هل تتشابه أيّام الصيف في داخل الوطن وخارجه، أم تختلف تفاصيل الموسم هنا، مع تلك التي يعيشها المغتربون في بقاع العالم، كيف يقضي الجزائري المُغترب صيفه في البلاد البعيدة المترامية الأطراف، وكيف هي يومياته وأوقاته ولياليه؟. حول هذا الشأن الصيفيّ، يتحدث بعض الكُتاب والإعلاميين الجزائريين المقيمين في الخارج، في هذه المساحة التي خصصتها النصر لأبناء الوطن البعيدين عنه، يتشاركون فيها مع القُراء بعض تفاصيل يومياتهم وحياتهم الصيفيّة.

rالكاتب والإعلامي خليل بن الدين:  للقراءة في الصيف طعم الفاكهة


أمّا الكاتب والإعلامي خليل بن الدين، المقيم في الدوحة، فيرى أنّ الصيف في غربته لا يختلف في حرارته عن حرارة كلّ دول الخليج وهذا ما جاء في قوله : « لا يختلف صيف الدوحة عن أجواء صيف الخليج، حرارته تقطع الأنفاس، لولا التكنولوجيا التي صنعت لهذا المناخ القاسي تبريدا يُلطف أجواء الأسواق والتجمعات وحتى الملاعب». مُضيفًا: «يتساءل المرء عن عيش قدماء الخليج؟ فيجد في التراث جوابًا عنوانه الصبر والقناعة، فمظاهر البذخ التي نراها اليوم وليدة طفرة نفطية جذورها ليست ببعيدة، وما كان لها أن تكون لولا نعمة باطن الأرض التي جادت بمحروقات تحتاجها البشرية لتشغيل تنميتها في كلّ المجالات. قد أردّد مع عبد الرحمن منيف القول إنّ الخليج هِبة النفط، وهو ما دفعني لإعادة قراءة رواياته مُدن الملح وأخاديدها».
الإعلامي، سرد لنا بعض تفاصيل يومياته، قائلا :»يمتد يومي في دوحة الخليج طويلا طويلا،  فالفجر يطلُ باكرا على الثالثة، تتوزعُ ساعاته البطيئة بين دوام عمل، تتزاحمُ مسؤولياته بتزاحم الأحداث في العالم، فالأخبار لا تنتظر والشاشة التي أعمل فيها، لا يعرف التثاؤب إليها طريقًا، والخطأ مهما تناهى في الصغر، خطيئة لا يُكفَر عنها إلاّ بمزيد من المثابرة في العمل، تعتصرك اللحظة، وقد لا تترك لك مجالاً حتى لإجابة نداء الطبيعة، ليتحوّل يومي إلى نشرات و عواجل، يتصدع الرأس منها ولا تتركني إلاّ وأنا في مهب الريح القائض».
أمّا بقية اليوم فتتغير بعض تفاصيله، إذ يقول عن هذا الحيز الوقتي: « للمساء نكهة خاصّة تحت سماء الخليج  فالحياة في هذه الربوع لا تتوقف، والحركة دائبة في كلّ الاتجاهات الأسواق عامرة، والنوادي الرياضية مُفعمة بالنشاط، والمقاهي تُقلب الليل بالنهار، بشكل غير مُنتظم أجاهد نفسي لأخرجها من كسلها الرياضي والثقافي أيضا، فلعلني من رواد نادي الكسل قبل نادي (الدانة الرياضي) الّذي أنتسب إليه في كورنيش الدوحة. أقاسم الكاتب الجزائري عبد العزيز بوباكير، قوله بوجوب أن يكون الحق في الكسل بُندًا من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان».
يواصل حديثه هنا: « ليس الكسل وحده ما يقودني من حيث لا أحتسب إلى متابعة بعض مباريات كرة القدم في كأس إفريقيا وكأس أمريكا فلعلها المُتعة الوحيدة التي أصبحتْ مُتاحة للشعوب العربية، فحين تعيش رُكام خيبات الشعوب من حُكامها، لا تتوفر لك إلاّ الكُرة مُتعة ولو بثمن».
ورغم بعض الكسل الصيفيّ الّذي اعترف به، يُؤكد أنّ للقراءة حيزها الغالب في الصيف وطعمها المُختلف، وهذا ما ذهب إليه في قوله « للقراءة في الصيف طعم الفاكهة، أميلُ فيها لقراءة الشِّعر والروايات، وأبتعد ما استطعتُ عن قراءة الدراسات والبحوث الدسمة، بين يدي الأعمال الشّعرية الكاملة لفاروق جويدة، و رواية إبراهيم نصر الله الفائزة بجائزة البوكر للرواية العربية (حرب الكلب الثانية) ورواية أخرى جديدة بعنوان (دفاتر الطين والدم) للصديق الروائي المصري عبد الحليم غزالي، أمّا في المنوعات التاريخية فأقرأ كِتاب باتريس ديهامل وجاك سانتا ماريا (الإليزيه.. تاريخ حكايات وألغاز). وفي قائمة الانتظار سلسلة طويلة من الكُتب قد يتيحُ لي وقتي قراءتها يومًا ما».
محدثنا، اختتم تفاصيله الصيفيّة قائلا «قبل الانصراف أشير إلى هدية منحها لنا الصيف في أوّله، حيث كرمت الجالية الجزائرية في قطر المؤرخ البروفيسور ناصر الدين سعيدوني، بعد أن أمضى تسعة أشهر باحثًا زائرا في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، عمل خلالها على تأليف كِتاب حول المسألة الثقافية في الجزائر، وقد حضر التكريم ثلة من أبناء الجالية من أساتذة جامعيين، وإعلاميين ومهندسين وأطباء، وإطارات في قطاعات مختلفة. قال حينها الدكتور سعيدوني، (لم نكن نلتقي في الجزائر إلاّ للتأبين، وها نحن نجتمع للتكريم)، سنة حميدة لعلها من بركات  الحراك، الّذي يرى فيه البروفيسور، شمسا جديدة تبزغ في سماء الجزائر».

rجنات بومنجل:  زيارة الأهل في فصل الصيف هو كلّ ما يشغل المغتربين


تقول الكاتبة جنات بومنجل، المقيمة في أبو ظبي: «عادة الصيف بالنسبة لي مساحة سفر إلى الوطن أو إلى مصر بحكم أنّ زوجي من هناك ولابدّ من زيارة إلى الأهل، إلاّ إذا كانت هنالك بعض الظروف التي قد تحول دون مسألة السفر وتتعلق غالبًا بالعمل فيصبح من الضروري إعداد برنامج للصيف يتماشى وإجازة الأطفال المدرسية، ومواعيد العمل وحالة الجو، فالمناخ في منطقة الخليج صيفًا، حار جدا، لذلك لابدّ أن يكون للبحر والسباحة مساحة مُهمة، فالأطفال يفضلون ذلك، لأنّ التواجد بالحدائق أو الساحات العامة صعب في ظل هذا المناخ، وبالتالي فإنّ البديل الأقرب، هو الذهاب إلى الألعاب المائية أو المسابح أو البحر. السينما أيضا تستقطب الأُسر في الصيف خاصة بوجود أحدث الأفلام المُخصصة للأطفال مثل أفلام دزني أو بعض الأفلام العربية وأفلام هوليود».
مضيفة: «الجو هُنا يُحتم علينا التواجد في الأماكن المُكيفة إذا قررنا الخروج من المنزل وهو ما يصبح ملاذا للأُسر في التجمعات التجارية التي تُخصص عروضًا للتسوق والمهرجانات الغنائية ومهرجانات الأطفال والملاهي والألعاب».
 مؤكدة في الأخير، أنّ الصيف هو محاولة إيجاد بديل عن السفر إذا تعذر أمره، وإلاّ فإنّ زيارة الأهل في هي كلّ ما يشغل المغتربين، وهو أمر يتم التحضير له طيلة أيّام السنة وينتظره كلّ البعيدين عن الأهل والوطن بشوق كبير.

rالصحفي أبو طالب شبوب: الصيف والغربة.. غربتان


أمّا الصحفي أبو طالب شبوب، المقيم في الدوحة، فيقول: «لا يبدو الصيف في البلد سوى أنّه في الكثير من الأوقات مُرادفٌ للراحة والاستجمام، لكن في الغربة يبدو الأمر لصيقًا بِمَا تفرضه طبيعة عمل كلّ مُغترب. فبحكم عملي الصحفي فإنّ فصل الصيف لا يعني لي سوى المزيد من العمل، هذا في المقام الأوّل، ويعني في المقام الثاني، أنّ السنة الدراسية للأطفال قد انتهت وعليه فمن حقهم الذهاب إلى بيت جدهم في الوطن لقضاء عطلة سعيدة مع الأهل، وهكذا فحين يقترب الصيف الّذي هو عادة فرصة للقاء الأهل والتمتع بأيّام طيبة معهم، فإنّ الحال عندي مقلوبٌ بعض الشيء إذ أقضيه في عملٍ مُتصل وثقيل بعيدا عن أطفالي وأهلي وتلك مشكلة حقيقية».
يواصل : « ربّما كان صيفي الحقيقي هو أيّام الإجازات الدراسية للأطفال خلال السنة وليس في نهايتها، حيث يُتاح لي البقاء معهم أو اصطحابهم في بعض الجولات السياحية إن كان في الجيب ما يفي بالغرض، عدا ذلك، فإنّ الصيف مرادفٌ لمزيد من العمل ومزيد من الابتعاد العائلي الناجم أساسًا عن ضغط العمل من جهة وعن الرغبة في عدم قطع صلة الأطفال بوطنهم من جهة ثانية  لكن الأمر لا يخلو من الإيجابيات، فالعيش في بلد مُتعدّد الهويات الثقافية قد يجعل الوالدين يخافان على الأبناء من تشوّه هوياتي مُحتمل، لذا فقضاء الأطفال للصيف في بلدهم يبقيهم على قيد جزائريتهم لسانًا وسلوكًا ويتيح لهم التواصل الفعّال مع الأسرة الكبرى وقد يسمح بإرسالهم للمسجد لحفظ القرآن، لمن كان عمره مُناسبًا، وتلك فائدة عظيمة بالنسبة لأية أسرة مغتربة».

rالباحث و الكاتب محمّد حسين طلبي:  يوميات المُغترب لا تخلو من محاولات الاقتراب من أي جديد عن الوطن


يقول الكاتب والباحث محمّد حسين طلبي، المقيم في دبي،   «المغترب بشكلٍ عام في الخليج العربيّ يصعب عليه قضاء العطلة فيه، نظرا لجملة الظروف المعروفة، ولكن إذا اضطرته ظروف العمل كحالتي مثلا فهو مجبرٌ على التأقلم مع متطلبات الحالة».
يواصل في ذات الموضوع : « لا شك في أنّ يوميات أي جزائري وبالأخص المُغترب لا تخلو من محاولات الاقتراب من أي جديد عن الوطن الّذي يعيشُ حالة استثنائية من مزيج النشوة والخوف وربّما بعض الإحباط أحيانًا المرافقين لهذا الحَراك، فتكون بداية كلّ صباح مع تصفح ما أمكن من يوميات وطنية للاطمئنان ومن ثمّ إلقاء نظرة مُوازية على ما تجود به مواقع التواصل الاجتماعي والتعليق على بعض الآراء الجادة منها».
المتحدث، اضاف في ذات السياق: «في الحقيقة أقول، إنّه قليلا ما تمنحني المهنة والتزاماتها ما يُتيح لي التمتع برفاهية الوقت ومُتعة الهواية إن كانت أدبًا أو فكرا.. وعلى اعتبار أنّني أشتغل منذ أشهر على إتمام بحثٍ هام يتعلق بما يُسمى هندسيًا (مُدن المُستقبل) فإنّي أحاول يوميًا التحايل وتوفير بعض الوقت للعودة إليه ومُراجعة بعض المحطات التي أنجزتها فيه وربّما التعديل فيها أو الإضافة إليها حسب الظروف».
مُضيفًا بنوع من التوضيح : «مُدن المُستقبل هو عالمٌ سنذهب إليه يومًا، شئنا أم أبينا، وهو حالة فلسفية خدمية إنشائية ستُغير من واقع حياة الإنسان في أي مكان على وجه هذه الأرض عَدا من يرفض ذلك، لأنّه (أي الإنسان) سيتعامل مع طاقاتٍ بديلةٍ وذكاءٍ اصطناعي وما يُصاحبهما من تغيرات في وسائل المواصلات وهندسة البناء وطُرق توفير الماء والغذاء وغيرها من الخدمات وضرورات الحياة.. وهذه جميعها اليوم كما تعلمين من مُعيقات العيش الكريم وجودة الحياة والسعادة في أبسط مفاهيمها..».
الباحث اختتم قائلا : «بشكلٍ عام هذا بعض مِمَا يشغلني على المستوى الشخصي حاليًا، بالإضافة كما قلتُ قبلاً، إلى الحرص المُتعِب على الاقتراب من هموم الوطن، أمّا الكتابة في المنابر وحضور نشاطات المنتديات فهمَا مُؤجلان قليلاً هذه الأيّام».

 

الرجوع إلى الأعلى