انقضى رمضان بمصاريفه، و حلت العطلة الصيفية بما تعرفه من مناسبات و أعراس و نفقات مجاملات و تبريكات، تتحملها العائلات الجزائرية التي وجدت نفسها مجددا تتنفس بصعوبة داخل مشد العيد و الدخول المدرسي اللذين حلا بعد أن استنزفت الجيوب بشكل دفع بالكثيرين إلى اللجوء لبنوك الرهن و الاستدانة لمواجهة الضائقة المالية، بالمقابل ضبط الكثيرون ميزانياتهم قبل أشهر عديدة، لتجنب الغرق في مثلث المناسبات المتعاقبة مجددا، بعد أن اختبروا ذلك في المواسم الماضية، فمنهم من ضحى نهائيا بالعطلة، و منهم من ادخر في الشتاء تحسبا لمصاريف الصيف.

اللجوء لبنوك الرهن ينذر بالأزمة
هذه الأعباء باتت تثقل كاهل العائلات المتوسطة و محدودة الدخل، خصوصا مع بداية العد التنازلي للدخول المدرسي، إذ يتعرض الكثير من الجزائريين لاستنزاف مادي يضطرهم للبحث عن بدائل، أبرزها الاستدانة و الرهن، وهي حيلة تلجأ إليها عموما ربات البيوت لإعانة أزواجهن.
 و أكدت للنصر مسؤولة ببنك التنمية المحلية الخاص بالرهن المتواجد على مستوى شارع طاطاش بلقاسم بقسنطينة، بأن الفترة الحالية تعد فترة الذروة و أن الإقبال على الرهن يزداد مع كل دخول اجتماعي جديد، حتى أن الوضع أصبح أقرب إلى ما كانت عليه الجبهة الاجتماعية خلال فترة الثمانينات و ما خلفته الأزمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد من عوز، كما علقت، موضحة بأن المبلغ الذي يدفع مقابل كل قطعة يتم رهنها، يحدد حسب قيمة الذهب في الأسواق العالمية، و وزن القطعة في حد ذاتها،  و تحدد الفوائد حسب مدة الرهن، إذ أنها تكون مرتفعة نسبيا في البداية، لتبدأ في الانخفاض مع كل رهن جديد.
ثالوث يفرغ جيوب الجزائريين
 يقدر معدل إنفاق العائلة الجزائرية المتوسطة و التي تضم 3 أبناء على الأقل، حسب تقديرات خبراء الاقتصاد، بـحوالي 5 ملايين سنتيم شهريا،   إلا أن  هذا المعدل يرتفع إلى 8 حتى 15 مليون سنتيم خلال الأربعة أشهر الممتدة من شهر ماي الذي يتزامن مع حلول شهر رمضان، إلى غاية نهاية أوت و بداية سبتمبر، و ذلك بالنظر لتوالي المناسبات فهذه الفترة وحدها كافية لإفراغ جيوب الجزائريين استنزاف ما ادخروه طوال السنة، إذ  يتم رصد ميزانية تقدر بحوالي 10 ملايين سنتيم فقط لتكاليف عيد الأضحى و الدخول المدرسي،  على اعتبار أن سعر الخروف وحده يتراوح بين 3 و 6 ملايين سنتيم، أما تكلفة تجهيز التلميذ الواحد فتصل إلى 10آلاف دج.
أنفق27 مليونا بين ماي و أوت و أجل حلم السيارة
أكد السيد سعيد.ب، موظف بمؤسسة عمومية، و أب لطفلين، بأنه واجه متاعب مالية حقيقية في الفترة الممتدة بين شهر رمضان إلى غاية أواخر أوت و بداية التحضير للعودة إلى المدارس، خصوصا بعدما  اضطرت زوجته لترك عملها لأسباب صحية، مشيرا إلى أنه أنفق في هذه  الفترة وحدها ما يعادل 27 مليون سنتيم، وهو كل ما كان يملكه، بما في  ذلك مرتب شهرين من العمل و مبلغ 12 مليون سنتيم، كان قد ادخره لتوفير أول قسط من أقساط شراء سيارة.
 محدثنا أوضح، بأنه أنفق خلال عيد الأضحى مبلغ 6 ملايين سنتيم، 42 ألف دج قيمة الأضحية و 18ألف دج مصاريف إضافية للخضر و الفواكه و كسوة ابنيه التي كلفته مبلغ 8 آلاف دج.
و أضاف المتحدث بأنه اضطر للاعتذار عن حضور عرس أحد أقاربه بعد أن دفع مبلغ مليون سنتيم كهدية لصديق مقرب بمناسبة زواجه، و أنفق مبلغ 3 آلاف  دج، ليجامل قريب آخر بمناسبة ختان ابنه، فيما لا يزال يفكر في كيفية توفير أعباء عرس مرتقب لأحد أقاربه ، خصوصا و أنه استنزف جيبه بشكل شبه كلي خلال العطلة التي قضاها مع أسرته في مدينة سكيكدة، والتي كلفته مبلغ 9 ملايين سنتيم، بين نفقات الكراء و الإطعام.
 محدثنا أوضح، بأنه اكتفى بشراء مئزرين و محفظتين جديدة لطفليه المقبلين على الالتحاق بالطور الابتدائي هذه السنة، و سيرتديان ملابس العيد في الدخول المدرسي، مؤكدا بأنه حاليا استوفى كامل راتب شهر أوت و ما تبقى في جيبه لا يكفي لتلبية احتياجات و مصاريف أسرته اليومية.


ضحوا بالعطلة و ادخروا شتاء تحسبا للصيف
من جهتها، قالت السيدة نورة، وهي موظفة بإحدى الإدارات بقسنطينة، بأنها أصبحت تخاف من فصل الصيف بسبب مصاريفه و أعبائه المالية،  حتى أنها و زوجها باتا يحضران له مسبقا، و يدخران في الشتاء من أجل شراء أضحية العيد الذي يتزامن في السنوات الأخيرة مع أشهر الحر.
 و أكدت أنها كأم لثلاثة أبناء تعتبر هذه الفترة من السنة جد صعبة،  بداية برمضان و وصولا إلى الدخول المدرسي، في ظل غلاء المعيشة و تراجع قيمة العملة الوطنية، و قد وجدت نفسها مضطرة لاستدانة مبلغ 20 ألف دج، لشراء جهاز تكييف بسبب حرارة الطقس الشديد، بعدما أنفقت راتبها و راتب زوجها خلال رمضان و عيد الفطر.
و أضافت أن حماتها منحتها مبلغ 10آلاف دج، لشراء مآزر و محافظ جديدة لأبنائها، استعدادا للعودة إلى المدرسة، إلا أنها لم تتمكن من اقتناء ملابس جديدة لهم بالمناسبة و سيضطرون لارتداء ملابس العيد، مشيرة إلى أنها وزوجها اضطرا هذه السنة لإلغاء برنامج الاصطياف السنوي، لتوفير مصاريف الأدوات المدرسية و نفقات المنزل، خصوصا و أن تكاليف الأعراس و التبريكات كانت مرهقة هذه السنة و ناهزت مبلغ 20 ألف دج.
 نفس الوضعية تعيشها العديد من العائلات، كما أكد لنا من سألناهم عن كيفية ضبطهم لميزانية الدخول الاجتماعي، حتى أن هناك من اضطروا إلى بيع مجوهرات زوجاتهم، كما فعل السيد عبد الحق، أب لأربعة أطفال، موظف في مؤسسة خاصة، و قال لنا بهذا الخصوص أنه أنفق كل ما يملكه لشراء كبش العيد مقابل 4 ملايين سنتيم، وهو ما دفع زوجته لبيع  قطعتين ذهبيتين أو ما يعرف ب»اللويز»، من أجل توفير نفقات الدخول المدرسي.


أسر تتحايل لتقليص نفقات الدخول المدرسي
يبدو أن الكثير من العائلات أصبحت تتحايل لتقليص نفقات تمدرس أبنائها، و الأغلبية  يكتفون باستعمال ملابس العيد مجددا، خصوصا وأن الفترة بين المناسبتين ليست طويلة، و هو ما أكده جل من تحدثنا إليهم.
و أخبرنا بعضهم، أنهم يتعمدون شراء ملابس دافئة نوعا ما للعيد، رغم تزامنه مع فصل الصيف الحار، وذلك لكي تستغل مرة أخرى مجددا مع بداية سبتمبر و حتى نهاية أكتوبر، وهي فترة تكون عادة أقل حرا و يميل فيها الطقس إلى البرودة نسبيا، بالمقابل هنالك من يكتفون بشراء قطعة ملابس واحدة قد تكون حذاء أو سروال ، مع مئزر جديد، وهناك من يلجأون إلى سوق الملابس المستعلمة أو « الشيفون».
 و تعمد معظم العائلات محدودة و متوسطة الدخل ،إلى توريث المستلزمات المدرسية بين الأبناء، فالوحيد الذي يحظى بأدوات جديدة هو الابن البكر، بالمقابل فإن إخوته الأقل سنا منه يتداولون على المحافظ المستخدمة و باقي المستلزمات الأخرى، لتقليص  نفقات الدخول المدرسي، خصوصا بالنسبة للعائلات التي يصل عدد أطفالها الثلاثة أو يزيد عن ذلك، على اعتبار أن أسعار الأدوات تعرف ارتفاعا مطردا، وهو ما يثقل كاهل الأولياء فسعر المحافظ ينطلق من 3 آلاف دج ، و يصل حتى 12ألف دج.
كما تعرف أسعار الكراريس و الأدوات الأخرى زيادة قدرها أصحاب المحلات بـ 20 بالمائة، وبات سعر الكراس الواحد من 192 صفحة بـ 90دج،  أي أن تكلفة تجهيز التلميذ الواحد دون احتساب ثمن الكسوة يتعدى مبلغ15  ألف دج وهو مبلغ كبير، إذا قورن بمتوسط دخل العائلات الجزائرية الذي لا يتعدى راتب العديد من أربابها 18 ألف دج، أي الأجر القاعدي الأدنى.  
بالرغم من هذه الأوضاع التي تعايشها نسبة كبيرة من العائلات الجزائرية  يؤكد الخبير الاقتصادي  عبد الرحمان مبتول، بأن الدخول الاجتماعي الوشيك، سيكون عاديا دون ضغوطات اقتصادية تذكر، خصوصا و أن الاقتصاد الوطني لا يزال متماسكا بالنظر لاستقرار أسعار المحروقات التي تعد عمادا له.
و أضاف الخبير أن العائلات الجزائرية عموما لا تزال تحتفظ بمدخرات معقولة تتمثل، كما هو معروف، في  الحلي التي تحوزها النساء و التي تعد صمام أمان بالنسبة للكثيرين، ما يعني بأن هنالك احتياطيا دفينا غير مستغل إلى غاية الآن، ناهيك عن أن سياسة الدعم لا تزال مفعلة و هو ما من شأنه تغطية جانب كبير من نفقات الأسر،حسبه.
  هـ/ ط

 

الرجوع إلى الأعلى