال فيها 3معلمين من أصل 35 أستاذا.
و أضاف المتحدث، بأن طغيان العنصر النسوي على قطاعي التربية و التعليم والصحة، انعكس كذلك على نوعية الممارسة النقابية، فالمرأة لا تملك ، حسبه، الدافع الكافي و الجاهزية اللازمة، لممارسة العمل النقابي عكس الرجل، مع ذلك لا يمكن الطعن في مردوديتها المهنية، لأن الأمر هنا يرجع للتكوين. ورغم أن النساء تشكلن بالعموم نسبة 70 بالمئة من عمال القطاع التربوي، كما قال، إلا أن الجانب الإداري لا يزال يعرف هيمنة الرجال.
المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس «كنابيست»
شروط التوظيف الخارجي قلصت حظوظ الذكور
يرى مسعود بوديبة الملكف بالإعلام في المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار للتربية «كنابيست»، بأن تزايد نسبة الإناث في قطاع التربية، هو واقع لا يمكن إغفاله، فحتى منتصف الثمانيات و مع بداية التسعينات، كانت نسبة الأساتذة الرجال تفوق نسبة الأستاذات، لكن الميزان اختل في السنوات الأخيرة، لسببين أولهما تراجع نسب نجاح الذكور في شهادة البكالوريا، أما السبب الثاني و الرئيسي فهو شروط التوظيف الخارجي عن طريق المسابقات، والتي تشترط على الذكور إدراج بطاقة الإعفاء من الخدمة الوطنية أو دليل تسوية الوضعية ضمن ملف الترشح، وهو ما يقلص حظوظهم في المشاركة من البداية لصالح الإناث.
حسب المتحدث فإن نسبة كبيرة من الأساتذة الرجال عوضوا بعد التقاعد بأستاذات، لغياب بديل من نفس الجنس، وهو ما أخل نوعا ما بالتوازن في القطاع، بسبب عراقيل إدارية غير عادلة تشوب عملية التوظيف، كما سلف ذكره، مع ذلك يؤكد النقابي، بأن المرأة المعلمة لا تقل مردودا أو كفاءة عن المعلم، لأن معيار التمييز هنا يحتكم للتكوين، و قد أثبتت النساء كفاءتهن، كما قال، على مستوى التعليم و التسيير الإداري وبالأخص في الطور الابتدائي، بالمقابل يعد مشكل القطاع الحقيقي هو ضعف تكوين الأساتذة الجدد.   
الاتحاد الوطني لعمال التربية  و التعليم « امباف»
تفوق الذكور في المناصب الإدارية مقابل تأنيث مهنة التعليم
تفوق نسبة النساء في قطاع التعليم، حسب زغار العمري، المكلف بالإعلام في الاتحاد الوطني لعمال التربية والتعليم « امباف»يقدر بـ  53 بالمئة ، لكن هذا التفوق النسوي لم يؤثر على حد رأيه في الجانب البيداغوجي ونوعية التعليم، لأن النساء خصوصا في الطور الابتدائي أثبتن جدارتهن، علما أن مستواهن لا يقل عن ذلك في باقي الأطوار، وحتى في ما يتعلق بالشق الإداري. غير أن المشكل، حسبه، يكمن في نوعية تكوين الأساتذة الجدد عموما بما في ذلك الرجال، فتوظيف خريجي التخصصات الجامعية المختلفة دون إخضاعهم لتكوين مكثف و نوعي، أثر على مستوى التلاميذ وليس جنس الأساتذة، فهؤلاء لابد و أن يتلقوا تكوينا قبليا و بعديا، لضمان هيكلتهم بشكل يسمح لهم بالتعامل مع الأفواج الدراسية و التحكم فيها، حيث أشار المتحدث إلى أن نقابته تشتغل حاليا على قضية الجندر في القطاعات المهنية من خلال ورشات متخصصة يشرف عليها خبراء دوليون.
رئيس الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ  أحمد خالد
نسبة كبيرة من الغيابات و التأخرات في القطاع سببها النساء
أكد رئيس الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ أحمد خالد، بأنه سبق أن طرح انشغاله بخصوص هيمنة العنصر النسوي على قطاع التعليم، على وزيرة القطاع سنة 2014، و انعكاسات ذلك على نجاعته عموما، خصوصا وأن نسبة كبيرة من الغيابات و التأخرات في المدارس سببها النسوة، حسبه، و ذلك راجع كما أوضح إلى أن العديد من المعلمات و الأستاذات يرفضن الالتحاق بمناصبهن بعد التعيين، بسبب بعد المؤسسات التعليمية عن مقرات سكناهن، حيث يطالبن  بتعيينهن في مدارس على مستوى دوائر إقامتهن، أو على الأقل تزويدهن بسكنات وظيفية على مستوى دوائر أو ولايات الخدمة، فضلا عن توفير وسائل النقل و التكفل بشق الإطعام، وهي شروط تعجيزية على حد وصفه، فالدستور، كما قال، يضمن للمرأة الحق في التوظيف دون تحديد الزمان و المكان و ظروف العمل.
وأضاف المتحدث، بأن المعاينات الميدانية التي تقوم بها جميعته للمؤسسات التعليمية، خلال كل سنة دراسية جديدة، تثبت بأن 99 بالمئة من الغيابات في أوساط المعلمين، راجعة لذات السبب، في حين يلتحق الرجال بمناصبهم بشكل طبيعي دون شروط، مع ذلك فإن «طابو» عمل النساء خارج ولاياتهن بدأ بالانفراج نوعا ما ، بفضل جهود الوزارة، كما أضاف، مع ذلك لا تزال إشكالية العطل المرضية و عطل الأمومة تطرح بقوة في الوسط المدرسي، أين يطغى العنصر النسوي، وهو ما يؤثر على المردودية، خصوصا و أن الدولة كثيرا ما تضطر لتعويض المتغيبات بمستخلفين يفتقرون للتكوين، يواجهون صعوبات في التأقلم مع التلاميذ و يصعب أيضا على التلاميذ تقبلهم.
رئيس الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ، قال بأن نسبة النساء في القطاع تتراوح بين 60 حتى 75 بالمئة، و ذلك نظرا لتفوق العنصر النسوي في مسابقات التوظيف، علما أن ذات آلية التوظيف طرحت مشكل نقص التكوين بشدة بالنسبة للجنسين، حيث أن أداء الطرفين لا يكون في المستوى، عكس أداء خريجي المدارس العليا للأساتذة، أين يتلقى الأساتذة دروسا تخص الجانب النفسي للتلميذ. مع ذلك تميل الكفة، حسبه ، لصالح الرجل في ما يتعلق بالقدرة على التحكم في الفوج الدراسي، مقارنة بالنساء اللائي يعجزن أحيانا على فرض أنفسهن على التلاميذ في الأقسام المتوسطة والثانوية، بسبب أحجامهن الصغيرة وحتى بسبب قضية الهندام الذي كثيرا ما يتقاطع مع هندام التلاميذ.
الباحث في علم الاجتماع عبد السلام فيلالي
النزعة الاجتماعية المحافظة وراء توجه المرأة للتعليم
حسب الباحث في علم الاجتماع الدكتور عبد السلام فيلالي، فإن سيطرة العنصر النسوي على قطاع التعليم في الجزائر، يعد ظاهرة قديمة حديثة، فالأمر، حسبه، بدأ منتصف الثمانينيات و مع بداية التسعينات، حيث أن نسبة وجود الإناث في القطاع تتراوح بين 60 و75 بالمئة، و السبب في ذلك يعود إلى النزعة المحافظة للمجتمع والتي حددت محيط نشاط المرأة خارج المنزل في تخصصات معينة، يكون مجال الاحتكاك بالرجل فيها ضيقا، كي تتمكن من الحفاظ على خصوصياتها كامرأة تتمتع، على حد تعبيره، بالاحتشام، وعليه فإن هيمنة النساء على قطاعات التعليم و الصحة أيضا، لا يعد سباقا نحو المناصب، بل هو نتيجة محدودية فرصها مقارنة بالرجل، الذي يملك هامشا أوسع و أكبر للنشاط في المجالات المالية و العسكرية و عند الخواص وما إلى ذلك.كما أن التعليم يعد أفضل نوعا ما بالنسبة لحواء، كونها لا تشتغل فيه لساعات طويلة، ففي الثانويات تدرس بين 16 و 18 ساعة، وهو ما يسمح لها بالموازنة بين الوظيفة و الواجبات المنزلية، لذا نجد المعلمات أكثر حظا في ما يتعلق بفرص الزواج.
وأضاف المختص بأن هناك شقا آخر يمكن أن نفسر من خلاله الظاهرة،وهو تفوق نسبة نجاح الإناث في الجامعات على نسبة الذكور، وهو  ما يرجح كفتهن في ما يخص التوظيف، علما أن التمايز هنا لا يحتكم لمعيار العطاء و المردودية، لأن الطرفين متساويين في هذا الشق، و مستوى التكوين وحده قد يصنع الفارق، و تبقى النقطة السلبية الوحيدة هي الغيابات التي قد تترتب عن ظروف خاصة بالنساء، دون الرجال كعطلة الولادة مثلا.أما بخصوص تأثير هذا الاختلال في التوازن على تنشئة الجيل، فقد علق الباحث « لا أظن أن هذه الظاهرة التأنيثية ستؤثر على التحصيل بالسلب أو بالإيجاب،‮ ‬و كذلك على القيم لدى المتمدرسين في‮ ‬أطوار التعليم الابتدائي،‮ ‬وسؤالي‮ ‬هل ظاهرة تذكير المقررات أو التعليم برمته سيؤثر على التحصيل و القيم لدى هؤلاء بالإيجاب؟‮‮ ‬مؤكدا أن التأثير التحصيلي ‬والقيمي‮ ‬لا‮ ‬يتعلق بظاهرتي‮ ‬الأنوثية وا لذكورية بقدر ما يتعلق بالتكوين «‮.‬
الأخصائي النفساني كمال بن عميرة
اختلال التوازن قد يؤدي إلى العداء بين الجنسين
من جهته يرى الأخصائي النفساني كمال بن عميرة، بأن انعكاسات اختلال التوازن لصالح الإناث في قطاع التعليم، لا تنعكس على نفسية التلاميذ بقدر ما يؤثر على طبيعة العلاقة بين الجنسين في المجتمع، فبالنسبة للطفل خصوصا في الطور الابتدائي، وجود المرأة بدل الرجل في القسم ، يمنحه نوعا من الطمأنينة و الأمان، لأن المرأة تكون أكثر تفهما للطفل في سن مبكرة، مع أن شق التكوين يلعب دورا ، كما عبر، وغيابه قد يؤثر سلبا في تعامل بعض المدرسات مع التلاميذ، إذ أنهن قد تعجزن عن التفريق بين واجباتهن الأسرية و التزاماتهن المهنية، و تجنحن إلى العنف في بعض الأحيان.
أما اجتماعيا فإن سيطرة المرأة على المناصب يدفع الرجل إلى معاداتها نوعا ما ، لأنه يرى فيها  منافسا له ، مع أن التوظيف هو حق مشروع يكفله لها الدستور، كما أن العمل يعد حاجة اجتماعية ونفسية بالنسبة إليها أيضا، لكن قلة عدد المناصب هو ما يخلق الصراع بين الطرفين، خصوصا و أن عدد الإناث كثيرا ما يزيد عن عدد الذكور في ما يخص الالتحاق بمسابقات التوظيف.     
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى