أهازيج خرجت من رحم الملاعب فاحتضنها الحراك

«خليني نروح في بابور اللوح» و»جيبو البياري و زيدو الصاعقة» وغيرهما، هي أهازيج أصبحنا نسمعها تُردد في كل مسيرة سلمية للمطالبة بالتغيير، بعد أن كانت الملاعب هي المنبر الوحيد للهتاف بهذه الأغاني الرياضية التي تحمل دلالات اجتماعية وسياسية قوية ، و أظهرت تقدما في الوعي لدى شريحة واسعة من الشباب ، لكن عدواها انتقلت بشكل ملفت، إلى نخبة المجتمع خلال الحراك الشعبي الذي بدأ يوم 22 فيفري الماضي ،  في ظاهرة يرجعها المختصون إلى ما شكلته الملاعب على مدار عقود طويلة، من فضاء أمثل للتعبير عن الظروف المعيشية و نقل رسائل مباشرة للسلطة ، لكنهم يرون بأنها تبقى بحاجة إلى التأطير من الطبقة المثقفة.
إعداد: حاتم بن كحول
أصبح الحراك الشعبي الصدر المحتضن للأغاني السياسية التي يرددها الشباب الجزائري بشكل جماعي وحماسي، خاصة وأنها متنفس لوصف الواقع المعاش سواء كان اجتماعيا أو سياسيا أو حتى اقتصاديا، و منذ سنوات كان كل راغب في التعبير عن رأيه يتخذ من الجامعات كمكان لذلك، على اعتبار أنها رمز للحرية والديمقراطية و حاضنة لمختلف التنظيمات الطلابية التي كانت تتعالى أصواتها بعبارات غير خاضعة لأية رقابة، لكن بعد العشرية السوداء لم يجد بعض الشبان إلا الملاعب كأفضل مكان لإيصال أصواتهم بكل حرية وعفوية، لتتم بذلك كتابة صفحة جديدة بين الملاعب والأغاني الاجتماعية والسياسية.
بداية الألفية و ولادة الأغاني الاجتماعية

و قد كانت بداية الأغاني الاجتماعية عن طريق بعض أنصار الأندية العاصمية وبالتحديد فريق اتحاد العاصمة، لمّا ألف محبوه أغان تحاكي رغبتهم في الهجرة إلى أوروبا وبالأخص روما ونابولي وميلان بإيطاليا وبرشلونة بإسبانيا، وبعدها تم تأليف أهازيج أخرى تترجم حجم المعاناة التي يعيشها الشعب من الطبقتين المتوسطة والفقيرة في الجزائر.
و مع بداية الألفية عرفت الأغاني الاجتماعية انتشارا واسعا، حيث وجد بعض الشباب ضالتهم وراحتهم في وصف معاناتهم، من خلال ترديد أهازيج حول مختلف الصعوبات التي وجدوها داخل المجتمع سواء البطالة، أو الظروف القاسية والفقر الذي جعل من حلم كل شاب هو السفر إلى أوروبا سواء بطريقة شرعية أو لا، كما تناولت بعض الأغاني مواضيع أخرى على غرار تفشي الآفات الاجتماعية كتعاطي المخدرات.
كما انتشرت في نفس الفترة بعض الأغاني التي تترجم الواقع المرير الذي عاشه الشعب الجزائري خلال سنوات الإرهاب، وما خلفته من نتائج وخيمة على جل العائلات، فيما تم ترديد أخرى تحتفي بمبادرة المصالحة الوطنية.
منبر للتعبير عن هموم الشباب
المشجع الجزائري الذي يعتبر من أشد المناصرين في العالم تعلقا بفريقه، اتخذ من الملعب منبرا للتعبير عن همومه وأحزانه وطموحاته على كل الأصعدة، سواء السياسية والاجتماعية والاقتصادية، و ذلك عبر أغان أصبحت مرآة عاكسة لما يعيشه هذا الشاب من أوضاع مزرية جعلت من الآلاف يختارون «قوارب الموت» للهروب من حياتهم البائسة.
ورغم اختلاف الأهازيج والألحان و طريقة التأدية، إلا أن الهدف الأساسي من أغاني الملاعب كان إيصال صوت الشباب إلى المسؤولين، خاصة ما تعلق بمشاكل البطالة والحرقة والآفات الاجتماعية، ليتحوّل الأمر مؤخرا إلى المطالبة بتغييرات سياسية عميقة و عدول عبد العزيز بوتفليقة عن الترشح لعهدة رئاسية خامسة.
وتعتبر الأغاني السياسية الموضة الجديدة في المشروع الفني لمختلف المشجعين في الجزائر، حيث جاءت هذه المرة قوية وواضحة ومباشرة في بعض الأحيان، ومبهمة ومشفرة في أحيان أخرى، ولكن أهم ما فيها أنها متماشية مع الوضع الراهن وخاصة من الناحية السياسية، كما ساهمت صفحات التواصل الاجتماعي في انتشارها حتى أصبحت تردد من طرف الجميع.
هكذا يتم تأليف الأغاني

و يعتبر أنصار اتحاد العاصمة أو «المسامعية» كما يلقبون، أفضل الجماهير الجزائرية وربما العربية في تأليف أغاني هادفة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية، وخاصة سياسية، حيث يتساءل كثيرون، كيف لشباب بطال أن يؤلف ألحانا و كلمات بذلك التناسق، و عن هذا الأمر يجيبنا أحد المقربين من فرقة «أولاد البهجة» التي تمثل أنصار هذا الفريق، حيث قال لنا إن الفرقة تتكون من مغنين وملحنين وعازفين محترفين على الآلات، و قد كانوا يتخذون من المقاهي مكانا لتأليف الأغاني، مع إعادة التدرب عليها قبل تأديتها في الملاعب، حيث يتجمع لهذا الغرض من 20 إلى 50 مناصرا بمشاركة فرقة موسيقية تستعمل المزمار والبوق أو ما يسمى بـ «الطرومبيطة» والطبل وأحدث أدوات العزف، وبعدها ينتشر هؤلاء الشباب وسط الأنصار في الملعب من أجل ترديدها معهم.
و ذكر محدثنا أن طريقة عمل الفرقة التي سبق لها إنتاج ألبومات لقت رواجا في الجزائر، قد تغيرت كثيرا بفضل التطور التكنولوجي، وذلك من خلال انتشار استخدام منصات التواصل الاجتماعي التي سهلت كثيرا من إيصال الأغاني الجديدة إلى الجماهير، حيث يتم ترديدها وحفظ كلماتها قبل التنقل للملعب، وبالتالي يجد الأنصار أنفسهم جاهزين لتأدية الأغنية مباشرة، مضيفا أن الأحداث السياسية الأخيرة جعلت أعضاء «اولاد البهجة» يختارون أمكان مختلفة تحتضن تجمعاتهم من أجل التأليف.
«لاسيري بقاتلها حلقة» تصنع الحدث
و من بين أشهر الأغاني التي ألفتها الفرقة، هي «كازا ديل مرادية» التي تنتقد مسؤولين اتهمتهم بإقامة دولة منفصلة يعيشون فيها حياة الثراء، كما تم إطلاق أغنية «لاسيري بقاتلها حلقة، ما تبكيش يا بلادي شدة وتفوت»، وهي إشارة لسلسلة الحلقات والقرارات التي تطلقها الحكومة حاليا على غرار انسحاب الرئيس من الترشح في سباق الرئاسيات وغيرها من القرارات الجديدة. الأغنية تنتقد أيضا السلطة و أحد المقاولين الذي أشرف على أشغال الطريق السيّار شرق- غرب، و هو رجل أعمال معروف يرأس نادي اتحاد العاصمة.
«بابور اللوح» و «في سوق الليل» أبرز ابتكارات الأنصار

أما «مرانيش قادر نحمل هذا العذاب والزمان يطول عليا، خليني نروح قلبي مجروح خليني نروح في بابور اللوح..» فهي كلمات أغنية «بابور اللوح»، التي يتحدث فيها مؤلفوها من أنصار اتحاد العاصمة، عن الظروف التي يعيشونها في الجزائر ما أدى إلى رغبتهم في الهجرة إلى أوروبا عبر قارب خشبي، وهو ما يشكل تهديدا على حياتهم، ولكن حسب الأغنية، فإن مغامرة بعض الشباب بحياتهم أفضل من مواصلة حياة قاسية كما يصفونها، و قد أصبحت هذه الأغنية تردد في وسط الحراك الشعبي وخاصة من طرف فئة الشباب.
كما صنعت أغنية «في سوق الليل» من تأليف بعض أنصار مولودية الجزائر، الحدث في مختلف الملاعب الجزائرية، وجاءت بعض كلماتها مؤثرة لتصف الفقر الذي يعيشه بعض الشباب ومن كلماتها: «قولّي علاش نقولك شوف لتحتا، كاين لي فطر وما تعشاش، قل لي كيفاش أقول لك جاية هكذا، لي حاكمينها ما خلاوش»، و هي أهازيج سُمعت كثيرا خلال المسيرات السلمية.
«جيبو البياري وزيدو الصاعقة» ترنيمة يحفظها الجميع!
كما أبدعت جماهير أندية أخرى في تأليف أغان ذات دلالات سياسية واجتماعية، أصبحت مشهورة وتردد على كل لسان على غرار أغنية «يا ناس يا ناس» لأنصار شباب بلوزداد، وأغنية «بلادنا من بكري مخدوعة» لأنصار نصر حسين داي، فيما ألفت بعض جماهير اتحاد الحراش «شكون سبابنا» التي لاقت تفاعلا كبيرا من طرف الجزائريين.
و تعتبر أغنية «جيبو البياري وزيدو الصاعقة» التي كانت تردد في الأصل داخل الملاعب، أشهر ما يهتف به الجزائريون خلال المسيرات السلمية، حيث أصبحت معروفة لدى كل شرائح المجتمع بل تحولت إلى رمز للحراك الشعبي، لكن بعد أسابيع من المظاهرات أدخِل تحديث بسيط على هذه الأغنية، و تحولت إلى «معانا البياري ومعانا الصاعقة» وهذا نتيجة التفاعل الإيجابي لرجال الأمن مع المواطنين خلال الحراك.
«فلسطين الشهداء» أيضا حاضرة

و لم تقتصر الأغاني والعبارات السياسية على ترجمة ما يحدث داخل الجزائر فقط، بل أن الجماهير عبرت عن مختلف آرائها بخصوص قضايا دولية، من خلال إعلانها مساندة دولة ما، أو تمجيد أحد الرؤساء أو مساندة شعوب تعاني بنظرها من الظلم، وهو ما حدث مع فلسطين، حيث ولدت عبارة «فلسطين الشهداء» من رحم الملاعب أين وجد الجزائريون فضاء مناسبا للتعبير عن مساندة هذا البلد العربي المحتل، قبل أن تتنقل هذه الأهازيج إلى المسيرات السلمية، و ذلك بعدما وصل صدى «فلسطين الشهداء» إلى كل البلدان الأوروبية التي احتضنت مباريات المنتخب الجزائري، إضافة إلى الدول الإفريقية بمناسبة المنافسات القارية، لتأخذ الرسالة بعدا آخرا بعد ترديدها في منافسة كأس العالم بجنوب إفريقيا والبرازيل.
بالمقابل، كادت بعض الأهازيج أن تحدث أزمات مع بلدان عربية، على غرار ما وقع على هامش لقاء أجري في ملعب بولوغين بالعاصمة، بين النادي الجزائري ونظيره القوة الجوية العراقي، حيث تم حينها ترديد عبارة «الله أكبر صدام حسين»، كما قام أنصار المنتخب الوطني بترديد أغان ممجدة للرئيس الراحل معمر القذافي على هامش مباراة الخضر وليبيا بتصفيات كأس إفريقيا سنة 2013، ما كاد أن يوقف اللقاء لولا تدخل العقلاء.
موضة أعراس 2019
و بعد أن كانت حكرا على الملاعب فقط، وصل صدى الأغاني السياسية إلى مختلف الأماكن و المناسبات، حيث أصبحت أغنية «جيبو البياري وزيدو الصاعقة» تتداول في أعراس سنة 2019، ويقوم بترديدها الكبار والصغار والنساء والرجال، وسط تفاعل كبير جعلها تتفوق على أشهر أغاني الراي و طابعي السطايفي والمالوف، كما صار العديد من الشباب يستمعون إليها في المقاهي أو بسياراتهم ومنازلهم.
هذه الأغاني صارت أيضا تردد حتى على لسان إطارات المجتمع من محامين و أساتذة و غيرهم، خلال المسيرات السلمية الأخيرة، بعدما أعطاها الظرف السياسي الذي تعيشه البلاد صدى أكبر، ومنحها شعبية جعلت منها رسالة و وسيلة الشعب للمطالبة بمختلف الحقوق.
مناصرون يحضرون المباريات للتنفيس

ويتنقل العديد من الشباب إلى الملاعب رغم أنهم غير مولعين بكرة القدم وليسوا مهتمين بنتائج المباريات، حيث أن الهدف من تواجدهم في الفضاءات الرياضية هو ترديد تلك الأغاني و التنفيس عما بداخلهم، على غرار خالد، و هو شاب يقطن بولاية قسنطينة أخبرنا أنه يعشق الأغاني السياسية، إذ اعترف أنه لا يحب كثيرا كرة القدم، ولكن ما يجعله يحضر كل مباريات الأندية المحلية وخاصة شباب قسنطينة، هو الهتاف وإخراج ما في جعبته من ألم، مثلما عبّر.
وذكر مناصر آخر لفريق مولودية قسنطينة، يدعى حمزة، أنه من عشاق الأغاني السياسية و بأنه يحفظها جميعها عن ظهر قلب، مضيفا أنه يفضلها على تلك الرياضية التي لم تعد تثير، حسبه، اهتمام طبقة كبيرة من الجماهير، ليعلق قائلا «أشعر براحة نفسية كبيرة بعد ترديده لتلك العبارات».
«سولكينغ» يحقق أكبر نجاحاته بفضل أغنية الملاعب
و قد حقق مغني الراب الجزائري «سولكينغ» نجاحا كبيرا بعد الأغنية الأخيرة التي أداها عن الحراك السلمي المقام منذ أسابيع، حيث تناول خلالها المآسي التي يعيشها الشعب الجزائري مطالبا بمنحه الحرية لتكون بعنوان «لاليبيرتي» أي الحرية، علما أن هذه الأغنية هي في الأصل من تأليف فرقة البهجة واسمها الحقيقي «طالبين الحرية»، ولكن «سولكينغ» استنجد باللحن وغيّر من الكلمات مع إشراك الفرقة في التأدية، لتحقق نجاحا باهرا و عدد مشاهدات ضخم في ظرف أيام فقط من إطلاقها على موقع «يوتيوب».
كما خرجت الأغاني التي يرددها أنصار اتحاد العاصمة من تأليف فرقة البهجة، من حدود الوطن لتصل إلى الجارة المغرب، حيث يتم ترديدها من قبل جماهير الأندية هناك، حتى أن العديد من الفنانين أصبحوا يأخذون اللحن مع تغيير الكلمات، وهو نفس ما يحدث في الجزائر حيث يستنجد بعض الفنانين بأغاني هذه الفرقة من أجل اكتساب الشهرة و تحقيق النجاح.

أخصائي علم النفس بن عميرة كمال
جرأة أغاني الملاعب شجّعت النخبة على التنفيس في الشوارع
أكد أخصائي علم النفس بن عميرة كمال، أن أغاني الملاعب أصبحت من المحركات الأساسية للمسيرات الشعبية التي تشهدها البلاد، مضيفا أن شعاراتها التي تردد وتكتب من طرف الشباب، تؤكد الوعي الكبير الذي يتمتع به.
وأضاف المختص أن بعض الأغاني أثارت إعجابه فيما لم يستحسن أخرى، على غرار عبارة «جيبو البياري وزيدو الصاعقة» التي تحولت إلى «معانا البياري والصاعقة»، والتي ترددها الطبقة المثقفة في المجتمع أو النخبة كما وصفها، وهو ما لا يصلح لهذه الفئة حسبه.
وأوضح محدثنا في نفس السياق، أن جماهير الملاعب التي كانت الوحيدة التي تردد الشعارات بكل حرية، قد أثرت على المثقفين وبقية الإطارات بالمجتمع، حيث اعتبر هذه الفئة كتومة ولكنها وجدت متنفسا لها من خلال هذه المظاهرات، والدليل على ذلك حسبه، هو عدم خروج العديد من المثقفين أو أفراد طبقة النخبة خلال الأيام الأولى من الحراك، بل أنهم التحقوا به بعد أسبوعين أو أكثر نتيجة تأثرهم بتلك العبارات الجريئة، دون إغفال أن كرة القدم التي تعتبر الرياضة الأكثر شعبية، وبالتالي فإن تأثيرها، حسب الخبير، يكون فعالا وسريعا على بقية شرائح المجتمع.
وقال المختص في علم النفس أن من بين أسباب انتشار أغاني الملاعب وترديدها من طرف كل فئات المجتمع، هو تأثير كلماتها وألحانها على متلقيها، حيث تفاعل معها العديد من الشباب لمعاناتهم من الفراغ و الإحباط في جميع المستويات، ليجدوا فيها متنفسا، خاصة وأن الفرصة صارت متاحة من أجل ترديدها بكل حرية ولكن هذه المرة خارج الملاعب، أي وسط الشوارع والأحياء. السيد بن عميرة تطرق أيضا إلى خروج الأغاني السياسية التي كانت تردد في الملاعب، من حدود الوطن، لتصل إلى أوروبا وتحديدا إلى المهاجرين الجزائريين الذين أصبحوا هم كذلك يحفظونها عن ظهر قلب وكأنهم عايشوها خلال المسيرات المحلية.
و أكد الخبير في علم النفس أن نخبة المثقفين، مطالبة بالتدخل من أجل تأطير هؤلاء الشباب من خلال تغيير طريقة ونوعية الأغاني خلال الحراك، مقترحا أن تردد الأناشيد الوطنية التي تشعر الجزائريين بالوطنية أكثر، على غرار «موطني» و»من جبالنا» و»قسما»، متوقعا أن تعرف هذه الأناشيد تفاعلا أكبرا من طرف الشعب، ليضيف أن الشباب الرياضي يعتبر القلب النابض للوطن وسيقبل بتغيير تلك الشعارات التي أصبحت، برأي بن عميرة، روتينية بالنسبة للمتواجدين بالحراك.

المختص في علم الاجتماع دراع عبد الله
الأهازيج عكست الوعي المتقدم للشباب الجزائري
يرى المختص في علم الاجتماع دراع عبد الله، أنه يجب الاعتراف بأن أغاني الملاعب هي عنوان لوعي شبابي كان متقدما جدا وسابقا عن الوعي المجتمعي بشكل عام، بدليل أن ما يردد في الحراك الشعبي الحالي من أهازيج سياسية قوية المضمون وهادفة المغزى، كان منبته الأصلي ملاعب كرة القدم.
وأضاف المتحدث أن الملاعب الجزائرية شكلت على مدار عقود طويلة، حتى في بدايات سبعينيات القرن الماضي، الفضاء الأمثل لتعبير الشباب عن ظروفه الاجتماعية الخانقة، وهمومه المتعددة من بطالة ويأس وحرمان وشعور بغياب العدالة الاجتماعية، فاستغل فضاء الملاعب ليوصل للسلطة هذه الهموم والانشغالات، وذلك من خلال أغان كانت تحمل رسائل سياسية بامتياز، و وصلت إلى حد التطرق لمسألة الهوية الوطنية والظلم الاجتماعي الصارخ، ولهذا لم يجد الشباب اليوم في هذه الهبّة الاجتماعية الحاصلة منذ أسابيع، أي إشكال في إعادة ترديد هذه الأغاني باعتبارها تصلح لكل زمان ومكان، طالما أن الرسائل التي تحملها هي واحدة، وهي عاكسة لحال البلد منذ زمن طويل، حسب السيد دراع.
وأوضح المختص في علم الاجتماع، أنه وجب الإشارة إلى أن الشباب و من خلال أغانيه الرياضية والسياسية التي كان يرددها في الملاعب، ثم بكل قوة في الشارع، أتقن فعلا استغلال الفضاء الاجتماعي الوحيد الذي كان متاحا له على الدوام ألا وهو الملاعب، و ذلك أمام غياب فضاءات التعبير عن الذات وعن الرأي، بحكم الانغلاق الذي كان يعيشه المجتمع منذ سنوات طويلة، و هو ما يراه السيد دراع أحد أبرز مظاهر الوعي المتقدم جدا الذي يتمتع به شبابنا دون أن ينتبه له المجتمع بمختلف فئاته وقطاعاته، و حتى النخبة.
ح.ب

الرجوع إلى الأعلى