يقدم في هذا الملف خبراء و مختصون تشخيصات لأثر وباء كورونا على الاقتصاد الوطني، ويقترحون تقاسم الأعباء بين جميع مكونات المجموعة الوطنية في هذا الظرف، للحفاظ على المؤسسات وعلى أجور العمال خصوصاً أولئك المتواجدين خارج دائرة العمل والإنتاج بسبب تدابير الوقاية من الوباء الذين تشكل كتل أجورهم عبئا على المؤسسات قد يؤدي إلى الإفلاس وتوقف النشاط نهائيا. كما يقترحون الشروع  في التحضير للمرحلة القادمة من خلال تنفيذ إصلاحات عميقة لا تستثني قانون العمل الذي يرى احد الخبراء المختصين أن الزمن تجاوزه لأن ظروف سنّه تختلف عن الظروف التي نعيشها اليوم.

- أعد الملف / عثمان بوعبدالله

- أسماء بلميهوب أستاذة بجامعة البرج: الوباء قلب الموازين و يجب الحرص على عدم توقيف الإنتاج


ترى، بلميهوب أسماء باحثة في العلوم التجارية، وأستاذة الاقتصاد بجامعة محمد البشير الابراهيمي بولاية برج بوعريريج،أن تأثيرات وباء كورونا انتقلت من القطاع الصحي لتصيب القطاع الاقتصادي وقطاعات أخرى، كما أنها أصابت داخل كل اقتصاد عدة جوانب وبآثار متفاوتة، بشكل يحيل إلى ما يعرف "بأثر الفراشة" لإدوارد لورنز، حيث قد تؤدي رفرفة جناحي فراشة في البرازيل إلى إحداث إعصار في تكساس، فالأثر الناتج عن إغلاق المصانع كإجراء للحد من العدوى بالوباء في الصين نتجت عنه مشاكل مرتبطة بندرة في المنتجات القاعدية واضطرابات في سلاسل التوريد في باقي دول العالم، فأصبحت "ناقلات المعدات الطبية لندرتها أهم من ناقلات النفط لوفرته".
و أضافت،أن مصطلحات الإمداد أو اللوجستيك، التي عادة ما تستخدم في استراتيجيات إدارة الحروب، أخذت بعدا في إدارة الأزمة الصحية العالمية، ففي الحروب يموت الناس من نقص الغذاء أكثر مما يموتون بالقتل، ومعركة البشرية في مواجهة هذا الوباء تطلبت اهتماما حقيقيا باللوجيستيك كجزء من سلسلة التوريد، حيث انعكست بحسبها إدارة الأزمة الصحية على سلاسل الإمداد ذات العلاقة بالصحة في الجزائر على غرار بقية دول العالم، نتيجة التضييق على التموين بالمواد الأولية والمنتجات التامة الصحية وكذا على عملية التوزيع، فلقد تضررت التجارة الدولية بشكل عام وكل عمليات النقل الجوي والبحري بشكل خاص، في حين تطلب الظرف الحساس تسهيل عمليات التموين الصحي كحتمية فرضتها إجراءات الوقاية و مكافحة انتشار وتفشي الوباء، وذلك باستثناء عمليات الاستيراد والتصدير من إجراءات الإغلاق لكل الحدود البرية والبحرية والجوية، كما جاء في مضمون تعليمة الوزير الأول الموضحة للطرق العملية لتنفيذ المرسومين التنفيذيين حول تدابير مكافحة انتشار الوباء (مرسوم 20-69 المؤرخ في 21 مارس 2020 والمرسوم التنفيذي 20-70 المؤرخ في 24 مارس 2020) مع الحفاظ على استمرارية النشاط الاقتصادي في نفس الوقت.
و أكدت،في حديثها عن تأثير الجائحة، على سلسلة التوريد و التموين، ابتداء من التموين بالمواد الأولية والوسيطة الموجهة لقطاع الإنتاج، وصولا إلى تجار الجملة والتجزئة والناقلين المترابطين فيما بينهم كنظام متكامل،كما أنها مست إجراءات التقييد المتعلقة بالتموين وكلما تتضمنه عمليات التوضيب والنقل والتخزين، مع التركيز على مرحلة العبور في حالة استيراد المنتجات الوسيطة للجهاز الإنتاجي، ما تطلب كل التسهيلات على مستوى الموانئ البحرية والجافة، منبهة إلى ضرورة إدارة التأخر الذي قد ينتج عن عمليات الفحص الصحي الدقيق لكل السلع والتراخيص، لما قد يسببه من تباطؤ في حركة البضائع واضطرابات في عملية التوريد إضافة إلى ارتفاع تكاليف الخدمات.
أما عن إجراءات وقف النشاط، بأغلب المؤسسات ظرفيا أو تقييده بشرط التباعد، إلى حين تجاوز أزمة الجائحة، فأشارت إلى أن الإنتاج كأهم أجزاء سلسلة التوريد، يتطلب معايير للحذر والتباعد الاجتماعي دون ضرورة إيقاف النشاط، وذلك باعتماد أقل عدد ضروري من المستخدمين (50%) والترخيص بتنقلهم من وإلى العمل تفاديا للانقطاع في السلسلة وما ينجر عنه من ارتباك للوظائف القبلية والبعدية، أما التوزيع ونقل البضائع فقد بقي مستمرا في مجالات محددة، كتزويد تجار المواد الغذائية والصيدليات إضافة إلى توريد محطات البنزين، ما استدعى تنشيطا لعمليات نقل وتسليم البضائع بكل أنواعها لتسهيل حركة مخرجات العملية الإنتاجية وإدارة عمليات التخزين في المؤسسات، وكذلك تفادي إفلاس شركات النقل بأنواعها والتي تتميز في الغالب بصغرها وهشاشتها المالية وعدم قدرتها على إدارة نقص الطلب.
و نبهت الأستاذة أسماء بلميهوب، إلى ضرورة الإدراك التام أن عملية نقل السلع تنطوي أيضا على مخاطر انتقال الوباء، بما يستلزم اتباع تدابير استثنائية للحد من انتشاره، في حين لم يكن الوقت كافيا لتحديد واعتماد تدابير موحدة على المناطق والقطاعات،حيث بقيت كاجتهادات فردية غير قائمة بالضرورة عن معرفة عميقة بآليات انتقال الوباء، وذلك راجع لنقص الخبرة البشرية في مسألة التعامل مع الكساد والوباء في آن واحد.
ع / بوعبدالله

- بلوهري راجح مستثمر و رئيس غرفة الصناعة  و التجارة البيبان: اقترحنا تسهيلات جمركية و قروضا بدون فوائد لدفع الأجور


 أشار، راجح بلوهري مستثمر و رئيس غرفة الصناعة و التجارة البيبان، إلى أن أغلب المستثمرين و الصناعيين يعانون من توقف شبه تام في سلسلة الإنتاج، و وهن مالي ناجم عن انعكاسات الأزمة الصحية التي ضربت العالم و انتقلت تبعاتها إلى أغلب القطاعات بما فيها قطاع المال و الاقتصاد، ما جعلهم يتساءلون حاليا عن كيفية تسديد أجور العمال، وحماية مؤسساتهم من خطر الافلاس، بفعل العجز المالي الذي لحق بالعديد من المؤسسات بالنظر إلى توقف سلسلة الإنتاج، لدواعي وقائية فرضتها الأزمة الصحية و حتمية التباعد، و كذا لتوقف السيولة المالية الناجمة عن توقف النشاط و تناقص المبيعات، ما جعل أرباب العمل بحسبه يواجهون الأمرين بسبب تسديد كتل الأجور المتراكمة للعمال رغم توقفهم عن النشاط مجبرين، و نقص السيولة المالية التي ستكون لها انعكاسات وخيمة على المعامل في حال عدم الإسراع في إيجاد حل لهذا الإشكال في وقت أصبحت المؤسسات كما قال عاجزة عن تسديد حقوق الجمركة و اقتناء المواد الأولية لضمان اعادة بعث نشاطها بعد تجاوز أزمة الجائحة .
و لتجاوز هذه الأزمات التي تقاطعت، و تخفيف وطأتها من الهزات و الصدمات التي مست سلسلة الإنتاج و ديمومتها، أشار محدثنا إلى رفع عدة مقترحات إلى الحكومة و الوزارة الوصية، بناء على طلبها للمساهمة بمقترحات من أرباب العمل و جميع الشركاء للخروج بحل من أزمة الجائحة و ما بعدها، ارتكزت في مجملها على مقترح منح المؤسسات الناشطة في المجال الاقتصادي و الصناعي قروضا بدون فوائد، يتم احتسابها بالاعتماد على التصاريح الموسمية بالنشاط لمصالح الضرائب، عن كل مؤسسة، و تجمع فيها معدلات شهرية لكتلة الأجور مع السيولة المالية، و تمنح على شكل قروض طول فترة الجائحة أو لمدة ستة أشهر، ما يسمح للمؤسسات و المستثمرين بدفع الأجور في وقتها و حماية شركاتهم من الإفلاس و الغلق النهائي، على أن يتم تسديد هذه القروض عبر مراحل من الفوائد بعد انقضاء فترة الجائحة وعودة سلسلة الإنتاج و التوزيع إلى حالتها الطبيعية.
كما أشار إلى وضع مقترحات أخرى، تتعلق بالتسهيلات الجبائية و الضريبية على اعتبار أن أغلب المؤسسات متوقفة عن النشاط، فضلا عن تقديم تسهيلات جمركية، مشيرا إلى عجز العديد من المؤسسات عن دفع تكاليف الجمركة على مستوى الموانئ بسبب عجزها المالي الناجم عن توقف نشاطها طيلة فترة الأزمة الصحية، ما سيزيد من المصاريف عليها بدفع تكاليف مضاعفة كحقوق تخزين البضائع و المواد الأولية التي لا تزال مكدسة بالموانئ، و فوق ذلك قد تنتهي صلاحية بعض المواد منها قبل تصنيعها ما يضاعف من حجم الخسائر .
و أوضح،أن أغلب الصناعيين و التجار يتفهمون الوضع الذي تمر به البلاد، ما جعلهم يساهمون من جهتهم في الحلول، على الرغم من أن الكثير منها كما أضاف ليس في صالح أرباب العمل و المؤسسات، مشيرا إلى اتصال العديد من الصناعيين و التجار بمفتشيات العمل، للاستفسار و بحث حلول لهذه الأزمة، سيما ما تعلق منها بكيفية التعامل مع العمال المجبرين على البقاء في منازلهم، و تعليمات الجهات الوصية بدفع أجورهم رغم توقف نشاط المؤسسات و عدم التحاقهم بمناصب عملهم، أين أكدت أغلب المفتشيات حسب ما أضاف على عدم وجود أي سند قانوني لأن الأجر يقابله العمل، لكن و بالنظر إلى أن تبعات الأزمة ثقيلة، فأصبح لزاما كما أضاف تقاسم المسؤولية و التعاون للخروج بحلول مناسبة لتسيير الأزمة بالحفاظ على مناصب العمل من جهة و حقوق العمال و كذا حماية المؤسسات من الإفلاس من جهة أخرى، خاصة و أن أغلب المصانع و المؤسسات الاقتصادية و التجارية كانت تسير بالسيولة التي تحققها من الإنتاج، و بعد غلقها الاضطراري أصبحت عاجزة عن توفير السيولة اللازمة لتسديد كتلة الأجور المتراكمة و كذا شراء المواد الأولية، حيث قال في هذا الصدد أن الضائقة المالية دفعت بالبعض إلى صرف مدخراتهم و الاستدانة، بهدف منح عمالهم نسب من الأجور، كحل أفضل من قرارات التسريح أو الدخول في عطل تقنية، مبديا أمل الصناعيين و المستثمرين بالغرفة في تسريع وتيرة منح القروض بدون فوائد، و تفادي التعقيدات و الاجراءات البيروقراطية و الادارية في منحها، لتمكينهم من دفع الأجور و تكاليف المواد الأولية و جميع المستحقات المتعلقة بالتأمين، ما يمنح للمؤسسات نفسا جديدا يعطيها مقاومة لتحمل تبعات الأزمة بتحريك الإنتاج و حماية العمال من البطالة و بعدها تعويض الخسائر من فوائد الإنتاج، و بذلك حماية المؤسسات من الإفلاس و العمال من التسريح و الاقتصاد الوطني من الانهيار.                       ع/ بوعبدالله

- جريدي لحسن خبير قانوني في الجباية والضرائب: تفعيل دور الصناديق الخاصة لدفع الأجور و تشكيل لجنة نجدة


يرى،لحسن جريدي خبير قانوني في الجباية و الضرائب، أنه يتعين على الحكومة، في إطار المقترحات للخروج من عنق الزجاجة و الضائقة المالية الناجمة عن تقاطع الأزمة الاقتصادية و الصحية، المرور من الإجراءات الوقائية لكبح تفشي الوباء، إلى التفكير فيما بعد الجائحة ( كورونا كوفيد 19)،بإعداد قانون مالية استثنائي و تشكيل خلية نجدة، من أجل التكيف مع الوضع الجديد وإدارة هذه الأزمة الصحية مع تداعياتها على النسيج الاقتصادي وسوق العمل والوضع الاجتماعي.
و أوضح، حسان جريدي و ،أن مواجهة مثل هذا الوضع، يستدعي تشكيل لجنة أزمة بالسرعة المطلوبة، تتكون من خبراء في التمويل الدولي، الضرائب، الاقتصاد، الاتصالات، الصحة، التعليم، المستشارين القانونيين و ممثلين منتخبين من غرفتي البرلمان و مجلس الأمة وأعضاء من ممثليات العمال ومنتدى رؤساء المؤسسات، تتمثل مهمتها الرئيسية، في العمل التطوعي بالتعاون مع السلطة التنفيذية، لتقديم مقترحات تتطرق إلى جميع الجوانب منها على وجه الخصوص، وضع قانون مالية استثنائي لإدارة هذه الأزمة العالمية، و سن النصوص الانتقالية التي تحكم سوق العمل، والضمان الاجتماعي، و تنظيم عمليات الاستيراد والتصدير، و إدارة القروض المصرفية الممنوحة للمتعاملين الاقتصاديين، دون إهمال مطلب التوجه السريع لاستخدام الرقمنة عبر جميع الإدارات والقطاعات الاستراتيجية، و وضع إستراتيجية تبادل في إطار التجارة الخارجية تتماشى مع وضع آخر على أساس النظام الجديد، و من ذلك تشجيع إنشاء شركات صغيرة للإنتاج والزراعة والمعالجة وتقديم الخدمات، و ربما اللجوء إلى التمويل غير التقليدي كأمر حتمي مهما كانت نتائجه.
أما فيما يخص العجز الذي أصبحت تعاني منه المؤسسات بالنظر الى توقف سلسلة الانتاج، و ضرورة توفير كتلة الأجور الشهرية لعمالها،فأشار إلى أن الإشكالية المطروحة في هذا الشق، لا تتعلق بالفراغ القانوني المسجل في مثل هذه الحالات و الأزمات الصحية، التي تفرض مطلب التباعد الاجتماعي، بل في كون أن الحكومة الحالية ورثت قانون العمل ساري المفعول لحد الآن "تجاوزه الزمن" من 1990، و هو مفروض حينها كما قال من صندوق النقد الدولي، بحيث و بعيدا عن الأزمة الصحية الحالية،أصبح بحاجة إلى تحيين و تكييف مع متطلبات العصر، من خلال ربطه مع عوامل العصرنة و التكنولوجيا و نمط المعيشة، مضيفا أن بعض المؤسسات مهددة بالافلاس، و لو تقدم على تسريح العمال فهذا غير منطقي و من غير المعقول، رغم أن القانون واضح في مثل هذه الحالات، فضلا عن تعامل أغلب المؤسسات بالنظام الداخلي الذي يتيح لها اتخاذ اجراءات ضد عمالها في إطار علاقة العمل، لكن الظرف الحالي يحتاج إلى التعاون لتسيير الأزمة و وضع نصوص تنظيمية للخروج منها بأقل الأضرار و بأقل تكلفة، مشيرا إلى توفر بعض الحلول بتفعيل دور الصناديق الخاصة،على غرار الصندوق الوطني للتأمين عن البطالة، لتعويض المؤسسات في هذا الظرف، حيث يساهم العامل كما أضاف في هذا الصندوق بنسبة 0.5 بالمئة و 1 بالمئة عن المؤسسة في كل شهر، و التي تحول عن طريق صندوق التأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء.
وأشار أيضا إلى إمكانية استغلال المساهمات المتعلقة بالتقاعد المسبق، الذي ألغي منذ مدة تقارب الثلاث سنوات لكن ما تزال نسبة الاشتراكات فيه المقدرة ب 0.5 بالمائة سارية المفعول و مطبقة على المؤسسات، لذا يمكن بحسبه أن توزع عليها لتسوية مستحقات عمالها بالإضافة إلى صندوق( كناك)الذي يكمن دوره في وقت الأزمات و خلال العطل التقنية و إفلاس المؤسسات، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل دور صناديق مساهمة أخرى تدفع كل مؤسسة لها اشتراكات غير مباشرة كل في قطاعها، على غرار صناديق البيئة و الأخطار وصندوق مكافحة السرطان والسيدا والتصحر والصناديق المخصصة للكوارث الطبيعية و البحوث العلمية، للمساهمة في التقليل من حدة الأزمة و الضائقة المالية التي تعصف باستقرار المؤسسات و الاقتصاد الوطني بشكل عام .
و استطرد الخبير القانوني في الجباية، بالقول "قد تكون لدينا أفكار مختلفةو مواقف متباينة تماما، ولكن في هذا الظرف و مع ظهور الوباء يجب أن يتحد الجميع"، للتوصل إلى إجماع حول كيفية التعامل مع الأزمة بوضع المصالح الشخصية و الاختلافات جانبا، حيث سيكون فيه الكثير من الوقت بعد الأزمة ليدافع كل واحد عن حقوقه سواء عمال أو مؤسسات،خصوصا و أن العالم على وشك أن يعيش تجربة غير مسبوقة منذ عام 1918، مضيفا أن تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على الجزائر مؤكد، فهو يظهر أولا من الضرر الجانبي الذي أحدثه الوباء بانهيار أسعار النفط دون مستوى 20 دولارا للبرميل، الذي عمق من الأزمة المالية،التي برزت منذ سنوات، فضلا عن تداعياتها السلبية على الشركات و المؤسسات، مشيرا إلى أن تراجع المداخيل و انكماشها سيكون بتكلفة، أول من يدفع فاتورتها ستكون الشركات و عمالها.
ع/ بوعبدالله

- عبد الناصر بلميهوب أستاذ بجامعة تيزي وزو و باحث في قانون العمل: الحفاظ على مناصب الشغل يتطلب تظافر جهود الحكومة و الشركاء الإجتماعيين


أكد،عبد الناصر بلميهوب،باحث في قانون العمل و أستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة مولود معمري بتيزي وزو، أن الوباء ضرب الاقتصاد الوطني والعالمي بشكل عميق، ولا يمكن مواجهة آثاره السلبية (الاقتصادية والاجتماعية خاصة)و ضريبته من قبل طرف واحد، بل يستدعي تكافل جهود الجميع من حكومة وشركاء اجتماعيين من أجل الوصول إلى حلول، من شأنها أن تخفف من عناء العمال خلال هذه الفترة، وتسمح للمؤسسات الاقتصادية النهوض للدفع بطاقات الإنتاج القائمة.
و في رؤيته،لمصير علاقات العمل في المؤسسات الاقتصادية و ما تفرضه حتمية الحجر المنزلي، قال أن مطلب التباعد الاجتماعي المفروض من قبل الحكومة كتدبير من تدابير الوقاية من انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد – 19) ومكافحته، تسبب في توقف عمال المؤسسات الاقتصادية، ليجد أصحاب المؤسسات أنفسهم أمام ظرف اقتصادي عصيب، قد يهدد وجود مؤسساتهم الاقتصادية،مضيفا أنه و طبقا لقانون العمل فعلاقات العمل خلال هذه الفترة معلقة بموجب المادة 64 من قانون رقم 90-11،لكن هذا الوضع الجديد غير الطبيعي أنتج عدة تساؤلات، تتعلق أساسا بحقوق العمال ومصير مناصب عملهم سواء خلال فترة الحجر المنزلي، و ما بعده بالخصوص.
و أوضح أن من أهم هذه التساؤلات، ما يتعلق بمن يتكفل بدفع أجور العمال في القطاع الاقتصادي، عن فترة التوقف عن العمل بسبب الحجر المنزلي، مشيرا إلى أن"الأصل طبقا لنص المادة 80 من قانون رقم 90-11، أن لا يُدفع الأجر إلا بعد تنفيذ العمل"، غير أنه يمكن أن تدفع الأجور ولو في حالة توقف علاقة العمل من دون أن يكون العامل سببا في عدم تنفيذ المطلوب منه، و في نفس الوقت لا يتحمل أرباب العمل مسؤولية توقف النشاط،ما يفرض على الشركاء الاجتماعيين أن يجدوا طرقا لدفع أجور العمال خلال هذه فترة، وانتظار قرارات الحكومة لإيجاد الصيغة و الحل الأمثل للتكفل بجزء من هذه التعويضات.
من جانب آخر، يجيب الأستاذ عبد الناصر بلميهوب، عن تساؤلات مهمة فرضتها هذه الفترة، على غراره ل يحق لأرباب العمل اعتبار مدة الحجر المنزلي عطلة سنوية، و يؤكد على أن القانون يعتمد في حساب العطل السنوية على فترة مرجعية سنوية تنتهي في 30 جوان من كل سنة، ذلك معناه أن"صاحب العمل لا يمكنه أن يجبر عامل على أخذ عطلته السنوية قبل استكمال مدتها (30 يوما)"، إلا في حالة عامل لم يستهلك عطلته السنوية بعد، فهنا يمكن لصاحب العمل أن يجبره على أخذ عطلته السنوية.
أما ما يتعلق بالصعوبات الاقتصادية التي تواجه المؤسسات الاقتصادية نتيجة اتخاذ الحكومة إجراءات الحجر المنزلي، فالمؤكد كنا أضاف أن استمرار هذه الظروف يهدد بقاء أغلب مؤسسات القطاع الاقتصادي الخاص، بما أنها لا يمكنها أن تتحمل لوحدها أعباء توقف نشاطها، إما بسبب منع العمال من الالتحاق بمؤسساتهم، أو لظروف اقتصادية أخرى ناجمة عن عدم تمكن هذه المؤسسات من التموين بالمواد الأولية، مشيرا إلى أنه و بالرجوع إلى نصوص المرسوم التشريعي رقم 94-09 يمكن لصاحب المؤسسة أن يطلب مساعدات عمومية في شكل تخفيض أو إعفاء جبائي أو شبه جبائي في إطار قانون المالية المقبل، أو منح الصندوق الوطني لترقية الشغل الضمانات الضرورية للحصول على قروض للدفع بطاقات الإنتاج القائمة.
و فيما يتعلق بلجوء بعض المؤسسات إلى خيار تسريح العمال بداعي الإفلاس و توقف سلسلة الإنتاج، فيضيف الأستاذ بجامعة مولود معمري، أنه و في حال لم تتمكن المؤسسات من تجاوز الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن اتخاذ الدولة إجراءات الحجز المنزلي، فالحقيقة أن كل الأزمات الاقتصادية التي عرفها الاقتصاد الحر، أول من يضحى بهم لمحاولة التقليل من حدة الأزمة هم العمال، إذ دوما ينظر إلى الأعباء الاجتماعية على أنها تحول دون تجاوز المؤسسة الاقتصادية الأزمة التي تمر بها، مضيفا أنه و إن كان القانون يجيز لأصحاب المؤسسات الاقتصادية اللجوء إلى تقليص عدد العمال وفق الكيفيات المقررة في المرسوم التشريعي رقم 94-09، غير أنه يفرض عليهم اتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها تفادي تسريحهم، وإن كان ذلك أمرا محتوما فسيستفيد هؤلاء العمال المسرحين من التكفل من تعويضات والتكفل من الصندوق الوطني للتأمين عن البطالة، لكن الوضع الراهن يتطلب بحسبه وضع مصلحة العمال ايضا في الحسبان و كذا الحفاظ على القدرة الشرائية، ما يحتم على ارباب المؤسسات و الصناعيين الاحتفاظ بهم وتقاسم ضريبة الجائحة و الضائقة المالية لحماية الاقتصاد الوطني من الكساد ما بعد الوباء، في انتظار صدور القرارات التنظيمية اللازمة من قبل الحكومة، التي اكتفت بعد ظهور الأزمة الصحية المفاجئة باتخاذ القرارات الوقائية من تفشي الوباء في المرسوم المتعلق بالحجر الصحي.
ع/ بوعبدالله

عبد الرحمان بن خالفة خبير اقتصادي و وزير مالية سابق: لا بد من تقاسم المسؤوليات بين الحكومة والشركات والمستهلكين


يرى، عبد الرحمان بن خالفة الخبير الاقتصادي و وزير المالية السابق، أن مواجهة أزمة وباء كورونا كوفيد 19، و ما ترتب عنها من تداعيات و اختلالات في النسيج الصناعي
و الاقتصاد الوطني، يحتاج إلى تضافر جهود المجموعة الوطنية بأكملها و ليس الحكومة لوحدها، بل لا بد من تقاسم المسؤولية كل حسب دوره بما فيها الشركات و المؤسسات
 و المستهلكين، بترشيد النفقات و الحد من التبذير، ما يسمح بمعادلة فاتورة النفقات و الميزانية العامة وفقا للمداخيل و الإمكانات المالية المتوفرة، مشيرا إلى أن الاجراءات
و القرارات المتخذة من قبل الحكومة من شأنها التخفيف من حدة الأزمة، لكنها ليست حلا نهائيا لها.

- أجرى الحوار : عثمان بوعبدالله
تهاوت أسعار العقود الآجلة للخام الأمريكي، في حالة غير مسبوقة بنسبة تفوق 305 بالمائة و بسعر تحت الصفر بحوالي 37 دولارا للبرميل، فهل لهذه الأخيرة انعكاسات على سوق البترول حاليا ؟
علينا أن ننتبه لمثل هذه الأمور، فهذه المبيعات الآجلة جزء من السوق مثل من يضاربون في بيع سوق العملة الصعبة، و زيادة على ذلك هناك مبيعات من الشركات المنتجة مثل سوناطراك و مبيعات من مضاربين يشترون حصصا ووعودا بالتسليم و يتم التفاوض عليها. هي جزء من المبيعات التي لا تمس الجزائر و يتعامل فيها المنتجون الأساسيون ، فسعر البرنت مازال في حدود 27 إلى 33 دولارا، لكن الاتجاه الكبير أن يبقى سوق البترول متذبذبا لأن الطلب ناقص و العرض يتزايد، سيما و أن فصل الصيف على الأبواب، هذه كلها عوامل خارجية و داخلية بالإضافة إلى عوامل جيوستراتيجية و عوامل ظرفية بسبب أزمة كورونا، قللت من الطلب لأن كل المحتاجين هم في كساد على المستوى العالمي، بما أن أغلب الآلات و المركبات التي تسير بالوقود متوقفة، فهذه كلها عوامل تؤثر سلبا على سعر السوق و لا يبدو أنها ستتغير نحو الأفضل على الأقل في الأسابيع و الأشهر القليلة القادمة، بحسب مختصين في الطاقة، فهم يقولون أن مداخيل البلدان المصدرة للبترول ستكون أقل من المتوسط المتعود عليه، بمعنى أنها لا تتجاوز مبلغ 37 دولارا للبرميل.
و هل سيكون لهذا الانهيار في أسعار العقود الآجلة للبترول الأمريكي، انعكاس بالإيحاب على سعر البترول الجزائري على المديين المتوسط و البعيد ؟
ما يجري في السوق الأمريكية و الكندية، أقرأه كخبير مالي و ليس طاقوي، لا يمكن أن يكون لها تأثير كبير، فلو يكون لها تأثير ستزيد الأسعار، بمعنى أن انهيار أسعار الخام الأمريكي ( الشيست)و الغاز الصخري راجع لتكاليفه الباهظة مقارنة بتكاليف استخراج البترول، كما أن الولايات المتحدة تلعب على عدة أوتار و جبهات، و ليس البترول فقط، لتحافظ على شركاتها لأنها شركات كبيرة هي التي تؤيد بطريقة أو أخرى الحكام في البلد و تمول الاقتصاد و تخطط للخروج من هذه المرحلة و هي متحكمة في السوق النفطية لأنها على يقين بحسابات السوق، وإذا كان العرض سينقص و الطلب سيزداد بعد كورونا فيمكن أن يكون في صالح بعض الأطراف من غير حلفائها، كما أن السوق الحالية متذبذبة لأسباب موضوعية تتعلق بعاملي العرض و الطلب موازاة مع الركود العالمي.
ربما توقف الملاحة و الطيران زاد من تهاوي الأسعار؟
لا أعتقد ذلك، فالركود مس جميع القطاعات التي لها علاقة مباشرة بالمواد الطاقوية أو غير مباشرة، الملاحة الطيران المعامل و المصانع، لأن الركود حين ينزل بواحد بالمائة،  فنسبة النمو ستكون في حدود 03 إلى 04 بالمائة لكنها في تراجع مستمر، فالآن أصبح سوقا تضاربيا تتصارع فيه عوامل الجيوستراتيجية أكثر من العوامل الاقتصادية فلذلك سيستمر التأثير على البلدان خصوصا البلدان التي تنتمي للأوبك أو غيرها لأن هناك بلدان تبيع أكثر بكثير مما تتطلبه، فالجزائر مثلا تبيع 1/12 مما تبيعه السعودية و احتياجاتنا المحلية ضعف ما نصدره، فالبلدان التي لها حساسية كبيرة هي البلدان التي تتزايد احتياجاتها بالنظر إلى النمو الديمغرافي كما أن مبيعاتها صغيرة من حيث الكمية، هذه البلدان لها حساسية كبيرة، مقارنة بالبلدان التي تمطر عليها دولارات في كل يوم.
كل هذه العوامل و غيرها ستجعل من سوق البترول متذبذبا بين 25 و 35 دولارا، و بالتالي نحن مثل البلدان التي في مستوانا لا بد من الآن أن نكيف ميزانيتنا على سعر لا يزيد عن الثلاثين دولارا، و علينا أن نبحث عن موارد بديلة لما بعد وباء كورونا .
حُدد السعر المرجعي للبترول بـ 50 دولارا في ميزانية العام الجاري، فما هو المطلوب حاليا؟
الاجراءات اتخذت من قبل الرئيس و الحكومة، و تم اتخاذ قرار في تخفيض في الميزانية ، أولا خفض ميزانية التسيير بنسبة 30 بالمائة، مع العلم أنها في حدود 05 ألاف مليار دينار، بمعنى 40 مليار دولار، القرار اتخذ منذ بداية الأزمة الصحية، ثانيا ميزانية التجهيز في حدود 2500 مليار دينار، اتخذ قرار في مجلس الوزراء بعدم انفاقها كلها و التريث فيما يتعلق باقتناء التجهيزات الأقل أهمية في الوقت الحالي بتأجيلها أو تجميدها، كما تقرر تحديد حجم الإنفاق خلال هذه السنة عند حدود 31 مليار دولار، من أصل 42 إلى 44 مليار دولار، أي عوض أن نتوجه إلى الواردات التي تكون في حدود 45 مليار دولار نتراجع فيها إلى أقصى حد، و إضافة لكل هذا تسقيف حجم الاستيراد في حدود 31 مليار دولار خلال 2020، و التغاضي عن الخدمات المستوردة على غرار الاستعانة بمكاتب الدراسات الأجنبية، التي كانت تستهلك سنويا في حدود 08 إلى 10 مليار دولار.
فهذه القرارات كلها مجتمعة، تجعل البلد يقلل من عجز الميزانية لأن المرحلة صعبة، و بالتوازي مع هذا و مع محاربة الكورونا الذي زاد من الأعباء وكلف الملايير، و لكن هذه الكلفة لا يتفاوض فيها، فنحن مجبرون على صرفها على أن يوزع جزء منها على عاتق الدولة و الجزء المتبقي على عاتق الشركات.
ما هو المطلوب في هذا الظرف بالذات من الشركات و المؤسسات ؟
ماهو المطلوب من المجموعة الوطنية بأكملها، فالدولة و الحكومة تعمل في فترة صعبة أولا تضغط بصرامة كبيرة حتى لا تصل إلى مستوى غير مقبول من العجز و في نفس الوقت تفتح ملفات الاصلاحات الكبيرة التي تعيد من جديد للاقتصاد قيمته، و ترفع من دور القطاع الاقتصادي لأنه حاليا في ضغط كبير ففي نفس الوقت لا بد أن يشتغل بخمسين بالمائة من موارده البشرية في اطار اجراءات الحجر أو العمل عن بعد ... المهم أن تحاول المؤسسات أن تحافظ على مستوى مقبول من النمو كما أن على المستهلكين أن يصبحوا أقل تبذيرا، مع ترتيب الأولويات و ترشيد استهلاك الكهرباء و الماء و الطاقة بالإضافة إلى الاقتصاد المفروض في المواد الطاقوية كتوقف حركة السيارات، فالمرحلة هذه بمساوئها لكنها تفرض الأولويات سواء على مستوى الأفراد و الشركات و على مستوى الدولة فنحن في مخاض عسير و لا بد من التحضير للقفزة النوعية التي تأتي مباشرة بعد الأزمة الصحية لتكون الانطلاقة ما بعد الكورونا، خاصة و أن العديد من البلدان تحضر لها لاستدراك ما خسرته خلال هذه المرحلة، باعداد مخططات لما بعد الأزمة الصحية، بإحداث انطلاقة حقيقية على مستوى الانفاق و الانتاجية داخل المؤسسة، و الحرب على الاستيراد لأننا ألفنا العيش في حدود 31 مليار دولار، و هذا يمكننا أن نعيش بهذا الحد في السنوات القادمة و نتفادى التبذير مثلما كان عليه الحال قبل سنوات،و زيادة على هذا وجب اتخاذ حزمة من الإجراءات بغية الانتقال إلى نمط تنويع الاقتصاد .
الأزمة أبانت عن هشاشة و تبعية النسيح الإقتصادي، بحيث أن أغلب المؤسسات توقفت عن النشاط بحكم نفاد مخزونها من المادة الأولية المستوردة، فما هي الحلول الممكنة لبناء صناعة قوية ؟
الاختلالات في الاقتصاد ظهرت و لو أنها مست جميع الاقتصاديات العالمية لكن بنسبة متفاونة لأن الأزمة جاءت بشكل مفاجئ، في التحليل الاقتصادي نتعجب أن البلدان الأكثر نموا و الأكثر تنظيما   و نشاطا و الأكثر حركية في مجموعة الثمانية، هي التي لديها أكبر مستوى للتداعيات السلبية لأزمة كورونا، فعندما ننظر إلى أمريكا و انجلترا و فرنسا و إسبانيا و ايطاليا و سويسرا و اليابان، فهي من بين الأوائل في الخسائر المادية و البشرية، و هذه من الأشياء التي لا نجد لها تفسيرا فبالتالي كورونا كانت صدمة للجميع لكن هناك بلدان لديها حلول للخروج من الأزمة و ستعيد جميع القطاعات إلى ما كانت عليه و هناك بلدان أخرى لن تستطيع أن تستعيد عافيتها إلا بعد أشهر.
في هذا الصدد، خلص مجلس الوزراء الأخير عن بعد، إلى جملة من القرارات المتعلقة بالجانب الاقتصادي، تحسبا لتداعيات الأزمة و تحضيرا لتقوية الاقتصاد و النهوض به من حالة الركود فما هو رأيك فيها ؟
كنا بحاجة إلى رؤية و الرئيس و الحكومة شرعا في إصلاح بعض القوانين و ترتيب الأولويات و البحث عن البدائل، لكن بصراحة الوثبة الاقتصادية، تتطلب الممارسة على مستوى النشطاء في السوق من شركات و مستهلكين و عمال، فمن ناحية الرؤية فقد رتبت الحكومة الأولويات لكن لا بد أن تجسد من الناحية العملية، وأن تشمل الشركات و المستثمرين و التجارة المنظمة و غير المنظمة و التجارة غير المفوترة، كما أن على البنوك أن تتحرك لأن المطلب الملح هو رقمنة الاقتصاد .
على ذكر رقمنة الاقتصاد،الأزمة أظهرت محدودية المعاملات عن بعد، رغم أنها أضحت ضرورة تتطلبها حتمية التباعد الاجتماعي في هذا الظرف، فلما توعز هذا التأخر رغم بروز عديد المبادرات على غرار فتح شبابيك الكترونية لدفع مختلف الفواتير لشركات عمومية و خاصة ؟
بالنظر إلى التجارب الأخرى، ففي الجزائر قطاعان الإدارة و الاقتصاد، و الممارسات و المعاملات في قطاع الإدارة  تقدمت أفضل بكثير من دول أخرى على غرار رقمنة قطاع القضاء و الحالة المدنية، التي تقدمت بكثير عن القطاع الاقتصادي الذي يبقى يسجل تأخرا في هذا المجال، سواء من حيث المعاملات التجارية و من ناحية المعاملات المالية مازلنا نعاني من اختلال و تأخر المعاملة عن بعد، أن تبيع أو تشتري دون أن تتنقل و القانون يحميك في نفس الوقت، أما ما هو موجود حاليا في الجزائر فإن عمليات البيع و الشراء قد تتم عن بعد لكن الدفع غير ممكن .
تقلدتم من قبل حقيبة وزارة المالية، ألا ترى أن الإشكال المطروح أيضا في الجزائر،أن حصة كبيرة من الأموال مكتنزة خارج البنوك و هذا ما يتسبب ربما في بقائها مكدسة و غير مستغلة خارج سوق التبادلات المالية ما يضر بالاقتصاد الوطني ، فلم ترجع ذلك؟
لأهداف مختلفة، الاحتواء المالي و الضريبي شرع فيه في الماضي لكن بصفة غير مستمرة،على غرار ما قامت به الدولة بالامتثال الضريبي الطوعي في القرض السندي، هذه من الطرق التي يمكن الاستثمار فيها و إثراؤها لاحتواء الأموال المتواجدة خارج البنوك شيئا فشيئا، بطرق اقتصادية و تحفيزية و ليست ردعية بالضرورة، تحتوي جميع المعاملات التجارية التي هي خارج الحقل المنظم فهي عملية اصلاحية في جوهرها فيها حزمة من الإجراءات و لا بد أن تنجز خلال سنة أو السنتين القادمتين، و لا يمكن أن نقوم بها ظرفيا أو موسميا و ننساها بل هي حتمية من ضمن الإصلاحات الكبرى و إثراء المنظومة بطرق تمويلية جديدة من غير القروض، مع فتح السوق المالية و حتمية تنظيم سوق البورصة لأنها جزء من الحركية الاقتصادية و هي تعاني من نوم عميق، و لا أظن أن كل من لا يرغب في وضع أمواله بالبنك لديه شبهة بل هناك عوامل أخرى .
في هذا الصدد، هل برأيك يرجع اكتناز الأموال إلى التعريف الضريبي أو عدم الثقة في المعاملات البنكية و ما يتبعها من إجراءات توصف بالبيروقراطية في سحب الأموال و كذا نقص عامل التحفيز و الخدمات على مستوى البنوك؟
هناك ثلاثة عوامل أولها عامل الثقة و لا بد أن البلد يثق في آلياته ... جزء من الثقة المعتدلة أو الضعيفة في الأجهزة و البنوك، ثاني عامل الإجراءات البيروقراطية فلو يتم التعامل عن بعد و يتم التحكم في التدفقات المالية بسهولة ، بما يسمح لعمليات الدفع و سحب الأموال أن تكون سهلة و مرنة، و مراقبة و تكون غير بيروقراطية فقضية المدخرات لا تتعلق بالداخل فقط، بل تمتد إلى اللجوء للادخار في الخارج بالبنوك السويسرية و الألمانية و غيرها لتجنب الوقوع في عوائق ثقل الإجراءات بالبنوك الوطنية، و كذا للتحكم فيها كما يشاء.
و ثالث شيء يتعلق بقانون الصرف فلا بد أن يؤخذ على عاتق البنك المركزي، فهو ملف ثقيل، أما رابع شيء فهناك فعلا   أصحاب رؤوس أموال متخوفون من الضرائب لكن هذه الأخيرة يمكن أن تنخفض في اليوم الذي يزيد فيه وعاء الدافعين، أما العامل الآخر فهناك من الجزائريين من لديهم شبهة في الفائدة و البنوك التي تتعامل مع الفوائد الربوية، بالرجوع إلى عقيدتهم فلا بد أن تحترم بما أنهم في بلد إسلامي بتكييف وتجسيد سوق المعاملات الإسلامية، و لا بد أن نأخذ في هذا الجانب حزمة من الإجراءات المتناغمة التي تؤثر في بعضها البعض حتى نخرج من ازدواجية الاقتصاد و ازدواجية المعاملات، منها ما هو رسمي و مع البنك و منها ما هو غير رسمي خارج عن البنوك للأسباب التي تكلمنا عنها فالحديث عن البنوك و عصرنة القطاع المصرفي و الوعاء المالي و الرقمنة، يحتاج إلى إرادة و حزمة من الإجراءات المتشابكة مع بعضها و أن لا تكون ظرفية، نتجاوز أزمة كورونا و نشرع فيها لسنتين، و تركز على تنظيم المعاملات الاقتصادية و المالية أكثر من المعالجة بالجانب الردعي .
ع/ ب

الرجوع إلى الأعلى