كان إعلان وزير العدل وحافظ الأختام بلقاسم زغماتي عن انطلاق محاكمة وزراء سابقين، ورجال أعمال في قضايا فساد نقطة فاصلة في مسار العدالة الجزائرية، وأهم حدث في سنة 2019 استقطب اهتمام الرأي العام، وأعاد للمواطن الثقة في القضاء، بعد أن شاهد بأم عينيه وزراء يقفون في قفص الاتهام ويجيبون
على اسئلة القاضي.
واعتبرت سنة 2019 في نظر عديد المحللين سنة متميزة بالأحداث والتحولات السياسية التي شهدتها الجزائر، ولعل أهم ما طبعها إحالة العشرات من قضايا الفساد على العدالة تورط فيها وزراء ورجال أعمال محسوبون على النظام السابق، من بينهم الوزيران الأولان السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، و وكلاء صانعي السيارات، وكان إعلان وزير العدل وحافظ الأختام بلقاسم زغماتي خلال أشغال مجلس الأمة، عن الشروع في محاكمة الضالعين في قضايا فساد وتبديد المال العام يوم 2 ديسمبر الحالي، نقطة فاصلة وبداية مرحلة جديدة في مسار الأمة، لا مكان لها للمفسدين والمتلاعبين بالمال العام ومقدرات الدولة.
العشرات يتزاحمون لمتابعة أكبر قضية فساد
قبل أن يكشف وزير العدل عن تاريخ انطلاق ما أصبح فيما بعد يصطلح عليها «بمحاكمة القرن»، كان الكثيرون يشككون في جدية الأمر، ويستبعدون مقاضاة شخصيات بحجم وزراء أولين ورجال أعمال استحوذوا على مشاريع بالملايير، مع إيداعهم الحبس، ليتزاحم العشرات من الفضوليين أمام مدخل محكمة سيدي محمد صبيحة انطلاق أول محاكمة علنية، ويتأكدوا أن القانون يعلو على الجميع، وأن عهد استنزاف أموال الشعب والدوس على قوانين الجمهورية قد ولى وفات.
 وكان قاضي التحقيق لمحكمة سيدي محمد في إطار نفس القضية،  استمع إلى 10 وزراء سابقين، وولاة وإطارات سابقة بوزارة الصناعة والوكالة الوطنية لترقية الاستثمار، إلى جانب رجال أعمال لهم صلة بملف تركيب السيارات، من بينهم محمد بايري واحمد معزوز ومحي الدين طحكوت وعلي حداد، على ان يستمر لاحقا التحقيق مع نفس المتهمين في قضايا أخرى متربطة بملفات فساد واستغلال النفوذ وتبديد المالي العام.
وانتهت فصول المحاكمة التاريخية، بالنطق بأحكام ثقيلة في حق المتورطين بعد جلسات استمرت أزيد من أسبوع، وكان ذلك يوم  10 ديسمبر الجاري، بتسليط عقوبة 15 حبسا نافذا في حق أويحيى و12 سنة في حق سلال و 20 سنة في حق وزير الصناعة الفار عبد السلام بوشوارب، والحبس ما بين 10 و 3 سنوات ضد باقي المتهمين، مع مصادرة الأموال والممتلكات، ويذكر أن جلسات المحاكمة اختتمت بمنح الكلمة للمتهمين قبل النطق بالالتماسات، كانت عبارة عن توسلات ومحاولة لاستعطاف قاضي الجلسة لتخفيف العقوبة عنهم، وكانت كلمات عبد المالك سلال جد مؤثرة، وهو يذرف دموعا ويتأسف لما آل إليه وضعه، متمسكا ببراءته على غرار كافة المتهمين.
 محاكمة تاريخية بالمحكمة العسكرية للبليدة
وشهدت محكمة العسكرية بالبليدة محاكمة تاريخية، عقب مثول مسؤولين كبار في النظام السابق، بتهمة المساس بسلطة الجيش والتآمر ضد سلطة الدولة، وكان ذلك يوم 23 سبتمبر المنصرم، وتعلق الأمر بشقيق الرئيس السابق ومستشاره سعيد بوتفليقة، الذي كان يعتبر الحاكم الفعلي للجزائر دون سلطات دستورية، ومحمد مدين المدعو توفيق، الرئيس السابق للاستخبارات الجزائرية وعثمان طرطاق المدير السابق لدائرة الاستعلامات العسكرية والأمن، وكذا الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، إلى جانب وزير الدفاع السابق خالد نزار الذي حوكم غيابيا، إلى جانب نجله توفيق في نفس القضية.  
ونطقت المحكمة العسكرية بعد يومين من انطلاق المحاكمة، أي بتاريخ 25 من نفس الشهر، بالسجن 15 سنة في حق كل من سعيد بوتفليقة ومحمد مدين ولويزة حنون وبشير طرطاق، و20 سنة غيابيا ضد خالد زار ونجله ورجل الأعمال فريد بن حمدين، علما أن محاكمة رموز النظام السابق استرعت اهتمام المواطنين والمتابعين للشأن السياسي، وجرت أطوارها في غياب اللواء المتقاعد بشير طرطاق الذي رفض المثول، وكذا سعيد بوتفليقة الذي غادر المحكمة بعد نصف ساعة من بداية الجلسة، ليتم طي أكثر القضايا إثارة للجدل والاهتمام، ارتبطت بمسؤولين عسكريين وأمنيين سامين في الدولة، وجرت في فترة جد حساسة كان الرهان فيها الحفاظ على استقرار المؤسسات وبقاء الدولة، وفي جو سياسي متأزم.
كمال البوشي يجر محافظين عقاريين إلى العدالة

كما عالجت محكمة سيدي محمد شهر جوان الماضي ما عرف بقضية المحافظين العقاريين، التي تورط فيها 12 شخصا، من بينهم « كمال شيخي» المدعو «البوشي»، وتتعلق بخروقات وتجاوزات طالت الدفاتر العقارية وعقود الملكية لفائدة شركة « البوشي» المرتبط اسمه بطبيعة نشاطه الأصلي، وهو المتاجرة في اللحوم الحمراء، لتمكينه الشركة المتخصصة في الترقية العقارية من امتيازات غير مشروعة.
وأثارت القضية بدورها جدلا بعد ان كشفت حيثياتها تجاوزات قام بها موظفون عموميون لتمكين «البوشي» من أوعية عقارية دون وجه حق لإقامة مشاريع استثمارية، وانتهت فصولها بتسليط 10 سنوات حبسا نافذا في حق كمال شيخي، وبالحبس لمدة تتراوح ما بين 8 إلى 5 سنوات ضد متهمين آخرين، مع حرمانهم من وظائفهم العمومية، ومصادرة الممتلكات التي تم الحصول عليها عن طريق الرشوة مقابل منح المتهم الرئيسي مزايا غير مستحقة.
علما أن قضية البوشي تم تفجيرها بعد عملية حجز 7 قناطير من الكوكايين بميناء وهران في نهاية شهر ماي من سنة 2018، وبعد تفتيش مكتب «البوشي» من قبل عناصر الضبطية القضائية، التي عثرت على فيديوهات تثبت منح البوشي رشاوى لموظفين بمحافظات عقارية ومصالح التعمير، لتسهيل حصوله على عقارات ملك للدولة ورخص بناء بطرق غير قانونية.
 عبد الغني هامل وفضيحة نهب العقار والثراء غير المشروع
وكانت قضية مدير عام الأمن الوطني السابق واللواء المتقاعد من بين الملفات الأكثر إثارة، بعد ضلوعه في قضايا فساد إلى جانب أفراد من عائلته، ليأمر قاضي التحقيق بمحكمة سيدي محمد بإيداع المتهم الحبس المؤقت بالحراش، إلى جانب 3 أفراد من اسرته، فيما وضعت زوجته تحت الرقابة القضائية، بتهم تتعلق بنهب العقار غير المشروع.
وكانت قضية الهامل من بين قضايا الفساد التي شدت اهتمام الرأي العام، لأنها ارتبطت بشخصية طرح اسمها كثيرا لتكون خليفة للرئيس السابق، علما ان التحقيقات في قضايا الفساد التي أطلقتها محكمة سيدي محمد، صاحبها فتح عشرات القضايا الأخرى بعدة ولايات، من بينها محكمة جمال الدين بوهران، التي اودعت شقيق عبد الغاني هامل، ليماني هامل الحبس المؤقت عقب التحقيق معه في قضايا تتعلق بنهب العقار.
وزراء سابقون ونواب يستدعون تباعا إلى المحكمة العليا
وكانت الصائفة الماضية مليئة بالأحداث، فقد شهدت توالي إجراءات رفع الحصانة على نواب اتهموا بالفساد، واستدعاء وزراء في عهد النظام السابق للتحقيق بالمحكمة العليا، ويتعلق الأمر بكل من الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، إلى جانب عبد الغني زعلان وعمار تو وبوجمعة طلعي وكريم جودي وعمارة بن يونس وعمار غول وعبد القادر بوعزقي وعبد السلام بوشوارب، يوسف يوسفي بدة محجوب، إلى جانب والي العاصمة السابق عبد القادر زوخ ووالي البيض محمد جمال خنفر، وتم ذكر أسماء المتهمين خلال مراحل التحقيق مع رجل الأعمال علي حداد.
 إيداع آخر وزير عدل في عهد النظام السابق الحبس المؤقت
كما أسفرت التحقيقات التي أجراها قاضي التحقيق بالمحكمة العليا عن إيداع وزير العدل السابق طيب لوح الحبس المؤقت، وكان ذلك بتاريخ 22 اوت الماضي، بتهمة سوء استغلال الوظيفة وإعاقة السير الحسن للعدالة، التحريض على التحيز وعلى التزوير في محررات رسمية، ومن المنتظر أن تحال قضية طيب لوح إلى المحاكمة قريبا ليتم طي ملفات الفساد تدريجيا، استعدادا لدخول مرحلة بناء المؤسسات والاقتصاد الوطني على أسس سليمة.
قضية ربراب آخر ملف تناولته العدالة خلال 2019
وكانت قضية رجل الأعمال المعروف يسعد ربراب أخر ملف فتحته العدالة خلال سنة 2019، وكان ذلك على مستوى محكمة سدي محمد يوم الأربعاء الماضي، ويتعلق الأمر بقضية مخالفة التشريع والتنظيم الخاص بالصرف وحركة رؤوس الأموال، وتم تأجيل الفصل فيها إلى غاية اليوم مع رفض الإفراج المؤقت عن رجل الأعمال يسعد ربراب، بعد ان تعذر استكمال أطوار الجلسة لأسباب عدة، من بينها إصرار المتهم الرئيسي على حضور مترجم بسبب عدم اتقانه اللغة العربية.                  لطيفة بلحاج

الرجوع إلى الأعلى