دخلت اجراءات مكافحة الفساد التي أطلقها القضاء على رموز النظام السابق ورجال الأعمال المرتبطين به، شهرها الخامس، وطالت الحملة كبار المسؤولين السابقين و وزراء ورجال أعمال ومدراء بنوك ومؤسسات عمومية، صدرت في حقهم أوامر قضائية تراوحت بين الحبس المؤقت والرقابة القضائية والإفراج. التحقيقات التي باشرها القضاء وديوان مكافحة الفساد، كشفت حجم الفساد الذي استشرى في دواليب الدولة، وأظهرت تجاوزات و خروقات في إبرام الصفقات العمومية وعمليات تبييض للأموال إضافة إلى الرشوة في مجال إبرام الصفقات، وتبديد الأموال العمومية. والتمويل الخفي للأحزاب، وكشفت تغول رجال المال الذين استحوذوا على مئات الملايير من أموال المصاريف حولت بطرق ملتوية إلى الخارج تحت غطاء الاستثمار واستيراد التجهيزات.

وكانت البداية في 3 مارس الماضي، يومها تم توقيف رجل الأعمال والرئيس السابق للافسيو علي حداد على مستوى المركز الحدودي أم الطبول بولاية الطارف عندما كان يحاول مغادرة أرض الوطن باتجاه تونس، وكان بحوزته جوازا سفر ورخصتا سياقة ومبلغ مالي بالعملة الصعبة. لتتوالى التوقيفات لتطال الوزيرين الأولين السابقين احمد اويحيى وعبد المالك سلال، وعدد من الوزراء ورجال الأعمال المقربين من حاشية الرئيس السابق.
حملة مكافحة الفساد التي أطلقها القضاء، لقيت دعما من قبل المؤسسة العسكرية، حيث التزم الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، بمساعدة العدالة على فتح جميع الملفات الثقيلة للفساد «بما فيها تلك التي كانت عن قصد حبيسة الأدراج وفي طي النسيان››، وأكد الفريق أحمد ڤايد صالح أنه “لن يهدأ لنا بال حتى يتم تطهير بلادنا من المفسدين”.
وجدد الفريق قايد صالح في زيارة قام بها إلى البليدة في 8 أوت الجاري، تعهد الجيش بمرافقة العدالة دون الضغط عليها، حيث قال “وفيما يتعلق بالعدالة، التي يتولى شؤونها رجال مخلصون، تعهدنا في الجيش الوطني الشعبي، انطلاقا من مهامنا الدستورية وصلاحياتنا، على مرافقتها وتدعيمها وتشجيعها، وتقديم كافة الضمانات لها، ومساعدتها على تأدية مهامها في أحسن الظروف، بعيدا عن أي شكل من أشكال الضغوطات”.
كما نبه قايد صالح إلى فتح كل ملفات الفساد حيث قال “وفتح جميع الملفات الثقيلة، بما فيها تلك التي كانت عن قصد حبيسة الأدراج وفي طي النسيان، وهي ملفات تتعلق بالجرائم والانحرافات الخطيرة المقترفة من قبل العصابة في حق الشعب وفي حق أمواله و ثرواته، وهي جرائم نكراء، يستحق مرتكبوها الجزاء العادل، طبقا للقانون، الذي يتعين أن يطبق بحذافيره في مثل هذه القضايا الحساسة»، مؤكدا أن   كل من ثبت تورطه في قضايا الفساد ونهب المال العام، سيتم تقديم ملفه إلى العدالة، التي تتولى محاسبته عما اقترفه في حق الوطن والشعب.
لا حصانة لوزير ولا لمسؤول
وشهدت الجزائر سابقة في تاريخها السياسي والقضائي، إذ لم يسبق أن تمّت ملاحقة وسجن رئيس حكومة أو وزير أول منذ استقلال البلاد. وكان قاضي التحقيق المكلف لدى المحكمة العليا قد قرر في 12 جوان الماضي إيداع الوزير الأول السابق أحمد أويحيى السجن المؤقت على ذمة التحقيق، في قضايا فساد تتعلق بتبديد المال العام واستغلال السلطة والنفوذ ومنح صفقات غير قانونية والاستفادة من عقارات بدون حق مشروع. كما يقبع عبد المالك سلال في السجن منذ 13 جوان الماضي، بقرار من قاضي التحقيق المستشار لدى المحكمة العليا، بعد توجيه تهم إليه تخص منح امتيازات غير مبررة وإساءة استغلال الوظيفة واستعمال أموال عمومية على نحو غير شرعي.
وقد شهدت المحكمة العليا منذ ذلك التاريخ، حركية مكثفة بعد مباشرة النيابة العامة لديها في إجراءات المتابعة القضائية ضد 12 مسؤولا حكوميا سابقا أحال ملفهم النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر، بالإضافة إلى مباشرة إجراءات المتابعة القضائية ضد وزراء سابقين و ولاة.
ومثل أمام المستشار المحقق بالمحكمة العليا عدة مسؤولين، صدر في حق بعضهم أمر بالإيداع رهن الحبس المؤقت، فيما تم وضع المسؤولين الآخرين تحت الرقابة القضائية، بينما تم الإفراج عن والي البيض خنفار محمد جمال. ويرتقب أن تستأنف النيابة العامة لدى المحكمة العليا المتابعة القضائية ضد المسؤولين المتبقين «قريبا»، ويتعلق الأمر بكل من بوعزقي عبد القادر، بوشوارب عبد السلام وذلك وفقا للأشكال والأوضاع المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية. وينتظر أن يمثل أمام القضاء مسؤولون سابقون آخرون, بعد أن أمرت المحكمة العليا بإعادة فتح قضايا «سوناطراك» و»الخليفة» و»الطريق السيار».
ويلاحظ أنه منذ فتح النيابة العامة لدى مجلس قضاء الجزائر تحقيقات ابتدائية في قضايا فساد وتهريب أموال بالعملة الصعبة مطلع أبريل الماضي, فإن أغلب الأحكام الصادرة عن مختلف الهيئات القضائية وفي مقدمتها المحكمة العليا ضد هؤلاء المتهمين, تخص أوامر بإيداع رهن الحبس المؤقت.
وفي هذا الصدد, أمر المستشار المحقق بالمحكمة العليا بإيداع الوزير الأول السابق أحمد أويحيى, الحبس المؤقت بسجن الحراش, بعد الاستماع إلى أقواله في إطار التحقيق معه في عدة ملفات فساد من بينها القضايا المتعلقة برجال الأعمال محي الدين طحكوت, عولمي مراد (سوفاك), عرباوي حسان (كيا) ومعزوز احمد ومن معه.
وصدر أمر بوضع كل من جمال ولد عباس وسعيد بركات الحبس المؤقت بعد سماعهما في قضايا تتعلق بتبديد أموال عمومية, إبرام صفقة مخالفة للتشريع والتنظيم المعمول به والتزوير في محررات عمومية حين كانا وزيرين للتضامن الوطني والأسرة. ووضع الوزير الأسبق للصناعة والمناجم يوسف يوسفي رهن الحبس المؤقت, في إطار التحقيق معه في قضية رجل الأعمال محي الدين طحكوت, ويتابع المعني بجنح منح عمدا للغير امتيازات غير مبررة وإساءة استغلال الوظيفة وتعارض المصالح والرشوة في مجال إبرام الصفقات العمومية وتبديد أموال عمومية.
كما يتابع المدير العام سابقا لشركة سوناطراك عبد الحفيظ فغولي بجنح إبرام صفقة مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل بغرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير وتبديد أموال عمومية وإساءة استغلال الوظيفة. وفي القضية المتعلقة برجل الأعمال عرباوي حسان, فقد أمر المستشار المحقق لدى المحكمة العليا بإيداع الوزير الأسبق للصناعة محجوب بدة الحبس المؤقت بتهمة تقديم امتيازات بغير وجه حق إلى مركبي السيارات.
كما قرر من جهته, قاضي التحقيق لدى محكمة سيدي أمحمد بوضع 7 أشخاص رهن الحبس المؤقت, ويتعلق الأمر برجل الأعمال عرباوي حسان وإطارين تابعين لوزارة الصناعة والمناجم وموظفين بذات الوزارة والمدير العام الحالي للبنك الوطني الجزائري إلى جانب مدير سابق لمؤسسة اقتصادية عمومية.
أين هي الأموال المنهوبة ؟
ومع تواصل حملة مكافحة الفساد، تثار تساؤلات بشأن قيمة ومصير الأموال المنهوبة والتي تم تحويلها إلى الخارج، وتتحدث مصادر عديدة عن صعوبات لتقدير قيمة تلك الأموال المنهوبة خاصة تلك التي تم تهريبها في إطار صفقات التجارة الخارجية والاستيراد، وقدر خبراء قيمة تلك الأموال في حدود 200 مليار دولار طيلة الـ20 سنة الأخيرة.
وكشف الخبير المالي، محمد بوخاري أن الجزائر سجلت معدل تدفقات غير شرعية قدر ب11 مليار دولار في 2015 وفق تقرير أممي اعتبر أنها تصل إلى 8 مليار دولار مقابل 14 مليار دولار أمريكي حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، وبالاستناد إلى التسعير الناقص والمفرط في الفواتير المتعلقة بالتجارة الخارجية.  كما أضاف أن الجزائر سجلت عام 2017 ما لا يقل عن 1.239 تصريح بالشبهة صادر عن بنوك وطنية بالإضافة إلى 180 تقريرا سريا صادرا عن بعض الإدارات خاصة الجمارك. ويتحدث خبراء ورجال قانون عن صعوبات لاسترجاع الأموال المحولة إلى أرصدة بأسماء مستعارة أو مجهولة، ويؤكد الخبراء أن الأموال المسجلة بأسماء المعنيين أو عائلاتهم يمكن استرجاعها بفضل الآليات الدبلوماسية والقانونية، علما أن تلك العمليات تستغرق بعض الوقت. ويقول خبراء، بأن الجزائر تملك الأداة القانونية لاسترجاع الأموال المنهوبة والمحولة إلى الخارج، بناءً على القانون 01-06 المتعلق بمكافحة الفساد المستوحى «حَرْفِيًا» من الاتفاقية الدولية في هذا المجال. من جانبه يعتبر الخبير المالي، محمد بوخاري، أن استرجاع الجزائر لأموالها المهربة نحو الخارج مرهون»بوجود هياكل مؤهلة» للقيام بذلك، مشيرا إلى «وجوب توفر أسباب معقولة لوضع الأشخاص خلف القضبان».
 ع سمير

الخبير الاقتصادي كمال رزيق "للنصر": محاربة الفساد تسبق الحل السياسي ولا بد من استرجاع المال المنهوب

شدد الخبير الاقتصادي كمال رزيق، في حوار مع "النصر" على أن مكافحة الفساد جد ايجابية بل ضرورة حتمية لتطهير الاقتصاد من المفسدين، ويؤكد بأن محاربة الفساد نعمة اقتصادية قبل أن تكون سياسية، ويعتقد رزيق، أن استرجاع الأموال المنهوبة بحاجة إلى تفعيل آليات قانونية وأخرى غير قانونية تقتضي ضمنيا التفاوض مع أصحاب المال الفاسد وتخييرهم بين المكوث في السجن أو إرجاع الأموال المنهوبة.

rتدخل حملة مكافحة الفساد شهرها الخامس، التي جاءت استجابة لنداء الحراك الذي طالب منذ البداية بمحاسبة الفاسدين، كيف ترون نتائج هذه الحملة في شقها الاقتصادي؟
كمال رزيق: أولا يجب القول أن مكافحة الفساد جد ايجابية بل ضرورة حتمية كونها تسمح أولا بتغيير مناخ الأعمال الذي كان فاسدا وتسبب الفساد الذي استشرى في قطاعات هامة في تعطيل عجلة التنمية، وهو ما سجلناه من خلال معدلات النمو المحققة، فبرغم الأموال الطائلة التي أنفقت لازلنا في المراتب الدنيا مقارنة بما أنجزته الدول المجاورة بإمكانيات اقل قد لا تصل إلى ربع ما أنفقته الجزائر.
rالنظام السابق كان يتحدث عن إنفاق 1000 مليار دولار. أين ذهبت كل تلك الأموال؟
هذا الرقم وحده يكفي للتأكد بأن البلاد كانت تعيش في فساد مالي و إداري رهيب، فمظاهر الفساد على الاقتصاد الوطني وخيمة جدا والدليل أننا أهدرنا 1000 مليار دولار وفي نهاية المطاف لم نستطع معالجة أية إشكالية ولم نتحسن في أي شيء، فالمقولة التي تقول بأننا شعب فقير في بلد غني تجسدت فعلا على أرض الواقع، وهو ما نراه اليوم، والسبب هو سوء إدارة الأمر الاقتصادي وسوء استعمال المواد المالية المتاحة.
جزء كبير من الأموال ذهبت في الاستيراد، كنا نستورد ملياري دولار من الحليب وأكثر من 10 مليون طن من القمح دون أن نعرف الكلفة الحقيقية وقيمة الأموال التي كانت تصب في جيوب المنتفعين والمافيا، إضافة إلى تضخيم الفواتير بعشرات المرات، هذه الظواهر كلها شجعت المفسدين وقتلت الإنتاج الوطني. فكيف لبلد مثل الجزائر الذي يحوز على كوادر اثبت كفاءتها أن يمنح صفقات دراسة المشاريع لمكاتب فرنسية بقيمة تتجاوز 12 مليار دولار سنويا ويتم إهمال المكاتب الوطنية.  
rهناك من يتحدث عن التداعيات السلبية لمكافحة الفساد على الاقتصاد الوطني هل تتفقون مع هذا الطرح؟
محاربة الفساد هدف استراتيجي لكل الدول وهذا الشيء ايجابي من الناحية الاقتصادية، لأنها تطهر الساحة الاقتصادية والإدارة من المفسدين وتعيد الاعتبار لقيمة العمل.
أما بالنسبة للآثار السلبية، بالفعل في الوهلة الأولى ستكون لمكافحة الفساد تداعيات سلبية على الاقتصاد، كونها تؤدي إلى تعطيل الاستثمارات وتوقف مشاريع وتثير مخاوف لدى المستثمرين وبالتالي تتعطل الآلة الإنتاجية وينتج عن ذلك ركود اقتصادي، ولو تلاحظ حاليا هذا ما وقع فالمؤسسات التي يقبع أصحابها في السجن تسير بوتيرة بطيئة، وهناك نفور من المستثمرين رغم تطمينات الحكومة، ولكن كل تلك الآثار مؤقتة، ومستقبلا سيمنح قرار مكافحة الفساد دفعا قويا للاقتصاد الوطني ويكون البقاء فقط للمستثمر الذي يرد فعلا الاستثمار في الجزائر.
rلكن هناك إشكالية تكمن في الاحتكار الذي مارسته تلك الشركات التي هي حاليا محل إجراءات تحفظية، و إلا سيؤدي ذلك إلى اختلالات في السوق؟
محاربة الفساد ستساهم في كسر الاحتكار المفروض من قبل فئة قليلة من رجال الأعمال، وستساهم في تطهير النشاط الاقتصادي، ومع الاستعمال العقلاني للموارد المتاحة ستتمكن الدولة من فتح مناخ مناسب للمنافسة وكسر الاحتكار، فحاليا لا وجود لشيء اسمه المنافسة إلا على الورق بل هناك لوبيات احتكرت كل القطاعات بالتواطؤ مع النظام السابق الذي عمل على كسر أي مشروع منافس لرجال أعماله.
rإذن تتوقعون إقلاعا اقتصاديا نتيجة القرارات التي اتخذتها الدولة ضد الفاسدين ؟
ما تقوم به العدالة الآن ستظهر نتائجه لاحقا، وبعد غلق هذا الملف ستكون هناك انطلاقة قوية للاقتصاد الوطني، فالإجراءات المتخذة لا تخص فقط الجانب المتعلق بالمؤسسات بل ستغير المنظومة الاقتصادية، بداية بمناخ الأعمال الذي سيصبح أكثر جاذبية للمتعاملين، وتعيد الاعتبار للعمل وقيمة العملة وتفتح الباب أمام المبادرة، أن الفساد قتل روح المقاولاتية خاصة في أوساط الشباب الذين رفضوا الاندماج في البرامج الخاصة بتشغيل البطالين ورفعوا مطلب الاستفادة من ريع البترول. فعندما ترى العدالة تتحرك ضد الفساد من الأعلى لتصل إلى ابسط مسؤول على المستوى المحلي فهذا أمر ايجابي... ويمكن القول أن كل المؤشرات توحي أنه بعد الانتهاء من مكافحة الفساد سندخل في مرحلة ازدهار اقتصادي حقيقي.
rهناك من يرى بأن الأولوية يجب أن ترتكز على الشق السياسي لإيجاد الحلول للازمة التي تعيشها البلاد ويعتقدون بأن محاكمة المفسدين يمكن تأجيلها، ما هو رأيكم ؟
أعتقد أن محاربة الفساد تسبق الحل السياسي، فالشعب الذي خرج في 22 فيفري خرج ضد الظلم و الحقرة والفساد المالي والسياسي،وأغلب الشعارات التي رفعت في المسيرات كانت تطالب بمحاكمة الفاسدين، لذا اعتبر أن الأولوية يجب أن تعطي لمكافحة الفساد وتطهير الاقتصاد الوطني من المفسدين، و أؤكد أن محاربة الفساد نعمة اقتصادية قبل أن تكون سياسية.
rهل تعتقدون بأن الجزائر تدفع اليوم ثمن تغول رجال المال والتداخل الذي استمر طيلة سنوات بين المال الفاسد والسياسة؟
اعتقد أن الفساد الإداري هو اخطر أنواع الفساد فلا وجود لرجل أعمال فاسد دون إداري فاسد، لا يمكن لرجل المال أن يتغول إذا لم يجد أمامه سياسي مرتشي لدرجة أصبح صاحب المال يشتري المسؤول والإداري و الموظف، لذا تجد كل الدول تبدأ بمحاربة الفساد الإداري قبل المالي.
السؤال لماذا أصبحت الإدارة رهينة مسؤولين فاسدين ببساطة لأن كل التعيينات لم تكن تراعي منطق الكفاءة بل تعتمد على الجهوية والقرابة والعشيرة، وهو من أدى إلى تولي مسؤولين فاسدين يتمتعون بحصانة مناصب مسؤولية في دواليب الدولة، وتقلدوا مناصب سامية هم ليسوا أهلا لها وباعوا مصالح الوطن مقابل فسحة سياحية أو أموال.
آلاف العمال في الشركات التي هي محل إجراءات تحفظية قلقون على مصيرهم، ما هي الإجراءات التي ترونها مناسبة لإنقاذ تلك الشركات وعدم تكرار سيناريو الخلفية ؟
اقترحنا على الحكومة منذ البداية تعيين مسيرين لإدارة هذه الشركات لتفادي الخطأ الذي وقع في ملف الخليفة، يجب تعيين مسؤول أو حارس قضائي أو مسؤول محاسباتي لتسيير تلك الشركات حتى لا نضيع عشرات الآلاف من مناصب الشغل. نحن لا نتحدث عن شركة أو اثنتين بل أكثر من 200 شركة، مثلا الإخوة كونيناف يمتلكون 50 شركة، إذن نحن نتحدث عن عشرات الآلاف من العمال ولا يمكن التفريط فيهم.
اقترحنا على الحكومة ميكانزمات لتسيير تلك الشركات إلى غاية صدور الأحكام القضائية، فإذا استفاد أصحابها من البراءة سيستعيدون شركاتهم، أما إذا صدرت ضدهم أحكاما قضائية بتهم الفساد هنا تتدخل الدولة وتقوم بمصادرة تلك الشركات، أقول مصادرة وليس تأميم ويتم تغيير قانونها الأساسي وتشكل مجلس إدارة يتولى إدارة شؤونها.
rأثير جدل قانوني بشأن إمكانية استرجاع الأموال المنهوبة المهربة إلى الخارج، هل يمكن تقديرها؟ و كيف يمكن للجزائر أن تسترجع أموالها المهربة بطرق ملتوية؟
تقدير الأموال المهربة إلى الخارج أمر صعب لأن عملية تهريب وتحويل تلك الأموال لا تتم بصفة قانونية وغالبا ما تكون في شكل تضخيم فواتير الاستيراد، ويمكن هنا إجراء تقديرات استنادا إلى تصريحات مسؤولين، تتحدث عن تضخيم في الفواتير بنسبة 20 بالمائة، فيمكن تقدير تلك الأموال بنحو 200 مليار دولار وهو رقم تقريبي والواقع قد يكون أكثر من ذالك بكثير.
أما كيفية استرجاع تلك الأموال، فبالنسبة للأموال والممتلكات الموجودة في الجزائر، المشكل غير مطروح سيكون هناك حكم قضائي نهائي في مستقبل هذه الممتلكات إذا كان فيه حجز، أما بالنسبة للأموال والممتلكات الموجودة في الخارج والمسجلة بأسماء هؤلاء المتابعين قضائيا أو أسماء أبنائهم و عائلاتهم، في هذه الحالة تبدأ معركة دبلوماسية بين الجزائر وهذه الدول التي تتواجد فيها هذه الممتلكات. المشكل المطروح، يتعلق بالأموال المسجلة بأسماء مستعارة، على اعتبار أن المسؤولين ورجال الأعمال الذين قاموا بتهريب أموال الشعب أخذوا في الحسبان إمكانية توقيفهم، فعمدوا، إلى إخفاء هذه الأموال تحت أسماء مستعارة ويصعب تقديرها ثم استرجاعها بالطرق القانونية، وهناك مثال على ذلك في قضية الخليفة، لم تتمكن الدولة الجزائرية من استرجاع ولو دولار واحد من قيمة الأموال المهربة المقدرة بـ 12 مليار دولار.
برأيي الطرق القانونية لن تسمح باسترجاع أي شيء من تلك الأموال، ولذا اقترح مقاربة خاصة هي غير قانونية ولكن طبقت في عدة دول منها الصين وروسيا ومؤخرا العربية السعودية، وهي مقاربة تقضي بالقيام باتفاق ضمني مع المتورطين بسرقة ونهب المال العام، وتخييرهم أما المكوث في السجن لسنوات طويلة أو إرجاع كل الأموال المنهوبة.
 ع/س

الرجوع إلى الأعلى