الجزائريون لا يؤمّنون على ممتلكاتهم إلا إجباريا

يعرف قطاع التأمينات في بلادنا نموا متباطئا، فنسبة معتبرة من الجزائريين لا يؤمّنون على ممتلكاتهم إلا إجباريا، و إجمالي أقساط التأمين بالنسبة للفرد لا يتعدى 3.46دج سنويا، وهو عزوف يربطه متابعون بضعف مستوى الدخل و نقص الثقة في شركات التأمين التي لا تولي اهتماما لجانبي التسويق و التوعية، في مجتمع يفتقر لثقافة الخطر و لا يلتزم بمبدأ المسؤولية المدنية، و يميل إلى التسليم بالقضاء و القدر، لدرجة أن الوازع الديني يعتبر أهم حجر عثرة أمام دفع عجلة القطاع الذي تحوز سوق السيارات على حصة الأسد به، كما يؤكده خبراء في التأمينات، إذ يرون بأن هناك إمكانيات كبيرة لا تزال غير مستغلة، خصوصا في ظل تطور الاتصالات الحديثة و أنظمة التسيير الرقمية  و الحاجة المتنامية للمجتمع للحصول على تغطية حقيقية يتم فيها التكفل بالمخاطر التي تهدد الإنسان في سلامته الجسدية و في حياته، وعليه فإن تطور هذا المجال، مرتبط بالأساس باعتماد سياسة تأمين حديثة تتبنى التطوير و الاستغلال الذكي للتأمينات غير الإجبارية، مع ابتكار صيغ أشمل تتجاوب أكثر مع الحاجيات الجديدة للمؤمنين ، ناهيك عن المساهمة أكثر في التوعية العامة بالأخطار و نشر ثقافة التأمين لدى المواطنين.
القروض البنكية جرعة أوكسجين تنعش القطاع
يؤكد مختصون في المجال بأن الخمس سنوات الأخيرة، عرفت تناميا نسبيا في وعي الجزائريين بأهمية التأمين، فرغم قلته، إلا أن هذا الاهتمام يعد مشجعا بالنظر لحداثة عهد بلادنا بهذا القطاع الذي لا يزال فتيا، حيث أن مرحلة التحول الرئيسية تزامنت مع ظهور القروض البنكية لاقتناء السيارات و المنازل، كما يؤكده السيد  بوستة، ممثل  الشركة الجزائرية للتأمين و إعادة التأمين بقسنطينة، موضحا بأن مشكلة خدمات التأمين تكمن بالأساس، حسبه، في  الجهل بمعطيات السوق، والتصورات المسبقة التي تربط هذا المنتوج بمبالغ كبيرة، خصوصا في ما يخص  تأمين الممتلكات و المنازل، فمثلا يعتقد البعض، كما قال، بأن التأمين على المنزل يكلف سنويا  7 ملايين سنتيم، مع أن التكلفة الحقيقية لا تتجاوز في الحقيقية  4 آلاف دج أو أقل.
 وهو نفس الطرح الذي يؤكده سمير بن الشيخ، ممثل الشركة الجزائرية للتأمين « كات»، مضيفا أن قروض السيارات دفعت عجلة القطاع أكثر، و شجعت الإقبال على الفروع غير الإجبارية، خصوصا في أوساط الموظفين، فيما يبقى التأمين على الحياة ضعيفا جدا، وحكرا على رجال الأعمال.
في ما يخص مشكل غياب الثقة بسبب تأخر التعويضات، أوضح المتحدث بأن التعويض يحتكم للضمانات المتفق عليها في عقد التأمين، وهي وثيقة لا يراجعها الأغلبية قبل توقيعهم لها، إذ  أن هناك من يؤمنون سياراتهم ضد التصادم فقط، ثم يطالبون الشركات بتعويضهم في حالة سرقتها أو احتراقها أو غرقها، مع أن هذا الخطر غير مدرج في العقد، أوقد يكونون في حالة سكر أثناء وقوع الحادث، وهو استثناء في التأمينات.
ضعف الدخل الفردي يصنف التأمين في خانة الكماليات
استطلعنا آراء عدد من المواطنين للوقوف على حقيقة فهمهم لهذا المنتوج، فأجمع غالبية من تحدثنا إليهم، على أن التأمين غير الإجباري يصنف ضمن خانة الكماليات بالقياس بمستوى دخل الفرد الجزائري.
عبد النور خمسيني، موظف استقبال في مؤسسة عمومية، قال بأن دخله الشهري لا يتعدى 20 ألف دج، وهو مبلغ لا يكفي لتلبية احتياجات أسرته حتى أنه كثيرا ما يواجه صعوبة في علاج أبنائه، لذلك فإن التفكير في تأمين المنزل أو التأمين الشامل للسيارة،  يعتبر ترفا بالنسبة إليه.
 من جهته قال وليد، وهو صاحب محل لتصليح الهواتف النقالة، بأنه يعجز أحيانا عن دفع اشتراكات الصندوق الوطني للعمال غير الأجراء، فما بالك بتأمين محله أو منزله، ناهيك عن كون أقساط التأمين في بلادنا مرتفعة جدا، على حد تعبيره، و التعويضات قد لا تصل أبدا.
الثقة و الوازع الديني الهاجس الأكبر
 من جهتها قالت صورية، وهي موظفة في شركة خاصة، بأنها تعلمت أهمية التأمين بعدما تعرضت سيارتها للتخريب العمدي، وهو ما عزز لديها الشعور بالحاجة إلى تأمين ممتلكاتها بما في ذلك منزلها، إذ تدفع قسطا سنويا قيمته   3700 دج، ولكنها تعيش رغم ذلك في صراع مع النفس بسبب خوفها من عدم جواز الأمر شرعا، وهو تحديدا نفس السبب الذي قال عبد الوهاب، إداري متقاعد، بأنه يقف بينه و بين التأمين على الممتلكات و الحياة، حتى أنه يؤمن سيارته إجباريا و ليس اختياريا، لأن المنطق يقضي بتجنب كل ما هو مثير للجدل، في ما يخص الدين.
 أما إلياس وهو طبيب، فقال بأنه أمن عيادته مجبرا ، لأنه ببساطة مثل الكثير من الجزائريين لا يثق في شركات التأمين، بسبب تأخر التعويضات لسنوات أحيانا، وقد اختبر ذلك خلال تعرضه لحادث سير، ناهيك عن أن مبالغ التأمين، حسبه، لا تعكس قيمة الاشتراكات المدفوعة.
الموظفون أكثر تقبلا لفكرة التأمين على الحياة
 و أكد لمين، وهو موظف، بأنه جد مؤمن بأهمية التأمين الشامل و الإجباري و الاختياري، بالرغم من أن موقف الشرع من موضوع التأمين على الحياة، يشكل حاجزا نفسيا بالنسبة إليه، ناهيك عن أن أسعار بعض الخدمات الاختيارية تعد جد مرتفعة، فأضعف صيغة لتأمين السيارات لا تقل عن 10 آلاف دج، مع ذلك فإنه، كما أخبرنا، يؤمن ممتلكاته من سيارة و منزل لثقته بأن مفهوم التأمين الاختياري لا يختلف عن مفهوم اشتراكات صناديق الضمان الاجتماعي.
و أشارت نادية، أستاذة، بدورها إلى غلاء خدمات التأمين الاختيارية، كما تحدثت عن ضعف التسويق لهذا المنتج من قبل الشركات المتخصصة.
استثمار و حرب على ذهنية «السوسيال»
 أما عبد الرحمان وهو موظف في مصلحة الضرائب، فقال للنصر بأننا بحاجة إلى تعميم إجبارية التأمين لتشمل المنازل، فذلك سيساعد، حسبه، الدولة على محاربة عقلية « السوسيال»،  فمن يهدم منزله مثلا بسبب كارثة طبيعية، يعوض من قبل شركة التأمين، و لا يقطع الطريق لإجبار الدولة على إعادة إسكانه.
 من جهة ثانية، يرى محدثنا، بأن التأمين على الحياة يعد استثمارا حقيقيا في إطار « رابح رابح» ، فجده، كما أخبرنا، كان مؤمنا على حياته في فرنسا، و عند وفاته تحصل أبناؤه في الجزائر على مبلغ 2.5 مليار سنتيم من شركة التأمين، فالتأمين يضمن مستقبل أبناء المؤمن.
هدى /ط

الدكتورة سعاد سطحي استاذة الفقه الإسلامي بجامعة الأمير عبد القادر
التأمين التجاري لا يزال محل جدل و لا حرج في الإجباري
توضح الدكتورة سعاد سطحي، أساتذة الفقه الإسلامي بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، بأن التأمين يعد مفهوما معاصرا، لذلك فهو لا يزال محل خلاف أو جدل بين الفقهاء المعاصرين، حيث توجد اجتهادات عديدة فيما يخص هذا الموضوع الذي يفصل إلى شقين التأمين الإجباري و التامين التجاري.
و توضح الباحثة في علم الشريعة، بأن الموقف الأول مؤيد للتأمين و يخص الشيخ  مصطفى الزرقا، الذي أوضح ذلك في كتاب خاص يشرح فيه وجهة نظره،  حيث يقول، بأن التامين الإجباري يندرج في إطار التعاون بين الناس على الأخطار، فصندوق مال المسلمين سابقا، كان مبنيا على المبدأ التعاوني لذلك فإن هذا الشق جائز، و يقيس  المفتي الأمر في تفسيره على أساس الاقتطاعات التي تسحبها الدولة من المعاشات الشهرية لتأمين العمال، فبعد التقاعد مثلا هنالك من يستفيدون من هذا التأمين على المديين القصير و البعيد كل حسب فترة حياته، وعليه فإنه يرجع الإجازة في الأمر إلى مفهوم التعاون بين الناس.
بالمقابل هناك فقهاء معاصرون يخالفون موقفه و يؤكدون بأن التأمين غير جائز لأنه نوع من الغرر، و يفسر هؤلاء الأمر، بالقول بأنه لا يجوز التأمين على أخطار غيبية، أي أننا نقع في الغرر إن نحن أمنا على شيء أو شخص من خطر قد لا يحدث أبدا، فهنا ستستغني الشركة و تنتفع من وراء المؤمن دون أن يستفيد هو شئيا، مع ذلك فإن الجدل يتعلق بشكل أكبر بالتأمين على التجاري المبني على المعاوضة، و الذي لا يجوز فيه الغرر  بقرار من مجمع الفقه الإسلامي الذي  يحرم هذا التأمين، أي  أن الإجازة تخص فقط التأمين التعاوني الإجباري الذي يتضمن جانب المسؤولية المدنية ، كالتأمين على السيارات مثلا.

رئيس دائرة التسويق بالشركة الجزائرية للتأمين بقسنطينة حمزة شنوف
 سوق السيارات تمثل حوالي 75 بالمئة من قطاع التأمينات
 يؤكد رئيس دائرة التسويق بالمديرية الجهوية للشركة الجزائرية للتأمين بقسنطينة، حمزة شنوف، بأن ثقافة التأمين عند الفرد  الجزائري لا تزال ضعيفة نوعا ما، مع أن هنالك بوادر تحسن ملحوظة فحوالي 25 بالمئة من زبائن المؤسسة يلتزمون بالتأمين الإجباري، بالمقابل فإن هنالك 75 بالمئة يجمعون بين الصيغتين الإجبارية و الاختيارية، علما نسبة النمو المتباطئة  لهذا القطاع تنسحب عموما على كامل الدول الإفريقية و  ودول المشرق العربي، إذ لا تزال سوق التأمينات في هذا الجزء من العالم عذراء رغم كل مقوماتها،  حيث تتشبع تقريبا فيما يخص خدمات سوق السيارات، بينما تنزل مؤشراتها بالنسبة للمجالات الأخرى .
و تشير الدراسات إلى أن هنالك عوامل متداخلة تؤثر بشكل مباشر على أداء هذا القطاع، إذ يشكل مستوى دخل الفرد نسبة لا تتعدى 30 في المائة، من الأسباب الكلية للعزوف بالمقابل يبقى نقص الثقة في شركات التأمين و عدم الفهم الجيد للجانب  الديني أهم عائقين أمام تطوير هذا المجال، بالرغم من وجود العديد من الاجتهادات في الشق  الشرعي، بما في ذلك طلب إصدار فتوى فاصلة من جامع الأزهر لإنهاء الجدل، خصوصا وأن مفهوم التأمين على الأخطار لا يختلف كثيرا عن صيغ صناديق التأمين الاجتماعية للعمال الأجراء و غير الأجراء.
 التأمين على الأشخاص و التأمين الزراعي يعدان الأضعف
و لهذا يضيف المتحدث، يلتزم الكثيرون بالتأمين الإجباري و يتجنبون الصيغ الأخرى، خصوصا التأمين على الأشخاص الذي لا يزال فهمه مشوشا لدى الكثيرين رغم أهميته و عديد العروض التي يشملها على غرار التخفيضات التي تصل حتى 50في المائة في حال التأمين على المنزل و السيارة معا، و صيغة « أمانة « التي لا تتعلق فقط بالتأمين على الحياة بل بعديد الامتيازات الصحية، إلا أن وعي غالبية الجزائريين بهذا يبقى منعدما تقريبا، فنسبة التأمين على الأشخاص تعد الأضعف و على المستوى الوطني، بالمقابل فإن التأمين على الممتلكات يختلف، فالتأمين على المنازل بما في ذلك الكوارث الطبيعية لا يتعدى 9 بالمئة و التـأمين على المرافق الصناعية يعادل 13بالمئة، و يبقى التأمين على السيارات يحظى بأكبر حصة إذ يشكل ثلاث أرباع  النشاط وطنيا أي حوالي 75 بالمئة من حجم السوق وذلك نظرا لكون الحوادث دائمة و بالتالي فإن الحاجة إليه تفرض نفسها و تكون ملموسة.
 وفيما يتعلق بالتأمين الزراعي فإن الشركة الجزائرية للتأمين تسجل حسب المتحدث، نسبة لا تتجاوز 2 بالمئة، بالرغم من توالي الخسائر الفلاحية سنويا بسبب الحرائق و البرد، إذ لا يزال التأمين الزراعي دون المستوى بالرغم من أن الشركة استحدثت صيغا تخص شعب جديدة واعدة كتربية المائيات و النحل والشتلات أيضا.
النساء أكثر وعيا بأهمية  التأمين الكامل
ويلعب التوزيع الجغرافي دورا ملحوظا أيضا فيما يتعلق بالوعي بأهمية التأمين، ففي مناطق الضواحي يكون الإقبال منصبا أكثر على الصيغ الإجبارية الشاملة منخفضة التكلفة، عكس المناطق الحضرية، أين يوجد من يؤمنون سياراتهم الجديدة بشكل كلي و بمبالغ قد تعادل 10 ملايين سنتيم، و يختارون خدمات تجارية غير إلزامية كذلك، علما أن العنصر النسوي يعد الأكثر وعيا بهذا الجانب، إذ لا تتوانى النساء على تأمين سياراتهن وحتى منازلهن بشكل كامل، كما أشار المتحدث، إلى أن هنالك حاجة حقيقية إلى تدريس ثقافة التأمين في المدارس لتربية جيل واعي بأهميتها.
 الإشاعة أضرت بالثقة بين المتعاملين و الزبائن
مع ذلك، يضيف حمزة شنوف، فإن نقص الوعي و ضعف الإعلام بأهمية التأمين بشكل عام،  تبقى من العوامل التي لا تزال تؤخر هذا القطاع في بلادنا، والذي يتأثر سلبا بالإشاعة التي أخلت بعلاقة الثقة بين الشركات و الأفراد، بسبب الحديث عن تأخر التعويضات و نسبه المتدنية أحيانا، و هنا لابد من التوضيح حسبه، بأن طبيعة التعويض و مدته تخضع لعوامل يغفلها الأشخاص تخص أولا مضمون عقد التأمين و شروطه التي يتجاهل الكثيرون قراءتها قبل توقيع الوثيقة، و ثانيا المدة التي يتطلبها التحقيق في بعض الحوادث و من ثم معالجة الملفات، وهو جانب قال بأنه يتضمن إجراءات جديدة باتت تتبعها المؤسسات الوطنية لتسهيل العملية و تسريعها.
وبالحديث عن الثقة، أوضح  المتحدث فيما يخص التعويضات، بأن المدرية الجهوية للشركة الوطنية للتأمين بقسنطينة، بلغت نسبة تقارب 100 بالمئة أحيانا فيما يتعلق بعملية معاجلة الملفات، بما في ذلك الملفات القديمة، إذ يناهز مبلغ تسديد الأضرار نصف قيمة رقم أعمال المديرية الجهوية سنويا بحوالي 1.7 مليار دج.
و للإشارة كما أضاف ممثل شركة التأمين، فإن الجزائر سجلت نهاية 2017 نسبة نمو قدرها 3.5 بالمئة، في قطاع التأمينات، الذي يعد مرآة عاكسة لعديد المؤشرات الاقتصادية، حيث يتعلق الأمر عموما بتأمين رؤوس أموال و استثمارات حقيقية، وليس بسوق السيارات التي تعرف ركودا، ما يعني أن هذا الرقم المسجل هو مؤشر اقتصادي صحي، فمؤسسات التأمين توفر السيولة للبنوك ما يمكنها بالمقابل من تمويل استثمارات اقتصادية ستضخ أموالا لدى شركات التأمين في إطار ما يعرف بالتأمين على القرض.
هدى طابي

رئيس الاتحاد الجزائري لوسطاء التأمين عبد العزيز بودراع
37.3 مليار دينار قيمة سوق التأمين في الجزائر
يحذّر الأستاذ  عبد العزيز بود راع، مدير عام مؤسسة الاستشارة و الوساطة «باست أسورانس» و رئيس  الاتحاد الجزائري لوسطاء التأمين من انعدام ثقافة الخطر في مجتمعنا و الميل إلى الإخلال بالتزام المسؤولية المدنية من خلال العزوف على التأمين في أوساط الأفراد العاديين و حتى المستشمرين، كما يشرح في هذا الحوار واقع قطاع التأمين في بلادنا بوصفه مؤشرا اقتصاديا و اجتماعيا هاما.
ـ النصر:  وتيرة نمو سوق التأمينات في الجزائر لا تزال جد بطيئة رغم أهمية هذا القطاع لماذا في رايكم؟
عبد العزيز بودراع : إن سوق التأمين هي جزء من الاقتصاد الوطني تتأثر زيادة و نقصانا بمستوى نموه، لأن التأمين هو نشاط مرافق للاستثمار و يحميه من المخاطر و في نفس الوقت ينشطه و يدعمه. كما أن التأمين لا يحمي فقط الممتلكات بل  يرافق كذلك الأشخاص بحمايتهم ضد الحوادث و الأمراض و حتى في حالة الوفاة.
و يتأثر هذا الفرع من التأمينات بالأشخاص أيضا  مثل فرع التأمينات على الممتلكات الذي يرتبط بالوضعية الاقتصادية للبلاد و مستوى معيشة المجتمع، فعندما يزدهر الاقتصاد يزدهر التأمين معه بصفة آلية و يشكل أرضية خصبة لدفع قاطرة القطاع، خصوصا إذا اضطلعت شركات التأمين بدورها في التوعية و الاستباق باقتراح الأخطار المناسبة التي تلبي حاجات المؤمن لهم.
التأمين التكافلي قد يغيّر وجه قطاع التأمينات في الجزائر
ـ  كيف تقيّمون أداء هذه السوق في الجزائر في غضون السنوات الخمس الأخيرة، مع بداية ظهور الاستثمارات الكبرى؟
ـ يمكن القول بأن سوق التأمينات في الخمس سنوات الأخيرة تسير في طريق النمو التدريجي، فباستثناء الاستثمارات الكبرى فإن القطاع سجل نسبة نمو برقمين فقط خلال باقي السنوات و استمر في النمو بشكل متوسط لأسباب تتعلق بضعف ثقافة التأمين في المجتمع.
مع ذلك فإن تغيير و تحديث أساليب تسيير شركات التأمين و استغلال الإمكانيات الغير مستغلة للسوق، و خصوصا تلك المتعلقة بالتأمينات الفردية غير الإجبارية ، و كذا تأمينات على الأشخاص تعتبر مجالات خصبة و عذراء يمكن من خلالها مضاعفة رقم أعمال هذه السوق خصوصا إذا تم اعتماد التأمين التكافلي الذي يعد حاليا مجال دراسة على مستوى المجلس الوطني للتأمينات.
مستثمرون يعزفون عن تأمين مشاريعهم
ـ ما هو رقم أعمال هذه السوق حاليا؟
ـ إن رقم أعمال سوق التأمينات لسنة 2018 بلغ  73,3 مليار دج      أي بزيادة قدرها 4,7 بالمئة مقارنة بسنة 2017. و تعتبر وتيرة التقدم المسجلة هنا الأضعف مقارنة بالسنوات السابقة حيث بلغت نسبة النمو السنوي عام 2012 مثلا 14,7بالمئة، و مرد ذلك  إلى الأوضاع التي عرفتها و تعرفها الجزائر مؤخرا.
الجزائري يفتقر لثقافة الخطر ولا ينفق أكثر من 3.46دج على التأمين سنويا
ـ عزوف الجزائريين على التأمين هل سببه مستوى المعيشة أم هو نقص في الوعي
و التحسيس والإعلام؟
ـ إنهما معا، حقيقة إن نقص الوعي التأميني هو سبب رئيسي للعزوف الذي نلاحظ آثاره في الحالتين، حيث يعزف ذوو الدخل المرتفع عن التأمين مثلهم مثل ضعفاء الدخل، بسبب نقص ثقافة التأمين مما يدل على أن نقص الوعي التأميني هو السبب الرئيسي، حتى أن هنالك مستثمرين  لا يؤمنون مشاريعهم و لا يلتزمون بمسؤولياتهم المدنية، إلا في حال إجبارهم من طرف البنوك المقرضة لضمان تسديد الدين لصالحها في حالة هلاك المشروع.
و هؤلاء يشبهون أصحاب السيارات الذين لا يؤمنون مركباتهم من أجل تغطية مسؤوليتهم المدنية تجاه الغير و الضحايا في حالة وقوع حادث بل خوفا من الشرطي أو الدركي.
إن انعدام ثقافة الخطر هي قضية حساسة بل هي قضية و طنية ينبغي التكفل بها في إطار سياسة مدروسة لرفع الوعي في جميع أطوار المنظومة التربوية من الابتدائي إلى التعليم العالي، لأن الأمر لا يجب أن ينحصر في زرع مبادئ اليقظة و الحذر لحماية الممتلكات الخاصة والوطنية من الأخطار و المصائب  فقط، بل يتعدى ذلك إلى تنمية الوعي الوطني بكل خطر قد يهدد البلاد، ففي ديننا الإسلامي الحنيف من المبادئ التي تفرض علينا الحذر و اليقظة و الوعي بالخطر، و تجاوز رد الأمور إلى القدر بسبب سوء الفهم الذي قد ينتهي بقتل روح المبادرة و الحيطة لتوقي الأخطار .
من جهة ثانية  يتوجب على شركات التأمين، أن تلزم سنويا بتخصيص نسبة من ميزانيتها للتوعية و نشر ثقافة الوقاية من الأخطار، تكريسا لجهود الدولة في نشر ثقافة الخطر، و خدمة لمصلحتها كمؤسسات تنتفع من عدم حدوث الأخطار.
 ـ ما هو إجمالي أقساط التأمين بالنسبة للفرد الجزائري؟
ـ إن إجمالي قسط التأمين بالنسبة للفرد الجزائري ضعيف للأسباب المذكورة، وذلك إذا ما قارناه بدول العالم  و الدول المجاورة.
فإذا قسمنا حصيلة أقساط التأمين السنوية  على عدد السكان فإننا نلاحظ أن إنفاق التأمين لا يتعدى ,3,46 دج للفرد الواحد بالجزائر ، بينما يصل هذا المبلغ في تونس إلى  9.30 دينار تونسي، و إلى 10,40 درهم بالمغرب.
وهو ما يبرز إمكانيات كبيرة لتطوير سوق التأمين بالجزائر، شريطة اعتماد سياسة تأمين حديثة تتبنى التطوير و الاستغلال الذكي للتأمينات غير الإجبارية، مع ابتكار صيغ جديدة تتجاوب أكثر مع الحاجيات الجديدة للمؤمن لهم و كذا المساهمة أكثر في التوعية العامة بالأخطار و نشر ثقافة التأمين لدى المواطنين.
ـ ماذا عن صيغة التأمين على الحياة
و الممتلكات؟
ـ إن التأمين على الأشخاص هو فرع مهم من فروع التأمينات و لقد أوجد المشرع منذ عام 2006 ، بغرض إعطاء دفع قوي لهذا الفرع الاستراتيجي من التأمين و الذي بقي متأخرا مقارنة بتأمين الممتلكات، حيث تم في إطار تشجيعه و تطويره استحداث و اعتماد ست شركات متخصصة تنشط و تتنافس في هذا المجال حاليا.و من أهم صور تأمينات الأشخاص نذكر التأمين على الحياة الذي يعتبر تأمينا احتياطيا يكتتبه الشخص المؤمن له لصالحه أو لصالح شخص آخر سواء في حالة البقاء على قيد الحياة (عقد توفير) أو في حالة الوفاة ( عقد اشتراط لمصلحة الغير).
و يلاحظ حاليا، أن الاكتتاب في عقد التأمين على الحياة ضعيف جدا، إذ يقبل عليه القليلون من  فئة رجال الأعمال على وجه الخصوص و ذلك بالنظر لتكلفته الكبيرة (يزداد القسط بحسب أهمية رأسمال المؤمن و مدة التأمين و سن المؤمن عليه).و يبقى تطور هذا الفرع من التأمينات على الأشخاص ضئيلا رغم استغلال شبكة البنوك في توزيع بعض منتجات التأمين على الأشخاص، كالتأمين المؤقت في حالة الوفاة لضمان سداد الدين العقاري للمستفيدين من قرض اكتتاب سكن خصوصا، كما تجدر الإشارة إلى أن نسبة اختراق تأمينات الأشخاص و مساهمته في المنتوج الداخلي الخام  وصل في الجزائر إلى 0,80 بالمئة فقط، بينما وصل في المغرب 3,48 بالمئة، و في تونس إلى 2 بالمئة, بينما بلغ في جنوب إفريقيا 17 بالمئة، في حين بلغت النسبة المتوسطة العالمية للاختراق 6,6 بالمئة. غير أنه يمكن الجزم بأن هنالك إمكانيات كبيرة لا تزال غير مستغلة خصوصا في ظل تطور الاتصالات الحديثة و أنظمة التسيير الرقمية من جهة، و الحاجة المتنامية للمجتمع للحصول على  تغطية حقيقية يتم فيها التكفل التام بالمخاطر العديدة التي تهدد الإنسان في سلامته الجسدية و في حياته، مثل التكفل بجميع المصاريف الطبية و الجراحية و الاستكشافية و الصيدلانية التي لا يعوض عنها الضمان الاجتماعي حاليا إلا بنسب قليلة  بينما  يتم التكفل بالتعويض عن كل المصاريف في إطار عقد تأمين  فردي أو جماعي لدى شركة تأمين.
نشاط التركيب رفع قيمة سوق تأمين السيارات
ـ كم هو حجم سوق السيارات من إجمالي نشاط التأمين في بلادنا ؟
ـ نسبة التأمين عن السيارات ارتفعت بالنظر للحجم الإجمالي للسوق الوطني للتأمين، حيث بلغت 54 بالمئة عام 2018 بعد أن كانت تمثل قبل 10 سنوات  46 % فقط، و يرجع ذلك إلى نمو حظيرة السيارات بسبب نشاط الاستيراد و كذا  تركيبها محليا، غير أن الإنتاجية الحقيقية لشركات التأمين تكمن في قدرتها على رفع رقم أعمال فروع التأمينات غير الإجبارية، لأن التأمينات الإجبارية لا تتطلب مجهودا إضافيا أو قيمة مضافة ، فمؤمنوها معلومون، وهنا أشير إلى أن غالبيتهم لا يطلعون على محتوى العقود قبل إمضائها، إذ يتعاملون معها بمبدأ الضرائب.
هدى طابي

 

 

الرجوع إلى الأعلى