قامت الدولة الجزائرية منذ بداية العام الجاري، بخطوات ملموسة، في سبيل  التكفل بالذاكرة الوطنية بجميع ملفاتها المفتوحة وغير المفتوحة عبر برنامج طويل تشارك فيه العديد من القطاعات والفئات، وتكللت هذه الخطوات  في مرحلتها الأولى باسترجاع  جماجم و رفات 24 من قادة وأبطال المقاومة الشعبية من متحف الإنسان بباريس عشية الاحتفال بالذكرى 58 للاستقلال الوطني.
واليوم  والجزائر تحيي الذكرى المزدوجة للعشرين أوت 1955 و 1956 المصادف لهجمات الشمال القسنطيني، وانعقاد مؤتمر الصومام على التوالي، يستعيد الشعب الجزائري مرة أخرى محطة هامة من محطات تاريخه وذاكرته الوطنية، وقد رسمت الدولة مسارا للتكفل بهذا الملف.
و كان رئيس الجمهورية السيد،عبد المجيد تبون، قد أكد منذ  انتخابه و تنصيبه رئيسا للجمهورية في نهاية العام الماضي أن الجزائر لن تتنازل عن ذاكرتها الوطنية و تراثها التاريخي والثقافي بأي حال من الأحوال في علاقاتها الخارجية خاصة مع الجانب الفرنسي، وستعمل على التكفل بذاكرتها  الوطنية كما يجب.
وجاء في كلمة رئيس الجمهورية بمناسبة حفل تقليد الرتب و إسداء الأوسمة للضباط السامين في الجيش الوطني الشعبي بمناسبة  ذكرى عيد الاستقلال والشباب» من صميمِ واجباتنا المقدسة حماية أرواح الشهداء ورموزِ الثورة وعدمِ التنازل بأي شكل من الأشكال عن أي جزء من تراثنا التاريخي والثقافي، وفي الوقت نفسه وحتى لا نعيش في الماضي فقط، فإن استذكار تاريخنا بكل تفاصيله، بمآسيه وأفراحه، بهدف حفظ الذاكرة الوطنية وتقييمِ حاضرِنا بمحاسنه ونقائصه، سيضمن لأبنائنا وأحفادنا بناء مستقبل زاهرٍ وآمن بشخصية قوية تحترم مقومات الأمة وقيمها وأخلاقها».
وخلال اجتماعات رسمية لمجلس الوزراء وفي العديد من المناسبات أمر، عبد المجيد تبون، الحكومة بالاهتمام بالذاكرة الوطنية ليس بشكل ظرفي، إنما هو واجب مقدس لا يقبل أي مساومة، مضيفا أن الاهتمام بهذا الملف يبقى  في مقدمة انشغالات الدولة لتحصين الشخصية الوطنية والوفاء لشهداء ثورة أول نوفمبر المجيدة وللمجاهدين الأخيار.
8 ماي يوم وطني للذاكرة
و من الخطابات والجانب النظري انتقلت الدولة إلى الجانب التجسيد الفعلي للتكفل بملف الذاكرة و في هذا الشأن أعلن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في السابع ماي الماضي في رسالة وجهها لأمة بمناسبة الذكرى الـ 75 لمجازر الثامن مايو 1945 عن اتخاذه قرارا باعتبار الثامن ماي من كل سنة «يوما وطنيا للذاكرة»، وأعطى تعليمات في نفس الوقت بإطلاق قناة تلفزيونية وطنية خاصة بالتاريخ تكون سندا للمنظومة التربوية في تدريس هذه المادة  حتى تستمر حية مع كل الأجيال.
 و إضافة لذلك أعطى الرئيس أيضا تعليمات لإطلاق أسماء شهداء المقاومة الشعبية، وثورة التحرير المجيدة على المجمعات السكنية، وأحياء المدن، والتوسع في ترميم المعالم التاريخية لتقف شاهدة على مر الأجيال على الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الجزائري في التصدي لوحشية الاحتلال الاستعماري حتى يعيش حرا كريما وموحدا فوق أرضه، فخورا بماضيه ومسترشدا به في صياغة مستقبله.
وقال بهذا الخصوص" تاريخنا سيظل في طليعة انشغالات الجزائر الجديدة وانشغالات شبابها، ولن نفرط فيه أبدا في علاقاتنا الخارجية"، ودعا المؤرخين إلى «استجلاء جميع جوانب هذه المحطة وغيرها من المحطات في ذاكرة الأمة، إنصافا لحق الأجيال الصاعدة في معرفة ماضيها بأدق تفاصيله وذلك باعتماد أعلى درجات الصدق في النقل».
وبعد ذلك حضرت الوزارة الوصية قانونا خاصا بهذا اليوم عرض بعدها على غرفتي البرلمان ونال ثقة ممثلي الشعب ليصدر بعدها في الجريدة الرسمية للجمهورية يوما من الأيام  الوطنية.
استعادة 24 جمجمة لقادة وأبطال المقاومة الشعبية
ولعل الحدث الأبرز هذه السنة في مجال التكفل بالذاكرة الوطنية وتاريخ البلاد يبقى تمكن الجزائر من استعادة 24 جمجمة ورفات قادة وأبطال المقاومة الشعبية للاستعمار  الفرنسي من متحف الإنسان بالعاصمة الفرنسية باريس في الثالث يوليو الماضي عشية الاحتفال بالذكرى 58 لعيدي الاستقلال والشباب، وذلك بعد أزيد من 170 سنة من الحجز والتغييب.
 وكان استرجاع هذه الجماجم- كمرحلة أولى كما قال رئيس الجمهورية - حدثا كبيرا عاشته البلاد في تلك الأيام، و قد أعيد دفن رفات هؤلاء الأبطال من طرف أحفادهم في مربع الشهداء بمقبرة العالية في جو كبير من الخشوع والفرحة والألم في نفس الوقت، تحت إشراف رئيس الجمهورية وكبار المسؤولين في الدولة مدنيين وعسكريين، وقد أقيمت لجماجم هؤلاء الأبطال جنازة رسمية وشعبية مهيبة، وقبل ذلك ألقت جموع المواطنين النظرة الأخيرة عليهم بقصر الثقافة مفدي زكريا والدموع تنهمر.
والحق أن هذه الخطوة لقيت استحسانا كبيرا من طرف جميع المواطنين وفئات الشعب ونخبه وأحزابه السياسية ومنظماته الوطنية، و اعتبر كل هؤلاء ذلك خطوة أولى في مسافة الألف ميل في مجال الذاكرة، ودعوا إلى مواصلة الاهتمام بالتاريخ الوطني في جميع جوانبه.
خطوة أخرى قامت بها الدولة في هذا المجال هي تعيين المستشار لدى رئيس الجمهورية المكلف بالارشيف الوطني وملف الذاكرة ، عبد المجيد شيخي، ممثلا عن الطرف الجزائري في هذا الملف في مقابل المؤرخ الفرنسي بن يامين ستورا الذي كلفه الرئيس إيمانويل ماكرون بالبحث في الملف.
 وأعلن شيخي قبل أيام قليلة فقط  عن إطلاق برنامج الذاكرة الوطنية  واعتبره"جزءا أساسيا في تكوين المواطن الصالح وخطوة نحو تأسيس الجمهورية الجديدة، وأضاف  بأن برنامج الذاكرة الوطنية هو «عملية طويلة المدى وغير مرتبطة بذكرى معينة أو مناسبة وطنية».
 وحسب ذات المتحدث فإن المشاورات على المستويين المحلي والمركزي لوضع ورقة طريق لإطلاق هذه العملية بمشاركة 12 قطاعا وزاريا وجمعيات مدنية قد انطلقت وأعطيت للمعنيين  مجموعة من التصورات  في هذا الشأن.
والحقيقة التي يتقاطع حولها الجميع اليوم بعد هذه الخطوات الأولية الملموسة التي قامت بها الدولة في اتجاه التكفل بملف التاريخ الوطني، والذاكرة أن هذا الطريق شاق وصعب ويتطلب جهدا كبيرا، وصبرا طويلا، ومساهمة من كل مؤسسات الدولة وفئات المجتمع للوصول إلى كتابة موضوعية للتاريخ الوطني بعيدا عن المغالطات التي قد تدسها  مدارس ومؤرخو الطرف الآخر عند التطرق إلى هذه المسألة.
ويطالب مؤرخون  وفاعلون في المجتمع بضرورة تحديد  مفهوم الذاكرة الوطنية قبل بداية أي عمل، وما المقصود منها؟ وما هي الفترات التي تدخل ضمن هذا النطاق، مع العلم أن الجميع م تفق على أن أهم فترة  في هذا الجانب هي تلك التي كانت فيها البلاد خاضعة للاستعمار الفرنسي، لكن التاريخ الوطني ممتد عبر قرون وعصور ولا يمكن فصل حلقاته بعضها عن بعض.                    إلياس -ب

عبد الناصر جبار الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة قسنطينة 2  : نحن أمام مسؤوليتنا في الاطلاع على وثائق فترة الغزو لكتابة التاريخ الاستعماري


يؤكد الأستاذ عبد الناصر جبار، الباحث في قسم التاريخ بجامعة قسنطينة 2، أن ما يربط الجزائر و فرنسا الاستعمارية لا يمكن أن يُختزل في ملف الذاكرة المشتركة، بل هو تاريخ كامل حمل معه جرائم قلّصت عدد سكان الجزائر إلى النصف منذ دخول الاحتلال وإلى غاية سنة 1870 فقط، مشددا على أهمية الاطلاع على آلاف المراسلات والكتب التي توثق لهذه الجرائم والتي قال إنها مُتاحة لكنها لم تُستغل.
و يرى الأستاذ أننا «لسنا في حاجة إلى اعتراف فرنسا بجرائمها»، فالاستعمار، في نظر الباحث، طغى على التاريخ الحديث للعالم وهو جريمة كبرى بكل المعايير، لذلك فإن الأمر لا يتعلق فقط بغزوة عسكرية أدت إلى استشهاد آلاف الأبطال المقاومين وإلى مقتل ملايين من البشر، بل هو ظاهرة أوسع من هذا بكثير، إذ أنها قامت على استعباد البشرية من خلال إيديولوجية عنصرية تجعل الإنسان الأوروبي الأبيض سيد بني آدم و تمنحه الحق في التصرف وفق مصالحه ونزواته بالاعتماد على كل الوسائل المادية التي ابتكرها ومنها الأسلحة النارية، كما أعطى لنفسه حق  استغلال ونهب كل الثروات الموجودة على ظهر وباطن الكوكب دون مقاسمة ودون رحمة.
و بخصوص قضية اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية بالجزائر، يردف جبار قائلا «فرنسا خلال القرن التاسع عشر لم تعترف فقط بجرائمها بل كانت تفاخر بها»،  ليضيف أن الكتب العديدة والمراسلات الرسمية والرسائل الخاصة التي هي بالآلاف والتي كان يبعثها قادة وضباط وجنود الجيش الغازي إلى مسؤوليهم العسكريين والسياسيين وإلى أهلهم وأصدقائهم، تتضمن كل جرائم فرنسا وجيشها.
و يؤكد الأستاذ أن هذه الكتب منشورة وكذلك المراسلات موجودة ضمن وثائق الدولة الفرنسية، و الاطلاع عليها، مثلما يضيف، متاح، كما أن الكثير من الرسائل الخاصة متضمنة في كتب السير الشخصية للعساكر بمختلف الرتب.
و يخلص الباحث في التاريخ إلى أن الجزائر ليست في حاجة إلى اعتراف فرنسا بجرائمها، بل “نحن أمام مسؤوليتنا في الاطلاع على وثائق فترة الغزو وكل وثائق الفترة الاستعمارية وقراءة مذكرات جنود الغزو والاعتماد عليها في كتابة التاريخ الاستعماري”.
و يؤكد الأستاذ جبار أن ما بين الجزائر و فرنسا الاستعمارية لا يُختزَل في ملف الذاكرة، بل يمتد إلى تاريخ استعمار طويل، معلقا بالقول “هي ترى أن بيننا وبينها يقع البحر المتوسط بلونه الأزرق الجميل، ونحن نرى بحرا من الدماء لا ولن يجف”.
و يضيف الباحث بأن أغلب المؤرخين يتفقون على أن عدد سكان الجزائر سنة 1830 كان في حدود خمسة ملايين نسمة، لكن في 1870 انخفض حسب إحصاء فرنسي رسمي إلى مليونين وسبعمائة ألف نسمة بفعل جرائم المستعمر، وهذا يعني أن  الجزائر خسرت خلال أربعين سنة، نصف عدد سكانها دون احتساب الولادات، بمعنى أن العدد يفوق خمسة ملايين نسمة، أي بمعدل وفاة قرابة مائة ألف نسمة كل سنة، وهنا يتعلق بالأمر بتاريخ  وليس بمجرد ذاكرة، وفق المتحدث.
و يرى الأستاذ أن الكتابة في التاريخ تعتمد على عمل موثق، من خلال ما هو متاح من مصادر للمعلومات، وإذا كان الباحث جادا فإنه يسعى إلى اكتشاف مصادر أخرى لم تكن معروفة، مثل الاعتماد على المخطوطات أو الوثائق كالتي تكون بحوزة الأشخاص أو العائلات التي كان لها دور في صناعة حدث أو أحداث في فترة سابقة، و هذا ما يعطي البحث ميزة التجديد.
و يضيف الأستاذ أن التاريخ، هو حقل معرفي غالبا ما يستعمل كأداة لإعطاء شخص ما أو فئة ما، دورا أو شرعية ضرورية لبلوغ مكانة معينة، من خلال “الكتابة الموجهة”، لكن هذا النوع من الكتابة، يتابع الباحث، عمره قصير.
و عبر الأستاذ عن تقديره للباحث الجزائري على بلقاضي الذي بدأ منذ أن اكتشف وجود رفات رجال المقاومة الشعبية، في دهاليز متحف الإنسان قبل سنوات، النضال من أجل استرداد بقايا هؤلاء الأبطال الذين “عاملتهم فرنسا الاستعمارية في الأول كشاهد تفتخر به على انتصارها، ثم كمجرد قطع عظمية توضع في متحف ليتفرج عليهم الزوار”، معتبرا أن عودة هذه الجماجم هو حق لهؤلاء الأبطال الشهداء في أن يدفنوا في أرض الآباء والأجداد التي دافعوا عنها.
ي.ب

المؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث: الذاكرة بيننا وبين الفرنسين مؤلمة


 أكد المؤرخ والأكاديمي، محمد الأمين بلغيث، أن  الذاكرة بيننا وبين الفرنسين مؤلمة و أن الأعمال التي قامت بها فرنسا يندى لها الجبين، حيث قامت بالاعتداء على سيادة الدولة الجزائرية واحتلالها لمدة 132 سنة و ارتكاب سلسلة عمليات إبادة للإنسان و مصادرة الأموال والأراضي الزراعية  للجزائريين ونهب مخطوطات ووثائق و كتب وغيرها.
 وقال المؤرخ والأكاديمي، محمد الأمين بلغيث في تصريح للنصر، إن ما بيننا وبين الفرنسين، هي علاقة تبدأ في العصر الحديث، من مطلع القرن ال16 ميلادي ، تنتهي محطتها الأولى في الاعتداء الفرنسي على الجزائر في 14جوان 1830 ، موضحا أن هذه المحطة امتدت تقريبا حوالي 3 قرون، حيث كانت هناك معاهدات واتفاقيات  وعلاقات دبلوماسية وتجارية  متميزة بين البلدين في هذه الفترة.
أما المحطة الثانية وهي محطة مؤلمة و تبدأ من 14 جوان 1830 إلى غاية خروج الفرنسيين من الجزائر في عام 1962، أين تم الاعتداء على سيادة الدولة الجزائرية واحتلالها لمدة 132 سنة وتدمير وقتل وتهجير 5 أجيال من الجزائريين .
وأضاف أن  بيننا وبين الفرنسيين ، ديون مادية بحوزة الدولة الفرنسية لا تسقط بالتقادم والمتمثلة في سرقة 24 مليون قطعة ذهبية من خزينة الداي حسين ، وأيضا سلسلة عمليات إبادة للإنسان وهي جرائم في حق الإنسانية ، بالإضافة إلى مصادرة الأموال والأراضي الزراعية  للجزائريين
وبيننا وبين الفرنسين  -كما أضاف-  هو أرشيف؛ أي ما نهبته فرنسا من مخطوطات ووثائق و كتب ومن كنوز وهي تقدر بآلاف الأطنان من الأوراق الوثائق والسجلات والتي تعتبر ميراثا مشتركا بيننا وبين الدولة الاستعمارية وكذلك نهب كنوز وثروات الأرشيف العثماني الذي يقدر ب600 طن من الوثائق .
مراد - ح

الأستاذ والباحث في التاريخ محمد بن ساعو: استرجاع جماجم شهداء المقاومة خطوة مهمة نحو معالجة ملف الذاكرة


يصِف الأستاذ محمد بن ساعو، الباحث الأكاديمي بقسم التاريخ والآثار بجامعة سطيف 2، استرجاع الجزائر لرفات 24 شهيدا من رجال المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي، بأنه خطوة مهمة نحو معالجة ملف الذاكرة، لكنه يؤكد على أهمية تحرير التاريخ وجعله بعيدا عن كل التجاذبات الطارئة والصراعات السياسية، وذلك من خلال عمل مؤسس على ضوابط علمية تُلغي معها «أثقال التقديس».
ويرى الباحث أن استعادة جماجم المقاومين من متحف التاريخ الطبيعي بفرنسا شهر جويلية الماضي، خطوة مهمة نحو معالجة ملف الذاكرة، و ورقة تسقط من يد لوبيات هذا الملف حسب تعبيره، مضيفا أن بعض الأصوات المحسوبة على الطبقة السياسية الجزائرية لم تر سنة 2016، مانعا في الإبقاء على الجماجم بفرنسا كدليل على وحشية الاستعمار و جرائمه، وبررت ذلك بأن الاستعمار بوصفه فعلا يتنافى والقيم الإنسانية، لا يحتاج إطلاقا لإثباتات تدينه «مع أن وجود هذه الجماجم دليل مادي آخر على الانتهاكات الكبيرة التي قامت بها الآلة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر».
ويعتبر الأستاذ بن ساعو بأن استعادة رفات المقاومين الجزائريين تحمل رمزية كبيرة، حيث غادروا هذا الوطن مستعمَرا وعادوا إليه مستقلا، ودفنوا في الأرض التي استشهدوا من أجلها، وهي مرحلة مهمة في معالجة مسألة الذاكرة وإن كان الأمر شائكا ومعقدا، حسب الباحث.
ويرى الأستاذ أن تكليف الرئيس الفرنسي، للمؤرخ بنيامين ستورا للاشتغال على ملف الذاكرة المشتركة، كان قرارا حكيما بالنسبة لفرنسا، فهذا الباحث له دراية كبيرة بتاريخ الاستعمار في الجزائر ولديه، يضيف بن ساعو، اطلاع واسع على الأرشيف وعارف بالنظام الجزائري منذ سنة 1962، كما أنه على معرفة بكيفية إدارة الملف بين الطرفين، وله العديد من الإسهامات و الكتب، زيادة على أنه زار الجزائر في مناسبات كثيرة وتربطه علاقات مهمة مع الوسط الأكاديمي الجزائري إضافة لكونه منفتحا على الصحافة الجزائرية، وهي كلها معايير مهمة في هذا الاختيار، يخلص الأستاذ.
ويتابع بن ساعو بالقول إن ملف الذاكرة ظل خاضعا لدوائر الضغط في فرنسا وللاستغلال السياسي في الجزائر، ومعالجته لن تتم، مثلما يردف، دون تفكيك الألغام المرتبطة به، مضيفا أن الحديث عن اعتراف رسمي فرنسي بالجرائم الاستعمارية والذهاب نحو إقرار تعويضات للأضرار المادية والبشرية والنفسية المترتبة عن عقود من الاضطهاد، يبدو سابقا لأوانه، خصوصا مع تعنت الحكومات الفرنسية المتعاقبة، رغم ملاحظة بعض المرونة من حين لآخر، «لكن ذلك لا ينم عن استراتيجية حقيقية لتسوية الملف بقدر ما تتحكم فيه المناسبات الانتخابية وتطورات الأوضاع الدولية».
وبخصوص قضية استرجاع أرشيف الحقبة الاستعمارية في الجزائر من فرنسا، والتي ما تزال من المسائل الشائكة في ملف الذاكرة، يرى الأستاذ أن ما أنتجته الإدارة الفرنسية ببلادنا هو في واقع الأمر ملك لفرنسا، وبالتالي لا يمكن، حسبه، طرح مسألة الحصول على الأصلي منه، لكن فرنسا قامت أيضا بنقل عدد كبير من الوثائق والمخطوطات التي كانت بحوزة الجزائريين والمؤسسات الوقفية خاصة تلك المتعلقة بفترة التواجد العثماني، فضلا عما تعلق بفترة الاستعمار خارج إنتاج الدوائر الفرنسية، وهي التي ينبغي أن تكون محل طلب من الجانب الجزائري، مضيف بالقول “لا نعتقد أن الأمر معقد جدا، لكن السعي وراء تنويع أوراق الضغط هو الذي يجعل الجزائر وفرنسا تتعاملان بحذر مع الوضع».ولا يعتقد أستاذ التاريخ بأن موضوع الذاكرة سيحقق خطوات كبيرة في المستقبل القريب، مرجعا ذلك إلى «تغييب الشروط الموضوعية التي من شأنها تحقيق توافق بين الطرفين»، حيث يرى أن محاولات المعالجة ستكون سياسية خالصة، في ظل ضبابية التشريعات والأطر الدولية لمثل هكذا وضعيات، ما دامت الحقيقة التاريخية، حسبه، خارج الاهتمامات في البلدين.
ويؤكد الأستاذ أن الذاكرة ليست مسألة جرائم وتعويضات وأرشيف فقط، بل هي تاريخ من الاستعمار الفرنسي الذي أفرز نتائج على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية و الاقتصادية، كما أن الذاكرة، مثلما يردف، صفحات من الحضور الجزائري بفرنسا، فجاليتنا في هذا البلد هي جزء من هذه الذاكرة، وأي تفكير خارج هذا التصور هو إخراج مختزل لملف الذاكرة، وفق تعبيره.
وبخصوص أهمية الاشتغال على كتابة التاريخ بشكل صحيح، ذكر الباحث بأن المحطات التاريخية أصبحت تساق خارج الأطر الأكاديمية لتبرير المواقف والتوجهات الإيديولوجية، بل أن المادة التاريخية صارت، مثلما يضيف، تستغل في الصراعات العرقية والمذهبية والسياسية.
وعلى هذا الأساس ينبغي التوجه بالتاريخ نحو الاشتغال الصحيح المؤسس على شروط وضوابط علمية من شأنها «سحب ورقة التاريخ من المتاجرين به» ومنهم من هم محسوبون على العائلة الأكاديمية يقول بن ساعو، إلى جانب «التخلص من أثقال التقديس ونزعات التسييس وترسبات القراءات الكولونيالية».
ويرى المختص أنه ينبغي العمل على تحرير التاريخ وجعله بعيدا عن كل التجاذبات الطارئة والصراعات السياسية، و»مراعاة التوجه نحو الإشكاليات الجديدة التي تستدعيها الضرورة الأكاديمية والحاجات الراهنة التي تفرضها الضرورات الاجتماعية والثقافية الوطنية»، مع العمل على ردم ما وصفه بالفجوات العميقة بين التاريخ الرسمي والأكاديمي.   
                                                                               ي.ب

الباحث في التاريخ الدكتور عامر رخيلة: الكتابة المشتركة للتاريخ بين الجزائر وفرنسا غير ممكنة


* ملف الذاكرة سيبقى مفتوحا  و قضية الاعتذار مرتبطة بالتعويض
قال الباحث في التاريخ الدكتور عامر رخيلة ، أن ملف الذاكرة يبقى حيا ، ولكي تبقى الذاكرة حية لابد من  نفض الغبار على الأمجاد والبطولات والتضحيات والمعاناة  والمجازر في حق الشعب الجزائري التي ارتكبتها القوات الفرنسية والتي لا مثيل لها في القرن  19 ، مؤكدا أن كتابة مشتركة للتاريخ بين الجزائر وفرنسا غير ممكنة.
  وأشار إلى ضرورة إقرار فرنسا بالجرائم المرتكبة و تمكين الجزائر من أرشيف الثورة التحريرية، و إزالة نقاط الاختلاف الموجودة حول قضايا معينة،  من أجل فتح صفحة جديدة في العلاقات الجزائرية الفرنسية.
وأضاف  الدكتور عامر رخيلة  في تصريح للنصر، أنه لابد من جعل الأمجاد والبطولات والتضحيات والمعاناة  والمجازر في حق الشعب الجزائري التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي، مادة  حاضرة في كل المناسبات،  مبرزا أنه من المهم جدا إحياء الذاكرة ، لكن لابد من الوقوف دائما وقفة تأمل عند حلول أي مناسبة.
وفي هذا الإطار،  أشار إلى الذكرى المزدوجة ل20 أوت 55 / 56 ، هجومات الشمال القسنطيني وانعقاد مؤتمر الصومام، فهذه الذكرى المزدوجة لها خصوصية معينة، فبالنسبة لهجومات الشمال القسنطيني، أعطت الطابع الشعبي للثورة الجزائرية وكانت بمثابة نقطة فيصل أمام المترددين، زيادة على البعد المتعلق بتدويل القضية الجزائرية، كما أن مؤتمر الصومام محطة متميزة في مسار الثورة ، فهو أول مؤتمر وطني لجبهة التحرير الوطني، وثانيا زود الثورة بأطر نظامية وأيديلوجية وتنظيمية وحدد الآفاق وأجرى تقييما لما هو موجود وكان بمثابة تأكيد أن الثورة وصلت لحد لا رجعة فيه وأن الثورة أصبحت منظمة وصارت تقوم على قاعدة اجتماعية واسعة وتمكنت إلى غاية 56 من تنظيم مختلف الفئات المهنية والاجتماعية وأدمجتها في الثورة، ولذلك فإن مؤتمر الصومام -كما أضاف- بالرغم مما قيل ويقال عنه سيبقى محطة متميزة في مسار الثورة التحريرية ، و الآن نحيي هذين المناسبتين ونستمد العبرة من هما والجزائر تخطو خطوة جديدة .
وأضاف قائلا : نأمل  الآن أن تتوفر إرادة لدى القوى السياسية والحركة الجمعوية والمجتمع الحزبي لتدعيم سياسة الشفافية والخيار الديموقراطي وسيادة العدالة في الجزائر.
 كما اعتبر أن كتابة مشتركة للتاريخ بين الجزائر وفرنسا غير ممكنة ، وقال في هذا الإطار، أنه لا يمكن جمع مدرستين ، مدرسة تكرس  الاستعمار وتباركه ومدرسة تشجب وتستنكر  الاستعمار وقائمة على التحرر و حقوق الشعوب في تقرير مصيرها،  فلا يمكنها أن يلتقيان على خط واحد.
وقال أن الشيء المطلوب في العلاقات الجزائرية  الفرنسية  فيما يخص التاريخ، إقرار فرنسا بالجرائم المرتكبة ، تمكين الجزائر من أرشيف الثورة التحريرية، و إزالة نقاط الاختلاف الموجودة حول قضايا معينة، وهكذا يمكننا فتح صفحة جديدة في العلاقات الجزائرية الفرنسية-كما أضاف-.
ومن جهة أخرى، أوضح أن الفرنسيين دائما يتحدثون عن ترك التاريخ لأهل الاختصاص ، فهم عينوا من جهتهم بنيامين ستورا للعمل على ملف الذاكرة مع الجزائر  ومن جهتنا عين عبد المجيد شيخي وهو مدير للأرشيف الوطني و لديه اهتمام كبير بالتاريخ ، وله دراية كبيرة لذلك هو الرجل المناسب ، كما أن  ستورا معروف عنه كتاباته حول الحركة الوطنية الجزائرية  والتي يمكن القول أنها اتسمت بشيء من الموضوعية ولذلك هذان الشخصان مؤهلان أن يقدمان ورقة عمل لسلطة البلدين فيما يخص التعاطي مع التاريخ الممتد من 5 جويلية 1830 إلى 5 جويلية 1962.
وقال إن ملف الذاكرة سيبقى مفتوحا  و أن قضية الاعتذار مرتبطة بالتعويض، فإذا اعتذر الفرنسيون فمعنى ذلك أنّهم أقروا بارتكاب  فعل نجم عنه ضرر،  لذلك عليهم  بالتعويضات طبقا للقواعد
 العامة .
مراد - ح

الدكتور لزهر ماروك: تاريخ فرنسا في الجزائر شوكة في ذاكرة وضمير الفرنسيين


 * لوبي قوي في فرنسا يعرقل اتجاه فرنسا الرسمية نحو الاعتذار
قال المحلل السياسي الدكتور لزهر ماروك ، إن تاريخ فرنسا في الجزائر يعتبر شوكة في ذاكرة وضمير الفرنسيين، معتبرا أن موضوع الذاكرة هو الرقم الصعب في المعادلة التي تحكم تطورات وتفاعلات العلاقات بين البلدين، مضيفا أن هناك لوبيا قويا مؤثرا وفاعلا داخل دوائر صنع القرار في فرنسا لديه عقدة  من استقلال الجزائر، حيث أنه يعرقل تقدم العلاقات بين البلدين  ويعرقل اتجاه فرنسا الرسمية نحو الاعتذار للشعب الجزائري.
وأوضح المحلل السياسي الدكتور لزهر ماروك ، في تصريح للنصر، أن موضوع الذاكرة هو الرقم الصعب في المعادلة التي تحكم تطورات وتفاعلات العلاقات الجزائرية الفرنسية ، ففرنسا دخلت إلى الجزائر في 1830 بحرب مدمرة أتت على الأخضر واليابس ، دمرت الدولة الجزائرية والشعب الجزائري ، وعند اندلاع الثورة التحريرية كانت هناك حرب على الشعب الجزائري الأعزل  واستخدمت الأرض المحروقة.
وأضاف أن تاريخ فرنسا في الجزائر هو تاريخ أسود ولا يليق بدولة تحمل شعار ثورة الحريات والحضارة وغيرها، وقال أن تاريخ فرنسا في الجزائر يعتبر شوكة في ذاكرة وضمير الفرنسيين، ومن هنا تأتي حساسية هذا الموضوع، لأنه يؤثر على سمعة فرنسا ومكانتها على الساحة الدولية، لذلك موضوع الذاكرة الآن  يأخذ أهمية كبيرة.
 و أشار في هذا السياق، إلى أنه ما زال هناك لوبي قوي مؤثر وفاعل داخل دوائر صنع القرار في فرنسا لديه عقدة  من استقلال الجزائر ، فبالنسبة لهذا اللوبي ، استقلال الجزائر كان يجب أن لا يحدث و أن تبقى الجزائر غنيمة ومستعمرة  فرنسية وليس من حقها  أن   تستقل ككل شعوب العالم رغم أن الظاهرة الاستعمارية انتهت بعد الحرب العالمية الثانية،  مضيفا أن هذا اللوبي  ما زال به حنين متواصل لشيء اسمه  الجزائر فرنسية، فهذا اللوبي هو الذي يعرقل كثيرا تقدم العلاقات الجزائرية الفرنسية ويعرقل كثيرا اتجاه فرنسا الرسمية نحو الاعتذار للشعب الجزائري على ما ارتكبته من جرائم في حقه .
ومن جهة أخرى اعتبر الدكتور لزهر ماروك أن كتابات المثقفين الفرنسيين  والمدرسة الفرنسية لا تكتب التاريخ بإنصاف فهناك ميل لعدم تحميل المسؤولية لفرنسا كدولة وهناك من يرغب في تحميل المسؤولية  لما حدث لجبهة التحرير وكأن الشعب الجزائر لما حمل السلاح لتحرير نفسه ارتكب خطأ في حقه أو حق فرنسا ، فهناك من يريد من المؤرخين والكتاب الفرنسيين والنخبة الفرنسية  أن يساوي بين الجلاد والضحية. وهذا الشيء مرفوض ولا يحدث في أي دولة من العالم، فلا توجد دولة تقبل بأن يكتب تاريخها بأقلام أجنبية لان وراء هذه الأقلام مصالح و لوبيات تحركها.
 وأشار إلى أن هناك قلة من الكتاب والباحثين الفرنسيين من الذين يريدون إعادة كتاب التاريخ  و تيار موضوع وعقلاني في النخبة الفرنسية وحتى في دوائر صنع القرار الفرنسي من بنظر إلى تاريخ فرنسا بشكل موضوعي وحيادي وواقعي، فهذا التيار يتنامى وهناك بعض الكتاب والمؤرخين الفرنسيين من يريد اعتذار فرنسا للجزائر وكتابة التاريخ بشكل موضوعي .
وأضاف قائلا: الآن يبدو أن هناك إرادة سياسية منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة في فتح كل ملفات العلاقات الجزائرية الفرنسية من أجل إرساء علاقات ذات مصداقية ولمصلحة الطرفين، ويبدو أن ملف الذاكرة يطرح نفسه بشكل أو بآخر،  لكن كتابة تاريخ الجزائر والذاكرة بأقلام جزائرية وفرنسية فيه صعوبة كبيرة .
 وأضاف أنه في ملف الذاكرة لا يجب أن نركز فقط على مرحلة 54-62، لا بد علينا أن نكتب التاريخ على مدى 130 سنة وليس 7 سنوات  ، فرنسا لم تأت بالحضارة إلى الجزائر وقد قامت ببناء نظام استيطاني استفاد منه المعمرون فقط وتم تهميش الشعب الجزائري بشكل نهائي ووضع الشعب الجزائري في الدرجة الثانية واستعبد وحرم من أرضه ومن العلم والمعرفة، فبالتالي يجب أن نكتب وقائع المرحلة الاستعمارية وتأثيرها على الشعب الجزائري  وعلى مكانة الجزائر،  فقد استفاد مجتمع المعمرين من خيرات الجزائر طوال هذه المرحلة وكان الشعب الجزائري مغيبا تماما سواء في العلم والتعليم ومحروما من أبسط حقوقه  السياسية والمدنية، وبالتالي لابد أن نكتب حقيقة ما حدث طوال هذه الفترة التي تعد فترة من أظلم فترات تاريخ الجزائر الحديث .
 ويرى المحلل السياسي، أن هناك إرادة بين الجانبين من أجل تحسين العلاقات ،  وقال أن فرنسا بحاجة إلى الجزائر كبلد محوري ويتمتع بمواقع قوة وأضاف أن فرنسا في سياستها المغاربية والإفريقية بحاجة إلى دولة مثل الجزائر للتنسيق والتشاور والتعاون  وأيضا الجزائر بحاجة إلى فرنسا كدولة ذات وزن ومكانة في أوروبا  ولديها تأثير في المنطقة العربية وفي إفريقيا ، فهناك قواسم مشتركة ومصالح أمنية  وسياسة واقتصادية،  مشيرا إلى أن الرؤية الجزائرية هي أنه على فرنسا أن تتعامل مع الجزائر بالندية كدولة مستقلة الند للند .                                     مراد -ح

الرجوع إلى الأعلى