مــدن قـديمـــة مهــدّدة بـالزوال وعمليــــات ترميــم معلّقـــة

تشكّل المدن القديمة منذ عقود ملفا عمرانيا وثقافيا شائكا بسبب تدهورها الكبير وتحوّلها إلى منطقة عبور نحو السكن  الاجتماعي ، ما جعل آلاف البنايات عرضة للتخريب و الاحتلال في وقت لا تزال فيه عمليات الترميم محل تجاذبات فوّتت على بلادنا فرصة الحفاظ على جزء هام من نسيجها العمراني، الذي يؤرخ لمراحل متعاقبة من التاريخ .
ملف من إعداد : ياسمين بوالجدري/ إيمان زياري
حادثة وفاة خمسة أشخاص في انهيارات بقصبة الجزائر العاصمة منذ أسابيع بعثت الجدل من جديد حول أسباب تأخر الترميمات ونوعية ما أطلق منها ، كما أنها نبّهت لخطر يتهدّد حياة  آلاف العائلات التي تحتمي بالركام على أمل الحصول على سكن، منها عائلات التحقت بشكل متأخر بالمنازل القديمة بعد ترحيل سكانها،  وأخرى لا تزال تنتظر دورها.
النصر نقلت واقع الحياة بقسنطينة العتيقة والقصبة أين قضت الانهيارات وعمليات التخريب المتعمد على الكثير من معالم العمران القديم ، و  اقتربت من مختصين  تحدثوا عن وجود أخطاء  في التعاطي مع الملف وطعنوا في الخبرة الأجنبية التي اعتمد عليها في بعض الولايات،  كما انتقدوا استبعاد المهندسين الجزائريين ، فيما ترى السلطات أن الوضعية شائكة كون الأمر يتعلق بأحياء آهلة بالسكان تتطلب معاملة خاصة وإمكانيات كبيرة وعمل دقيق ومدروس.

بين خطر الانهيارات و غياب استراتيجية للترميمات
المدينة القديمة بقسنطينة.. الملف المأزق!
بين جدران متهالكة و أسفل أسقف مهترئة توشك على السقوط، لا تزال العديد من العائلات تقطن قسنطينة القديمة، رغم أن هذه المدينة العتيقة المصنفة كموروث ثقافي، شهدت إعادة إسكان آلاف الأسر منها طيلة الأعوام الماضية، لتعلن السلطات المحلية مؤخرا عن غلق ملف الترحيلات منها،
و يبقى مصير مئات البيوت غير معروف، في ظل غياب استراتيجية واضحة لطرق الترميم المناسبة و الجهة التي ستتكفل بها، خاصة أن الأمر يتعلق بنسيج عمراني هش ذي بعد تاريخي، أما الوالي فيرى بأن المدينة تحتاج
 إلى مشروع مركزي يشبه ما تم العمل به  في قصبة العاصمة، و يقترح
 تحويل المكان إلى معلم سياحي يعاد إليه سكانه فيما بعد.
في قسنطينة، التي تعد من أكثر المدن الجزائرية التي شهدت الترحيلات من البيوت القديمة المنجزة في الفترتين الاستعمارية و العثمانية، لا يزال الإشكال مطروحا حول كيفية التعامل مع هذا الموروث الثقافي و التاريخي، الذي أصبح ينهار أمام أعين سكان أعادوا شغل هذه المنازل التي لم تجد طريقها إلى الترميم، و تحوّلت إلى أطلال بفعل عوامل الزمن و المناخ، و كذلك بسبب عمليات تهديم متعمدة و متتالية قامت بها بعض العائلات خلال سنوات الثمانينيات و التسعينيات في أحياء كالقصبة و السويقة و رحبة الصوف و الرصيف و «الطريق الجديدة” و غيرها، و ذلك للحصول على تصنيف «المنكوب» الذي يعد  «تأشيرة» الحصول على سكن اجتماعي جديد.
هذا الأمر انعكس على مشهد المدينة القديمة ككل، فباستثناء ترميمات قليلة لم تشمل سوى الواجهات، ينذر المنظر العام باحتمال سقوط شرفة أو سقف أو جدار أو بناية بأكملها  في أي وقت، ليزداد الأمر خطورة في فصلي الشتاء و الخريف، حيث عرف أكتوبر الماضي مقتل امرأة إثر انهيار مفاجئ وقع على مستوى شارع 20 أوت 55، عوينة الفول العلوي، فيما أظهرت خبرة تقنية أجريت على مستواه بطلب من السكان، أن 24 بناية قديمة تقطنها عشرات العائلات مهددة بالسقوط، و هو أمر لا يختلف كثيرا عن باقي أرجاء المدينة القديمة، و حتى في العديد من البنايات الكولونيالية التي لم يشهد بعضها أية عملية ترميم منذ الاستقلال، فتحولت مع مرور الزمن إلى أشبه بخراب يشكل خطرا على قاطنيه الذين يطالب العديد منهم بالترحيل.
مخططات «فاشلة» و تدخلات غير مدروسة
و قد قامت السلطات المحلية بولاية قسنطينة، شهر فيفري الماضي، بإعادة إسكان 552 عائلة من المدينة القديمة، و أعلنت أن هذه العملية هي الأخيرة و سيتم معها غلق هذا الملف نهائيا، بعد أن تمت طيلة السنوات الماضية إعادة إسكان آلاف الأسر، فبين سنتي 2011 و 2017 فقط، رُحلت قرابة 3300 أسرة موزعة على 26 موقعا، لكن مصير السكنات المهجورة لا يزال غامضا و لم يعلن إلى اليوم و بصفة رسمية، عن برنامج واضح يبين كيف ستتعامل الدولة مستقبلا مع هذا الوضع.
و قد أعِدت العديد من المخططات التي أشرك فيها خبراء أجانب، من أجل ترميم هذا الموروث التاريخي، و من بينها المخطط الدائم للحفاظ على المدينة القديمة الذي صودق عليه في عهد الوالي السابق عبد المالك بوضياف والمعروف بمخطط ماستر ، لكن العمل بها توقف عند مرحلتي الإحصاء و التشخيص، كما لم تتم سوى إعادة تهيئة واجهات بالسويقة السفلى التي انهار جزء كبير منها، مع ما رافق هذه العملية من انتقادات شديدة بسبب ظهور عيوب تقنية بعد فترة قليلة من التسليم، و عدم ملاءمة نمطها العمراني، الذي اتضح أنه يشبه إلى حد بعيد ما هو موجود بغرداية، للنسق العام للمدينة القديمة بقسنطينة و خصوصيتها.
«50 بالمئة من البنايات لم تعد قابلة للترميم»
و سبق للخبيرة المعمارية البروفيسور سامية بن عباس، التي اشتغلت لسنوات على هذا الملف كمهندسة و كمنتخبة، أن أكدت للنصر بأن أكثر من 50 بالمئة من مباني المدينة القديمة صارت غير صالحة للترميم، و أضافت بأن “أخطاء كبيرة” ارتكِبت أثناء معالجة هذا الملف، رغم استحداث ما سمي بـ «خلية المدينة القديمة» التي كانت عضوا فيها، منذ سنة 1988، حيث بينت الخبرة التي أجرتها هذه الهيئة أن 80 بالمئة من كل البنايات التي كانت موجودة في ذلك الوقت إلى غاية بداية التسعينيات، كانت آيلة للسقوط، و هو وضع ازداد خطورة اليوم، و يتطلب برأي المختصين، تحركا مستعجلا و تشخيصا دقيقا و متخصصا قبل الذهاب إلى أي تدخل.
مشاريع عاصمة الثقافة العربية.. حلم لم يكتمل!
و على صعيد آخر، اعتقد الكثير أن عاصمة الثقافة العربية التي احتضنتها قسنطينة سنة 2015، ستأتي بالخير الكثير لهذه المدينة، حيث أعلن مدير الثقافة وقتها، فوغالي جمال الدين، عن تخصيص مبلغ 7.7 مليار دينار موزعة على 74 عملية ترميم و إعادة تأهيل، و قد أسندت هذه العمليات لـ 22 مكتب دراسات ألزمت بالدخول في شراكة مع أجانب، لترميم مساجد و زوايا و شوارع عريقة و حمامات و فنادق و حتى مطابع قديمة و مقاهي، زارت وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي بعضا من ورشاتها و كانت تعد في كل مرة بتسليمها قبل التظاهرة.
بالمقابل، يبدو الواقع بعيدا تماما عن الوعود الكثيرة المقدمة ، فبعدما شرعت مكاتب الدراسات في تدخلات تمهيدية تشمل نزع بعض مواد البناء و اقتلاع الأسقف المتدهورة و استبدالها بأغطية مؤقتة ، توقفت الأشغال بسبب ظهور عقبات إدارية تتعلق بطرق التعاقد و منح الاعتمادات للمكاتب الأجنبية، لتظل ورشات هذا الموروث الحضاري المصنف مفتوحة لأشهر ثم لأعوام ، و تتدهور أكثر فأكثر ، بينما انسحبت مكاتب أجنبية من المشروع، أما المحلية فاشتكت من “عدم جدية” في التعامل مع هذا الملف وقتها و قالت إنها صارت مهددة بالإفلاس.
رئيس بلدية قسنطينة نجيب عراب
الملف يتطلب وقتا و دراسة كبيرة
رئيس بلدية قسنطينة نجيب عراب ، أوضح للنصر أن معالجة ملف المدينة القديمة بدأت مع مديرية الثقافة ، لكن الإشكال المسجل ، حسبه ، هو في العائلات التي لا تزال تشغل السكنات ، مضيفا أن الأمر لا يزال يتطلب «دراسة كبيرة»  ، لأن هناك أشخاصا كثر يطلبون السكن بسبب خطر الانهيار ، و أشار “المير” إلى أنه تم في هذا الإطار هدم منزل في حي القصبة على مستوى الطريق المؤدي إلى المقر القديم للولاية، بعدما تبين أنه يشكل خطرا على قاطنيه.
عراب قال إن لجنة تابعة للديوان الوطني لتسيير و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية، تقوم حاليا بإعداد “دراسة كاملة» بالتنسيق مع هيئة الرقابة التقنية للبناء “سي.تي.سي”، فيما تشرف مديرية الثقافة على العملية، قبل أن يعلق بالقول «لقد طلبنا منهم أن يكون هناك حل في المدينة القديمة.. هذا الملف يلزمه وقت و على كل طرف أن يأتي بالدراسة التي لديه و الحلول التي يقترحها”.
والي قسنطينة عبد السميع سعيدون
المدينة تحتاج لمشروع مركزي و أقترح تحويلها لمعلم سياحي
الوالي عبد السميع سعيدون اقترح من جهته استفادة المدينة القديمة من مشروع ترميم مركزي، مثلما هو عليه الأمر في حي القصبة العتيق بالعاصمة، كما انتقد طريقة الترحيلات التي عولج بها هذا الملف خلال الأعوام الماضية، و صرح للنصر قائلا «لا بد أن يكون للمدينة القديمة برنامج  مركزي  مثلما هو الأمر بالنسبة لقصبة الجزائر العاصمة ، و حقيقة إذا بقينا في طريقة الإسكان هذه ، فإننا لن نخرج بحل لإشكال السكن على مستوى ولاية قسنطينة”.
سعيدون أعطى مثالا عن حي القصبة بقسنطينة، الذي رحل منه السكان لرابع أو خامس مرة ، ما جعل مصالحه تعتمد ، مثلما يردف، إجراءً بمنع شغل المنازل المهددة بالانهيار و تبليغ أصحابها بهذا الأمر عن طريق محضر قضائي، و في هذا الشأن أضاف الوالي “كل مواطن استفاد من السكن الاجتماعي و يشغل السكن القديم بعد تبليغه قرار الإخلاء ، يتحمل كامل مسؤوليته لأن هدم هذه المنازل غير ممكن ، فالأمر يتعلق بمدينة مصنفة ، و المساس بأي سكن بها سوف يمس جميع السكنات الأخرى لأنها متشابكة بين بعضها البعض».
و أكد والي قسنطينة أنه لا بد من «قرار على مستوى عالي» من أجل إعادة الاعتبار للمدينة القديمة، ما قد يسمح بـ «استرجاعها» من طرف الدولة، حتى و إن تطلب الأمر، بحسبه، شراء الأراضي التابعة للخواص و التكفل بترميم البنايات، كما يقترح المسؤول تحويل المكان إلى مدينة سياحية مثلما هو موجود في دول أخرى ، و إعادة أهلها للسكن فيها ، ليختم “هذه مشاكل ليست مطروحة على مستوى ولاية قسنطينة فقط ، بل هي موجودة في العاصمة و تلمسان و وهران و عدة مدن أخرى.. نتمنى أن نتوصل إلى حلول». و سبق لمدير الثقافة بولاية قسنطينة ، زيتوني لعريبي، أن أكد للنصر أن مصالحه تعطي الأولوية حاليا لإتمام ترميمات الزوايا و الدروب و المساجد، في إطار برامج تظاهرة عاصمة الثقافة العربية غير المكتملة، مضيفا بأنه و بعد الانتهاء من هذه الورشات، سوف يشرع في “بضع عمليات” بالمدينة القديمة، قال إنها ستشمل أجزاء مهمة تكفلت بها الدولة، دون أن يقدم توضيحات أكثر.        
ياسمين بوالجدري

أكثـر من 40 سنة لأجل ترميمات تحاصرها الانهيارات
عائلات تعيش تحت الأنقاض بالقصبة
تعيش مئات، الأسر بحي القصبة العتيق بقلب الجزائر العاصمة في خوف دائم من خطر انهيار بيوت  صنف أغلبها في الخانة البرتقالية أو الحمراء، بينما ما تزال مخططات الترميم تتعاقب منذ 1973 دون أن تسجل تقدما ما عدا واجهات قليلة تم تبييضها، فيما يحكم الخراب سيطرته عليها من الداخل و على باقي بيوت تحتضر.
تلك الملامح الحقيقية للمحروسة التي ظلت الحكومات المتعاقبة تتحدث  عن مشاريع ترميم بها  كلفت الملايير لحفظ موروث تاريخي بني على أنقاض الأطلال الرومانية قبل أزيد من 11 قرنا من طرف الأمير بولوغين بن زيري بن مناد الصنهاجي على مساحة 105 هكتارات ، و صنف سنة 1992 كتراث عالمي محفوظ من طرف اليونسكو.
 ما تزال أكثر من 700 بناية من طراز الهندسة المعمارية الأندلسية  المغاربية تحاول الصمود أمام أهوال الطبيعة و الزمن و تخريب البشر، فلم يتبق سوى أطلال بيوت  و أخرى انمحت من الخارطة و بقيت مجرد ذكرى و بقايا 400 بناية و 370 «دويرة» مصنفة في خانة الإخلاء الفوري،  بينما لم يطل الترميم غير القصور و البنايات الرسمية التي حوّل أغلبها إلى إدارات  يجمع المختصون على أن العملية أفقدتها جل خصوصياتها الأصلية .
حياة تقاوم وسط الخراب
فالزائر للقصبة اليوم، يخال نفسه يدخل مدينة مهجورة من السكان، و إن كانت ترقيعات قاطنيها بادية في كل مكان مع تلك الأسلاك الكهربائية الموصلة بطريقة عشوائية من بيت لآخر ، فآثار «الدمار» بادية على المكان ، و بمجرد تجاوز المدخل السفلي المنمق في الواجهة بجامع كتشاوة الذي رممه الأتراك مؤخرا و واجهات بعض البنايات التي طليت و كأنها خضعت لعملية تجميل خارجي أكثر من الداخل، تصدمك تلك المشاهد المرعبة لبنايات هشة ، مائلة ، منهارة تحاول الصمود و الاتكاء على بعضها، فتكاد تطبق على أنفاسك و أنت تحاول التنقل بين تلك الممرات و الأزقة الضيقة من شدة الميلان و انتشار الدعائم الخشبية أو الحديدية، التي غرسها المرممون  في البيوت التي يرغبون في حمايتها .
النصر وقفت على وضعية بعض البنايات، فدخلت العمارة رقم 5 بحي علي تامقليت قرب العمارة التي انهارت قبل أسابيع  و أودت بحياة 5 أفراد من قاطنيها، وضع كارثي بأتم معنى الكلمة، لم نتمكن حتى من تجاوز الدرج الذي غطاه الركام، حاولنا المرور إلى الطابق الأول و نحن نغطي رؤوسنا خوفا من سقوط بقايا الحديد و الأسقف المنهارة ، قبل أن ندخل بناية   تقطنها 10 عائلات  ، معاناة حقيقية، أسقف منهارة، أرضيات مخربة، جدران أرهقتها تشققات ،  وضع سكان دعائم  لصد الانهيارات التي يبدو و كأنها شنت حربا على المكان معلنة تمردا لا رجعة فيه.
استقبلتنا السيدة سلام حورية في بيتها الضيق الذي يئن في صمت كباقي بيوت المحروسة، لم نتمكن من تجاوز السلالم الضيقة، و لم نستطع حتى الوقوف باعتدال بسبب سقف لا يتجاوز ارتفاعه 160 مترا، تقول السيدة حورية بأنه ينخفض باستمرار ، فهي تسكن البيت مع عائلتها منذ الاستقلال، و بأن جدتها التي توفيت قبل 39 سنة ماتت و هي تحلم بالرحيل إلى مسكن لائق، بينما تعيش حياة مزرية مع باقي أفراد عائلتها ، حالها حال باقي الجيران الذين يعيشون الرعب فيما يشبه الجحور، و هم يترقبون الانهيار في أية لحظة ، خاصة و أن الأسقف تصدعت بشكل كبير ، إذ بات بلاط الطابق العلوي يظهر من الطابق الأسفل، و هو ما جعل الأسر تعلن" الحظر" على المناطق التي و إن وقف عليها و لو طفل صغير يسقط معها، وقال سكان بأن بيوتهم لم يطلها الترميم بالرغم من قربها من المدخل الرئيسي بالجهة السفلى، كما لم تمسهم أية عملية ترحيل .
و حدثنا أهالي القصبة عن وضعيات كارثية لبنايات تقطنها عائلات رغم انهيار أجزاء منها، مع تزايد معدل التشققات و انزلاق التربة الذي يبث الرعب في أوساط السكان باستمرار خاصة بعد تساقط المطر، و وقفنا على أخرى انهار أغلب أجزائها و استقر قاطنوها بالمدخل الرئيسي أين ينامون بين جدران متداعية و سقف عوض فيه البلاستيك الإسمنت و الحديد، بينما تعاني باقي الأسر من مشكل ضيق البيوت التي لم تعد تتسع لكل أفراد العائلة، أين ينام 9 أو 10 أفراد بغرفة واحدة لا تصلح حتى لتكون مطبخا صغيرا، بينما يتقاسم الكثير من الجيران الحمامات و المراحيض، علما أن الحي يسجل تأخرا في سن الزواج بالنسبة للشباب مثلما حدثنا السيد سلام الذي تجاوز الـ40 عاما و لم يكمل نصف دينه لعدم وجود مسكن، فإن من تزوجوا قد سكنوا الأسطح، داخل أكواخ غير لائقة تزيد من التأثير السلبي على البنايات المتداعية التي يعيش فيها الجميع على وقع الخوف و الرعب مع تساقط أولى قطرات المطر، بينما أصبح هاجسهم الوحيد الرحيل خاصة بعد حادثة مالجي المأساوية.
ترميم القصبة.. مسلسل بلا نهاية و مسؤولون يرفضون التصريح

برمجت الكثير من المشاريع «العملاقة» و المخططات لترميم القصبة،  يعد آخرها ذلك المشروع الذي أثار جدلا واسعا وسط سكان القصبة و العاصمة بأكملها، عبر منح صفقة ترميم  للفرنسيين سنة 2018، أبرمت بين مصالح محافظة الجزائر العاصمة و إقليم إيل دوفرانس و ورشات المهندس المعماري جون نوفال، و الذي تقول السلطات بأنه يهدف إلى إعادة إحياء هذا التراث الثقافي بشكل يسمح للقصبة باستعادة أصالتها و مكانتها ، غير أن واقع الترميم بالمحروسة و الذي كان قد انطلق شهر فيفري من عام 1973، قد كلف بحسب ما كشف عنه وزير الثقافة الأسبق عز الدين ميهوبي 800 مليون أورو إلى غاية عام 2013، بينما نقل ملف الترميم من وزارة الثقافة إلى محافظة الجزائر العاصمة من أجل إحياء العملية التي يقول المسؤولون بأنها استهلكت 24 مليون دولار من أصل 90 مليون دولار خصص لذلك إضافة إلى ميزانيات منحت خلال السنوات السابقة، غير أن عملياتها باءت بحسب الخبراء بالفشل. و يرى  مهتمون بتراث القصبة من سكانها و  نشطاء بأن أغلب إن لم نقل كل عمليات الترميم التي شهدها المكان ، لم تنجح في إعادة القصور و البيوت إلى سابق عهدها ، معتبرين بأن ذلك قد ساهم في طمس روحها التراثية و كان السبب في سحب الملف من وزارة الثقافة و نقله إلى ولاية الجزائر، بينما اعتبروا تأخر المخطط الاستعجالي سبب الانهيارات التي أتت على جزء واسع من دويرات و بيوت الحي العتيق، فضلا عن غياب مخطط تأهيلي واضح لحفظ هوية القصبة و منح أشغال الترميم لحرفيين و بنائين غير مؤهلين .
و بعد جولة استطلاعية لنا بين بنايات القصبة المريضة، و استلامنا لصور ملفات بعض السكان المودعة لدى الجهات المعنية من أجل طلب التدخل للترميم أو الترحيل، حاولنا الإتصال بالبعض من هذه الإدارات، غير أن ذلك تعذر علينا، أين كان البعض يعطينا مواعيد لم يتم الإلتزام بها مثلما حدث مع دار القاضي و التي لم نتمكن من التواصل مع مسؤولها المباشر، بينما رفض مسؤولون آخرون الإدلاء بتصريحات أو إعطاء أي توضيحات مثلما قال لنا مدير الوكالة الوطنية لتسيير و إنجاز المشاريع الثقافية الكبرى، و قام بتوجيهنا إلى ولاية الجزائر التي تعذر علينا التواصل مع مسؤوليها.
النصر تقف على كارثة عائلة مالجي

بعد أسابيع على كارثة مقتل 5 أفراد من عائلة مالجي بأحد بيوت القصبة السفلى مقابل مسجد كتشاوة، عدنا إلى المكان ، فلم نجد سوى جدار خارجي لعمارة مكونة من 4 طوابق ، انهارت بأكملها ، و لم يتبق منها إلا مدخل رئيسي و نوافذ سدها الركام و بعض أثاث البيوت تحت الأنقاض ،  في مشهد حزين يلخص معاناة أزيد من 50 ألف عائلة تقطن القصبة و يرسم نهاية مأساوية لأسرتين ، شقيقين و أطفالهما ، و نحن نلتقط بعض الصور لمخلفات الحادثة و إن لم نجد ضحايا أحياء  يروون لنا الوقائع، تجمع حولنا السكان يتكلمون بحرقة و تأثر و حزن كبير بدا مسيطرا على مكان كان بالأمس القريب ينبض بالحياة مع أفراد عائلتي الشقيقين مالجي بعد أن غيبهما الموت ردما تحت ركام عمارة أكد الجيران بأنهم من سكانها الأصليين.
   وبحسب شهادة بعض الجيران ، كان أحد  الضحيتين يسكن داخل كوخ على سطح العمارة، أما الآخر ، فيسكن بالطابق الرابع ، و فيما هم نيام في صبيحة يوم الإثنين الـ22 من أفريل، و في حدود السادسة صباحا ، و بعد تساقط أمطار في الليلة السابقة ، أثر ذلك على البناية التي لم تتحمل أكثر مما تحملته طوال عقود طويلة من الزمن ، لتنهار متسببة في وفاة رب أسرة و ابنه، بينما كانت زوجته و طفلاه الآخران في بيت والديها ، أما الثاني ، فقد لقي حتفه مع زوجته و طفله ذو الـ3 أشهر، قصة مأساوية رواها لنا أهالي العاصمة و هم يؤكدون بأن الشقيقين طلبا الترحيل في الأيام الأخيرة بإلحاح من السلطات ، غير أن ذلك لم يتحقق بالرغم من أن البناية كانت مصنفة في الخانة البرتقالية .
و قد عبر بعض المواطنين عن أسفهم الشديد للحادثة، و أكدوا بأنهم يسعون عبر الصور لكشف الحقيقة و إن كانت انتشرت على نطاق واسع و عبر مختلف وسائل الإعلام، بينما استغلها بعض النشطاء من أبناء القصبة لمعاودة إحياء حركة الاحتجاجات و المطالب بالتعجيل في الترحيل من البيوت التي أكدوا بأن 90 بالمائة منها مهدد بالانهيار، كما أشار السكان إلى أنهم يعيشون جحيما كبيرا خاصة بعد هذه الحادثة، خوفا من تكرار السيناريو و ذهاب أرواح أخرى في ظل ما اعتبروه صمت للسلطات المعنية.
و في انتظار إنهاء "مشروع القرن"، يتواصل أنين القصبة، و تستمر صرخات سكانها في التعالي، طلبا للنجدة من براثين الانهيارات ، و دعوة لانتشالهم من "بنايات الموت" التي يبدو و أن أمد الحياة فيها بات قصيرا و هي تنهار تباعا و تحصد أرواح قاطنيها، وقد تم مؤخرا ترحيل 300 عائلة تقطن المنطقة الخطيرة جدا ، في إجراء استعجالي أمرت به الحكومة.
إ.زياري

رئيس المجلس العربي الأعلى للمعمار جمال شرفي في حوار للنصر
مكاتب وهمية استفادت من صفقات ترميم ضخمة
ينتقد رئيس المجلس العربي الأعلى للمعمار و العمران و تطوير المدن جمال شرفي، بشدة الترميمات التي شهدتها البنايات القديمة في الجزائر، و يرى بأنها لم تكن سوى عمليات تجميل خارجية و سطحية، لتكون النتيجة انهيارات كان آخرها حادثة القصبة، و يؤكد الرئيس السابق للهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين الجزائريين، بأنها نتيجة طبيعية لصفقات أبرمت في الغرف المظلمة مع مؤسسات غير مؤهلة لـ “هدر المال العام”، دون إشراك الكفاءات المحلية، كما يكشف الخبير في تطوير المدن، عن تجاوزات خطيرة عرفتها هذه المشاريع، و يتطرق إلى ملفات أخرى تطالعونها في هذا الحوار الذي خص به النصر.
حاورته: ياسمين بوالجدري
rأعاد انهيار القصبة الذي أودى بحياة 5 أشخاص مؤخرا، إثارة الجدل حول إشكالية ترميم المدن القديمة بالجزائر، و قد رأينا قبل ذلك حوادث مماثلة في سكيكدة و عنابة و قسنطينة و غيرها من المدن التي تضم المئات من البنايات الكولونيالية و العثمانية المتهالكة، ما هي قراءتك لما يحصل؟
أولا، البنايات القديمة لها قسمان، القسم الأول يضم البنايات المصنفة تراثا وطنيا أو عالميا مثل قصبة العاصمة، حيث تسير وفق قانون حماية التراث و تخضع عادة لوزارة الثقافة، و بذلك أصبح التراث الجزائري بمختلف حقبه و حضاراته حبيسا للقانون 98/ 04 المتعلق بحماية التراث الثقافي، و الذي كان سببا في مآسي التراث، فقد استعمل لتصحير القطاع.
الجزائر تعاقدت مع أجانب لا يملكون يوما من الخبرة
rكيف ذلك؟
لقد فرضت وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي من خلال هذا القانون سياسات عقيمة تحولت إلى مصدر لهدر المال العام، حيث جاءت في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، فوجدت القانون المتعلق بالتراث و أصدرت له مراسيم تنفيذية لتمويل قطاع الثقافة في شقه المتعلق بالتراث المعماري و ذلك بإشراك من سمّتهم حينها خبراء معتمدين، فأخذت بذلك كل قطاع التراث رهينة، و هو الذي يلزمه آلاف المعماريين و التقنيين، حيث جعلته طيلة 12 سنة حبيس ثلة قليلة من الخبراء الذين اعتمدتهم هي.
في تلك الفترة كان من لا يمر على خليدة تومي، غير معتمد في التراث، و هو أمر كان في باطنه تهريب أموال مع الأجانب، بوضع دفاتر شروط حيكت على مقاس معين، كما أتت بمقاولات لم تقدم للتراث المصنف شيئا، بل أنها أهدرت المال العام دون حسيب و لا رقيب، و أسوأ مثال على ذلك القصبة التي كانت مأساة الجزائر، هناك أيضا تظاهرتا تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية و قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، و التي كانت أسوأ الأمثلة لتبديد المال العام.
rما هي مآخذك على مشاريع الترميم التي أتت بها هذه التظاهرات؟
لقد استقدمت خليدة تومي خلالها أناسا غير متخصصين في التراث و مهندسين لم يشتغلوا يوما حتى على مشروع ترميم مرحاض عمومي ، و الأدهى و الأمرّ هو التحايل على القانون بمنح صفقات الترميم بالتراضي البسيط بالتواطؤ مع مجلس الحكومة آنذاك، و أعطيك هنا مثالا عن قسنطينة التي شهدت مشاريع في إطار تظاهرة الثقافة العربية ، فالمخالصات المالية فقط في مجال التسوية، تعدت 300 مليون دولار تحصلت عليها مكاتب دراسات أجنبية و مكاتب جزائرية دخلت معها في شراكات، و قد حدث ذلك بصفة سرية للغاية و تم تمرير صفقات بهذا الخصوص على مجلس الحكومة وقتها.
rبالحديث عن قسنطينة، إلى أي مدى كانت المشاريع التي أجريت بها بمناسبة التظاهرة العربية المنظمة سنة 2015، مستوفية للمعايير؟
أعطيك مثالا بسيطا عن عملية ترميم شارع العربي بن مهيدي «شارع فرنسا»، أين تم ترميم الطريق و تأهيل الواجهات فقط، فهل يعقل أن قيمة عملية المخالصة وصلت إلى 19 مليون دولار مع المكتب الأجنبي؟ و هو أمر تم تمريره على مجلس الوزراء.
هل يعقل أيضا أن قيمة الدراسة ، التي أرى أنها لم تكن دراسة أصلا لأن الرصيف و الطريق موجدان في الأصل ، تتعدى مبلغ الإنجاز ، إذ يفترض أن تمثل 3 إلى 4 بالمئة منه فقط، ما حدث أراه فضيحة.
صفقات ترميم سرية بقيمة 300 مليون دولار أبرمت بقسنطينة
rاستقلت من رئاسة الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين بعد رفضك إمضاء اعتمادات خاصة بمكاتب الدراسات، التي أسندت لها ترميمات المواقع المصنفة بالمدينة القديمة بقسنطينة في إطار التظاهرة العربية، و بررت ذلك بعدم قانونية هذه الاعتمادات ، ما تعليقك على هذا الملف؟
لقد أرادوا حينها أن يفرضوا علي اعتمادات للتسوية فقلت أن هذا سرقة ممنهجة. لقد حدث تبديد و تضخيم للفواتير و تمت حتى عمليات مخالصة لمكاتب دراسات وهمية و أخرى غير مؤهلة، كما أبرمت أيضا صفقات مع مهندسين أجانب لا يملكون يوما واحدا من الخبرة، و ذلك مع الأسف ، بالتواطؤ مع مكاتب دراسات محلية.
عندما عارضت كل هذا تعرضت لهجوم قاس و اتهِمت بمحاولة تعطيل المشاريع، و بعد رفضي  إمضاء الاعتمادات، قدموا الملف للوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال، لتتم المخالصة المالية دون الأخذ بعين الاعتبار شرط الاعتماد. لقد وقع نهب للخزينة العمومية، و ما حدث في تلمسان أفضع من ذلك، فقد تمت أيضا مخالصة مكاتب دراسات وهمية.
rماذا عن الشق المتعلق بالتراث غير المصنف، خاصة البنايات الكولونيالية التي تشكل خطرا على ساكنيها رغم أن العديد منها خضعت للترميم؟
العمارة الاستعمارية في التراث غير المصنف لا تخضع لقانون التراث أو أية قوانين، و في كل المدن الكبيرة على غرار العاصمة و وهران و قسنطينة انطلقت عمليات كبيرة جدا أيام الرخاء، بتهيئة واجهات الطرق الكبيرة و الشوارع الضخمة.
تظاهرتا قسنطينة و تلمسان كانتا أسوا مثال لهدر المال العام
و في العاصمة على سبيل المثال رصدت لهذه العمليات مبالغ خيالية، حيث ظل الوالي السابق عبد القادر زوخ يوهمنا بأنه سيتم إشراك مكاتب جزائرية في الدراسة لتمتعها بالخبرة و لوجود مهندسين متخرجين من تخصص الترميم في الجامعات الجزائرية، لكن حدث كفر بالإمكانيات الجزائرية، فقد جاء الولاة و المسؤولون بمكاتب أجنبية ، في حين أن 24 جامعة جزائرية تخرج سنويا مهندسين.
عمليات الترميم التي تمت عبر الوطن بالنسبة للتراث الاستعماري،  رصدت لها ولاية الجزائر مثلا، آلاف الملايير بعدما جاءت بمؤسسات غير مؤهلة و غير متخصصة كانت في معظمها أجنبية أو محلية دخلت في شراكات مع الأجانب ، و ذلك دائما من أجل تحويل العملة الصعبة بمبالغ كبيرة جدا.
rهناك من يقول إن هذه الترميمات لم تكن عميقة و ناجعة و ركزت على الواجهات فقط، ما رأيك؟
بالفعل، فتلك الشركات التي لا تتوفر على الإمكانات البشرية و المادية، قامت بتحويل أموال كبيرة و بإجراء عمليات «ماكياج” و «بريكولاج” خارجي. لم تكن هناك معاينة «صحية» للمباني أو معالجة تقنية للمشاكل التي تعانيها، لأن العمارة الاستعمارية لم يعتن بها منذ الاستقلال تقريبا على مدار حوالي 60 سنة، و قد تعرضت إلى عوامل مناخية أدت بها إلى الاهتراء سيما في أجزائها الداخلية، و بالأخص السلالم و كل ما يتعلق بالأسقف، لأن نظام البناء كان مختلفا جدا عن المعتمد حاليا.
«اللوبي» الفرنسي يريد هدم ما تبقى من القصبة
تلك البنايات التي انهارت في أجزائها تحولت إلى خطر كبير جدا يهدد حياة المواطنين، و للأسف عمليات الترميم تمت بطريقة عشوائية جدا، فالأمر يشبه وضع ماكياج لعجوز، دون عملية لتشبيبها من الداخل و معالجة مشاكلها التقنية الحقيقية. نأمل أن نعود إلى ثقافة الدفتر الصحي، ففي الحقبة الاستعمارية كانت لكل بناية «دفترها الصحي»، الذي تسجل فيه كل عملية صيانة دورية، لنستطيع خلال أي عملية تدخل بعدية، قراءة تاريخ أشغال الصيانة التي خضعت لها العمارة.
rبالعودة إلى انهيار القصبة، ما مدى جدوى الترميمات التي شهدها الحي؟
جل الصفقات المتعلقة بترميم البنايات القديمة، غير المصنفة و الاستعمارية، كانت عبارة عن منفذ لتهريب الأموال و السرقة الموصوفة، و الدليل على ذلك أنه حتى البناية التي سقطت في القصبة السفلى عرفت عمليات ترميم لكن كانت مجرد تزيين للواجهة الرئيسية ، حيث كان السكان يعانون من تسرب مياه الأمطار و الصرف الصحي و التشققات و اهتراء السلالم ، و من انتشار الجرذان و مشاكل كبيرة جدا ، و في كل مرة يتصلون فيها بالولاية، لا يأتي أحد ، و يرمى بهم إلى فروع ديوان الترقية و التسيير العقاري.
لم تكن هناك جدية في معالجة هذا الملف، و كان الاعتناء فقط بالعمارات التي تقع في الشوارع الرئيسية التي يمر عليها المسؤولون، دون أن يعتنى بها داخليا، و كذلك الأمر بالنسبة للأحياء الداخلية.
rكنت من أشد المنتقدين لتعاقد ولاية الجزائر مع الفرنسيين لإعادة ترميم القصبة، فهل لا تتوفر الجزائر على خبراء متخصصين قادرين على القيام بهذا الأمر؟
أحمل الوالي السابق للعاصمة عبد القادر زوخ و أمثاله من ولاة الجمهورية و الكثير من الوزراء، هذا التبديد في المال العام بالاشتراك مع مرتزقة أجانب وأدوا حلم آلاف المهندسين المعماريين الجزائريين المتخصصين، الذين دفعوهم دفعا إلى غلق مكاتبهم، رغم تخصصهم في الترميم بالجامعات. لقد أصبح الأجنبي الذي ليس لديه خبرة يأتي و يأخذ كل الصفقات بالعملة الصعبة أما الجزائري فيعمل كـ «خماس” لديه و قد لا يجد له مكانا أصلا.
تخصيص 19 مليون دولار لدراسة «شارع فرنسا” فضيحة
بالنسبة للقصبة أعود إلى ما أسميه «صفقة العار»، التي أبرمت مع فرنسا رغم أن المهندس المعماري “جان نوفيل” له صيت عالمي في مجال العمارة الحديثة، لكن ليس في مجال الترميم، حيث تم تغيير المفاهيم و المصطلحات، من إعادة ترميم القصبة إلى إعادة بعث الروح و الحياة.
كيف تأتي فاليري بيكريس رئيسة إقليم إيل دو فرانس، لحماية تراثنا، بينما بلادها في أمس الحاجة لحماية تراثها الذي منه ما هو مهمل.. «اللوبي» الفرنسي يقول إن فرنسا أتت للمحافظة على تراثها لكنها أتت في الحقيقة لتهدم ما تبقى للقصبة.
rلكن ولاية الجزائر قالت إن فرنسا ستتكفل بالشق المادي في عمل “جان نوفال”؟
قيل لنا بأن فاليري بيكريس هي من ستقوم بالمخالصة المالية لهذا المهندس المعماري في الشق المتعلق بالقصبة، لكن لم يعطوا معلومات حول الشطر الثاني المتعلق بإعادة بعث الحياة في جل العاصمة الجزائرية و بواجهتها البحرية و في التراث الحقبة الاستعمارية، كل تلك كانت عبارة عن صفقات كان سيتم مخالصتها من طرف ولاية الجزائر في عهد الوالي السابق.
أما العديد من الأساتذة الذين تم التعاقد مع جامعاتهم، فقد حولوا الصفقات إلى حساباتهم الخاصة، و هذا أمر خطير جدا، و ذلك بخلق شراكات مع مكاتب دراسات أجنبية و تحويل أموالها إلى الخارج، سواء في أسبانيا أو البرتغال، كما استغلوا مجهود الطلبة.
rكيف ترى مستقبل النسيج العمراني القديم بالجزائر و ما الحلول التي تقترحها باعتبارك خبيرا في المجال؟
في الحقيقة، كل هذه الممارسات تجعلني أشكك في ما تم ترميمه و لا أستبعد أن ينهار قريبا بسبب الظروف المناخية كتساقط الأمطار أو الرياح، و ليس علينا أن ننسى أن الجزائر و منها العاصمة، بلد زلزالي متوسط النشاط، و قد شاهدنا في زلزال بولوغين في أوت 2014 كيف انهارت الكثير من العمارات و تشققت رغم أن منها ما كانت محل ترميم. للأسف الشديد الخطر قادم، ما يستدعي الانفتاح في سياسات شفافية تامة بإشراك الكفاءات الجزائرية، بعيدا عن «صفقات الغرف المظلمة».
قانون التراث استعمل لتصحير القطاع
rالبعض يقترح الاقتداء بالتجربتين التونسية و المغربية، بهدم البنايات المتهالكة و تعويضها بأخرى جديدة لكن تشبهها في النمط المعماري، هل هذا الأمر قابل للتطبيق في الجزائر؟
فيما يخص البنايات القديمة المتهالكة و التي تم تصنيفها من طرف الوكالة الوطنية لمراقبة البناء «سي.تي.سي” في الخانة الحمراء، أي التي يستحيل ترميمها، أنا مع فكرة هدمها بطبيعة الحال، لبناء عمارات تحافظ على التكامل و الاندماج في أحيائنا. أنا مع هدمها أيضا لبناء مشاريع ذات قيمة معمارية إضافية إذا كانت في الشوارع الرئيسية أو في مناطق ذات قيمة عمرانية عالية. العمارة ليست علما دقيقا، فهي تتم حسب الحاجة، لذلك يجب ترك المجال للبحث و التنافس للمهندسين المعماريين و خصوصا الشباب، و لما لا تنظيم مسابقات لفائدتهم على مستوى الأحياء و الشوارع و المناطق الحساسة لنترك لجان التحكيم مفتوحة خارج دفاتر الشروط العقيمة و الإدارية المعقدة. هكذا نستطيع تحقيق قيم إضافية بالنسبة إلى الإطار المبني و الموروث العمراني الجزائري.                                                       ي.ب

 

الرجوع إلى الأعلى