يجمع أهل الاختصاص على أن غذاء الجزائريين لم يعد صحيا، ويرون في الحجر المنزلي فرصة للعودة إلى الأكل المتوازن بعدما أصبح يفتقر إلى العناصر الغذائية المفيدة كالمعادن والفيتامينات، فقد أزاح الأكل السريع والوجبات المقلية والمشروبات الصناعية، الخضر والحبوب الكاملة من الموائد، نتيجة عدة عوامل من بينها تراجع الثقافة الاستهلاكية الصحية والاستسلام لعادات غذائية سيئة فرضها نمط العصر المتسارع، إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية لدى بعض الفئات وارتفاع أسعار العديد من المنتجات، ما جعل العائلات غير قادرة على تذوق أصناف معينة طيلة أشهر السنة.
و في هذا الملف اقتربت النصر من عدد من الجزائريين و حاولت استطلاع عاداتهم الاستهلاكية التي يربطونها بالمستوى المعيشي و يقولون إنهم مجبرون على اتباعها في «غياب البدائل»، رغم أن مختصين في التغذية يؤكدون أن هذه البدائل موجودة لكن المشكلة تكمن في أن العديد من الأفراد يميلون إلى تخريب صحتهم بأيديهم، فيفضلون أنواعا معينة من الأكل الفقير من العناصر الأساسية، وينفرون من أصناف أخرى ذات كلفة أقل وقيمة غذائية أعلى، كما ترى جمعية حماية المستهلك أن النمط الغذائي ككل في حاجة إلى إعادة نظر لكنها تربط هذا الأمر بتحسين الدخل الفردي.

ملف من إعداد: ياسمين بوالجدري

الفواكه واللحوم نادرا ما تزور موائدها: عائلات تعيش على العجائن و البطاطا  

تأثرت مائدة الجزائريين بارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، وصار العديد منهم وبالأخص ذوي الدخل الضعيف، مجبرين على شراء ما قلّ ثمنه لكي يتمكنوا من مواجهة أعباء الكراء والماء والنقل وغيرها من النفقات، حيث تكاد تكون البطاطا والخبز وبعض أنواع المعجنات والحبوب، غذاءهم الأساسي، في غياب شبه كلي لباقي أنواع الخضر والفواكه التي تبقى مكدسة في رفوف التجار، أما اللحوم بأنواعها فتحولت إلى حلم بعيد المنال، مثلما ترصده النصر في هذا الاستطلاع الذي أجريناه بأحد أسواق مدينة قسنطينة.
داخل سوق بومزو الواقع بوسط مدينة قسنطينة، يتجول محمد وسط رفوف مليئة بكل ما لذ وطاب، محاولا في جولته القصيرة أن يجد ما تسمح ميزانيته الشهرية بشرائه، ليتوقف بجسده الهزيل وبعد دقائق من المشي، عند بائع الدجاج ويطلب كمية من الأجنحة بقيمة 300 دينار.
بصوت متعب يخبرنا محمد أن له 4 أبناء أمهم ماكثة في البيت، بينما يتقاضى 3 ملايين سنتيم شهريا لا تكفي لتلبية جميع حاجيات أسرته من الغذاء، فحليب الرضع لوحده يستهلك منه أموالا كثيرة، ويضيف محدثنا أنه تعوّد على شراء شرائح أجنحة الديك الرومي لتستعملها زوجته في الطبخ لمدة 4 إلى 7 أيام لأن سعر لحم الدجاج مرتفع ولا يقتنيه إلا كل شهر تقريبا. سألنا محمد إن كان يشتري اللحوم الحمراء فأجاب بنبرة حزينة “سعره غال و لا أخفيك أننا لم نتذوقه منذ العيد”، ليضيف “حتى البيضة تباع بـ 13 دينارا وهو ثمن مرتفع بالنسبة لمواطن دخله ضعيف مثلي”.
العصائر الصناعية لتعويض الفواكه
وعلى خلاف اللحوم الحمراء التي لم تزر مائدة هذا المواطن منذ قرابة 6 أشهر، أخبرنا محمد أن دخله البسيط يسمح له بشراء الأسماك كل شهرين أو ثلاثة لكن بكميات قليلة نظرا لغلائها أيضا، فكيلو السردين مثلا بـ 500 دينار و لا يكفي إلا لوجبة واحدة، أما الخضار فإنه يشتري منها البطاطا على اعتبار أن سعرها منخفض و وصل إلى 35 دينارا للكيلوغرام، إضافة إلى الكوسة «الجريوات» والجزر التي تدخل منزله لكن بصفة متقطعة و وفقا للثمن الذي تباع به، و كذلك الأمر بالنسبة للبصل الذي يحدث أن يلتهب سعره أحيانا، أما الفواكه فقال رب العائلة إنه لا يشتريها إلا إذا تعلق الأمر بثمار موسمية تباع بأسعار منخفضة مثل البرتقال، بينما يعوضها بالعصير الذي يباع بـ 80 دينارا في قارورات بسعة لترين.
وإضافة إلى الخبر، تعتمد عائلة محمد بشكل كبير و كغيرها من الكثير من الأسر الجزائرية، على حليب الأكياس المدعم الذي يبقى سعره في متناول ذوي الدخل الضعيف، أما الياغورت فيضطر لشرائه أحيانا فقط تلبية لرغبة الأطفال لكن بسعر 10 دنانير للعلبة، لأنه “يستحيل” اقتناء ما هو أغلى من ذلك.
«لا نشتري اللحوم الحمراء إلا نادرا”
تركنا محمد و اتجهنا إلى شيخ كان يمشي بصعوبة حاملا في يده كيسا به حبات قليلة من البرتقال، عندما سألناه إن كان يشتري اللحوم الحمراء قال الشيخ بتنهيدة طويلة وقد بدت عليه علامات المرض والعوز، «نحن لا نشتريه إلا نادرا، نشتري البطاطا و الفاصولياء ومرات أجزاء من الدجاج إذا انخفض سعره، بينما نعوض الفواكه بالمشروبات الغازية، فالموز لا نتذوقه إلا أحيانا”، ليردف قائلا “راتبي ضعيف جدا فأنا أتقاضى 15 ألف دينار شهريا  لدي 6 أبناء ليست لهم مناصب عمل قارّة”.
خلال تجولنا في السوق كان عدد الزبائن قليلا وفي كثير من المرات منعدما قرب محلات الجزارة، فأسعار اللحوم الحمراء لا تقل عن 1200 دينار للكيلوغرام، ما جعلها شبه محرمة على العائلات الجزائرية ذات الدخل المتواضع، أما السمك فلم يعد هو الآخر في متناول الجميع، فمسمكة سوق بومزو كانت شبه فارغة وقت إجرائنا الاستطلاع ولم نجد بها سوى التجار الذين كانت أصواتهم تتعالى من أجل الترويج للسلعة في محاولة لجلب اهتمام الزبائن.
أحد التجار برر ارتفاع أسعار السمك بمشكلة الوفرة، لكنه قال إن ثمن السردين انخفض في ذلك اليوم إلى 500 دينار، ليعلّق في تذمر «هناك عزوف عن شراء الأسماك والبعض يأتي مرة كل شهر ليشتري بالنصف كيلو، حتى أننا أصبحنا نبيع كميات بقيمة 100 دينار»، وهنا انقطع الحديث عند مجيء امرأة راح يؤكد لها التاجر أن سمك السردين جيد وطازج بأنه اصطيد من منطقة القل، لتطلب منه الزبونة بعد نظرة فاحصة أن يزن لها كيلوغراما منه.
اقتربنا من السيدة التي بدت ميسورة الحال، فقالت لنا إنها ربة بيت وأم لثلاثة أبناء، حيث يسمح دخل زوجها الذي يزيد عن 6 ملايين سنتيم، بأن تشتري السمك لمرة أو اثنتين في الشهر فقط، لأن ثمنه مرتفع، فسعر السردين وصل إلى 600 دينار، كما أنها تشتري اللحوم الحمراء مرة في الأسبوع.
مواطنون يلجأون إلى الأحشاء
محدثتنا ذكرت أنها ستقتني أيضا بعضا من الدجاج و البرتقال لأن أثمانهما منخفضة، بالإضافة إلى البطاطا، كما تقوم بين الحين و الآخر بشراء “الجريوات» و الجزر و الخس حسب بورصة الأسعار، لتعلق بالقول «صحيح أن دخل زوجي جيد لكني أرفض شراء أغذية تباع بأسعار مرتفعة”.
في مدخل المسمكة التقينا بامرأة شابة كانت تهم بالدخول رفقة سيدة عجوز، حيث أخبرتنا أنها أرملة وأم لطفلين، وبأنها متجهة لشراء كمية قليلة من السمك لمرافقتها لأنها مريضة وتحتاجه في غذائها، ولولا هذا لما اشترته مثلما قالت، مضيفة أن ظروفها المادية الصعبة جعلت عائلتها الصغيرة لا تتذوق اللحوم الحمراء إلا في عيد الأضحى رغم أنها موظفة، مرجعة ذلك إلى دخلها الضعيف الذي لا يتجاوز 19 ألف دينار ويذهب في أعباء الكهرباء والكراء والدروس الخصوصية لابنتها وابنها.
محدثتنا ذكرت أن الفواكه واللحوم البيضاء لا تزور مائدتها إلا نادرا أو “مرة في الفال” كما علقت مستسلمة، مضيفة أنها عادة ما تطبخ العدس والفاصولياء و المعكرونة و الشعيرية «الدويدة» لإطعام ابنيها اللذين تعودا، مثلما أردفت، على هذا النوع من الغذاء، في ظل دخلها الضعيف الذي يضطرها في كل مرة إلى الاستدانة في منتصف الشهر.
خلال جولتنا في الرواق الخاص ببيع الدواجن، لاحظنا أن هناك إقبالا، خاصة أن ثمن الكيلوغرام من الدجاج انخفض يوم إجرائنا الاستطلاع إلى 210 دنانير، لكن الإقبال الأكبر كان على الأحشاء التي يبقى ثمنها في المتناول، ويخبرنا نجيب وهو أحد تجار الدواجن أن لديه زبائن يأتون يوميا، سيما أن ثمن الشرائح “إسكالوب» تراجع حسبه إلى 250 دينارا للكيلو.
بينما كنا نتبادل أطراف الحديث مع بائع الدجاج، قدمت امرأة لشراء قوانص الدجاج المتمثلة في الجزء المسمى باللهجة العامية «القينزة»، وذكرت المرأة أنها تشتري “القينزة» وأحيانا أخرى الأجنحة، فهذا ما تسمح به ميزانيتها، إذ أن زوجها مثلما أخبرتنا، يتقاضى 15 ألف دينار شهريا ويعيلها مع 4 أبناء.
«السمك لم يدخل بيتي منذ سنة”
وعن أكثر أنواع الأغذية التي تستهلكها عائلتها، علقت السيدة «نحن نعيش تقريبا على الفاصولياء والعدس والعجائن.. هذا العام الأسعار مقبولة مقارنة بالسنة التي قبلها حتى أن ثمن البرتقال منخفض، لكننا مازلنا نضطر لتعويض بقية الفواكه بالمشروبات الغازية لأنها غير متاحة»، و تردف محدثتنا «أما السمك فإننا لا نشتريه لأن سعره مرتفع فهو لم يدخل بيتي منذ حوالي سنة.. كنت أشتريه عندما كان يباع بـ 250 دينارا للكيلوغرام، و اليوم لا يقل السعر عن 450 دينارا”.
اقتربنا من سيدة أخرى، فبدأت تشتكي على الفور من غلاء سعر السمك، حيث قالت لنا في تذمر شديد إنها دخلت المسمكة ثم خرجت خاوية الوفاض، فقد وجدت أن السردين يباع بـ 600 دينار، مردفة «لا أستطيع أن أشتريه بأكثر 300 دينار فالراتب غير كاف.. أنا أرملة وأم لـ 6 أبناء أصرف عليهم من المعاش الشهري”. و تضيف محدثتنا أنه ورغم الانخفاض النسبي في سعر الدجاج، إلا أنه ليس في المتناول، لذلك فهي ما تزال تلجأ للأحشاء التي يمكن الحصول على كمية منها بمبلغ 100 دينار فقط لاستعمالها في طهي المرق بالبطاطا و طبق “الكمونية”.
أما بخصوص الفواكه، فتعلق السيدة «كيلو البرتقال يباع بـ 100 دينار وهو لا يكفي أسرة تتألف من 7 أشخاص”،  تضيف محدثنا أن أبناءها يحبون تناول الفاصولياء لكن سعرها أيضا مرتفع ويصل عتبة 270 دينارا، أما الخبز فيؤكل أكثر من أي شيئ آخر، إضافة إلى العجائن مثل المعكرونة و السباغيتي، رغم أن استهلاك الخبز تراجع بعد أسابيع من إجرائنا الاستطلاع، بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد التي اضطرت الجزائريين إلى ملازمة منازلهم.
خلال جولتنا داخل سوق بومزو، صادفنا العم صالح الذي يبدو في أواخر الستينات من العمر، حيث قال لنا بأسى إنه لا يشتري اللحم لأن سعره مرتفع، وبأنه لا يتذوقه إلا في الأعياد، مضيفا أنه يعيل 6 أبناء وهو متقاعد يتقاضى معاشا بـ 22 ألف دينار أكد أنها تكفي بالكاد لأعباء الكراء والكهرباء وغيرها من المصاريف.
عزوف عن الخضروات
ويضيف العم صالح أنه لم يعد قادرا على شراء السمك منذ فترة، فثمن السردين صار لا يقل عن 500 دينار، أما الخضار فيشتري منها البطاطا التي كان سعرها معقولا، إذ يقتني منها 5 كيلو يوميا لاستعمالها في وجبتي الغداء والعشاء بقليها أو بطهيها في المرق لتناولها مع الخبز الذي يقتني منه في الأيام العادية، حوالي 12 خبزة يوميا تستهلك جمعيها.                       
وذكر محدثنا أنه يقوم من حين إلى آخر بشراء ما استطاع من خضر حسب المقدرة والميزانية، مثل الخس والجريوات والسبانخ و الخردل، فيما تبقى الفواكه حلما بالنسبة له، ولا تعوضها إلا المشروبات الغازية التي لا يزيد سعرها عن 80 دينارا، يقول العم صالح قبل أن يضيف بأن عائلته تعتمد كثيرا على المعكرونة و السباغيتي والشعيرية.
أحد التجار الذي كان يقف خلف أنواع مختلفة من الخضر المعروضة بشكل يغري على الشراء، قال لنا إن هناك ضعفا كبيرا في الإقبال على سلعته، فأغلب المواطنين يكتفون بشراء البطاطا إذا انخفض سعرها وبشكل أقل البصل، بينما تظل باقي الخضروات مكدسة لساعات وأحيانا لأيام دون أن يقترب منها أحد، بالنظر إلى غلاء ثمنها.               ي.ب

* أخصائية التغذية الدكتورة نائلة بوشجة: تحقيق التنوّع في الغذاء لا يحتاج ميزانية كبيرة

توضح الدكتورة نائلة بوشجة المختصة في التغذية، أن النمط الغذائي للجزائريين بصفة عامة، يحتاج إلى  إعادة نظر، مضيفة أن عدم توازنه لا يتعلق بالضرورة بانخفاض القدرة الشرائية أو غلاء الأسعار، بل بسوء اختيار الأغذية، إذ يمكن مثلما أكدت، استهلاك أكل صحي بثمن معقول و دون الحاجة إلى ميزانيات كبيرة.
و ذكرت الأستاذة المحاضرة بمعهد التغذية و التغدي و التكنولوجيا الفلاحية الغذائية بقسنطينة، في لقاء بالنصر، أنه و قبل الحديث عن النمط الغذائي للجزائريين يجب أن تكون هناك دراسة للسلوك الغذائي، غير أن الملاحظة العامة تُبين مثلما أضافت، أن هذا النمط ليس مثاليا، بسبب استهلاك الدهون و السكريات و الإكثار من الخبر و العجائن، خاصة مع الانفتاح على السوق و دخول الأغذية الغنية بالطاقة مثل “الشيبس” و المعلبات و كذلك المشروبات الغازية و السكرية التي يشربها الجزائري بكمية مفرطة، لكنه لا يتحرك، حيث قالت الدكتورة إن أجدادنا كانوا يتحركون، أما اليوم فالعديد من الجزائريين لا يكادون يقومون بذلك فيستعملون السيارة و مختلف وسائل النقل بشكل دائم.
الجزائري لا يحب الخضر ويفضل الأطعمة المقلية
و ترى المختصة أنه ليست هناك علاقة بين الفقر الغذائي و القدرة الشرائية، ما عدا في حالات استئناثية، حيث ذكرت أن عائلات تشتكي من الدخل المحدود لكن مؤشر الكتلة الجسدية لأفرادها يُظهر أن لهم وزنا زائدا، موضحة أن الثلاثين سنة الأخيرة شهدت تغيرا في طريقة التغذية، فأصبح الجزائري لا يحب الخضر بل يفضل العجائن و الأطعمة المقلية، لتعلق بالقول «الجزائريون يحبون أن يشبعوا و لا يعرفون كيف يتغذون و الأمر ليس له دائما علاقة بالقدرة الشرائية، إذ يمكنهم إدخال الخضر و لو بكميات قليلة في الوجبات، و الإنقاص من تناول الدهون».
و تضيف الدكتورة “لا يجب أن يكون الفرد ثريا لكي يحصل على غذاء متنوع و يأكل بطريقة معقولة، فليست كمية الغذاء التي تجعله متوازنا، بل نوعيته، في فترات معينة نشعر بالجوع لكنه جوع غير حقيقي و إنما نهم، لذلك يجب أن نتعلم كيف نثبط رغباتنا.. قد يبدو الأمر صعبا في البداية لكن سنتعلم كيف يكون جسمنا منضبطا مع مرور الوقت”، و في هذا الشأن تبين أخصائية التغذية أن الكثير من الجزائريين لا يحبون تناول أنواع معينة من الأغذية رغم أنها صحية.
و توضح الدكتورة أن اللحوم الحمراء غذاء مهم على اعتبار أنها مصدر للبروتينات الحيوانية و لها فوائد منها الحماية من «الأنيميا”، لكننا لسنا ملزمين بتناولها يوميا و الإفراط في استهلاكها، فهناك دراسات أثبتت أنها تقلص معدل العمر، أما الأسماك التي تباع حاليا بأسعار مرتفعة، فيمكن، مثلما تردف المتحدث، تعويضها بالسردين الذي ينخفض ثمنه في فترات الصيد المسموح، حيث أن استهلاكه لمرة أو اثنتين في الشهر يمدّ الجسم بـ «الأوميغا 3» و «البروتينات»، كما أن الأسماك المجمدة جيدة، لكن شرط أن تكون سلسلة التبريد محترمة.
و أكدت المختصة أن الفواكه الموسمية مهمة أيضا، خاصة أنها تباع غالبا بأسعار معقولة، فالبرتقال مثلا و المتوفر خلال هذا الفصل، في المتناول، حيث انخفض سعره حتى 50 دينارا بالنسبة للثمار الموجهة للعصر، و التي أكدت الدكتورة بوشجة أنها لا تقل قيمة عن الأنواع الأخرى، لذلك لا يجب بحسب محدثتنا، «احتقارها» لأن حجمها صغير.
و بخصوص قيام العديد من الأشخاص بتعويض الفواكه، بالمشروبات و العصائر الصناعية، علقت الدكتورة بوجشة “إن شراء قارورة مشروب غازي بقيمة 70 دينارا و بسعة 1 لتر، يعني أننا اشترينا السكر و المواد الكيميائية و غاز ثاني أكسيد الكربون و الماء، لكن كيلو البرتقال المتوفر بـ 50 دينارا، ينتج 3 لترات من العصير الصحي، علما أن للمشروب الغازي تأثيرات رهيبة على الصحة، فهو يقدم لجسمنا سعرات حرارية فارغة الطاقة دون أن يمدّه بالأملاح المعدنية أو فيتامنيات، كما أنه يرفع نسبة الأنسولين و هو من أول مسببات مرض السكري».
كما تؤكد الدكتورة بوشجة أن الإكثار من تناول الخبر، يعني الإكثار من مادة «الغلوتين» و هي من البروتينات التي يؤدي الإفراط فيها إلى الإضرار بوظائف الجهاز الهضمي، بالتسبب خاصة في التهابات على مستوى الأمعاء، كما يزيد الإكثار من الخبز احتمال الإصابة بالسكري و مرض «السيلياك»، لذلك تنصح المختصة بتناول نصف خبرة في اليوم، كأقصى حد.
أما بالنسبة للمعجنات فتبين محدثتنا أنها جيدة للصحة لأنها تمدّنا بالطاقة، لكن يجب أن تكون مصنوعة من القمح الكامل، و هو نوع ذكرت أنه متوفر في السوق، كما تنصح المختصة بإضافة النخالة إلى «الكسرة»، لأن الألياف تساعد على عملية الهضم، إضافة إلى الحبوب الكاملة و منها القمح "العوالي" الأرخس و الشعير.
الحجر فرصة لتعويد الجسم على الابتعاد عن “الفاست فود”
و تشدد الدكتورة على أن طريقة الطهي أساسية ليكون الغذاء متوزانا، فوضعه على النار لوقت طويل يفقده الفيتامينات، لكن طهيه في البخار يحافظ على مكوناته المفيدة للجسم، مضيفة بالقول “الكثير من الأشخاص يفضلون الطعام المقلي لأن مذاقه يعجبهم، لكن يجب أن يعلموا أن 40 بالمئة من وزن هذا الغذاء سيكون زيتا يرفع نسبة الكوليسترول و يؤدي إلى السمنة و تخزين الدهون على شكل شحوم، كما يؤدي إلى أمراض منها السكري و الضغط الدموي و ضعف القلب”.
و تنصح المختصة بتناول حساء الخضر “بدون حساب” بالنظر لفوائده الصحية الكثيرة، خاصة في وجبة العشاء، إذ يسهل الهضم و يساعد على النوم الجيد، و ذلك عوض استهلاك أغذية غير صحية لا تجلب الطاقة و لا يحتاجها الجسم، فتخزن لاحقا في شكل دهون و تؤدي إلى السمنة.
البطاطا أيضا جيدة للصحة مثلما تُبيّن أخصائية التغذية، لكن بشرط عدم الإكثار من قليها، إذ يفضل تناولها في شكل “غراتان”، كما تنصح بطبق الكسكسي مرة في الأسبوع، فهو غذاء كامل لأنه يتوفر على النشويات التي تمدنا بالطاقة و الخضر التي تجلب الأملاح و الفيتامينات المتنوعة، أما اللحم فهو غني بالحديد و البروتينات الحيوانية في حين يتوفر الحمص على البروتينات النباتية، إضافة إلى وجود الدهون في الطبق و التي يحتاجها الجسم.
وبخصوص الحجر المنزلي الذي فرضه انتشار فيروس كورونا، والذي جعل الكثير من العائلات تتخلى عن الخبز والأكل السريع والمشروبات الغازية، أكدت المختصة أن ذلك يشكل فرصة للجزائريين من أجل العودة إلى النمط الغذائي السليم والمتوازن وتعويد أنفسهم على التقليل من “الفاست فود”، لكنها قالت إن هذا الأمر متوقف على درجة الوعي، إذ لا يمكن، حسبها، الالتزام بأكل صحي خلال مدة الحجر، وبمجرد انتهائها يعود الأشخاص إلى الطعام غير الصحي، حيث أن الجسم يحتاج لشهرين أو ثلاثة حتى يجدد نفسه.
 ياسمين.ب

* رئيس منظمة حماية المستهلك مصطفى زبدي: الجزائري لا يتناول الغذاء الصحي إلا في رمضان


دعا رئيس المنظمة الوطنية لحماية و إرشاد المستهلك، مصطفى زبدي، إلى مراجعة النمط الغذائي للجزائريين والذي وصفه بغير المتوازن، مرجعا ذلك إلى العادات الاستهلاكية السيئة وضعف القدرة الشرائية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العديد من المواد، ما يجعل أسرة تتألف من 5 أفراد، في حاجة إلى دخل شهري لا يقل عن 6 ملايين سنتيم حتى تتمكن من تناول «غذاء صحي نوعا ما».
وأكد الدكتور زبدي أن النمط الغذائي للجزائريين سيئ في الغالب، و غير معتدل و لا ينتمي، حسبه، للمنظومة الصحية العالمية في أي شيء، بدليل أن المواطن الجزائري يستهلك يوميا حوالي 300 إلى 350 غراما من العجائن، كأقل تقدير، كما تبقى مادة الخبز هي الأولى و سيدة المائدة لدى غالبية الأسر، في حين أن الخبز الذي يباع حاليا مضر بالصحة ويمكن وصفه بـ «السام»، لعدم توفره على الألياف والاعتماد في صناعته على الفرينة البيضاء، ما جعل جمعية حماية المستهلك تدعو لتغيير مكوناته منذ سنوات، لكن ذلك قوبل، حسب زبدي، بالمقاومة لأن هناك “لوبيات” لن يساعدها صنع الخبز من القمح اللين، معربا أن أمله في تدخل الحكومة بهذا الملف.
ويضيف زبدي أن القدرة الشرائية وارتفاع أسعار الأغذية، أثرا كثيرا على النمط الغذائي الذي يسير وفق تعبيره، من سيئ إلى أسوأ، لكن العادات الاستهلاكية غلبت على هذا النمط، و إذا نظرنا إلى كامل أشهر السنة، فإنه يتضح مثلما يؤكد زبدي، أن شهر رمضان يكاد يكون الفترة الوحيدة التي يتناول فيها الجزائري وجبات أقرب إلى السلامة، من خلال التنويع في الأكل عبر شراء الخضر و الفواكه، حتى لو تطلب الأمر إنفاق مصاريف إضافية.
وذكر رئيس جمعية “آبوس”، أن قيمة قفة الفرد الجزائري من الخضر فقط، تقدر بـ 500 دينار في أحسن الأحوال، مضيفا أن النمط الاستهلاكي في تغير و تراجع، وحتى أبسط الأغذية التي كانت متاحة في العقود الماضية ويحقق بها الجزائريون التوزان، أصبحت مرتفعة الثمن، على غرار سمك السردين الذي كان يقدم للزبائن بالمجان عند وصول منتصف النهار، لكنه أصبح اليوم يباع بـ 700 و 800 دينار.
شراء البرتقال يوميا يعني استهلاك ثلث الأجر
ويُبين زبدي أن تقديرات جمعيته تشير إلى أن تحقيق العيش الكريم الذي يشمل السفر و السياحة، لعائلة تتكون من 5 أفراد، لا يكون بأقل من دخل شهري قدره 60 ألف دينار يسمح بتنويع الغذاء وجعله متزنا نوعا ما، مضيفا أن قيمة المصروف الذي يتم تخصيصه للأكل فقط يتعدى 50 بالمئة من ميزانية العائلات وقد يصل حتى 75 بالمئة، و كلما ارتفعت قدرتها الشرائية ستكون قادرة على اقتناء منتجات أخرى كالسمك و الفواكه.
وذكر رئيس جمعية حماية و إرشاد المستهلك، أن هيئته تسعى منذ سنوات إلى أن يكون غذاء الجزائريين متزنا، بحيث تقدم نصائح بتدبير شؤونهم للتنويع في ما يأكلونه، خاصة أن البرتقال مثلا، وهو فاكهة موسمية في الفصل الحالي، يباع بسعر وصل إلى 150 دينارا و حتى 200 دينار للكيلوغرام، وإذا افترضنا أن كل عائلة اشترت كيلوغراما منها فقط كل يوم ولمدة شهر، فإن مصاريفها ستعادل لوحدها ثلث الأجر القاعدي، مثلما يخلص زبدي.
ياسمين.ب

الرجوع إلى الأعلى