الصيادلة في  - حرب - يومية مع مستهلكي المهلوسات

شنت النقابة الوطنية  للصيادلة أمس إضرابا وطنيا للمطالبة  بالإفراج عن الأدوية المصنفة كمؤثرات عقلية في وقت امتنع فيه الكثير من الصيادلة عن بيعها ، بسبب تزايد استهلاكها في أوساط المدمنين ، وذلك لتجنب الإعتداءات التي يتعرضون لها والتي وصلت حد القتل ، فيما لجأ آخرون إلى وضع خزانات مصفحة لإخفاء هذا النوع من الحبوب.
وتطالب النقابة بنشر جداول الأدوية التي لها مفعول المؤثر العقلي و التي تم وضعها في 2015 لتجنيب الصيدلي المتابعات القضائية ،  كما تشدد على مراجعة القوانين بشكل يسمح بتكييف التصنيف وفق الخطورة، لإضفاء مرونة أكبر على إجراءات محاصرة ترويج المهلوسات ، وتقترح العمل بالوصفة القانونية والسجل الإلكتروني، للتضييق على ظاهرة الترويج والتي عادة ما يتحمل مسؤوليتها الصيدلي، رغم ما يكتنف التوزيع من فوضى ، حيث تحصي النقابة   450 موزعا للدواء لا توجد معلومات واضحة حول نشاطهم.
أما أطباء الأمراض العقلية فيعتبرون إنشاء شبكة يقظة صيدلانية،   الطريقة الأمثل لتتبع مسار الأدوية ورصد حالات الإستهلاك المفرط ، كما ينصحون عائلات المرضى العقليين بمرافقة هذه الفئة حتى لا تستغل من طرف المدمنين ، ويطالبون بمنظومة لحماية الطبيب ، محذرين من أن عقار « اكتستازي» هو مادة غير شرعية  تنتج في مخابر سرية، وأن «ليريكا» هو المهلوس الأكثر انتشارا في أوساط المدمنين.
العديد منهم اضطروا للتوقف عن بيع المؤثرات العقلية
صيادلة يتعرضـون يوميـا لتهديـدات واعتداءات
يشتكي العديد من الصيادلة من تحوّل  نشاطهم اليومي إلى كابوس طويل يؤرقهم طيلة الأسبوع ، حيث تزايد عدد المضايقات و الاعتداءات التي وصلت إلى حد ارتكاب جرائم في حق بعضهم، بسبب الأدوية المهلوسة سواء المصنقة منها وغير المصنفة، ويؤكد المهنيون في المجال بأنهم أصبحوا مستهدفين من طرف عصابات منظمة، كما أنهم ضحية لمنظومة قانونية هشة جعلت منهم الحلقة الأضعف، لتكون النتيجة متابعات قضائية وتهديدات يومية دفعت بالكثير منهم إلى التوقف الاضطراري عن بيع المؤثرات العقلية بشكل نهائي وحرمان المرضى من حقهم في الحصول على الدواء.
روبورتاج: لقمان قوادري     
ويرى غالبية الصيادلة الذين اقتربت منهم النصر، أن الدولة مطالبة بإعداد منظومة قانونية ورقمية تحميهم من الجرائم والمتابعات الجنائية التي كثيرا ما راح ضحيتها أبرياء من المهنة بسبب الثغرات القانونية، كما أكدوا أن القوانين وسياسية الردع لا تكفيان للحد من ظاهرة ترويج المهلوسات ، بل يجب التركيز على التحسيس المكثف من طرف منظمات المجتمع المدني ومختلف الفاعلين في المجتمع.
جرائم تصل إلى حد القتل
وقبل أزيد من شهرين نظم الصيادلة بولاية أم البواقي ، وقفة احتجاجية تضامنا مع زميلتهم التي قتل زوجها من طرف مسبوق مدمن على تناول المهلوسات ، حيث أغلقوا صيدلياتهم لمدة ساعتين للمطالبة بالحماية من المدمنين والمجرمين ، إذ ما تزال تلك الحادثة راسخة في أذهان الصيادلة ، حيث تحدث جل من اقتربت منهم النصر في هذا الروبورتاج، عن معاناة وقلق يطبعان يومياتهم ، فكلما دخل زبون إلا وتنتابهم شكوك منذ أول وهلة ، فأوقاتهم كما قالوا، أضحت مليئة بالتوجس والمناوشات.  
سجلات غير قانونية لحماية الصيادلة
كانت بداية حديثنا إلى الصيادلة من وسط مدينة قسنطينة، حيث قال لنا أحد البائعين الناشطين في المهنة منذ أزيد من 20 عاما، إن  أدوية الأمراض العقلية والنفسية حادة التأثير وذات المفعول الكبير كـ «المورفيل» توجد فقط على مستوى ثلاث أو أربع صيدليات عبر الولاية، و هي من تقوم ببيعها وتخزينها في خزانات حديدية بعيدة عن الأعين داخل غرف داخلية لا يراها الغرباء ، نظرا للأخطار التي قد يتعرضون إليها.
وأوضح المتحدث، أن بيع المؤثرات  العقلية أصبح يشكل خطرا على الصيادلة منذ سنوات نتيجة التهديدات التي يتلقونها يوميا، فضلا عن المتابعات القضائية الجنائية، في حال حدوث أي أخطاء ، وهذا ما دفع بهم قبل سنوات إلى اتخاذ إجراء غير قانوني إذ يقومون،  وحتى يتمكنوا من حماية أنفسهم من التبعات الجزائية، بإصدار نسخة طبق الأصل عن الوصفة الطبية وكذا أخرى عن بطاقة التعريف ، ليتم كل شهر تحويل ذلك السجل إلى مصالح الأمن المختصة إقليميا للاطلاع والتأشير عليه.
«محاولة اعتداء دفعتني للتوقف عن بيع هذه الأدوية منذ سنوات»
وأضاف  المتحدث أن هذا الإجراء الحتمي قد تترتب عنه تبعات خطيرة إذا لم يطبقه ، إذ سيجد الصيدلي أو البائع نفسه في مواجهة السجن من 5 إلى 15 سنة في حال عدم وجود دليل على بيعه للمؤثرات العقلية بوصفة ، ومن جهة فإنه و في حال تسجيل اسم مريض في السجل وتتسرب أي معلومات عن الأدوية التي يتناولها ، فإن الصيدلي سيجد نفسه في مواجهة قضية إفشاء سر مهني التي يعاقب عليها القانون بستة أشهر حبس نافذة، إذ أن كثيرين يخفون مرضهم عن عائلاتهم ومعارفهم، ليتابع الصيدلي «إذا فنحن نعمل بين مطرقة توفير الخدمات للمرضى وسندان المتابعات القضائية».
وأوضح صيدلي آخر بوسط مدينة قسنطينة أنه ونظرا لموقع صيدليته، فإنه توقف عن بيع هذا النوع من الأدوية منذ أزيد من 10 سنوات، حيث تعرض منذ أيام مساء إلى محاولة اعتداء بالسلاح الأبيض من طرف شاب، بعدما تقدم منه وطلب منه مؤثرا عقليا دون وصفة، ليرفض طلبه وبعد إصرار الشاب حدثت مناوشات كلامية بينهما تطورت إلى تبادل باللكمات، قبل أن يخرج خنجرا ويحاول الاعتداء عليه، لولا تدخل جيرانه الذين أنقذوه من الموت في آخر لحظة، كما أكد أن صيدليته يقصدها مدمون من خارج المدينة، وكثيرا ما قدمت لهم وصفات مشكوك في أمرها، وهو ما دفع به إلى توقيف بيعها نهائيا.
الصيدلي يتحول إلى شرطي محقق!
وقال أحد الصيادلة إنه في سنة 2009 حدثت عملية تهريب كبيرة لدواء «ريفوتريل» من وهران، حيث وصلت تحقيقات الدرك الوطني إلى غاية مدينة قسنطينة، و توصلت إلى أن تلك المجموعة الإجرامية تقوم بتسجيل الأدوية بأسماء الصيادلة ثم تقوم بإخراجها وبيعها كمهلوسات، وهو ما دفع بالكثير من الصيدليات إلى التوقف عن بيعها مخافة تعرضهم لعمليات ممثالة قد يجدون أنفسهم بعدها في السجن لأشهر في انتظار المحاكمة من طرف العدالة.
وبعلي منجلي، فقد توقف غالبية الصيادلة اضطراريا عن بيع الأدوية العقلية، حيث ذكر أحد الصيادلة أنه تلقى تهديدات بالقتل، وفي إحدى المرات تم اعتراضه في الطريق من طرف منحرفين، حيث قاموا بتفتيش حقيبته ظنا منهم أنها تحتوي على الأدوية، و أفاد صيدلي آخر أنه أصبح يمارس دور الشرطي المحقق، الذي يشك في كل شيء ، إذ يقوم بالتدقيق في الوصفات وفي وجوه الزبائن أيضا ، و يطرح أسئلة كثيرة عليهم قبل منحهم أي دواء سواء مصنف أو غير مصنف، كما أنه أصبح يعرف جميع المدمنين ومروجي المخدرات واضطر أيضا إلى بث عينيه في كل مكان ، حتى لا يسقط في الخطأ الذي قد يكلفه مساره المهني كاملا، مؤكدا أن هذا العمل أصبح يرهقه كثيرا.
ويتذكر العديد من الصيادلة حادثة الاعتداء على دكتورة صيدلية بحي فراد، إذ قام أحد المنحرفين بضربها من خلف رأسها و كادت أن تفقد حياتها، إذ تسبب لها الاعتداء الخطير في 20 غرزة، كما قالوا إن الدخول عليهم بالسكاكين والسيوف أصبح أمرا «عاديا».
مدمنون يستغلون أولياءهم لاستعطاف الباعة
ويجمع غالبية الصيادلة الذين تحدثت إليهم النصر، أن المدمنين لا يملون ولا يكلون إذ يقصدونهم يوميا و يتحججون تارة بنسيانهم للوصفات ومرة أخرى بأنهم يحتاجون كميات قليلة، وكثيرا ما يلجأ هؤلاء إلى إجبار أوليائهم لاقتنائها حيث غالبا ما يتقدم إليهم رجال طاعنون في السن ، وحتى أمهات يستعطفون البائعين والصيادلة ، حيث قال صيدلي بعلي منجلي إنه وفي إحدى المرات اضطر إلى تقديم شكوى لدى مصالح الأمن، بعد أن قام أحد المدمنين بالتوجه إلى بيته حتى يحرجه أمام أفراد عائلته ويمكنه من علبة دواء.
مرضى يتورطون في ترويج المهلوسات
ويقول أحد الصيادلة ، إن العديد من المرضى متورطون في الترويج للمهلوسات، إذ يقومون بتقديم وصفات طبية تحمل كميات دواء إضافية ثم يقومون ببيع ما يزيد عن حاجياتهم، فعلى سبيل المثال فإن سعر علبة دواء «جازيبام» لا يتجاوز 120 دينارا، في حين يتم ترويج القرص الواحد بمبالغ تتراوح بين 400 و 600 دينار، وهو ما يحقق ربحا سريعا لهم كما أن عملية مراقبتهم تصعب أمام مصالح الأمن كونهم مرضى ومحميون قانونيا، لكن وبحسب ما تحصلنا عليه من معلومات من أحد ضباط الأمن، فإن هذه الفئة لا تروج المهلوسات بنفسها بل تقوم ببيعها لعصابات تقوم بدورها بإعادة تروجيها بأثمان مرتفعة.
ووفق صيدلي بأحد الأحياء ذات الكثافة السكانية المرتفعة بعلي منجلي، فإن الصيدلي النزيه هو الحلقة الأضعف في هذه السلسلة المتشابكة والمعقدة، فغالبية الأطباء والأخصائيين يمنحون الأدوية للمرضى بحسب طلباتهم دون مراعاة مستوى المقادير أو حتى  شفاء المريض ، فعلى سبيل المثال بحسب محدثنا ، فإن العديد من الأشخاص يشفون من مرضهم ويتوقفون عن تناول الدواء دون أن يتوقفوا عن شرائه، كما أن بعض الأطباء أصبحوا يخافون من الضغوطات ، التي يتلقونها من طرفهم ، ويضطرون إلى كتابة الوصفات أو زيادة كميات الأدوية لمرضاهم، وهذه المعلومات مثلما أكد مصدرنا ، متوفرة لدى مصالح الأمن وجميع الفاعلين في الميدان.
ويحذر جل الصيادلة الذين تحدثنا إليهم، من صعوبة التقليل من حدة هذه الظاهرة بل على العكس، في الظرف الراهن، و يرون أن انتشار الأدوية المهلوسة يزيد يوما بعد يوم نظرا لسهولة الحصول عليها حتى بالطرق القانونية، فضلا عن سهولة تروجيها، وخير دليل ما يبث عن نشاطات الأمن في هذا المجال عبر وسائل الإعلام.
"ليريكا".. الدواء الذي أرعب الصيادلة
وأصبح دواء «ليريكا» الذي يعد مسكنا للآلام الحادة، اسما كل ما سمعه أي صيدلي إلا و يتملكه رعب، فقد ذكر أحد الصيادلة الشباب أنه كلما ذكر أمامه هذا الدواء إلا ويرى في مخيلته شرطيا أو قاضيا، حيث أنه اضطر طيلة أسابيع إلى التوجه إلى مقر الأمن لسماع أقواله في قضية تحقيق حول ترويج مراهقين لهذا المخدر غير المصنف.
وبينما نحن نتحدث إلى الصيدلي دخلت فتاة في العشرينات، وتقدمت منه مبتسمة وقدمت له وصفة، لكنه سرعان ما تحدث إليها بلهجة حادة، وقال لها إن هذا الدواء غير موجود، ثم أخبرنا أن هذه الحيل أصبحت تتكرر خلال العامين الأخيرين، إذ تلجأ عصابات إلى استخدام فتيات لشراء المهلوسات باستخدام وصفات مزورة أو مشكوك في أمرها، ما يجعله مثلما قال، يضطر في الكثير من الأحيان إلى التحجج، بعدم وجود الدواء كلما راودته شكوك.
مرضى يضطرون إلى شراء الأدوية من المروجين!
ويضطر العديد من المرضى وأوليائهم أمام هذا الوضع، إلى اقتناء الأدوية المهدئة من الشارع بسبب توقف العديد من الصيدليات عن بيع المؤثرات العقلية، حيث ذكر أحد الصيادلة أن صديقه اضطر إلى اقتناء دواء «ريفوتريل»، من أحد مروجي المخدرات في ساحة بن ناصر، فالمريض كما قال، هو الحلقة الأضعف بسبب انعدام قوانين تحمي الصيادلة وتضمن حقوق المرضى، لاسيما بعد ظهور أدوية كثيرة تم اكتشافها من طرف المدمنين.            ل.ق

أكثر من 90 بالمائة نسبة الاستجابة لإضراب نصف يوم
أعلن رئيس النقابة الوطنية الجزائرية للصيادلة الخواص مسعود بلعمبري في تصريح «للنصر» عن تحقيق نسبة استجابة وطنية فاقت  90 بالمائة،  للإضراب الذي شنه التنظيم أمس ودام خلال الفترة الصباحية فقط، وتراوحت ما بين 95 و100 بالمائة في جل الولايات، من بينها ولاية قسنطينة، حيث حقق الإضراب فيها نسبة استجابة واسعة بلغت 96 بالمائة.
 وتمثلت لائحة المطالب التي رفعها التنظيم في ضرورة التعجيل في تعديل القانون 04/18 المتعلق بتسيير المؤثرات العقلية المستخدمة لأغراض طبية ومعالجة بعض الامراض، منها الصرع والآلام الناتجة عن السكري والرعاش.
وتهدد النقابة بالكف عن بيع المؤثرات العقلية إن لم تسارع وزارة العمل رفقة وزارة الصحة في تحيين القانون المسير لهذه الأدوية، وضبط  قائمة المؤثرات العقلية، ونشرها في الجريدة الرسمية، بغرض اعتمادها من قبل أعوان الأمن عند القيام بالحملات التفتيشية كوثيقة معتمدة، مع ضرورة تصنيف المؤثرات العقلية غير مصنفة لحد اليوم.
ويقدر العدد الإجمالي للأدوية المصنفة كمؤثرات عقلية حوالي 100 دواء بتسميات عالمية، 10 من بينها تسبب مشاكل عويصة للصيادلة، وفق تأكيد مسعود بلعمبري، جزء منها مصنفة والباقي لم يصنف بعد كمؤثرات عقلية، دون أن يتم نشرها كلها في الجريدة الرسمية، رغم مراسلات عدة وجهتها النقابة لوزارتي العدل والصحة، وبحسب المصدر فإن المفاوضات الجارية حاليا لا تبعث على التفاؤل، بسبب تعثر مساعي تصنيف المؤثرات العقلية.  .
وتبرر من جهتها الحكومة عدم نشر قائمة الأدوية المصنفة كمؤثرات في الجريدة الرسمية بدواعي أمنية، في حين اكتفت وزارة الصحة بإعداد جداول خاصة بهذه المواد، رغم إصرار نقابة الصيادلة على نشرها في الجريدة الرسمية لحماية الصيادلة، لأن العدالة لا تعترف بالجداول بل تتعامل مع الوثائق الرسمية، وفق مسؤول النقابة.        
لطيفة/ب  

رئيس النقابة الوطنية للصيادلة مسعود بلعمبري في حوار للنصر
صرنـا نستعمــل خزانـات مصفّحــة لإخفاء المهلوســات
 • كميات ضخمة  تدخل من تونس   • مرضى يتاجرون بأدويتهم
يكشف رئيس النقابة الوطنية للصيادلة الخواص ، الدكتور مسعود بلعمبري ، عن تزايد لافت لظاهرة بيع المرضى لأدويتهم لمدمني المؤثرات العقلية و شبكات الترويج ، ما يتسبّب في جرّ الصيدلي إلى أروقة العدالة، كما يخلي في حوار للنصر، مسؤولية زملائه من إغراق ولايات الوطن  بالأدوية غير المصنفة كمهلوسات و خاصة عقار “بريغابالين”، الذي قال إنه يدخل بكميات ضخمة عبر الحدود التونسية ، داعيا إلى الاستجابة «الجدية» للمطالب التي يطرحها 11 ألف صيدلي وجدوا أنفسهم بين مطرقة السجن و سندان الاعتداءات ، بسبب عقاقير لم تدرج رسميا بجداول المؤثرات العقلية،  ما جعل النقابة «تنتفض» و تلجأ إلي خيار الإضراب.
حاورته: ياسمين بوالجدري
شرعتم في حركة احتجاجية وطنية للمطالبة بالإفراج الفوري عن مشروع القانون المتمم و المعدل للقانون 04-18، و كذا مشروع المرسوم التنفيذي المتعلق بتسيير المؤثرات العقلية. كيف أثر عدم صدور هذه النصوص على الصيادلة؟
لقد اشتغلت نقابتنا على إدخال بعض التغييرات و استحداث إجراءات قانونية جديدة على القانون 04/18 الصادر في ديسمبر 2004 و كذلك على المرسوم التنفيذي الذي يحدد كيفية التعامل من الناحيتين الإدارية و التقنية مع المؤثرات العقلية، و كل هذا في إطار لجان مشتركة مع وزارة الصحة، حيث بدأ العمل عليهما منذ أكتوبر 2016 ، لكنهما بقيا حبيسي  الإدارة.
لسنا خبراء لنميّز بين الوصفات الأصلية و المزوّرة
قررنا هذه المرة أن ننتفض بعد تصاعد المشاكل التي يتعرض لها الصيادلة سواء من الناحية الأمنية بالاعتداءات و الاغتيالات ، أو في الجانب القانوني، فهناك متابعات تحصل بحكم القبض على عصابات تروج هذه الأدوية، خاصة إذا تعلق الأمر بمواد صيدلانية غير مصنفة رسميا كمؤثرات عقلية ، لأن النصوص القانونية المعتمد  عليها تكافح الاستعمال اللاشرعي للمؤثرات العقلية و المخدرات ، لكننا نتحدث هنا عن مواد خارجة عن التصنيف الرسمي.
هل هذا يعني أنه لا يوجد سند قانوني يجيز حبس الصيدلي؟
نعم، و لقد بذلنا مجهودات كبيرة لنشر القرار الوزاري الصادر في 9 جويلية 2015 بالجريدة الرسمية، بتنصيف هذه المواد إسميّا في تسميتها العالمية كأدوية معروفة، و لقد انتظرنا من 2004 حتى 2015، لكن للأسف حتى عند نشر القرار لم تنشر الجداول الخاصة بالتنصيف بسبب معارضة من الأمانة العامة للحكومة بالاتفاق مع وزارة العدل ، بعدما كانت وزارة الصحة قد قامت بعملها و قدمت الجداول و أعدت القرار الوزاري الذي فقد المصداقية، لكن في حال صدور القانون المعدل و المرسوم التنفيذي ستشرع وزارة الصحة في إعادة نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية، و نشر قوائم الأدوية تحت التسمية العالمية، و أي دواء لا يدخل في هذه الجدولة يعتبر غير مصنف و لا يخضع لإجراءات القانون 04/18.
في حالة إدراج الجداول في الجريدة الرسمية سيكون هناك سند قانوني للمتابعات أو التحقيقات ضد الصيادلة، و حتى في إطار الوصف و الحيازة و الصرف و بيع هذه المواد، لكن إذا لم تصنف رسميا و لم يتم التعرف عليها من طرف الجمهور و المختصين، فلا يمكن إحداث متابعات قضائية. إذا هناك مشكل تصنيف و نشر و تعامل مع أدوية هي أساسا غير مصنفة دوليا و محليا و يتم التعامل معها من طرف العدالة و كأنها مؤثرات عقلية و هذا أمر غير طبيعي إطلاقا.
ما الجديد الذي ستأتي به النصوص القانونية التي تطالبون بها للصيدلي، في حال تطبيقها؟
أولا أشير إلى أن المادة 16 من القانون 04/ 18 و التي ذهب الكثير من الصيادلة ضحايا  لها،  تجرم الصيدلي بسبب الوصفات الطبية الصورية و وصفات على سبيل المحاباة تحتوي على مؤثرات عقلية، لكن الصيدلي لا يمكنه أن يعرف أن هذه الوصفة سلمت من باب المحاباة من طرف الطبيب، فهو ليس خبيرا الكترونيا و لا يستطيع أن يعرف أن الوصفة صورية أو منسوخة أو مسروقة أو غير ذلك. كل  هذه الأمور سوف تسقط من المادة 16 في القانون المعدل أين سيكون هناك مصطلح جديد هو الوصفة القانونية التي يحددها المرسوم التنفيذي الذي سيصدر.
ما هو شكل هذه الوصفة الجديدة؟
ستكون بثلاث نسخ و ثلاثة ألوان مختلفة برقم تسلسلي ، حيث يحتفظ كل من الطبيب و الصيدلي بنسخة، بينما تبقى الثالثة الأصلية عند المريض لكي يستعملها إذا تعرض للمساءلة. كما سيُستحدَث لدى الطبيب سجل لتدوين المواد الموصوفة و التي تدخل كمؤثرات عقلية و مخدرات، و سجل آخر من نوع جديد أيضا لدى الصيدلي لتدوين الوصفات عليه.
قيادة الدرك طلبت تصنيف “بريغابالين” كمؤثر عقلي
سيكون هناك أيضا سجل الكتروني على مستوى وزارة الصحة يتم وضع كل المعلومات فيه، مع إمكانية الاطلاع عليها من طرف المصالح المختصة و منها الأمن و القضاء أو المختصين المهنيين في إطار متابعة المرضى. هناك إجراء آخر بخصوص حماية الأطباء و الصيادلة من التهديدات و الاعتداءات، حيث ستسنّ مادة تقضي بالحبس و دفع غرامات مالية إذا حاول أي أحد الحصول بالقوة أو الضغط أو التهديد، على الأدوية بدون وصفة أو بوصفة غير قانونية، من صيدلي.
ما هي الجهة المخوّلة بالإسراع في تحقيق مطلب التصنيف؟
القانون 04/18 يكلف في المادتين 2 و 3 وزارة الصحة بإعداد هذا التصنيف المرتبط بالتنصيف الدولي الذي أمضت عليه الدولة الجزائرية، و لقد طالبنا به منذ سنة 2004 و تم نشره في 2015 ثم اكتشفنا أنه لم يتم نشر الجداول، بعدها و بناء على مطالبنا أيضا، سنّت لنا الوزارة الجداول رسميا و قدمناها للمحاكم و الخبراء و أجهزة الأمن ، حيث كانوا يعملون بها في البداية لكن في الأسابيع الأخيرة لاحظنا بأن هناك تغيرا في التصرف ، ما جعلنا ننتفض.
ولقد تقدمت قيادة الدرك الوطني بطلب رسمي لوزارة الصحة لتصنيف «بريغابالين» و «باراكيديل» و «ترامادول» كمؤثرات عقلية، و هناك «نوزينون» أيضا الذين يمكن أن يصنف، لكن إذا لم يتم تعديل القانون فلن يكون هذا الأمر ممكنا ، بالمقابل هناك أحكام نهائية من المحكمة العليا أقرت بأن “بريغابالين” مثلا غير مصنف كمؤثر عقلي و أمرت بالإفراج عن الأشخاص المحبوسين بعد إدانتهم ضمن أحكام القانون 04/18، و ما جعلنا ننتفض هو الاستمرار في إدانة الصيادلة رغم كل الخبرات التي قدمناها للعدالة من الأمن و الدرك و الخبراء المعتمدين الذين أقروا بأن “بريغابالين” غير مصنف و غير خاضع للجداول و لا للقانون 04/18.
قلتم إن التصنيف المحلي مرتبط بالتصنيف الدولي ، لكن بعض هذه الأدوية غير مدرجة دوليا ضمن قوائم المؤثرات العقلية ، فما هو المخرج القانوني في هذه الحالة؟
الحل هو في تعديل المادتين 2 و 3 من القانون 04/18، بما يمكّن الجزائر من تصنيف أي دواء تراه أنه مضر بالمجتمع ، و ذلك باستحداث جداول و تصنيفات جديدة للمؤثرات العقلية خارجة عن الاتفاقيات الدولية. و هنا أشير إلى أن هناك دولة وحيدة في العالم صنفت “بريغابالين” كمؤثر عقلي و هي الولايات المتحدة الأمريكية ، بحكم أنها أعادت تكييف مواد القانون فأصبحت لديها سيادة تنصيف المواد المؤثرة عقليا.
ما هو عدد الصيادلة الذين تمت ملاحقتهم في العدالة؟
حاليا هناك 3 صيادلة سجِنوا ، أما الملاحقات القانونية فهي دورية ، حيث سجلنا حوالي 22 قضية منذ بداية السنة، لكن كثيرا ما يأخذ القضاة بعين الاعتبار الخبرات و الأحكام السابقة للمحكمة العليا و تلك النهائية، ولا يطبقون إجراءات القانون 04/18، فمن غير المعقول و غير المقبول إطلاقا اتهام الصيدلي بالحيازة غير الشرعية لهذه الأدوية رغم أنه الوحيد المرخص قانونا بحيازتها و صرفها.
إذا كان الصيادلة خارج المساءلة ، فمن أين تأتي هذه الأدوية التي تحجز الجهات الأمنية في كل مرة كميات كبيرة منها؟
هناك كميات ضخمة من مادة «بريغابالين»، على وجه الخصوص ، تدخل عبر الحدود مع تونس ، حيث تصل إلى مئات آلاف الأقراص و آلاف العلب ، و هي كميات نؤكد أنه يستحيل أن يكون مصدرها الصيدليات ، لذلك على الحكومة اتخاذ إجراءات بهذا الشأن.
لكن هذا لا ينفي حقيقة تواطؤ بعض الصيادلة، ما هو عدد الذين قمتم بتجميد نشاطهم؟
هناك حالات نادرة جدا، و أغلب التي مرت علينا تمت تبرئتها أمام مجلس التأديب أو لدى الأمن و المحاكم، حيث منذ سنة 2018 و إلى غاية يومنا هذا سجلنا حالة تواطؤ واحدة فقط عبر الوطن.
أصبح الكثير من الصيادلة يمتنعون عن بيع المهدئات و الأدوية التي قد تستخدم كمؤثرات عقلية، لكن ألا يتناقض هذا الأمر مع حق المريض في الحصول على الدواء؟
بالطبع، و لكن هل للصيدلي الخيار؟ فهو يعلم أنه إذا لم يبع سيعتَدى عليه و سيتعرض للتهديد ، خاصة أن العنصر النسوي يشكل نسبة كبيرة من العاملين في الصيدليات الخاصة ، أما إذا باع فسيتعرض للمساءلة القانونية. نحن عرضة إلى تهديد متواصل بالسلاح الأبيض و العنف ، ففي الطارف قبل أيام حدث اعتداء بالسيوف استدعى تدخل الأمن ، كما تم قتل والد صيدلية في معسكر في نوفمبر 2018 و زوج زميلة صيدلية أخرى في فيفري 2019.
22 قضية في أروقة العدالة منذ بداية السنة
لدينا أيضا مشكلة في المناوبة الليلية خاصة في المناطق المعزولة التي يجد صيادلتها مشاكل في النهار أيضا ، فمن بين 11 ألف صيدلية خاصة منتشرة عبر الوطن ، هناك أكثر من 4 آلاف تقع في المناطق النائية.
لكن كيف للمريض أن يجد البديل؟
ردا على هذا السؤال أشير إلى أنه حتى المريض تحول إلى مشكلة ، فالعديد من المرضى هم أنفسهم يتاجرون بأدويتهم التي اشتروها بوصفة شرعية بناء على فحص طبي ، لكنهم يتناولون كمية قليلة من الدواء و يبيعون معظم ما تبقى. و قد وقفنا على حالات مرضى أغراهم الربح السريع ، حيث يذهبون إلى عدة أطباء و يحصلون على عدة وصفات ليشتروا الدواء ثم يعيدون بيعه. هذه ظاهرة أصبحت منتشرة بكثرة و جرّت معها الصيدلي الذي تتم مساءلته في العدالة عن سبب البيع ، في حين أن الزبون قدّم له وصفة نظامية.
ما هو شكل الحماية الأمنية التي تطالبون بها؟
على الأقل بأن تتدخل مصالح الأمن بسرعة عند الاتصال بها، و من المؤسف أنه في غالب الأحيان لا تكون هناك استجابة. كما نعاني في العديد من الولايات من الإجراءات البيروقراطية عند الرغبة في تركيب أجهزة المراقبة ، حيث تطول كثيرا بسبب طلب تراخيص يتبين في بعض الحالات أنها مجمدة إلى أجل غير معلوم ، و حتى في حال وجود كاميرات المراقبة ، صار اللصوص يتنبّهون إلى حيلة تغيير اتجاهها مرتدين أقنعة ، قبل تنفيذ عمليات السرقة.
ما هي الأدوية التي عادة ما تسرق من الصيدليات؟
دائما المهلوسات هي المستهدفة و لهذا السبب أصبحنا نستخدم خزانات مصفحة لتخزينها ، عوض الخزانات العادية ، كما أن الكثير من الصيادلة امتنعوا حاليا عن تسويق و حيازة هذه الأدوية.
تعد مؤسسات توزيع الأدوية حلقة أخرى في قضايا الترويج و قد تمت متابعة بعضها. برأيكم كيف يمكن ضبط عمل هذه المؤسسات؟
تحصي وزارة الصحة حوالي 660 موزع جملة مسجل رسميا، و لكن نلاحظ أنه لا يوجد أكثر من 200 موزع ينشطون فعلا في الميدان. هذا يعني أن أزيد من 450 موزعا لا نعرف ما الذي يفعلونه و قد ينشطون في الخفاء و من الممكن جدا أن يكونوا طرفا في عمليات الترويج. لقد بدأت وزارة الصحة في تصفية هذه القائمة لكن العمل قد يطول و الزمن ليس في صالحنا، إذ يجب تأمين مسار المؤثرات العقلية و عمليات التوزيع.
450 موزعا للدواء لا نعرف  شيئا عن نشاطهم
أعلنتم عن إضراب وطني في 29 ماي، ما هي الخطوات المقبلة في حال عدم تحقيق مطالبكم؟
إذا لم تتحقق مطالبنا سندعو الصيادلة إلى التوقف عن العمل ، فمطالبنا مهنية تهدف إلى تحسين الخدمة و الارتقاء بالمنظومة الصحية، و عن مشكلة المهلوسات بالتحديد ، أؤكد أن نقابتنا وضعت برنامجا لمكافحة الإدمان من خلال تنظيم حملات توعية و أيام دراسية مفتوحة ، لكن لم يُترَك لنا المجال للقيام بهذا الدور الوقائي و وجدنا أنفسنا عوض ذلك أمام برنامج للدفاع عن أنفسنا ضد محاولات القتل و الاعتداء ، و السجن ، ليس بسبب سوء التسيير لكن بسبب فراغ قانوني. نوجه نداء استغاثة إلى الدولة لتنظر بجدية لمطالبنا ، فالصيدلي أصبح يخرج من بيته صباحا و هو يخشى إما من دخول السجن أو من دخول مصلحة حفظ الجثث.
 ي.ب  

طبيب الأمراض العقلية الدكتور أحمد الشريف صغير في حوار للنصر
ينبغي إنشاء شبكة "يقظة صيدلانية" من أجل مراقبة حركة الأدوية
يرى الدكتور أحمد الشريف صغير، أستاذ مساعد مختص في الطب العقلي بالمؤسسة الاستشفائية بجبل الوحش بقسنطينة، أن المبالغة في شيطنة المؤثرات العقلية خلقت خوفا لدى المرضى وعائلاتهم من العلاج بأدوية الأمراض العقلية، كما يُفصّل في هذا الحوار مع النصر أصناف الإدمان والفرق بين المواد الدوائية والمخدرات غير الشرعية، فيما يتحدث عن المضايقات التي يتعرض لها الأطباء من طرف المدمنين ومجموعة أخرى من النقاط المتعلقة بممارسة الطب العقلي في الجزائر.
حاوره: سامي حباطي
النصر: ما هي أنواع الإدمان من المنظور الطبي؟
الدكتور أحمد الشريف صغير: نُصنف في مجالنا نوعين من الإدمان، فهناك إدمان على المواد غير الشرعية، وهي المخدرات المعروفة على غرار القنب الهندي والكوكايين وبعض الأحماض، ونحن نسميها في الطب العقلي بـ”مشوّشي النفسية” لأنها تشوش عمل الجهاز العصبي، في حين تنقسم هذه المواد إلى ثلاثة أصناف وهي المهلوسات والمخدرات والمُسكرات، ومن الضروري أن يعي المجتمع هذه الفروق، فالتسمية المتداولة في أغلب الأحيان هي “المهلوسات” رغم خطأ ذلك، لأن الأخيرة صنفٌ متفرع من “مشوشي النفسية”، بمعنى أنها مواد يؤدي استهلاكها بما يكفي، إلى الإصابة بالهلوسة والهذيان، وتؤدي أيضا إلى حالات اضطراب عقلي حاد، مثل القنب الهندي والـ”أل أس دي” والأحماض.
مشاكل الإدمان خلقت خوفا من أدوية الأمراض العقلية ورفضا للعلاج
أما المخدرات فهي الكوكايين والمورفين والمواد المشتقة منهما، في حين تتمثل المسكرات في الكحول الإيثيلي أو المواد التي تعطي نفس مفعوله رغم أنها ليست من الكحوليات، على غرار المواد التي تحتوي على الغراء، الذي يحتوي على مادة يؤدي استنشاقها إلى دخول الشخص في حالة سكر تضاهي حالة من يشرب الكحول. هذه كلها مواد من غير الشرعي استهلاكها.  
النوع الثاني من الإدمان يتمثل في المواد الشرعية التي تمنح للمريض من طرف الطبيب، لكن المستخدم قد يحولها عن إطارها العلاجي ويتعاطاها بعيدا عن الوصف الأساسي لها. وهذه المواد عبارة عن أدوية في الحقيقة. خذ على سبيل المثال مضاد الباركنسونية الذي نصِفه للمرضى المصابين بالباركنسون، المسمى “تريهيكسيفينيديل” والمتداول تجاريا تحت اسم “باركينان” أو “باركيديل”، فهو دواء نقدمه كمُصحح للآثار الجانبية لأدوية أخرى في بعض الوصفات التي نقدمها لمصابين ببعض الأمراض العقلية ، لكنه يستخدم خارج هذا الإطار كمؤثر عقلي، لأنه يبعث شعورا بالبهجة والانطلاق لدى مستهلكه.
وهل المدمنون يحبذون استهلاك جميع الأدوية الخاصة بالأمراض العقلية؟
لا أبدا. توجد بعض الأدوية الأخرى التي لا يحبذ المدمنون تناولها، فالأطباء يمنحون أدوية لمن يتقدمون للعلاج من الإدمان، وبعد فترة يوقفونها عنها، لكن المدمنين يبدون رغبة في إعادة وصفها لهم ، فيما يمتعضون من أدوية أخرى تُمنح لتهدئة المريض على غرار “نوزينان” و”لارغاغتيل”. الإدمان على أدوية الأمراض العقلية حقيقة، وهي تعود في الأصل إلى الاستخدام السيئ لها.  
لكن ألا ترون في الخطاب المتداول حول مخاطر تعاطي أدوية الأمراض العقلية ، بعض الشيطنة المبالغ فيها لمواد وجدت في الأصل لتكون أدوية علاجية؟
ما تقوله أمر حقيقي، فتحول أدوية الأمراض العقلية إلى مصدر للمشاكل قد خلق نوعا من الخوف منها، كما أن هذه الأدوية متعلقة بالأساس بالاضطرابات العقلية، لكننا في مجتمعنا لم نصل بعد إلى إدراك هذا النوع من الاضطرابات الصحية كأمراض، وهذا لا يتوقف على مجتمعنا فقط. ويمكن استقاء ذلك من عبارات الاستهزاء والتحقير المتداولة لوصف المصابين بها، وهي غالبا ما تحصر هذه الأمراض وتوابعها من أدويتها مع الطابوهات و”العيب”، في حين أدى انتشار الإدمان عليها إلى مضاعفة التخوف منها.
يجب التأكد من انسجام طبيعة الأدوية في الوصفة الطبية
وهل تعزون جزءا من رفض العائلات في كثير من الأحيان علاجات أبنائهم المصابين بأمراض عقلية إلى هذا التخوّف؟
ما زال المرض العقلي من الطابوهات الكبيرة في المجتمع، فضلا عن أن المجتمع يخاف منها ويجهلها بشكل تام تقريبا، بل ويعتبرها “عيبا كبيرا”، فلا يعلم الأفراد مصدرها ولا إلى أين يتجه مسارها، لذلك وضعنا في المؤسسة الاستشفائية للأمراض العقلية بجبل الوحش برنامجا تعليميا، يقوم على توفير المعلومات حول المرض العقلي للمريض وعائلته ويدرسه مثل طالب طب. و يشمل البرنامج مختلف الجوانب الطبية والعلاجية، بالإضافة إلى العائلة، التي تتعلم أن إصابة فرد منها ليس خطأه أو خطأ عائلته، كما أنه ليس قضية متعلقة بالجن أو السحر. كل هذه الأشياء تتطلب تبسيط المعلومات.
كيف يمكن الحد من تحويل الوصفات الطبية عن غايتها العلاجية إلى تلبية الاستهلاك القائم على الإدمان؟
ينبغي إنشاء شبكة “يقظة صيدلانية” من أجل مراقبة حركة الأدوية في دخولها وخروجها على المستويين الوطني والمحلي على حد سواء، حيث يكون الصيادلة على رأس من يقوم بهذه المهمة لأنهم العارفون بتفاصيل ذلك، بالإضافة إلى المختصين في الإعلام الآلي. فرنسا من البلدان التي تعتمد على هذه الطريقة في العمل، وفي حال تسجيل نسبة استهلاك مرتفعة تتجاوز الحدود المقبولة في منطقة ما، يمكنهم رصدها ، ما يقود إلى فتح تحقيق لمعرفة أسباب ارتفاع الطلب على نوع من الأدوية وتصاعد نسبة استهلاكه. وقد سمحت هذه الطريقة بكشف استعمال دواء “بريغابالين” كمؤثر عقلي في فرنسا.
كما أن منح المريض أدوية الأمراض العقلية والنفسية يتطلب عملية مراقبة للوصفة الطبية، تستوجب معاينة الختم والتأكد من أنه غير مزور، فضلا عن التأكد من انسجام طبيعة الأدوية المسجلة في الوصفة، ففي بعض الأحيان قد يحمل بعض المدمنين وصفات يكون واضحا أنها ليست حقيقية، ويمكن للمختصين من الصيادلة والأطباء اكتشاف ذلك من خلال عدم تناسق الأدوية.
المرافقة الأسرية تمنع استغلال المرضى للحصول على الأدوية
يتطلب تشخيص المرض العقلي مدة طويلة في كثير من الأحيان، وغالبا ما تتشابه الأعراض وتكون غير مفهومة. هل يدفع عامل الوقت بالمرضى أو محيطهم الأسري إلى فقدان الأمل في العلاج والتوقف عن تناول الأدوية أو منحها للمريض؟
هذا أمر صحيح. المرض العقلي ليس معروفا وليس مفهوما، وهذا الأمر يمثل مشكلة بالنسبة للممارسة، كما أنه من النادر أن يتقدم المريض من الطبيب العقلي عندما تكون حالته مستجدة، لكنه يجعل من الطبيب المحطة الأخيرة بعد المعاينة عند كثير من الأطباء وحتى الرقاة، لكن مجيئه متأخرا يجعله في حالة سيئة، لكن المسؤول عن هذه الوضعية هو المحيط الأسري للمريض، وهو الحلقة الأقوى من أجل مساعدة الأطباء والمؤسسة الاستشفائية على مواصلة التكفل بالمصابين، إلا أن قليلا من العائلات فقط من تتحمل المريض.
ولو عدنا إلى موضوع استهلاك الأدوية بصورة غير شرعية، فإن توفير مرافقة أسرية جيدة تساعد على الحد من مشاكل استغلال مرضى للحصول على أدوية من طرف بعض الأشخاص، فالأسرة تلعب دورا رقابيا أيضا.
هل الردع القانوني يخلق مشاكل لبعض المرضى المستهلكين لأدوية الأمراض العقلية، في حالات السفر أو العمل على سبيل المثال؟
لم نسجل أمورا مماثلة في مجال العمل، بل رأينا حالات لمرضى يعملون كمهندسين وأطباء وغيرها، رغم أنهم يتناولون الأدوية، لكن مع ضرورة ألا يتوقف المريض عن ذلك، ففي حال إقلاعه عنها سيتعرض لاضطرابات سلوكية قد تحول دون أدائه لمهامه، لكون الأمراض المزمنة تتطلب علاجا دائما ، لكن في بعض الحالات الحادة يتطلب العلاج ما بين ستة أشهر إلى عامين فقط.
أطباء يتعرّضون لمضايقات من مدمنين
أما بخصوص الحالات التي يكون فيها على المريض أن يتنقل حاملا معه أدويته، فمن الجانب المنطقي لا يشكل هذا الأمر أي عائق بالنسبة إليه، إلا أنه ينبغي على الشخص حمل الوصفة الطبية والوثائق التي تؤكد المبرر الشرعي لاستهلاكه.
هل يتعرض أطباء الأمراض العقلية لمضايقات من المدمنين الراغبين في الحصول على الأدوية؟
المدمن يتحول إلى شخص لا يملك شيئا ليخسره، حيث يتركز همه الوحيد على عدم الوقوع في “ندرة أدوية”، وتحدث حالات يتعرض فيها الأطباء إلى تهديدات من طرف المدمنين الذين يحاولون حَملهم على وصف أدوية ، وقد يصل الأمر إلى حد تهديدهم بالسلاح الأبيض، خصوصا في الحالات الاستعجالية. ونحن بحاجة إلى منظومة لحماية الطبيب وكافة أفراد المجتمع من هذه الأمور، فالمدمن الذي لا يجد ما يتعاطاه يتحول إلى مصدر خطر، وقد رأينا حالات اعتدى فيها مدمنون على أوليائهم أو أشخاص في الشارع من أجل الحصول على المال لاقتناء المؤثرات العقلية.
«إكستازي» يصنع في أماكن مجهولة و «ليريكا» انتشر بصورة رهيبة
كثيرا ما يتداول اسم “إكستازي” للحديث عن أحد أنواع المؤثرات العقلية المستهلكة من طرف المدمنين، ما هي طبيعة هذه المادة؟
“إكستازي” عبارة عن “أمفيتامين” ويندرج ضمن عائلة المؤثرات العقلية التي نسميها بـ”منشطات الجهاز العصبي”، فهو ينشط كل شيء في الشخص، ويمكن أن تجد مادة “الكافيين” في نفس العائلة، حيث تؤدي هذه المواد إلى فقدان الشخص للشعور بالتعب وتبعث فيه إحساسا بالفرح والطاقة، كما أنه يفقد النّعاس، لكن هذه المادة غير مستهلكة بشكل واسع في مجتمعنا، على عكس بلدان أخرى تستهلك فيها بصورة كبيرة، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية التي يشيع بين طلبة جامعاتها استهلاك “الأمفيتامين” ، حتى يتمكنوا من المراجعة والتفرغ للدراسة.
وهل يصنع “إكستازي” فعلا داخل مخابر سرية؟
هناك بعض أصناف “الأمفيتامين” الدوائية، التي نستعملها في علاج حالات بعض الأطفال المصابين بفرط الحركة وتصنع بطريقة شرعية ومدروسة، لكن مؤثر “إكستازي” مادة غير شرعية ويصنع في أماكن مجهولة، فتجده أحيانا باللون الأحمر أو الأزرق ويعرف بين المدمنين بتسميات خاصة.
وبحسب ما سجلتم، ما هي المؤثرات والمخدرات الأكثـر استهلاكا من طرف المدمنين في الجزائر؟
يأتي القنب الهندي في المرتبة الأولى من حيث الاستهلاك، يليه عقار “ليريكا” الذي انتشر بصورة رهيبة، بالإضافة إلى “البنزوديازيبين” التي تستعمل خارج نطاقها العلاجي، في حين أصبحنا نسجل حالات استهلاك للكوكايين رغم أنها بنسبة محتشمة، كما أن مضادات الباركينسون مستهلكة أيضا. ويجب أن نشير أيضا إلى أن المستهلكين يمزجون المواد في كثير من الأحيان، فقد تجد شخصا يتعاطى القنب الهندي مع الكحول أو القنب الهندي مع مؤثرات عقلية وكحول، وكلما زاد الخلط بين المواد، تعقدت وضعية الشخص المدمن أكثر.
سياسات تقنين استهلاك المخدرات لم تنجح في تقليل الإدمان
وما رأيكم دكتور في البلدان التي تقوم بتقنين استهلاك القنب الهندي بكميات محدودة؟
لقد كانت هولندا سباقة إلى هذا الأمر، فقد انتهجت هذه السياسة من أجل الحد من مشكل تداول المخدرات بصورة غير قانونية من خلال امتصاصها بالقانون، لكن هذه السياسة لم تنجح، ويمكن القول بأنه لا توجد في العالم اليوم سياسة نجحت في مواجهة الإدمان، لأنها مشكلة أمم بكاملها وتتعدد فيها مسؤولية مختلف الأطراف المتدخلة في تنشئة الفرد، على رأسها المجتمع، فالجانب الاجتماعي ضروري، فضلا عن أن الفرد الذي ينشأ في محيط عائلي متوازن يكون أقل ميلا إلى الإدمان من شخص ينشأ في محيط غير متوازن، ناهيك عن أن بعض الأشخاص قد ينشؤون في محيط أسري يتاجر بالمخدرات.
أو ربما قد ينشأ الفرد في أحياء تنتشر فيها مشاكل اجتماعية كبيرة!
بالطبع. لقد رأينا حالات لأسر اضطرت إلى تغيير مكان إقامتها بسبب وقوع أحد الأبناء في فخ المخدرات، من بينها أسرة انتقلت من العاصمة إلى قسنطينة لحماية ابنها المراهق من هذه المشكلة، لكنهم وجدوا نفس الجو الاجتماعي هنا أيضا. ومروجو المخدرات ينتهجون أساليب ماكرة لتسويق بضاعتهم، فقد يعمدون إلى منح المراهقين كميات مجانية من المخدرات لاكتساب زبائن دائمين، وهناك حتى أطفال في عمر 11 و12 سنة بدؤوا في تدخين القنب الهندي.   
س.ح

 

الرجوع إلى الأعلى