أســــرار نســــاء نـاجحـــــات...

مهاجمة الخضر ونادي تولوز ميريام بن لزعر للنصر
فضلت الألوان الوطنية على قميـص الديكة
فضلت لاعبة المنتخب الوطني النسوي ميريام بن لزعر، استغلال مناسبة 8 مارس، وهو العيد العالمي للمرأة، لتوجه رسالة قوية للفتاة والسيدة الجزائرية التي وصفتها بالقوية وذات الرصيد التاريخي الكبير، وقالت لاعبة نادي تولوز الفرنسي في حوار للنصر، إن كل سيدة وفتاة مطالبة بالدفاع عن حقوقا بقوة، ومن بينها التمسك بممارسة هوايتها والرياضة التي تحبها، بغض النظر عن طبيعتها أو النظرة النمطية الموسومة بها، على غرار كرة القدم التي رغم اعترافها بأن النظرة في الجزائر تصنفها كرياضة ذكورية، غير أن الأمر في أوروبا أين نشأت وكبرت، كما أضافت مغاير تماما، حتى أن عائلتها كانت أكبر دافع ساهم في نجاحها، وتحولها للاعبة محترفة.
حاورهــا: مروان. ب
• هل لك أن تقدمي نفسك للجمهور الرياضي ولمحبي الكرة النسوية ؟
ميريام ياسمين بن لزعر مهاجمة المنتخب الوطني للسيدات، ولاعبة نادي تولوز الفرنسي، من مواليد 9 جوان 1995 بفرنسا، بدأت ممارسة كرة القدم، في سن مبكرة بضواحي مدينة مونتودران مع صنف الرجال، وقضيت معهم سنتين، قبل أن تظهر بعدها موهبتي للعيان، ما جعلني أنضم في سن السابعة إلى مركز تكوين نادي تولوز.
تمسك المرأة بهوايتها مقاومة  داخل المجتمعات الذكورية
• كيف كانت ردة فعل عائلتك، عقب اختيارك ممارسة كرة القدم، التي تعد اختصاصا رجاليا بدرجة أكبر ؟
أنا الفتاة الوحيدة في عائلتي بين خمسة ذكور، ما أثر على تنشئتي، وأتذكر بأنني كنت أرافقهم دوما للعب كرة القدم، ليتفطن بعدها الجميع لامتلاكي المؤهلات المطلوبة، ما جعلهم ينصحونني بالالتحاق بمركز تكوين نادي تولوز، الذي ساهم في صقل موهبتي، لأتحول إلى لاعبة محترفة، لقد وجدت كافة المساعدة من عائلتي، بل هي من ساهم  في دخولي لهذا العالم، الذي لم يعد حكرا على الذكور فقط، خصوصا في أوروبا، أين تمارس الفتيات كرة القدم بشكل عادي، ودون أي خلفيات نمطية، كما أنني تفاجأت أيضا للإقبال الكبير للفتيات الجزائريات على هذه الرياضة، مما ساهم في تطور نتائج المنتخبات الوطنية النسوية، في انتظار الظهور بوجه أفضل مستقبلا، لا سيما وأن المرأة الجزائرية قادرة على التألق في أي مجال تلجه.
حوار صحفي عجل بقدومي للخضر
• هل لك أن تحدثينا عن تفاصيل التحاقك بالمنتخب النسوي ؟
الناخب الوطني السابق عز الدين شيح، من كان وراء قدومي للمنتخب الوطني النسوي قبل عدة أشهر، حيث اطلع على إحدى تصريحاتي، التي عرضت فيها خدماتي على الخضر، ما جعله يتصل بي مباشرة، للتأكد من حقيقة ما جاء في ذلك الحوار، لقد كان سعيدا جدا بضمي لكتيبة المنتخب الوطني، خاصة وأنه كان يبحث عن الإضافة، كما أن سعادتي كانت أكبر بتلبية نداء القلب، كوني لم أتخيل نفسي بزي غير قميص منتخب بلدي الأصلي، ولو أنني كنت قادرة على حمل ألوان “الديكة”، بالنظر للإمكانات التي أتمتع بها، ولكنني لم أفكر في هذه المسألة على الإطلاق، باعتبار أنني أفتخر بأصولي الجزائرية، بدليل أنني أزور مسقط رأسي بوهران باستمرار.
لن أسمح لزوجي المستقبلي بوضع حد لمشواري في عالم المستديرة
• كيف وجدت الأجواء مع سيدات الخضر، وماذا تقولين عن راضية فرتول ؟
صراحة، تفاجأت كثيرا بنوعية لاعبات المنتخب الوطني النسوي، حيث تطورن بشكل ملحوظ، إلى درجة أنني لم أشعر بفروقات كبيرة بين لاعبة تنشط بالبطولة الوطنية، وأخرى محترفة بأحد النوادي الأوروبية، وعلى ما يبدو فإن القائمين على شؤون المنتخب النسوي، قد بذلوا مجهودات جبارة على مدار السنوات القليلة الماضية، في سبيل الوصول إلى هذا المستوى، الذي مكننا من التأهل مجددا إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا التي خضناها قبل عدة أشهر بغانا، ولو أننا لم نحقق فيها النتائج المطلوبة، بالنظر إلى الكثير من المعطيات، التي أفضل تأجيل الحديث، لكن كل هذا لا يمنعني من الثناء على الناخبة السابق راضية فرتول وعملها، وهي التي قبلت المهمة الصعبة الموكلة لها قبل شهرين عن انطلاق العرس القاري، ورغم ذلك نجحت في تشكيل منتخب قوي، كان بإمكانه الذهاب بعيدا في البطولة، لولا التحيز التحكيمي الفاضح، وكذا بعض المعوقات، على غرار إصابة أفضل لاعبة وهدافة في المنتخب، ويتعلق الأمر بنعيمة بوهني، التي وضعتنا في مأزق حقيقي، إذ فشل المنتخب في إيجاد بديلتها.
التعليم  العالي  سبيل المرأة للنجاح

• بصراحة، متى نرى المنتخب الوطني ينافس على التاج القاري ؟
لا يجب أن نكذب على أنفسنا، صحيح أن المنتخب الوطني النسوي شهد قفزة نوعية في السنوات القليلة الماضية، إلا أننا لا نزال بعيدين كل البعد عن المنتخبات العملاقة، التي لديها كلمتها في كبرى التظاهرات العالمية، على غرار المنتخب الكاميروني، الذي قاسمنا ذات المجموعة في «الكان» الفارطة، إلى جانب نيجيريا وغانا وغيرها من المنتخبات الإفريقية، التي تطورت بشكل رهيب، وباتت تزاحم كبار العالم، علينا أن نواصل العمل بذات الجدية، وأن نحفز الفتيات على ممارسة كرة القدم، على أمل النجاح في تشكيل منتخب، بإمكانه إهداء الجزائر لقبا في المستقبل.
• هل صحيح أنك قمت بتصرفات في غانا اعتبرت غير مقبولة، وعوقبت عليها بشدة من الكاف ؟
كما قلت لكم، فإن منتخبنا الوطني كان ضحية التحكيم الإفريقي السيء خلال التظاهرة الماضية، إذ تمت معاقبتي بمباراتين، بحجة تصرفي غير المقبول في لقاء مالي الأخير، ولو أنني لم أرتكب أي تجاوزات، واكتفيت بالاحتجاج على بعض القرارات الغريبة والمشكوك في أمرها، ويكفي العودة إلى شريط المواجهة، للتأكد بأن الحكم سرق منا الفوز، من خلال احتسابه لهدف مشكوك في أمره للمنافس، على العموم أنا حزينة للغاية، لأنني سأغيب عن المواعيد القادمة للخضر، ولكنني عازمة على العودة بقوة، على أمل النجاح في الوصول إلى الأهداف المسطرة مستقبلا، والمتمثلة بالدرجة الأولى، في التنافس على المستوى القاري والعالمي.
مستوى المنتخب تطور والألقاب  تأتي مع الممارسة
• في أي منصب تفضلين اللعب، وهل وجدت معالمك مع الخضر ؟
أجد راحتي أكثر في منصب صانعة الألعاب، بحكم أنني لاعبة مهارية، ولدي المقدرة على تقديم الكرات السانحة للزميلات، غير أنني أمتاز أيضا بإجادة اللعب في مناصب أخرى، وهو ما جعل الناخب الوطنية السابقة، توظفني في كافة مناصب الهجوم، أنا مرتاحة مع الخضر، ووجدت كافة الترحاب، كما أن تواجد المحترفات، سمح بتشكيل منتخب جيد ستكون له كلمته مستقبلا، ولكن شريطة الحفاظ على نفس الجدية في العمل.
• يقال بأنك وضعت حدا لمشوارك الدراسي بسبب كرة القدم ؟
لا... لم تكن كرة القدم سببا في توقفي عن الدراسة، بل هناك أمور أخرى أفضل الإبقاء عليها لنفسي، ولو أن ممارسة الفتاة لكرة القدم لا يجب أن ينسيها تعليمها، خاصة وأن الفرق العالمية لا تزال بعيدة عن الاحتراف الحقيقي، الذي يوفر عن اللاعبة العمل، فباستثناء ناديي ليون وباريس سان جيرمان في فرنسا، فكافة الفرق الأخرى، تفتقد لمعايير الاحتراف الحقيقي، وعلى الراغبة في ممارسة كرة القدم، البحث عن عمل أو عدم التفريط في دراستها التي قد تفتح أمامها أبواب النجاح.
• ماذا لو أرغمك شريك حياتك المستقبلي على وضع حد لمسيرتك الكروية ؟
في حال ما إذا قررت المرأة دخول عالم الزوجية، فإنه سيكون من الصعب عليها ممارسة كرة القدم، لأن لديها التزامات منزلية كثيرة، وتزداد حجم مسؤوليتها إذا ما رزقت بالأولاد، وهنا أؤكد لكم بأنه رغم كل هذا، سأواصل مداعبة الساحرة المستديرة، ولن أترك المجال لأي أحد لثنيي على تطليق عالم أعشقه، حتى ولو كان زوجي المستقبلي، فأنا لست مستعدة للتضحية بكل تلك السنوات، التي بذلت فيها مجهودات جبارة، في سبيل التحول للاعبة محترفة تدافع عن ألوان أحد أفضل الفرق الفرنسية.
نشأت وسط 5 أشقاء وربما هذا سبب اختياري لكرة القدم
• في الختام، ما هي الرسالة التي توجهينها للمرأة الجزائرية بمناسبة العيد العالمي للنساء ؟
أفتخر بأنني لاعبة كرة قدم محترفة، وهذا يجعلني أحسن سفيرة لبلدي في المهجر، وهو ما مكنني من تحقيق حلمي بالدفاع عن الألوان الوطنية، وهنا أستغل الفرصة لتقديم نصيحة لكافة الفتيات الراغبات في ممارسة كرة القدم، أن لا يبقين مكتوفات الأيدي، وأن يتوجهن نحو هواياتهن دون قيود، كما أؤكد لكم بأن المرأة الجزائرية قوية، ولديها كافة المؤهلات لتكون ناجحة في حياتها، شريطة الإيمان بمؤهلاتها.
م/ب

ترأس الأمن الحضري العاشر بعلي منجلي بقسنطينة
محافظ الشرطة صباح بن فيسة .. امرأة بقبعتين
ملامحها هادئة ، و عطرها يعبق برائحة القوة و الرصانة، التي خولتها لترأس مقر الأمن الحضري العاشر بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة، سيدة بعزم مئة رجل و بوقار كل النساء ، استقبلتنا في مكتبها، لتحكي لنا قصة صباح بن فيسة، امرأة بقبعتين، الأولى لأنثى جزائرية مثقفة حاملة لشهادة ليسانس في الأدب العربي، و الثانية لمحافظ شرطة، يشهد لها في جهاز الأمن بأنها ابنة الميدان التي لا تكل، و واحدة من أوائل النساء الضباط في سلك الشرطة بقسنطينة.
لا يمكن أن تقف أمام صباح، دون أن تشدك قوة شخصيتها التي تمتزج بهدوء مريح، قالت، بأنه كثيرا ما يساعدها على كسب ثقة الموقوفين و دفعهم للتعاطي  بكل إيجابية مع مجريات التحقيق، حتى أن منهم من يتطوع للكشف عن معلومات مهمة تفيد في حل قضايا أخرى، وذلك قبل أن يغادر مكتبها وهو متجه إلى السجن.
العمل الجواري يكمل إجراءات الردع
أما عن السر وراء ذلك، فيرجع، كما أوضحت، إلى تمرسها في الميدان و إدراكها لقيمة الجانب الاجتماعي و الإنساني لعمل الشرطي و الإيمان بمبدأ « العمل الجواري»، الذي لا بد و أن يكمل، كما أردفت، عمل إجراءات الردع لتحقيق التوازن، وهي حكمة اكتسبتها خلال 21سنة من العمل في سلك الأمن الوطني، الذي التحقت به  رفقة 50 عنصرا نسويا آخر سنة 1998 عن طريق أول مسابقة لتوظيف ضباط الشرطة النساء في قسنطينة.
سألناها عن سبب انضمامها إلى الجهاز في تلك الفترة الأمنية الحرجة  التي تزامنت مع سنوات الإرهاب، فقالت بأنها لطالما كانت مشبعة بالروح الوطنية التي ورثتها عن والدها، وهو الشخص الوحيد الذي دعم خيارها بالالتحاق بالسلك، الذي اختارته بعدما اعتذرت مصالح الجيش عن استقبالها لعدم إدماجهم للنساء ضمن صفوفها خلال تلك المرحلة من تاريخ الجزائر، وهكذا تخرجت صباح من مدرسة الشرطة بسيدي مبروك، بعد تكوين خولها حمل رتبة ضابط شرطة، لتجد نفسها في مواجهة الميدان الذي قالت بأن صعوبته لم تثن عزيمتها بفضل المرافقة الدائمة التي حظيت بها نساء الشرطة من قبل قيادة الجهاز خلال تلك الفترة، لكنها بالمقابل اصطدمت بنظرة المجتمع الضيقة للمرأة الشرطية، وقد كانت من أوائل الضباط اللائي عملن على تصحيح تلك الصورة المشوشة و الضبابية عن نساء مؤسسة الأمن، بفضل جديتهن في العمل و احترامهن لرمزية البذلة الزرقاء و رفعهن لتحدي الوقوف جنبا إلى جنب مع زملائهن الرجال.
خلال مسارها المهني قدمت صباح الكثير، لتستحق رتبتها الحالية محافظ شرطة ورئيس مقر أمن حضري، فقد كانت دائما سيدة الميدان بامتياز، حيث عملت بمصلحة شرطة الحدود بمكتب أمن الموانئ و المطارات و كانت معنية بمراقبة 4 موانئ و6 مطارات على مستوى ناحية الشرق،  كما ترأست فرع الشرطة القضائية في مطار قسنطينة ، قبل أن تنتقل لرئاسة فرع الشرطة القضائية بالأمن الحضري 12 بحي الزيادية، و بنفس الرتبة وجهت نحو الأمن الحضري السادس بحي بوجنانة، فالأمن الحضري الأول بوسط المدينة ثم بن الشرقي، و حي فضيلة سعدان، لتعود مجددا إلى مقر المديرية الولائية للأمن، أين ترأست مكتب التفويضات القضائية، كما التحقت في وقت سابق، بفرقة البحث والتحري « بي آر إي».
عين ساهرة على آلاف المواطنين والطلبة
محافظ الشرطة، أخبرتنا بأن تجربتها في هذا المكتب تحديدا، كانت استثنائية و منحتها تكوينا مجانيا في مجال القانون، فالتعامل الدائم والمباشر مع القضاة، أكسبها خلفية قانونية واسعة ساهمت في رفع مردوديتها المهنية كشرطية، كما أن قبعة المسؤولية رغم ثقلها الكبير، لم تتعبها يوما، بقدر ما كانت بمثابة تحد تسعد في كل مرة برفعه، لأنها، كما عبرت، تحب عملها كشرطية و تعتبره جزءا من كيانها كفرد في المجتمع الجزائري، الذي أشارت، إلى أن الكثير من أبنائه ضحايا ظروف قاهرة، وهي حقيقة أدركتها من خلال احتكاكها اليومي بالمسبوقين و الموقوفين ، الذين يمكن إعادة إدماجهم اجتماعيا بفضل قليل من المرافقة، حسبها.
محدثتنا أقرت، بأنها واجهت الكثير من المواقف الصعبة و الحرجة خلال مسارها المهني،لكنها في كل مرة كانت تخرج من التجربة وهي مشبعة بجرعة إضافية من القوة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وقفت على حالات انتحار عديدة خلال عملها في مقر الأمن الحضري الأول ب» طريق سطيف»، و كثيرا ما كانت تشرف على إعداد محاضر الحوادث، و قد حدث أن شاركت في جمع أشلاء الضحايا، كما وقفت على صور بشعة لجثث مهشمة ومشوهة، لكنها لم تفقد توازنها و عزيمتها يوما، و واصلت التقدم لتصل إلى محطتها الحالية، و تقود بنجاح مقر الأمن الحضري المسؤول عن جامعة قسنطينة 2 بأكملها، بالإضافة إلى 5 إقامات جامعية، و كذا محطة النقل البرية، و المجمع التجاري رتاج مول الذي يتعدى عدد زواره يوميا 16 ألف شخص.
هدى طابي 

بعد مواجهتها للعراقيل المهنية و التحرشات المختلفة
فلة دموش..  من الصيد البحري إلى «توربينات» الضغط العالي
تعتبر فلة دموش التي لم تتجاوز 35 عاما من عمرها، واحدة من النساء الجزائريات اللائي يرفعن التحدي أمام كل الصعوبات التي تواجههن، فبعد رفض طلبات العمل التي قدمتها لعدة إدارات، اختارت أصعب الأعمال لتقوم بها ، فلم يكن مسارها هينا بالنظر للتحرشات والمساومات التي كانت تغلق أمامها كل الأبواب وتحبط معنوياتها أحيانا، لتنتفض مجددا وتعود إلى ساحة التحدي.
 النصر التقت فلة ، فسردت لنا جانبا من تلك التحديات التي رفعتها في مسارها المهني ، فبعد حصولها على شهادة تقني في الإلكترونيك الصناعية من معهد التكوين المهني، لم تتمكن من الحصول على عمل بسبب تعرضها للتحرش و المساومات كما تقول ، لكنها لم تستسلم ، بل التحقت بمعهد التكوين البحري و تحصلت على شهادة البحرية الاحترافية، صنف بحار صياد.
راودت فلة دموش فكرة العمل في البحر عندما كانت أمينة عامة في جمعية الأمل الثقافية مع الفنان المسرحي محمد ميهوبي، و هو أصلا أستاذ في معهد الصيد البحري بوهران، فاقترحت عليه الالتحاق بالمعهد للتكوين في مجال الصيد البحري، ورغم ترحيبه بالفكرة، إلا أنه طلب منها أن تفكر جيدا قبل اتخاذ قرار الالتحاق بالمعهد حتى لا تتراجع لاحقا.
قالت فلة بأنها تمسكت بالفكرة و لم تفقه مغزى ما قاله لها ميهوبي إلا بعد أن  التحقت بالمعهد، حيث اصطدمت بنفور شبه كلي من طرف الصيادين المتكونين الذين لم يتقبلوا أن تجلس معهم فتاة في مقتبل العمر وتنافسهم في مهنة اعتبروها حكرا على الرجال فقط، في حين رحب بها قدماء «البحرية والصيادين» وساندوها، لأنهم سبق وأن تعاملوا مع نساء أوروبيات احترفن الصيد خلال تواجدهن بوهران.  
وقضت فلة ما يقارب السنتين في البحر وصيد الأسماك،  اكتشفت خلالها أن العمل في البحر ينسي من يمارسه  عالم اليابسة، على حد تعبيرها، مؤكدة بأنها كانت تقطع كل صلة  مع يومياتها في الحياة العادية بمجرد إقلاع المركب بين أحضان المتوسط ليلا، حيث كانت متعة الرفقة الجميلة والمؤانسة والعودة بالصيد الوفير، تخفف عنها شعور الاغتراب الذي رافقها خاصة في البداية، وتغلبت على الصعوبات التي كانت تصطدم بها بين الأمواج.
و أوضحت لنا بأنها تعلمت في البداية نشاطات صغيرة  مع الصيادين، مثل التعامل مع الشباك والمركب و التأقلم مع البحر، و لم تكن فلة المرأة الوحيدة بين الصيادين، بل التقت بالسيدة ميمي فاطمة التي وقفت إلى جانبها ولقنتها عدة أمور، بالنظر لتجربتها الكبيرة في عالم الصيد والتعامل مع البحر رفقة زوجها، ورفعت فلة التحدي إلى أن أصبحت تتقن صيد الأسماك بالشباك.
وذات يوم تلقت فلة رسالة مفادها بأنه تم قبولها للعمل بالمحطة الجديدة آنذاك لتوليد الكهرباء بمنطقة مرسى الحجاج، فانتقلت من تحدي البحر الى تحدي توليد الكهرباء من مياه البحر، حيث عملت في منصب تقني في الإلكترونيك الصناعية في التوربينات وكانت المرأة الوحيدة وسط عشرات العمال الرجال، وكانت تقوم بالمهام الصعبة وتضمن المناوبة الليلية، وفي حال حدوث أي عطب يتم استدعاؤها في أي وقت، لتتعامل مع تجهيزات بقوة 220 ألف فولط إلى غاية تعرضها لحادث تسبب لها في كسر خطير على مستوى الكتف، فاضطرت لتغيير المنصب وتحولت للعمل الإداري، الذي لم يعقها عن رفع تحدي آخر، وهو العمل النقابي داخل المؤسسة.
و تشارك فلة في العمل الجمعوي الخيري التطوعي مع عدة جمعيات، إلى جانب  النضال السياسي.
بن ودان خيرة

نجحت في تلميع صورة الممثلة بمحيطها المحافظ
صبرينة قريشي.. فنانة لا تؤمن بالنمطية
سجلت بصمتها بثبات فوق خشبة المسرح، و استطاعت أن تترك أثرا لدى الجمهور بأدوارها المختلفة، فأعجب بها في مسرحية «كشرودة»، و أحبها في دور خوخة في «باب الدشرة» ، و لا يعلم بأن خلف ابتسامتها الدائمة و أعمالها الكوميدية التي تثير الضحك و المرح ، شحنات من التحدي و الصمود أمام كل الظروف التي واجهتها، فناضلت من أجل كسر الصورة السوداء للممثلة في قلب مجتمع محافظ، و نجحت في ذلك، لتتمكن اليوم من رسم ملامح ممثلة من نوع خاص، لا تشبه فنانات الجيل الجديد..
صبرينة قريشي، ابنة بلدية عين عبيد ، بولاية قسنطينة، نشأت في مجتمع محافظ و لم تكن قبل سنة 2006 تعرف شيئا عن عالم تعيش لأجله اليوم، فمن تخصصات جامعية عديدة انتقلت فيها من الحقوق و الفلسفة إلى علم الاجتماع، التقت صدفة  بتخصص جديد عندما كانت بإقامة جنان الزيتون الجامعية للإناث بقسنطينة.
كانت الفنانة تعشق المسرح المصري و لا تزال مسرحية «العيال كبرت» راسخة بذهنها،  و كانت تقلد الممثلين و هي تردد في قرارة نفسها « أستطيع أن أفعل مثلهم»، فاختارت المسرح أو اختارها، و كانت انطلاقتها مع جمعية الإخوة بوحفص بقسنطينة ، و قدمت في إطار الجمعية مسرحية للأطفال عنوانها «الأنهار الصغيرة»، فأعجب بها المخرج الطيب دهيمي الذي عرض عليها الاحتراف، فرسم أول خطوات نجمة جديدة.
فنانة سلاحها التحدي
لم يكن مسار صبرينة قريشي سهلا، فانتماؤها لبيئة محافظة، شكل حاجزا في بداية مشوارها، غير أنها عرفت كيف تتجاوزه منذ البداية، فألغت كل ما يقال خارج إطار الأسرة الصغيرة، فالمسرح عالم مجهول بالنسبة لسكان عين عبيد، كما قالت للنصر، فراحت تسعى لتقريب أفراد أسرتها من عالمها الجديد، مشيرة إلى أن والدتها ضحكت  في البداية و لم تصدق أن التمثيل مهنة ، و لم يخف إخوتها خوفهم عليها من خوض التجربة ، غير أن تقريبهم من الركح جعلهم يشعرون بالاطمئنان و يسمحون لشقيقة أحبت عملا فناضلت لأجله، أن تمارسه و تبدع فيه، و هم اليوم أكبر سند لها، كما أكدت.
و إن كان تحقيق الأهداف يتطلب الإصرار ، فإن المسرح أثر أيضا على شخصية صبرينة بشكل كبير، فوجدت في الخشبة و الانتقال بين شخصيات مختلفة، نوعا من النشاط الذي يطبعه التجديد، كما أنه يربي و يثقف و هذا ما ترى فيه الممثلة أمرا مهما على الشعوب و الدول محاولة استثماره و نقل المسارح لأقصى نقطة في الجزائر، بحكم أن كل مواطن لديه الحق في الاستمتاع بما تعرضه من أعمال دون استثناء.
«من أحب المسرح عليه أن يناضل من أجله»
تعترف الممثلة صبرينة قريشي بأن الصعوبات التي واجهتها ليست باعتبارها امرأة، و إنما كممثلة جزائرية تعاني من مشكل الحقوق المهضومة بفعل غياب قانون يحمي الفنان الجزائري، حسبها، كما ترى بأن بيروقراطية بعض المسارح تؤثر بشكل مباشر على الأعمال التي يقدمها الممثلون الذين يعتبرون أشخاصا ثانويين في نظر إداريي هذه المؤسسات، غير أنها ترفض الاستسلام لظروف تصفها بالمعيقة، و تحمل شعار «من أحب المسرح عليه أن يناضل من أجله»، فالخشبة في نظرها خلقت للنضال.
و إن كان شغف البعض بحجم الأدوار التي يؤدونها و الشهرة التي يحققونها، فإن المتحدثة تكتفي بالوقوف فوق خشبة المسرح و مخاطبة جمهور تصفه بالذواق، رافضة الانسياق خلف سياسة مسيرين لا يهتمون إن حضر الجمهور أم لا، فهي تسعى لإيصال صوتها لأكبر عدد من المتفرجين و ترفض أن يكون جمهورها كراسي القاعات، بل تطمح للنجاح كما فعلت في مسرحية «كشرودة» لمسرح سوق أهراس الجهوي ،فافتكت بفضلها جوائز عديدة على غرار جائزة أفضل دور نسائي في المهرجان الوطني للمسرح المحترف.
اللهجة القسنطينية أوصلتني لبيوت الجزائريين
لم تختر صبرينة قريشي جمال المظهر من أجل الحصول على أدوار مميزة أو الوصول إلى قلوب الجمهور، بل اختارت الحفاظ على صورتها البسيطة، و الظهور للجمهور خارج الصورة النمطية المنمقة التي تركز على الجمال و اللباس أكثر من أشياء أخرى كثيرة، فصبرينة التي تقول بأنها ليست ضد الجمال، لأن الفن يحب الجمال في الصورة و الكلمة و في الأداء، لكنها تفضل صورة المرأة الجزائرية الأصلية و الأصيلة، تلك المرأة المثابرة التي تهتم بأشياء أخرى في حياتها أكثر من التزين، و هي الصورة التي تعتبر بأنها أقرب للجمهور الذي يصدق ما تقدمه عند مخاطبته.
و بين الجمال و الكلمة، ساهمت لهجة صبرينة القسنطينية في إيصال الرسائل التي تحاول تبليغها بكل سهولة، فشكلت تأشيرة مكنتها من ولوج كل بيت جزائري، خاصة و أنها تلقى القبول في وسط المشاهدين الذين تعودوا عليها مع عمالقة الفكاهة كفريق «أعصاب و أوتار».
و أكدت صبرينة بأنها رغم تمسكها بلهجتها ، إلا أنها مستعدة لأن تتحدث كل لهجات الجزائر التي ترى بأنها متكاملة و تشكل ثراء يساهم في جمع و توحيد الجزائريين.
في انتظار تحقيق حلم السينما و الخروج قليلا عن الكوميديا، بتقمص أدوار درامية، تواصل «خوخة»، كما يفضل البعض مناداتها، نظرا لتألقها في سلسلة «باب الدشرة» في رمضان الفارط، إمتاع الجمهور الجزائري بأدوار قريبة منه و اللعب على أوتار الفكاهة على طريقة الكبار، لتلقى القبول في وسط مجتمع من الصعب إضحاكه ، بعد غياب نجوم الفكاهة القدامى.                    إ.زياري

الصحفية و المصورة بالتلفزيون الجزائري سهيلة زيدور
علاقتي بالكاميرا أقرب إلى علاقة الأمومة
اقتحمت الصحفية المحررة بالتلفزيون الجزائري، سهيلة زيدور، مجالا ظل لسنوات حكرا على الرجال، فاستطاعت أن تفرض نفسها فيه، بفضل الروبورتاجات التي أعدتها و لا تزال تعدها لصالح قسم الأخبار بذات المؤسسة، بعدما رفعت سقف الطموح عاليا، و قررت ألا تكتفي برتبة صحفي محرر فقط، فأضافت إلى سيرتها المهنية صفة مصور صحفي ، لتكتمل مهامها.
 خلافا للكثير من الزملاء ، تعد سهيلة، فريقا صحفيا متنقلا بحد ذاتها، فهي المحرر و هي المصور، وهو تحد قالت بأنها رفعته سنة 2005، بعد متابعتها لتكوين متخصص في أحد مراكز التكوين التابعة لمؤسسة التلفزيون الجزائري ، أين تدربت على التعامل مع الكاميرا لمدة سنة كاملة، لقنت خلالها أبجديات التصوير الصحفي و خطوات إعداد الروبورتاجات و الأخبار المصورة، فكانت تلك خطوتها الأولى لدخول قسم الأخبار، و مغادرة قسم الإنتاج الذي كان محطتها الأولى في العمل الإعلامي، فقد التحقت به سنة 1991 بعد تخرجها من الجامعة.
التزاماتي العائلية و المهنية لم تمنعني من العودة إلى الدراسة
عادت سهيلة إلى الجامعة وهي في ربيعها 36 و أم لطفلتين لا يزيد عمر أصغرهما عن السنة، لتحقق طموحها في الارتقاء بمستواها الأكاديمي و المهني، فأنهت مؤخرا مذكرة ماستر في الإعلام المؤسساتي، الأمر الذي قالت بأنه لم يكن هينا ، و تطلب منها جهدا مضاعفا، لأنها أم مرضعة و صحفية، قبل أن تكون  طالبة إعلام.
قالت الإعلامية ، بأن هذه المرحلة الانتقالية التي عرفتها مسيرتها المهنية، كانت بمثابة إضافة نوعية لشخصها كسيدة قبل كل شيء، خصوصا وأنها استطاعت أن تتحكم في مجال احتكره الرجال منذ الأزل، و تمكنت من تعلم التعامل مع الكاميرا و فهم أسرارها و قبل كل ذلك استطاعت أن تحملها، فوزن الكاميرات القديمة التي بدأت العمل بها كان يعادل، حسبها، 17 كيلوغراما، دون احتساب وزن حامل الكاميرا ، وهو أمر كان يضاعف الجهد بالنسبة للصحفي الذي يتعين عليه أن يؤدي مهام فريق كامل، و يضيف إلى اجتهاده الفكري والذهني جهدا بدنيا، و قد تقلص اليوم بفضل تجديد عتاد التلفزيون و تزويد قسم الأخبار بكاميرات متطورة أقل وزنا و أسهل من ناحية الاستعمال.
 أما عن علاقتها بسلاحها الإعلامي، أكدت محدثتنا، بأن حبها للكاميرا و حرصها عليها، لا يقل عن حبها لابنتيها و اهتمامها بهما، «هي علاقة أقرب إلى الأمومة»، كما علقت، مضيفة « أحرص فعلا على العناية بالتجهيزات التي استخدمها و كثيرا ما  أراعي ظروف الطقس، قبل الخروج إلى الميدان، خصوصا إذا كان الجو ماطرا، إذ أحاول التعامل مع الوضع بطريقة تضمن ألا تتعرض أجهزتي للتلف، حتى أدق تفصيل قد يتعلق بالغبار انتبه إليه، و كأنني أرعى طفلا».
عن سر هذا الحب و الارتباط المهني و الشخصي الكبير بالعمل الصحفي، أوضحت صحفية التلفزيون، بأن الأمر يتعلق بحلم من أحلام الطفولة، دافعت عنه و ضحت من أجله ، كما قالت، إذ قررت وهي طالبة في الطور الثانوي أن تتخلى عن التوجيه العلمي و تختار الآداب و العلوم الإنسانية، لكي تتمكن من الالتحاق بكلية الإعلام في الجامعة، رغم أنها كانت تلميذة ممتازة، كما أخبرتنا، حتى أنها صنفت من بين 21 تلميذا الأوائل على مستوى متوسطات الجزائر العاصمة خلال اختبارات الانتقال إلى الطور الثانوي.
و أضافت بأن عائلتها أصرت على التحاقها بالفرع العلمي و دراسة الإعلام الآلي، إلا أنها تمسكت بقرارها و آمنت بحلمها إلى أن أقنعتها بتبنيه كذلك، وقد كان خالها أحد أكبر الداعمين لها آنذاك، و يعد زوجها اليوم السند الأكبر لها و قوة الدفع التي ترتكز عليها للتقدم إلى الأمام في طريقها نحو النجاح، وذلك لإدراكه، كما عبرت، لمدى اهتمامها بمسارها المهني، الذي كثيرا ما قادها نحو العمل في قلب الجزائر العميقة، و عادت مؤخرا، كما أخبرتنا، من مدينة بسكرة أين أعدت عددا من الروبورتاجات التنموية و أخرى خاصة بالمرأة الريفية.
 محدثتنا شددت بأنها لا تعتبر مصاعب المهنة حاجزا  قد يحد من طموحها، خصوصا و أنها تدرك بأن الصحفي هو الصوت المعني بنقل معاناة أشخاص آخرين لا تعد مشاكلنا نقطة في بحر مآسيهم.
 هدى طابي

تركز على الجانب النفسي للحوامل
صورية مخبي.. قابلة تحركها الإنسانية
صورية مخبي  قابلة في الصحة العمومية بوحدة المساعدة على الإنجاب و التلقيح الاصطناعي بالمؤسسة الإستشفائية للنساء و التوليد بقسنطينة، اختارت هذه المهنة النبيلة عن اقتناع خدمة للإنسانية و لنيل الثواب، كما قالت للنصر بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، مؤكدة بأن هذه المهنة شاقة تتطلب إرادة قوية و عزيمة و صبر، لتجاوز كل الضغوطات، لكنها تنسى التعب بمجرد نجاح عمليات التوليد و الاطمئنان على صحة الأمهات و الرضع.
تعتبر القابلة صورية مثالا يحتذى به لتفانيها في العمل و تضحياتها في سبيل التوفيق بين أسرتها و عملها،  بدايتها في مهنة التوليد كانت سنة 1993 ، و هي لم تتجاوز 19 سنة من العمر، و ذلك بعد تخرجها بشهرين من معهد التكوين شبه الطبي بقسنطينة، قالت للنصر، بأنها و بعد حصولها على شهادة البكالوريا فضلت اختيار التخصص الذي يناسبها كامرأة و الذي تستطيع من خلاله تقديم خدمة إنسانية ، فكانت مترددة بين اختيار مجال التعليم أو التوليد، لتحسم في الأخير قرارها باختيار تخصص قابلة ، حيث درست لمدة 3 سنوات ، لتلتحق بعدها بالمؤسسة الإستشفائية المتخصصة لأمراض النساء و التوليد بسيدي مبروك.
و ترى القابلة صورية بأن مهنة التوليد مهنة نبيلة  تسعى من خلالها إلى نيل الثواب من الله عزوجل، من خلال القيام بمهمتها على أكمل وجه و الاهتمام بالجانب الانساني، قائلة بأن تخلصها من مشاق العمل متوقف على نجاح عمليات الوضع و اطمئنانها على صحة الأم و الرضيع،  و لتحقيق ذلك  تحرص دائما على تحضير المرأة الحامل نفسيا لتتمكن من التحلي بالقوة اللازمة التي تساعدها على الوضع بسهولة ودون حدوث مضاعفات صحية.
وفي السياق ذاته تحدثت عن مشكل غالبا ما يواجه القابلات ،  يتمثل في غياب تحضير المرأة الحامل نفسيا قبل مرحلة الولادة، و هو ما يؤثر بشكل كبير على عملية الوضع و يجعلها صعبة و محفوفة بالمخاطر ، قائلة بأنه  من المفروض أن يتم إخضاعهن  خلال فترة الحمل لحصص المعالجة النفسية للتخلص من الأفكار السلبية التي تحملها المرأة الحامل و التي تغذيها تجارب قريباتهن المبالغ فيها في كثير من الأحيان،  ما يجعل الخوف يسيطر عليهن يوم الولادة و يفشلن في الوقت الذي هن بحاجة للتحلي بقوة كبيرة ، لتسهيل عملية الوضع .
التحضير النفسي سر سهولة الولادة
عن الصعوبات التي تلقتها خلال مشوارها المهني الذي بلغ 27 سنة، قالت بأن عملية الولادة تبقى صعبة و محفوفة بالمخاطر، و تظل القابلة خلال عملية التوليد تحت الضغط، إلى غاية إتمام العملية بنجاح، مستذكرة قصة إحدى السيدات ، فقد  كان وضعها الصحي مستقرا و كل أمورها على ما يرام ، حيث أشرفت على توليدها و كانت العملية ناجحة و سهلة، غير أنها في ما بعد تعرضت لمضاعفات مفاجئة، تسببت في وفاتها مباشرة، و هو ما أصابها بصدمة و ظلت متأثرة ، و لا تزال صورتها عالقة بذهنها لحد الآن، لحسن الحظ، كما ذكرت، أن زوج المرأة المتوفية كان يعلم بأنها  كانت على ما يرام  و ما حدث قضاء و قدر.
 محدثتنا طرحت في حديثها للنصر مشكلة غالبا ما تقع للقابلات، مع مرافقي النساء الحوامل و بالأخص أزواجهن، الذين يريدون فرض منطقهم و يتدخلون في عملهن، و يملون عليهن ما يجب أن يقمن به ، و لا يتركون لهن الفرصة لتوضيح طبيعة عملهن، و هو ما يؤثر سلبا عليهن و يخلق ضغطا مضاعفا، خاصة في الفترة التي تعرف فيها المصلحة إقبالا كبيرا للحوامل ، بالإضافة إلى عدم توفر الظروف الملائمة للعمل ، ما يجعل القابلة محصورة بين ضغط مرافقي الحامل و مسؤولية إنجاح عملية التوليد  ، لإنقاذ روح بشرية بين يديها.
محدثتنا قالت بأنها تتجاوز  صعوبات المهنة بفضل عزيمتها القوية و مساعدة زوجها، الذي كان و لا يزال سندا لها في مسارها المهني، حيث لم تجد إشكالا في المناوبات الليلية ، إلى غاية إنجاب طفلها الأول ، غير أنه و بمرور الوقت اعتادت على الأمر ، و خصصت مربية للتكفل بأبنائها الثلاثة ليلا، إلا أن التوفيق، حسبها، بين حياتها الزوجية و الأسرية و العمل ليس سهلا، و يستدعي التضحية، قائلة بأن المرأة العاملة تجاهد لتنجح في عملها و بيتها،  حيث تستيقظ فجرا للقيام بالواجبات المنزلية و تحضير وجبة الغداء لأبنائها ، لتذهب بعد ذلك إلى العمل ، و لا تزال تعمل بذات الوتيرة لأكثر من عقدين، مشيرة إلى أنها تضحي بكثير من الأمور في مقدمتها عدم إعطاء الوقت الكافي لأبنائها و التضحية بالمناسبات العائلية .           أسماء بوقرن


كوّنت عشرات الشباب في مسيرة 30 سنة  

لكحل عياط نورة ..  مهندسة أشرفت على إنجاز أزيد من 8 آلاف سكن
ترى أن معيار الكفاءة هو وحده من يصنع الفارق في المسار المهني للمرأة.. لا تعرف الاستسلام و لا تعترف بالعقبات التي يصنعها مجتمع تصفه بالذكوري، هي السيدة لكحل عياط نورة، ابنة مدينة قسنطينة التي كرسّت 30 سنة من عمرها للهندسة المعمارية فاستطاعت أن تفرض اسمها بقوة، كصاحبة مكتب دراسات سطرت بأناملها مخططات مشاريع كبرى في عدة ولايات عبر الوطن، و تمكنت بجدارة أن توفق بين تربية أبنائها، و بين مهنة شاقة كثيرا ما اضطرتها لقضاء ساعات طويلة وسط غبار الورشات لمتابعة كل صغيرة و كبيرة.
بورتريه من إعداد: ياسمين بوالجدري
السيدة لكحل عياط نورة هي من مواليد سنة 1964، حيث تابعت تعليمها في مدينة قسنطينة، إلى أن نالت شهادة البكالوريا سنة 1982 في شعبة الرياضيات، و لأن خيارات التخصص الجامعي لم تكن كثيرة كاليوم، وجدت الشابة نفسها تتجه إلى الهندسة المعمارية التي رأت أنها الأنسب، على اعتبار أن الشعبة التي درستها في المرحلة الثانوية تعتمد بشكل أكبر على الفيزياء و الرياضيات و المنطق.
و في هذا الشأن علقت المعمارية قائلة في حديثها للنصر “لم أر نفسي حينها طبيبة أو في أي من التخصصات القليلة التي كانت متاحة حينها كالبيولوجيا و الطب و الحقوق، لقد اخترت الهندسة مباشرة لأني أحسست أنها تحمل ذوقا فنيا، و هو جانب أحببته منذ الصغر حيث كنت أحب تغيير ديكور المنزل و غير ذلك”، قبل أن تعقّب في حماس «لقد اخترت يومها الهندسة المعمارية و هو اختيار أفخر به و لم أكن لأتراجع عنه”.
الفرنسيون علّمونا بورشة مسجد الأمير عبد القادر
و في نفس سنة الحصول على شهادة البكالوريا، بدأت الشابة الدراسة الجامعية في معهد الهندسة المعمارية الذي كان يقع داخل ثكنة قديمة بحي القصبة العتيق بمدينة قسنطينة، و عن هذه المرحلة تحدثنا المعمارية قائلة “لقد بدأنا السنوات الأولى من الدراسة على يد معماريين فرنسيين نقلوا إلينا حب هذه المهنة، فقد كنا نتعلم منهم على الميدان و نعد بحوثا حول المساجد القديمة و البنايات العتيقة و منها قصر أحمد باي الذي أنجزت دراسة حول النفق الأرضي الذي كان يستعمله الباي للخروج منه، و أذكر أنهم درسونا في عامي الثالث الهندسة في الطراز الإسلامي بمسجد الأمير عبد القادر الذي كان لا يزال وقتها ورشة.. لقد راقبنا عن كثب أعمال النقش على الرخام و الحطب و غير ذلك”.
و بتخرجها سنة 1987، بدأت مغامرة جديدة في حياة تلك الشابة الطموحة التي كانت قد تشبعت بحب الهندسة المعمارية، لكن واقع المهنة كان مختلفا كثيرا عما تصورته، فقد وظفت بعد ذلك بعام في شركة البناء “سوناتيبا” التي كانت تنجر حينها سكنات البناء الجاهزة و صارت العديد من الأحياء عبر الوطن تحمل اسمها.
“سوناتيبا” و الخبرة الثمينة!
و هنا تردف محدثتنا “لقد عملت لحوالي 6 سنوات في سوناتيبا على مستوى مكتب الدراسات الخاص بها، لكن الحياة المهنية هناك كانت شيئا آخر، فقد كانت المخططات جاهزة، و ما كنا نقوم به هو إعداد مخططات التهيئة و الكتلة فقط.. لم تكن هناك لمسة خاصة بي، لكن هذه الوظيفة أكسبتني خبرة كبيرة، فبسبب نقص العمل في ذلك الوقت نتيجة الأزمة الاقتصادية، حرصت على استغلال الوقت للتعلم من بقية زملائي من مهندسين مدنيين و كهربائيين و غيرهم، حتى أني تعلمت مسح الأراضي من مختصي الطوبوغرافيا».
و قد شاركت المعمارية في عدة مشاريع سكنية شيدتها شركة سوناتيبا في عدة مناطق عبر الوطن في أواخر الثمانينيات و بداية التسعينيات من القرن الماضي، مثل التي لا تزال موجودة حاليا في حي زواغي و بمدينة الخروب بقسنطينة، و كذلك في ميلة و تبسة، إضافة إلى إنجاز مؤسسات تربوية عديدة و غيرها، لكن و بسبب الأزمة المالية تم تسريح العمال في إطار خطة اقتصادية جديدة انتهجتها الحكومة آنذاك، فوجدت السيدة نورة نفسها أمام حتمية فتح مكتب دراسات و قد كان ذلك في 1995، و هي سنة عرفت وقتها شروع العديد من المعماريين المسرّحين من شركات البناء بالقطاع العام مثل “ديانسي”، «إيكوتاك” و «سوناتيبا” و غيرها، في تأسيس مكاتب خاصة بهم.

  هكذا نجحت في أول مشروع !
و تضيف محدثتنا أن عدد المعماريات اللواتي فتحن مكاتب دراسات عندما بدأت نشاطها الخاص، لم يكن يتعدى العشرة بقسنطينة، و عن هذه البداية تستذكر بالقول «لقد كان الحصول على مشاريع أمرا نادرا جدا، ما جعل البدايات صعبة، فحتى المناقصات كانت قليلة، حيث كنت أشارك في مشاريع صغيرة”.
سألنا المعمارية عن أول مشروع فعلي أسند لها فأخبرتنا أنه كان سنة 1999، عندما أسند إليها إنجاز 20 سكنا اجتماعيا بولاية قالمة تابعة لديوان الترقية و التسيير العقاري “أوبيجي”، حيث استطاعت أن تنجح فيه من خلال مراعاة النمط المعماري للمنطقة و الدقة في تحديد تكلفة المشروع، ما جعل الديوان يسند لها الدراسة الخاصة بـ 40 وحدة أخرى في المكان نفسه، و هو نجاح أرجعته إلى الخبرة التي اكتسبتها في شركة “سوناتيبا” و كذلك إلى الأمانة التي تعلمتها من والدها، أمين الخزينة السابق.
  الوحدة الجوارية 14.. أول تجربة ناجحة مع الأتراك
السيدة لكحل عياط التي أخبرتنا أنها أشرفت طيلة مسيرتها المهنية على إنجاز أكثر من 8 آلاف سكن، كانت تحرص على إعداد دراسات و مخططات جيدة بكلفة تتماشى مع المشاريع، ما جعلها مطلوبة في سوق العمل، و من الورشات التي تابعتها في قسنطينة على سبيل المثال، كان الإشراف على متابعة إنجاز السكنات الاجتماعية بالوحدتين الجواريتين 14 و 19 بالمدينة الجديدة علي منجلي من طرف الأتراك، و عن هذه التجربة تقول “لقد كانت بداية دخول شركات البناء التركية لقسنطينة سنة 2009 مع الانطلاق في إنجاز الحصص السكنية الضخمة»، لتستطرد «لقد كانت المتابعة صعبة مع شريك أجنبي يدخل قسنطينة لأول مرة و قد اضطررنا إلى المبيت في الورشة للوقوف على عملية صب الاسمنت، لكن النتيجة كانت جيدة”.
و في هذا الخصوص تؤكد السيدة لكحل عياط أنها لا تنظر إلى المقاول على أنه عدو، بل تحرص على تحقيق التفاهم المهني، و ذلك أولا من خلال تجنب مصادفة مشاكل في الميدان عبر أخذ الوقت الكافي في إعداد الدراسة، لتنجب النقائص التي قد تظهر فيما بعد، و تتطلب تكاليف و أشغال إضافية يمكن أن تخل بالآجال التي كانت تحرص عليها أشد الحرص.
تفهّم من الزوج و دور كبير للأم
و تعترف المهندسة المعمارية أنها اضطرت للتضحية من أجل التوفيق بين العمل و العائلة، حيث أخبرتنا أن ابنتها كان عمرها 8 أعوام عندما بدأت مشروعها الأول سنة 1999، لتعلق قائلة “لقد ساعدتني والدتي كثيرا فقد كنت أترك طفليّ عندها عندما أخرج في مهمات العمل، كما أن زوجي و هو مهندس أيضا، كان متفهما جدا بل أنه ساعدني في المشاريع و كان يتكفل بنقلي إلى الورشات، و لا أنسى شقيقاتي فقد تكفلن بجانب أخذهما لمزاولة الدروس و حتى تدريسهم في فترة غيابي».
السيدة لكحل عياط استطاعت رغم ظروف العمل، أن تربي طفليهما اللذين كبرا اليوم، فصارا طبيبة تدرس حاليا تخصص أمراض النساء و التوليد، و شابا حديث التخرج من الجامعة في تخصص التعمير بدأ مساره المهني مع والديه المهندسين، و هنا تقول “هناك طرق للموازنة بين تربية الأبناء و العمل، و لا شك يجب تقديم تضحيات بالأخذ من بعض الوقت المخصص للأطفال، لكن ابنتي و ابني فهما ذلك عندما كبرا بل و صارا هما من يساعدانني».
«قضيت ليالي بيضاء للوفاء بالتزاماتي»
و تضيف الأم بفخر “لقد فهما هذا الأمر، حتى أن الابنة كانت تتكفل بطبخ العشاء عندما ترى أني تأخرت في اجتماع ما مساء، بالمقابل لم أكن أقطع اجتماعاتي تحت أي ظرف، حتى أني كنت أحضرها إلى غاية دقائق قبل أذان المغرب في شهر رمضان، دون أن أطلب ممن معي الخروج لتحضير وجبة الإفطار، فالأمر يتعلق بعقد علي الالتزام به، و إذا لم أكد قادرة على ذلك، فعلي اختيار مهنة أخرى”.
و عن التحديات الأخرى التي صادفتها خلال مشوارها المهني كامرأة، تتابع المعمارية “مجتمعنا هو مجتمع ذكوري يجب على المرأة أن تفرض شخصيتها وسطه، و أن تفرض احترامها على الجميع، و هذا هو النهج الذي كنت أسير عليه، إلى جانب ذلك يجب أن تتحلى المرأة بالكفاءة و الجدية في هذا المجال، فالنسبة لي مثلا، كنت لا أنام الليل لكي أتم عملي، و قد كنت أقوم في كثير من المرات بنقل جهاز الإعلام الآلي الثقيل في شكله القديم، إلى المنزل، لأستكمل الاشتغال عليه، ثم أعيده إلى المكتب في اليوم الموالي”.
ابنة مدينة قسنطينة، أكدت أنها تثق في خريجي الجامعات من ذوي الكفاءة، حيث أشرفت على تدريب و تعليم عدد كبير منهم على مدى السنوات الماضية فكانت بمثابة مدرسة فعلية لهم، حتى أنها أسندت في إحدى المرات، مشروع متوسطة لمتربصة طموحة لم يمض على تخرجها أشهر، لكنها قامت بعمل ممتاز و استطاعت، مثلما تؤكد محدثتنا، تسليم المشروع ضمن الآجال، على عكس عدة مشاريع تربوية كانت يفترض أن تستلم في نفس الفترة.
«المجتمع صار يتقبل المرأة أكثر من السابق»
و ترى مهندسة الدولة أن الأمور تغيرت إلى الأحسن اليوم، بالنسبة للأجيال الجديدة من المهندسات، فالمجتمع، مثلما قالت، أصبح يقبل تواجد المرأة في عدة ميادين، كما أن برمجيات الإعلام الآلي الجديدة و شبكة الأنترنت أصبحت تتيح حرية الإبداع بشكل أكبر، دون الحاجة إلى السفر لبلدان أخرى للاطلاع على أنماطها المعمارية.السيدة لكحل عياط، صار اسمها اليوم معروفا وسط المهنيين و هي التي كان أحد مدراء ديوان “أوبيجي” السابقين، يتصل بها كل ما وقع في مشكلة بورشة ما، مثلما أخبرتنا المعمارية، قبل أن تختم كلامها مخاطبة المرأة الجزائرية العاملة “لا تنظري إلى نفسك على أنك امرأة، بل على أنك مكلفة بمهمة.. لا تتركي المشاكل تتغلب عليك بل افرضي نفسك بالجدية و الكفاءة و قدمي كل ما لديك”.                                                               
ي.ب

أستاذة التعليم الابتدائي سعيدة عرزوز
حبي للأطفال و مراعاتي لخصائصهم النفسية سر نجاحي المهني
كرست 32 عاما من عمرها لنشر العلم و المعرفة ، و الارتقاء بتفكير تلاميذها الصغار و اكتشاف مواهبهم، لا تكل من سلوكاتهم الصبيانية و لا تمل من عنادهم و بكائهم، إنها الأستاذة سعيدة عرزوز التي تقترب من مرحلة التقاعد، لكنها لا تزال تعشق مهنتها و تحب الأطفال، فتحت قلبها للنصر في اليوم العالمي للمرأة، مسلطة الضوء على تجربتها مع مهنة التعليم في الطور الابتدائي التي تعد مرحلة أساسية و مفصلية تحدد مسار كل تلميذ.
أسماء بوقرن
بابتسامة مشرقة استقبلتنا الأستاذة سعيدة أمام ابتدائية مسعود بوجريو بنهج بلوزداد في وسط مدينة قسنطينة، حيث تعمل،  و حدثتنا عن بداياتها مع مهنة التعليم، قائلة بأنها دخلت مهنة التدريس سنة 1987 ، بعد تخرجها من معهد تعليم الأساتذة بسطح المنصورة،  أين تلقت تكوينا مكثفا ، مكنها من اقتحام هذا الميدان الشاق الذي يتطلب الإرادة و العزيمة و هما صفتان تتمتع بهما الأستاذة سعيدة، مكناها من تجاوز  كل الصعوبات التي تواجه أساتذة التعليم الابتدائي، خاصة في التعامل مع الأطفال الصغار.
محدثتنا أكدت بأن مرحلة التعليم الابتدائي من أصعب المراحل التعليمية،  باعتبارها مرحلة مهمة و مفصلية، تحدد مسار كل تلميذ، كما تجعل المسؤولية مضاعفة على أساتذة هذه المرحلة، لأنهم ملزمون بإتقان طريقة التعامل مع التلميذ، خاصة في أول يوم من دخولهم السنة الأولى ابتدائي، من أجل ضمان انطلاقة قوية للتلميذ إذا نجح الأستاذ  في وضعه على السكة الصحيحة.
الابتدائي.. مرحلة مفصلية لتوثيق الصلة بين الطفل و المدرس
سعيدة أكدت بأنها درست لسنوات عديدة في أقسام السنة أولى ابتدائي، و تظل الأصعب في نظرها، مقارنة بباقي مستويات الطور الابتدائي، لكونها  مرحلة انتقالية بالنسبة للتلميذ ، فهو يرى في تلك الفترة بأن المدرسة  تقيده و تبعده  عن أسرته ، و هنا يجب أن يجيد الأستاذ، حسبها، كيفية دمجه و غرس حب الدراسة فيه دون تقييده.
المتحدثة ذكرت الأسلوب الذي تعتمد عليه في التعامل مع تلاميذ السنة الأولى في أول يوم من التحاقهم بالمدرسة، حيث لا تغادر الابتسامة محياها، و تحتضنهم و تقدم لهم الحلوى و تتيح لهم حرية اختيار الطاولة التي يريدونها  و تحاول أن تكون بمثابة أم ثانية لهم، فتصغي لانشغالاتهم و تحكي لهم قصصا ، بغية كسب ثقتهم و جعلهم يشعرون بالارتياح ، و يحبون المدرسة و يشتاقون إليها، و كل ذلك يعبد الطريق لها من أجل تطبيق المنهج الدراسي، مشيرة إلى أنها تسعى لفرض الانضباط داخل القسم و تحفزهم على التعلم بتخصيص فترات  للعب و كذا تقديم بطاقات استحسان لكل تلميذ يلتزم بالهدوء و يتجاوب مع الدرس، مؤكدة بأن مرحلة التعليم ابتدائي مرحلة مفصلية لتوثيق الصلة بين الطفل و المدرس .
اهتمامها بالتدريس و حرصها على تربية التلاميذ ، يجعلها تبذل جهدا مضاعفا من أجلهم، و هذا الجهد ، كما قالت، لا يقف عائقا أمام واجباتها الأسرية، فهي  تقوم بها على أكمل وجه، مشيرة إلى أنها تزوجت بعد سنتين من دخولها ميدان التعليم، ثم أنجبت ثلاثة أبناء، و بذلت الكثير من التضحيات لتوفق بين واجباتها كأم و كمعلمة ، فلم تتذوق طعم الراحة و لم تستمتع بتربية أبنائها، بحكم مسؤولياتها المتعددة من القيام بأشغال البيت و مراجعة الدروس لأبنائها، إلى تصحيح الواجبات المنزلية للتلاميذ و كراريسهم .

و عن سر نجاح الأستاذ في التحكم في القسم و فرض الانضباط داخله، خاصة في أقسام السنة أولى ابتدائي ، باعتبار التلاميذ في هذه المرحلة يميلون للهو أكثر من الدراسة ، قالت المتحدثة بأن شخصيتها القوية و فرضها لنظام خاص في القسم ، و اهتمامها بالجانب النفسي للطفل و معاملة كل تلميذ ، حسب طبيعة شخصيته، من بين أسرار نجاحها ، إضافة إلى ذلك تسعى دائما لحل مشاكل التلاميذ الذين يعانون من الانطواء و العناد و التأخر الدراسي و غيره.
أولياء يمارسون مهمة الرقيب على الأستاذ
كما طرحت الأستاذة سعيدة بعض المشاكل التي تواجه أساتذة التعليم الابتدائي اليوم، مشيرة إلى أنها لم تكن مطروحة بتاتا في التسعينات ، من بينها ممارسة الأولياء مهمة الرقيب على الأستاذ ، و تدخلهم في مهامه و تلقينه الطريقة التي يرون أنها الأنجع في معاملة أبنائهم ، كما يحذرونه من بعض التصرفات لأنها تؤثر على أبنائهم و غيرها من الأمور، و كل ذلك ، حسبها، يؤثر سلبا على الأستاذ و على مردودية التلميذ ، الذي قالت بأنه أصبح يعتمد على إستراتيجية الدراسة بمقابل مثل الهدايا أو النزهات و غيرها.
و ذكرت المتحدثة  في ذات السياق، أن سبب تراجع مستوى التلاميذ يعود إلى الأسلوب الذي  ينتهجه الأولياء في تعليم أبنائهم ، و هو مراجعة الدروس مسبقا قبل أن يقدمها المعلم في القسم ، عن طريق شراء كتاب الأنشطة الذي يستخدمه المعلم ، في الوقت الذي يجهلون المنهجية التي يعتمدها المعلم في تقديم الدرس و حل التمارين، فأصبح التلميذ كسولا و لا يبذل أي جهد في التفكير.
تأثيرات هذه المهنة الشاقة و النبيلة في آن واحد على الأستاذة سعيدة كثيرة، كما عبرت، في مقدمتها فقدان القدرة على التحمل و الشعور بالقلق من أبسط الأمور، كما أنها لا تطيق الضوضاء و تبحث دائما عن الهدوء و السكينة.
أ/ ب

نذرت حياتها لعلاج الأطفال
كريمـــة عنيـــق.. بيـن الطــب و الأمـومـــة تضحيــات كثيــــرة
 علاقتها بالأطفال تتعدى علاقة طبيبة بمرضاها، فبراءتهم هي محور حياتها و ابتساماتهم هي العلاج لكل مشاكلها، أما حبهم فهو جدار الصد المنيع الذي تواجه به الدكتورة كريمة عنيق، أخصائية طب الأطفال ضغوطات مهنة اختارتها، على أمل أن تكون اليد الرحيمة التي تنهي معاناة الكثير منهم مع المرض،  خصوصا و أنها دائمة البحث و الدراسة للنهل من عالم الطب بالقدر الذي يساعدها على تقديم خدمة إنسانية متكاملة، وهو التزام، قالت للنصر، بأنها تضعه في كفة واحدة مع التزامها الأساسي كأم و ربة بيت جزائرية.
التحقت بمهنة الطب بدعم و دفع من والديها سنة 2004، لتحقق بذلك حلما من أحلام الطفولة، فحبها للصغار كان دائما دافعها لمواصلة الدراسة و التخصص في علاجهم، خصوصا و أنها ترى بأن راحتها لا تكون إلا بالتعامل مع أطفال صغار، لغتهم إما الضحك بصدق أو البكاء ببراءة، و هو ما دفعها للالتحاق بهذا التخصص، بعدما كانت قد حلمت في مرحلة معينة، بأن تكون قائدة طائرة، لكن  طبيعة  محيطها  الأسري المحافظ، حالت دون إمكانية انتقالها للدراسة في العاصمة، فصبت طاقتها و جهدها و تركيزها على دراسة الطب الداخلي للأطفال، لعلها تنجح يوما في خدمة المجتمع و الإنسانية، وهو ما تحقق بالفعل، فهي لم تتوان، كما أخبرتنا، عن مغادرة مستشفى قسنطينة الجامعي، أين كانت تزاول عملها طيلة أربع سنوات كاملة، لتلبي نداء الخدمة المدنية بمستشفى منطقة واد زناتي بولاية قالمة، لقناعتها بأن هناك من هم بحاجة ماسة إليها، وبأن العلاج هو حق لأطفال الجزائر جميعا، بما في ذلك أبناء المناطق النائية الذين يأتون في اعتقادها، كأولوية، خصوصا في ظل  ضعف التغطية الصحية في قراهم و بلدياتهم، وهو واقع قالت بأنها وقفت عليه فعلا خلال عملها في مستشفى واد زناتي، أين اجتهدت لتواجه مشاكل ضغط  العمل و نقص الإمكانيات و العتاد الطبي و صعوبة ظروف الممارسة المهنية.
مهنة الطب و إن كانت نبيلة، قد تتحول إلى مهنة متاعب، على حد تعبير كريمة عنيق، خاصة بالنسبة للمرأة التي لا تحظى بأي امتياز مقارنة بالرجل، بل أنها قد تكون أكثر عطاء منه، و أكثر استعدادا للتضحية، فعلى سبيل المثال، تتنقل محدثتنا، يوميا من بين قسنطينة مقر سكناها و قالمة، أين تعمل طيلة ساعات النهار، كما تلتزم بأداء المناوبة الليلية أسبوعيا، و هو تحدي حقيقي بالنسبة لأي سيدة، حسبها، خصوصا إذا تحالفت ظروف أخرى لتصعب المهمة، كنقص الإمكانيات الطبية.
و لا تعتبر مزاولة مهنة كالطب، أمرا سهلا بالنسبة لأي أنثى، كما علقت المتحدثة، خاصة إذا كانت ربة بيت و مسؤولة عن ثلاث فتيات هن ميرال و رتال و أسيل، فالمسؤولية تتضاعف هنا، و يتحتم على المرء أن يوازن بين حياتين الشخصية و المهنية، حيث توضح الدكتورة كريمة، بأنها عادة ما تنهي معايناتها بعد الرابعة مساء، لتبدأ مباشرة في أداء دور الأم، علما أنها لا تقطع اتصالها بأولياء مرضاها حتى بعد مغادرتها للمستشفى، إذ كثيرا ما تستقبل مكالماتهم وتشخص حالات أبنائهم إن كان ذلك في حدود منتصف الليل، يقينا منها بأن صحة الكثيرين تتوقف على مدى احترامها لأخلاقيات مهنتها و تحليها بروح المسؤولية.
و بما أن إتقان أي عمل يتطلب تضحيات كثيرة، فإن الدكتورة كريمة لا تتوانى في تقديمها و إن كان ذلك على حساب راحتها الشخصية، مشيرة إلى أن ما يساعدها على تجاوز الضغوطات هو دعم والديها و أشقائها وتفهم عائلتها الصغيرة لطبيعة عملها، الذي يجبرها على التنقل الدائم بين عيادتها و المستشفيات العمومية و حتى بعض العيادات الخاصة التي تتعاون معها.
تقول محدثنا « صحيح أنني في تنقل دائم و أن مسؤولياتي لا تنتهي،   لكنني تعلمت الكثير من خلال تعاملي مع الأطفال الذين لا يجيدون حتى التعبير عن ألمهم، لكنهم علموني كيف أكون صبورة و صقلوا إنسانيتي، بعدما لقنوني دروسا في حب الحياة و التمسك بها بفضل طريقة مقاومتهم للمرض» .
و أضافت « أحيانا أتحول من طبيبة إلى مريضة يعالجها هؤلاء الأطفال بضحكاتهم البريئة، و أحيانا أنهار بسهولة أمام دموعهم، خصوصا عندما أقف أمام بعض الحالات المستعصية التي كثيرا ما تسكنني لدرجة أنني أشاطر المرضى آلامهم، و أبكي لفقدان واحد منهم، خاصة  الأطفال المصابين بالقصور الكلوي».
لا أزال تلميذة
و بما أن طب الأطفال كان خيارها، تسعى كريمة لتدعيم أدائها فيه عن طريق الدراسة و التكوين المتواصل، و ذلك لتتمكن من التعامل مع الكثير من الحالات الصعبة، خصوصا وأنها تسعى دائما لتقديم مساعدة حقيقية للأطفال المصابين بأمراض مستعصية كأمراض الدم، داعية الأولياء إلى التحلي بالوعي و الالتزام بإخضاع صغارهم للتشخيص المبكر و الحرص على معاينة الأطفال عند الولادة، قصد التحكم في الأمراض.         إ.زياري

 

 

الرجوع إلى الأعلى