يعيش الجزائريون منذ إنطلاق الحراك الشعبي على وقع تدفق هائل من الأخبار الكاذبة وغير المنسوبة التي شوشت على المعلومة الصحيحة ودفعت ببعض وسائل الإعلام إلى مجاراتها بحثا عن السبق،  ما جعلها تتحول إلى منبر للـ « فيك نيوز» في ظاهرة لا يراها المختصون حالة جزائرية بحتة، إنما مشكلة عالمية انفجرت من أمريكا ، مؤكدين بأن ما يجري منذ أسابيع هو حرب إلكترونية تحركها جهات داخلية وخارجية في شكل معارك يومية تستهدف الجمهور، بهدف توجيه الرأي العام لأغراض تختلف بحسب اختلاف الجهات التي تقف خلفها.

هــدى طابـــي
وقد أكد  أكاديميون ومختصون أن  الانتشار السريع لأخبار غير صحيحة يشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي،  خصوصا وأن نسبة كبيرة منها ، نتاج آلة دعاية خارجية و إعلام أجنبي مغرض، منبهين لضرورة تعزيز مصداقية الإعلامية بتدارك التأخر التكنولوجي في مجال برمجيات  فحص الخبر و المعلومة ، وأيضا بخلق قنوات أكثر مرونة للإتصال المؤسساتي سيما خلال الأزمات ، كون الإنغلاق من أهم مسببات الأخبار الكاذبة ، مع التشديد على ضرورة تقنين الإعلام الإلكتروني الذي منصات لتغذية هذا النوع من الأخبار.
بين الأخبار الكاذبة و الحقائق البديلة

يعد مصطلح فيك نيوز، جديدا من حيث الاستخدام، إذ دخل قاموس الإعلام، سنة 2017 خلال رئاسيات أمريكا، و تحديدا خلال حملة الرئيس دونالد ترامب، وجاء امتدادا لمصطلح أكثر فضفضة هو
«ما بعد الحقيقة»، الذي ظهر سنة2016، فقد شاع استعمال مصطلح الأخبار الكاذبة، بعد فضح الدور الذي لعبته روسيا و دول شرق أوروبا في تشويه صورة هيلاري كلينتون و تضخيم شعبية ترامب، الأمر الذي جر معه جدلا واسعا حول تأثير فيك نيوز، ودفع بجناح الرئيس للمناورة من خلال استحداث مصطلح جديد هو الحقائق البديلة، في محاولة لتبرير استعانته بالدعاية الخارجية خلال الحملة.
من هنا تحديدا، ضبط قاموس أوكسفورد مفهومين جديدين، الأخبار الكاذبة، و هي معلومات لا أساس لها من الصحة تتم فبركتها ونشرها على نطاق واسع، من أجل خدمة وجهة نظر أو طرف أو قضية، و الحقائق البديلة، وهي  معلومات يستخدمها السياسيون للهروب من سؤال محرج، أو حتى لتضليل الرأي العام، ولكنها معلومات حقيقية، وبدورها  بدأت المؤسسات الإعلامية الكبرى عبر العالم، بالعمل على التدقيق في الحقائق  من خلال برمجيات متخصصة تعرف ب»فاكت ريسرش» و تعمل على استخدام مقياس معين، يحدد مدى صحة الخبر.
حسب دراسة مفصلة نشرها موقع «بازفيد» ، عقب فضيحة الانتخابات الأمريكية، والدور الكبير الذي لعبه فايسبوك في الترويج لـ»فيك نيوز»، فإن هذه الأخبار كانت أكثر رواجاً من الأخبار الحقيقية، و حسبما جاء في ذات التقرير، فإن البروباغاندا على خطورتها، كانت في الماضي قوة تحتكرها قلة من الناس و تتجه إلى جمهور معين يبقى محدوداً، أيا كانت حدوده، لكن اليوم لم تعد هناك أية حدود بعدما أصبح العالم قرية، و الدور الذي لعبه مراهقون من مقدونيا لإيصال دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قد لا يكون إلا البداية.
الأخبار الكاذبة تضبط بوصلة الحراك الشعبي
منذ بداية الحراك يوم 22 فيفري الماضي، يتداول الجزائريون، بمعدل 5 إلى 10 أخبار مؤثرة يوميا، ساهم فايسبوك، و منصات التواصل الأخرى في انتشارها ، و أعادت بثها مؤسسات إعلامية هامة، ما شكل معالم حرب نفسية حقيقية و أثر بشكل كبير على مجريات سير الأحداث.
لقد بث أكثر من موقع خبر وفاة الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، و هروب عائلته وبعض كبار المسؤولين من البلاد،  بمجرد خروج المتظاهرين إلى الساحات العمومية ، ثم انتشرت العديد من المقاطع الصوتية التي تحدثت عن وجود مندسين من الجيش بالزي الرسمي بين المتظاهرين، و ذاعت أخبار أخرى بخصوص انتشار عناصر الجيش والشرطة حول محيط مقبرة العالية، التي عادة ما تدفن فيها الشخصيات الرسمية ، وهو خبر تناقلته قنوات إخبارية دولية، كما تناقلت أيضا أخبارا عن تعرض ناشطات نسويات جزائريات للاعتداء و التعنيف خلال مسيرات الجمعة.
و انتشرت كذلك أخبار جاءت بها قنوات تلفزيونية عن حدوث أعمال عنف في محيط  قصر المرادية، و أخبار عن اجتماع سري جمع وجوه قديمة من النظام بشقيق الرئيس السابق و أفراد من المخابرات الفرنسية ما عزز فرضية ارتكاب أطراف لجريمة الخيانة العظمى، ناهيك عن  تداول أخبار عن انتشار قوات الدرك في العاصمة قبل أيام قليلة عن إعلان الرئيس عن استقالته، و أنباء عن تصدير الجزائر للغاز مجانا نحو فرنسا و إسبانيا ،  مما تسبب في غليان كبير و دعا الكثيرون إلى الامتناع عن تسديد فواتير الغاز و الكهرباء، ما من شأنه أن يوجه ضربة قوية  للاقتصاد الوطني.
زيارة وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة لروسيا ، غذت الإشاعات التي تطرقت لتهريب رجال الدولة لأموالهم و عائلاتهم إلى الخارج، و الحديث عن سحب جوازات سفر لأكثر من 100 مسؤول  .
 حتى مواقع إخبارية عالمية ساهمت في إحاطة الحراك الجزائري بالأخبار الكاذبة، على غرار ما قامت به  وكالة رويترز، التي روجت لأنباء عن تفريق قوات الأمن للمتظاهرين باستخدام الرصاص المطاطي و الغاز المسيل للدموع في خبر تناقلته عدة صحف ومواقع وتلفزيونات عربية.

الدكتورة نبيلة بوشعالة أستاذة في المدرسة الوطنية للإعلام
الـ»فيك نيوز» آلية موجهة لتعطيل أي مشروع ديمقراطي
تحذر الدكتورة نبيلة بوشعالة، أستاذة إعلام و صحفية سابقة، من تأثير الأخبار الكاذبة، التي تعد، كما قالت، آلية موجهة لعرقلة و ضرب أي مشروع ديمقراطي جاد، و توجيه الرأي العام للتركيز على قضايا ثانوية و إغفال القضايا الجوهرية التي تقوم عليها عملية البناء، مؤكدة بأن هناك إجماعا دوليا من قبل المختصين في الإعلام و الاتصال السياسي و الاجتماعي، على خطورة هذه الأخبار، بوصفها تهديدا للديمقراطية  خصوصا وأن الهدف من نشرها هو خلق فعل معين أو دفع الحكومات إلى اتخاذ قرارات معينة.
وتوضح الدكتورة، بأن الأمر لا يتعلق بظاهرة جديدة، بل بممارسة قديمة في ثوب جديد، فالأخبار الكاذبة هي شكل من أشكال الإشاعة وهو مصطلح يتشارك مع الفيك نيوز في نفس التعريف، إذ يتعلق الأمر بفبركة أخبار من طرف جهة معينة مجهولة الهوية و الأجندة، بغرض توجيه الرأي العام و التأثير عليه من خلال خلق البلبلة و التضليل، وعليه يمكن القول بأن هذه الظاهرة كممارسة، تعتبر فعلا قديما وقد سبق للعالم أن شهد نماذج مماثلة مثل الدعاية النازية التي خلفت مئات الضحايا خلال الحرب العالمية الثانية، لكن المختلف في الأمر، هو آليات الدعاية الحديثة التي ظهرت بظهور شبكات التواصل الاجتماعي و تقنيات فبركة الصور،  بمعنى أننا نتحدث عن تحول تقني فقط، مع الحفاظ على الفكرة الرئيسية الهادفة إلى التأثير من خلال نشر أخبار كاذبة، قد يكون مصدرها خارجي، كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية خلال حملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية، والتي اتضح بأن جزءا كبيرا من الأخبار التي كانت تدور حولها، كانت  تصدر من الخارج،  و تحديدا من دول أوروبا الشرقية، ما يعني أن الأمر لا يتعلق بالدول في حد ذاتها ، بل بنظام عالمي.
حسب الباحثة، فإن الانتشار الكبير لهذه الأخبار، هو حتمية أفرزها التغيير في طرق إنتاج المعلومات، فما  يعرف بالصحافة الجالسة ، كما قالت، التي عوضت الصحافة الميدانية ، و تحولت إلى نمط عمل مطلوب في المؤسسات الإعلامية،  خصوصا في القطاع الخاص، نظرا لنقص عدد الصحفيين، و مشكل تسارع المعلومات و تضخمها، فنحن، على حد تعبيرها، نعيش اليوم  حالة من السمنة المفرطة في المعلومات، و التسارع نحو السبق و إلزامية نشر الخبر للحفاظ على المقروئية أو المشاهدة و القدرة على المنافسة، ما أدخل صحفا كبيرة و إعلاميين جادين، في دوامة حقيقية انتهت بالكثير منهم بالوقوع في خطأ نقل أخبار كاذبة أو غير مؤكدة، وهي سقطة من سقطات قطاع الإعلام في الجزائر، خصوصا و أن القاعدة معروفة و تقول بأن أي خبر مجهول المصدر هو خبر يحتمل الشك. و بالنسبة للتجربة الجزائرية، فإن توقيت نشر هذه الأخبار و سياق نشرها، يدل على أنها موجهة للتأثير في الرأي العام و توجيهه، وبالتالي فهي تخدم إستراتيجية مجهولة.
 يبقى الحل الوحيد في مواجهة هذا الخطر الذي يهدد المنظومة الإعلامية، هو التركيز على التكوين، في جانب التقنية للتحكم في آليات و برمجيات فحص الخبر أو الصورة، وهي كثيرة جدا، حسبها، تمكن الصحفي من التأكد من الخبر و الوصول إلى مصدره الحقيقي، بدل الاكتفاء بنشره مباشرة، سواء تعلق الأمر بالتلفزيونات أو الجرائد و خصوصا المواقع الإلكترونية التي تعد حقلا خصبا للفيك نيوز، وذلك بسبب ظروف نشأتها سياسيا و قانونيا، فهذه المواقع، حسبها ، تتخبط في العديد من المشاكل القانونية المتعلقة بالامتداد الجغرافي و شروط التأمين، و مشكل التمويل ، فهي محرومة من الإشهار، لكونها مصنفة كإعلام أجنبي، بما في ذلك التلفزيونات الخاصة.

الدكتور رضوان بوجمعة أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر
مؤسسات إعلامية تتغذى على الفيك نيوز لسد الفراغ و خدمة الأوليغارشيا
يرى أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر، الدكتور رضوان بوجمعة، بأن انتشار الإشاعة أو الأخبار الكاذبة عبر المواقع الإخبارية و منصات التواصل، وحتى في الإعلام الجزائري  مؤخرا، سببه شح فرص الوصول إلى مصادر المعلومة، فمهنة الصحافة تعيش اليوم، كما قال، أزمة حقيقية، لأن المؤسسات الإعلامية  بمختلف توجهاتها أصبحت تمارس الدعاية أكثر من الإعلام، و لا تتحرج من تبني  الأخبار الكاذبة التي تتماشى مع ميولها الدعائية و لا تجد مشكلة في إعادة نشرها.
أستاذ مواثيق أخلاقيات مهنة الصحافة،  قال بأن الإعلام أصبح يتغذى من شبكات التواصل الاجتماعي، لأن مصادره الأخرى شبه منعدمة، حتى أن هناك مؤسسات إعلامية، تنتقي الأخبار الكاذبة التي تتوافق مع توجهاتها و مع مصالح الشبكات التي تخدمها.
حقيقة أن الساحة الإعلامية مرتبطة بشبكات المال الفاسد و الأعمال،  وهو واقع لا يحتاج إلى تدليل في اعتقاده، لذلك فإن الكثير من التلفزيونات و الصحف و المواقع، تتغذى من شبكات الأوليغارشيا ، التي تستنزف المال العام، وهي شبكات منظمة تعمل على توجه الرأي العام و التضليل بالاستعانة بما يعرف بالذباب الإلكتروني، و هنا يتعلق الأمر بثلاثة مستويات معروفة لحد الآن، ولها يد في كل ما يحدث ، كما أنها مسؤولة عن تغذية مواقع التواصل الاجتماعي بالأخبار الكاذبة، فجزء من هذه الشبكات يريد إلهاب الساحة أو اختطاف الثورة السلمية، بالمقابل  فإن هنالك جزء آخر تزعجه سلمية الحراك، و يريد الدفع بالجماهير إلى التهور، فيما تحاول شبكات أخرى نشر الأخبار الكاذبة لتحافظ على الوضع الراهن، و تساعد منظومة الحكم على إعادة إنتاج نفسها.
وعليه، فإن ظاهرة  «فيك نيوز»، حسبه، لم تبق منحصرة في شبكات التواصل، بل امتدت إلى الساحة الإعلامية، التي لا تعكس في نظره التنوع الموجود في المجتمع بقدر ما تعكس تضارب المصالح بين مختلف هذه الشبكات التي تمولها ، وبالتالي فإن الخطر لا يكمن في منصات التفاعل، لأن الشباب الذين يتعرضون لمضامينها بشكل مستمر، أثبتوا وعيهم و تمسكهم بمبدأ السلمية و الوحدة الوطنية، كما استطاعوا التعامل مع الأخبار التي تهدد النسيج الاجتماعي، بقدر ما يتجسد في علاقة المؤسسات الإعلامية بالأوليغارشيا و شبكات المال الفاسد.
ويضيف المختص ، أن المشكل الأعمق الذي نواجهه اليوم في التعامل مع الظاهرة  ، هو عدم وضوح رؤية السلطة و انعدام إستراتيجية اتصالية اتجاه وسائل الإعلام الجزائرية والأجنبية، فضلا عن عدم وجو د خلية أزمة على المستوى الاتصالي، تخدم غرض التواصل مع الجزائريين، وهو ما يدفع الوضع للتعقد أكثر، خصوصا في ظل وجود العديد من المآخذ على الإعلام العمومي، الذي قال بأنه مطالب بأداء رسالة عمومية أحسن، والانتقال من الدعاية إلى الخدمة العمومية.
أما عن سبب الميل الجماهيري للتعاطي مع الأخبار الكاذبة و تسريع عملية انتشارها،  أوضح الدكتور رضوان بوجمعة، بأن الأمر يتعلق بتبعات وضع استثنائي، يجعل الجزائريين ينتظرون أي قرارات تخدم مطالبهم، ولأنهم يشعرون بأن السلطات العمومية تتماطل في الاستجابة لها، فقد يكون لديهم استعداد لقبول أي معلومة تتجه نحو تلبية جزء من هذه المطالب، حتى وإن كانت هذه المعلومة كاذبة.

طارق حفيظ صحفي و صاحب موقع « ديكريبتي أنفو»
  نسبة كبيرة من الأخبار الكاذبة مصدرها جهات أجنبية
يؤكد الصحفي طارق حفيظ، صاحب موقع «ديكريبتي أنفو» للتحقق من مصداقية الأخبار، بأن قضية الفيك نيوز أو الأخبار الكاذبة، ليست وليدة الأزمة الجزائرية، ولم تفرزها تبعات الحراك، بل هي ظاهرة عالمية  برزت بشكل كبير خلال الانتخابات الأمريكية، التي فضحت الجانب المظلم لهذه الأخبار، و دورها في توجيه الأحداث و بلورة الرأي العام، وحتى خلق الصراع ، بدليل أنها كانت سببا في مقتل مواطن أمريكي خلال مجريات الحملة الانتخابية للرئيس ترامب.
 كما تسببت أيضا في  مجزرة رهيبة في رواندا و كانت وراء الفتنة التي شهدتها منطقة واد ميزاب الجزائرية قبل سنوات، وهو ما يؤكد أن هذه الأخبار من شأنها أن تشكل خطرا على الأمن القومي للدول.
وفي ما يتعلق بالوضعية الجزائرية، يمكن القول، حسب طارق، بأننا نواجه حربا إلكترونية إعلامية خطيرة، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن عدد الأخبار الكاذبة التي يتم تسريبها يوميا، يتراوح بين 5 إلى 10 أخبار، أغلبها يخلق ردود أفعال قوية، نعجز عن التعامل معها لأننا ، كما عبر، نقف أمام مشهد إعلامي هش غير قادر على استيعاب الظاهرة ككل، والسبب في ذلك، حسبه، هو وأن الدولة لم تلعب دورها في ما يتعلق بتدعيم الصحافة و تكوين الصحفيين في مجال التكنولوجيات الحديثة.
كما أنها أفرغت الخدمة العمومية من محتواها، وعجزت عن مواكبة الانفتاح الإعلامي الحاصل، بما في ذلك الصحافة الإلكترونية، التي باتت طرفا قويا في المعادلة الإعلامية العالمية، بدليل أن نسبة كبيرة من الأخبار الكاذبة التي يتم تداولها يوميا و التي تعنى بتطورات الشأن الجزائري، مصدرها جهات أجنبية، حتى أن هنالك آلة دعاية مغربية متخصصة في ذلك، سبق  لها أن روجت لإشاعة تعرض ناشطات نسويات للتعنيف خلال مسيرات الجمعة، إضافة إلى إشاعة توقيف وزير العدل الأسبق الطيب لوح على الحدود المغربية، وهنا تعجب المتحدث، من عدم اتخاذ هذا الأخير لأي إجراء قانوني يتعلق بمتابعة الجهة المسؤولة عن نشر الخبر، قبل أن يعود للقول بأن عدم الجدية في التعامل مع المعلومة و تقزيم دور الإعلام عموما ، ليست ثقافة جديدة على بعض المسؤولين الجزائريين، فهي سياسة كرست لها وجوه قديمة في السلطة ميعت العمل الصحفي بشكل كبير.
الصحفي قال أيضا، بأن حرمان المواقع الإلكترونية من الإشهار و تعقيد وضعيتها القانونية، أعاق عملية تطورها، وكذلك الأمر بالنسبة للتلفزيونات الخاصة وعديد الجرائد، التي تتخبط في مشاكل ضعف التكوين و التمثيل النقابي و ظروف التمهين و عراقيل مالية عديدة، وهو وضع سمح بتراجع دور الإعلام التقليدي لحساب  نوع جديد من الإعلام غير المؤسس، القائم على ما تنشره مواقع التواصل بنسب متابعة عالية و حجم تأثير قوي يفوق تأثير الصحف و التلفزيونات.
أمام هذا الوضع يرى المتحدث، بأن الإعلام الجزائري  بما في ذلك مؤسسات صحفية عريقة  وجدت نفسها أمام إلزامية التأقلم مع تسارع الأحداث،  الأمر الذي جرها نحو الوقوع في خطأ التعاطي مع أخبار كاذبة وإعادة نشرها في ظل الانعدام شبه التام لمصادر المعلومة الصحيحة، فالحراك الأخير، كما عبر، أفرز تراجعا في المصادر التقليدية، على غرار مناضلي الأحزاب  وإطارات الوزارات و ما إلى ذلك، ما فتح المجال لظاهرة الأخبار غير المنسوبة و العاجلة، التي يجد الصحفي نفسه مجبرا على مسايرتها ، في ظل المنافسة الشرسة و الهوس بالوصول إلى المعلومة أولا و تحقيق السبق.
وعليه يمكن القول، حسب طارق حفيظ، بأن منظومة الحكم في حد ذاتها تعد منتجة للأخبار الكاذبة، بسبب تهميشها لدور الإعلام، كما سبق شرحه، و نظرا لضبابية المشهد الذي تقوده وإصرارها على التعتيم الإعلامي كذلك، وهو ما يعزز ظهور وانتشار الإشاعة، و يبقى السبيل الوحيد لمواجهة هذه الأخبار، هو الاعتماد على بعض برمجيات التدقيق و الاعتماد على العمل الصحفي الميداني الحقيقي.                       هـ/ط

 

 

يعيش الجزائريون منذ إنطلاق الحراك الشعبي على وقع تدفق هائل من الأخبار الكاذبة وغير المنسوبة التي شوشت على المعلومة الصحيحة ودفعت ببعض وسائل الإعلام إلى مجاراتها بحثا عن السبق،  ما جعلها تتحول إلى منبر للـ « فيك نيوز» في ظاهرة لا يراها المختصون حالة جزائرية بحتة، إنما مشكلة عالمية انفجرت من أمريكا ، مؤكدين بأن ما يجري منذ أسابيع هو حرب إلكترونية تحركها جهات داخلية وخارجية في شكل معارك يومية تستهدف الجمهور، بهدف توجيه الرأي العام لأغراض تختلف بحسب اختلاف الجهات التي تقف خلفها.

الرجوع إلى الأعلى