تكشف سيرة حياة الشهيد البطل زيغود يوسف( 1956-1921) الذي نحيي ذكرى استشهاده غدا عن مجموعة من القيم والعبر التي يمكن استخلاصها من حياته وكفاحه المرير في مقاومة الاستعمار الفرنسي، من ذلك قوة شخصيته وشدة بأسه ورفضه الاستسلام لوضعه كيتيم فقير، بل إن في تشميره على ساعديه وامتهانه الحدادة والنجارة دليل على إرادته الصلبة وتحديه لقسوة ظروفه، كما أن قدرته الفائقة على انتزاع احترام الناس وتقديرهم له دليل على أخلاقه العالية وقدرته على نسج علاقات واسعة مع الناس والمحيط من حوله، فحب الناس واحترامهم الشديد له هو ما سمح له بغرس أفكاره التحررية المقاومة وقيادة شعبه نحو النصر المؤكد.
بقلم د. أحسن تليلاني
رئيس مؤسسة الشهيد العقيد زيغود يوسف التاريخية
و زيغود يوسف شاب ثائر متمرد، يعشق الحرية، ويكره الاستعباد والظلم، له نفس أبية مملوءة بالرجولة والفحولة والأنفة، إنه شاب ذكي جدا، بل خارق الذكاء والعبقرية، هذا ما نلمسه في قدرته على صناعة مفتاح تمكن بواسطته من فتح زنزانة سجن عنابة الرهيب، وقدرته على صناعة القنابل التقليدية وتفكيك القنابل التي يزرعها الاستعمار في طريق المجاهدين، ويتجلى ذكاؤه الوقاد في تخطيطه وإشرافه على هجومات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني، وهي الهجمات التي أنقذت الثورة التحريرية من الخنق والحصار الذي ضرب عليها في الأوراس، لقد كادت الجمرة أن تنطفئ لولا أن أشعلها زيغود من جديد وأمدها بما يزيد في اشتعالها وانتشارها أكثر وأكثر.
و بفضل ذكائه الوقاد وقدرته العالية على التخطيط والتنظيم، فإن الولاية التاريخية الثانية التي كان يشرف عليها قد ضربت أروع الأمثلة في البطولة والتضحية والفداء، كيف لا وقد اشتهرت هذه الولاية بكلمتين معبرتين عن منهج زيغود يوسف في القيادة والعمل، هما كلمة :»النظام « وكلمة : « السلسلة «.
إن شجاعة زيغود يوسف واضحة في كل خطوات حياته، فبمثل ما كان في شبابه يلاعب النار ويدعك الحديد، فإنه قد مضى يلقن زبانية الاستعمار دروسا في البسالة والنبالة والشرف وهذا حتى لحظة استشهاده، حيث واجه قدره ببسالة واحتضن شجيرة القندول ومات متجذرا في الأرض التي أنبتته.
و الحقيقة أن زيغود يوسف هو رجل حنون عطوف متواضع يأبى الكبر والفخفخة حتى أنه – ربما الوحيد من زعماء الثورة – الذين رفضوا تعليق نياشين رتبته العسكرية بعدما منحته الثورة رتبة عقيد، فكان يفضل أن يناديه رفاقه باسم( سيدي أحمد )على أن يلقب بالعقيد زيغود يوسف، إنه ابن الشعب الأعزل البسيط المحب للخير العاشق للأرض التي أنبتته وللحرية التي يحلم بها، وفي سبيل انتزاع الحرية من المستعمر الغاشم ضحى بكل شيء باذلا في سبيل ذلك النفس والنفيس : المال والجهد والوقت والأسرة والعمر.
لقد تعرفت على الكثير من رفاق الشهيد زيغود يوسف، و كرمت بعضهم و حاورتهم مطولا ، أذكر من بينهم صديق طفولته المجاهد الطيب الثعالبي و كاتبه الخاص المجاهد و الوزير إبراهيم شيبوط رحمه الله و غيرهما من أمثال المجاهد المرحوم عمار بن عودة المدعو سي مصطفى الذي تعرفت عليه جيدا منذ عدة سنوات ، و التقيته عدة مرات و في عدة مناسبات ، و بحكم اشتغالي بكتابة سيناريو فيلم زيغود يوسف ، فقد حرصت كثيرا على زيارته و التحدث إليه و الاستماع جيدا إلى شهاداته لأنه كان من أهم رفاق زيغود ، حيث روى لي بن عودة  أنه كان في الزنزانة نفسها مع زيغود يوسف قبل الثورة، و أنه شارك في عملية الهروب الناجح من سجن عنابة ، حيث يؤكد على أنه انبهر بشخصية زيغود و بقدراته الفنية العالية سواء في صناعة مفتاح الزنزانة ، أو في عملية القيادة و التنظيم المحكم، كما أكد لي أنه عاش معه حياة الخفاء و الاختباء من عيون الاستعمار قبل الثورة في ميلة و في منطقة الأوراس ، كما حضرا معا اجتماع القادة 22 ، و اشتركا في تفجير الثورة و تنفيذ هجومات 20 أوت 1955 بل و حتى في مؤتمر الصومام الذي حضره بن عودة بصفته مرافقا ضمن وفد زيغود يوسف، و نظرا لهذه العلاقة المتينة التي جمعت الرجلين ، فقد استمعت إلى كثير من الحكايات و الشهادات التي أدلى بها بن عودة في حق الشهيد زيغود يوسف ، و منها قصة إصابة زيغود يوسف بمرض في عينه.، حيث يقول بن عودة إن زيغود قد أصيب قبل الثورة بمرض في عينه اليمنى التي اكتسح بياضها سواد حدقتها ، و أنه حاول العلاج دون جدوى ، فكان كثيرا ما يستبد به الحزن خوفا على فقدان بصره خاصة و أن الثورة قادمة ، فكان يقول لرفيقيه عمار بن عودة و عمار قوقة و هم في الجبل بنواحي القرارم ، إنه يحتاج كثيرا لسلامة عينيه حتى يحسن تسديد الرصاص لعساكر الاحتلال ، و ذات مساء قرأ زيغود في أحد كتب السيوطي أن الرسول - ص – كان يعالج الخيل إذا أصيبت عيونها برمد أو أي مرض بواسطة الشب ، حيث يدقه و يطحنه ثم يضعه في العيون المصابة فتشفى ، فقرر أن يطبق هذا العلاج من الطب النبوي ، غير أن بن عودة نهاه عن ذلك محذرا إياه من خطورة الشب على العينين لأنه قد يهلكها تماما بالإضافة إلى كونه مؤلما جدا على بشرة الجلد فما بالك بحدقة العين ، غير أن زيغود الحالم بالثورة صمم على قراره و جاء بقطعة شب فطحنها، و طلب من بن عودة أن يمرغ في ذاك الطحين ساق سنبلة ثم ينفخ فيه ليستقر الشب في عينه المصابة ، لكن بن عودة أبى و رفض إشفاقا على صاحبه ، و هو ما جعل زيغود يلتمس الطلب نفسه من عمار قوقة الذي لم يجد بدا من التنفيذ ، لكنه و بمجرد ما لامس الشب حدقة العين المصابة حتى طفق زيغود يجري في الجبل ، و يصرخ من الألم الشديد ، فلحق به صاحباه و بمجرد ما أمسكا به حتى راح يتمرغ و يتلوى مسبحا و محوقلا مرددا آيات الذكر الحكيم ، و يؤكد بن عودة أنها كانت ليلة ليلاء عليهم جميعا حتى أنه اقترح على زيغود الذهاب إلى البحر للاغتسال بمياهه المالحة ، لكن زيغود رفض ذلك متمسكا بقوله إن الرسول عالج عيون الخيل باستعمال الشب ، فيرد عليه بن عودة أنها تلك خيل يا صاحبي ، و ما يصلح للخيل قد لا يصلح للبشر ، فيرد عليه زيغود إن الرسول قال و فعل و أنا أصدقه و أقتدي به ، فلم يجد العماران : بن عودة و قوقة من بد سوى احتضان زيغود و قراءة القرآن حتى هدأت نفسه و نام مع طلوع الفجر ، و عند الصباح هب نحوه بن عودة للاطمئنان عليه و على عينه فوجده في حالة يرثى لها ، حيث إن عينه قد صارت حمراء مثل الرئة ، فراح بن عودة يؤنبه لإتلافه عينه بالشب ، بينما راح زيغود يغسلها بالماء و يحكها جيدا مؤكدا لصاحبيه أنه لم يعد يرى بواسطتها أي شيء ، لكن زيغود المؤمن التقي لم ييأس من ثقته العمياء في الطب النبوي ، و ظل مرة على مرة يغسل عينه بالماء و يحاول اختبارها على النظر ، و مع المساء انتفض زيغود فجأة و قال لصاحبيه إنه يرى بصيصا من النور ، و يؤكد بن عودة أنه مع الأيام تحسنت عين زيغود حتى شفيت تماما و عادت حدقته باصرة مبصرة كما كانت في عهد شبابه الأول ، و يعلق بن عودة على هذه الحادثة فيقول إنه لم ير في حياته رجلا مؤمنا تقيا ورعا مثل زيغود يوسف المؤمن بالله إيمانا قطعيا لا تشوبه شائبة ، لذلك يقول عنه « زيغود يوسف رضي الله عنه»».
و من القصص الأخرى التي رواها بن عودة عن زيغود قصة  القبعة فيقول: إنها تعود إلى أحد الجنود الفرنسيين الذي تم القبض عليه حيا و أسره من قبل زيغود و رفاقه في جبال الميلية ، إذ بعد أن تبين للقائد زيغود خلال أسبوع أن هذا الجندي مجرد شاب فرنسي مجند بريء من العدوان الاستعماري ، فقد قرر إطلاق سراحه رافضا تعذيبه أو إعدامه قائلا لرفاقه المجاهدين أن تعاليم الإسلام تفرض علينا الإحسان للأسير البريء ، و هكذا تم توجيه ذلك الجندي الفرنسي نحو الطريق المعبد ، و قال له زيغود بلطف « أسلك هذا الطريق و ستلتقي بإحدى الدوريات العسكرية الفرنسية ليأخذوك معهم من حيث جئت « و أمام هول المفاجأة لم يجد ذلك الجندي من طريقة يشكر بها زيغود سوى أن نزع قبعته العسكرية و قدمها هدية لزيغود الذي فرح بها و وضعها على رأسه فزادته جمالا و بهاء و هو العاشق منذ صغره لأفلام الواستارن ، و يؤكد بن عودة أنه هو من التقط هذه الصورة المشهورة لزيغود يوسف و هو يضع قبعة البروز على رأسه.
و صفوة القول فإن الحديث عن الشهيد زيغود يوسف هو حديث ذو شجون، لأن هذا البطل قد ترك عديد الآثار و الأعمال و البطولات التي صنعت مجد الشعب الجزائري خلال الثورة التحريرية خاصة ، و إن ما يؤسفنا حقا هو هذا التماطل غير المفهوم في إنجاز فيلم سينمائي يليق بمكانته و يصور لهيب الثورة في الشمال القسنطيني.

زيغـــود يــوسف  وثنــائيــــة  الـــذكاء والكاريـــزمــــــــا
بقلم الدكتور /حميد بوشوشه: نائب رئيس مؤسسة الشهيد زيغود يوسف
 لم يكن زيغود يوسف شخصية ثورية عادية ، ويشهد الكثير ممن عرفوه أن هذا الثائر الذي استطاع أن يغير مجرى الثورة التحريرية كان يتميز بصفات نادرا أن تجتمع في شخص واحد في تلك الظروف التي كانت تعيشها الجزائر ، فالطفولة الصعبة التي عاشها وانتقاله من بيت إلى بيت ومن مدرسة إلى أخرى وما كان يراه يوميا من ظلم واستبداد المستعمر الفرنسي  صنعت منه رجلا قبل الأوان بدليل انخراطه في العمل السياسي في عمر مبكر بشكل لفت انتباه كل الذين من حوله من خلال قدرته على الإقناع والتحليل وشجاعته وصرامته  في التعبير عن مواقفه ثم بعدها في العمل العسكري الذي أبان فيه عن قدرة فائقة في التخطيط والتدبير وحسن التنفيذ رغم أنه لم يتخرج من أي كلية أو مدرسة عسكرية.
ومثلما كان يعرف طرق الحديد الذي مكنه وبذكاء من الهروب من سجن بونة ، كان أيضا لا يهاب المخاطرة بحياته وهو يتنقل متخفيا من مكان إلى مكان بعد أن وضعته فرنسا على رأس المطلوبين المنخرطين في العمل السري ، واستطاع أن يشارك في اجتماع 22 وخطط ونفذ أول الهجومات على مقرات الاستعمار في ساعة الصفر . ولأنه كان يتمتع بكاريزما وذكاء تحول في وقت قصير إلى رقم صعب في الشمال القسنطيني من خلال إشرافه وتنفيذه لهجومات 20 أوت 1955 التي كانت محطة مفصلية في مسار الثورة وفي مسار استقلال الجزائر بعد أن حطمت أسطورة الجزائر فرنسية ورسمت القطيعة النهائية بين الشعب الجزائري والشعب الفرنسي  ، وحتى اليوم لاتزال الدراسات التاريخية تبحث في عبقرية هذا الرجل وكيف استطاع أن ينجح في وقت قصير أن ينظم وينفذ هجومات بذلك الحجم ، وكيف استطاع أن يخترق كل أنواع الحصار التي كانت تضربه فرنسا ويصل إلى الشعب في القرى والمداشر لإقناعه بالمشاركة والتضحية من أجل الجزائر رغم بدائية وسائل الاتصال وكل مخاطر اللقاء والاجتماع في أي منطقة، وتساؤلات كثيرة حول اختيار توقيت الهجوم وأهدافه البعيدة والقريبة تنم كلها عن عبقرية وذكاء وكاريزما كبيرة كان يتمتع بها سي أحمد عند الشعب وعند المحيطين به من رفاق السلاح وحتى عند الفرنسيين الذين استغرقوا وقتا طويلا ليتعرفوا على جثته ويسجلوه في سجلات الوفاة بعد أن استشهد وهو يقاتل ببسالة من أجل استقلال كان مقتنعا أنه سيأتي يوما وكان أسر لأحد أقربائه أنه لا يريد أن يدركه حتى يستحق قدر الشهادة .   

بيوتــات ميلــــة التــــي أحبهــــا زيغــــود يـــــوسف
نورالدين بوعروج – باحث في التاريخ- رئيس المجلس العلمي والتقني لمتحف المجاهد بميلة.
مدخل
ظل اسم زيروت يوسف وهو لقبه كما سجل في وثيقة مولده ،ولقبه الأصلي< زيغود>،كما هو متوارث عند هذه الأسرة العريقة بالشمال القسنطيني، له وقع كبير في نفوس سكان ميلة وضواحيها وخاصة العائلات التي فتحت له بيوتها حيث آوته وحمته وساعدته من متابعات ومراقبات الإحتلال و زبانيته وعملائه. كيف لا ..؟ وهي العائلات التي كان النضال الثوري يسري في عروق أفرادها فتشبعت من نفس النبع الذي إرتوى منه القائد الشهيد ،فتشكلت لحمة قوية بقيت خيوطها مشدودة إلى يوم الناس هذا.
هكذا دخل زيغود يوسف (سيدي أحمد) بيوت ميلة ..
 كم كان عظيما يوم التقى الفعل الثوري في شخصين من النضال القديم جمعهما في حزب الشعب و حركة الانتصار للحريات الديمقراطية،و المنظمة الخاصة ،واللجنة الثورية للوحدة والعمل،ومجموعة ال22،وقيادة المنطقة(الولاية) الثانية، واندلاع الثورة وما تبع ذلك من أحداث،و المقصود هنا القائد الشهيد زيغود يوسف،والقائد المجاهد بن طبال سليمان.ومن هنا تبدأ قصة زيغود بميلة، فنقاط التشابه بين الرجلين كثيرة، رسمت معالم علاقة ظلت وطيدة إلى أن فرق الموت بينهما،بل وفتحت هذه العلاقة لتعم أواصرها بيوت ميلة ومحيطها القريب. ولا أظن نفسي قد أحطت بجميع الأخبار في هذه النقطة، وإنما هو خيط من فيض لم تلتم كل أخباره بين أيدينا .
فكون عائلة بن طبال عائلة فلاحية و إقدام بن طبال سليمان فيما بعد إلى كراء رحي الرومي للحبوب، بحي صَنـَـاوَة بمدينة ميلة، التي ما يزال بنيانها قائما إلى اليوم دون أن تقوم بوظيفتها، والتي كانت مكانا لجمع المؤونة و السلاح، وغطاء الإجتماعات  قيادة الناحية الثالثة التي كلف بها، وحتى قيادة المنطقة الثانية والتي استقبلت زيغود يوسف عدة مرات وعمار بن عودة وغيرهما وهي التي تنفتح على البساتين وسيلة التسلل إلى وادي النار الذي يصب في الوادي الكبير( وادي الرمال) ومنه إلى القرارم قوقة وأعالي جبالها المنفتحة على الحدود مع سكيكدة و جيجل. (9)
فلقاء الفلاح ومشغل رحى بالحداد كان نشاطا حرفيا، وغطاء فعالا للتخفي من عيون العدو الذي التي لا يغمض لها جفن أمام كل عنصر جديد يدخل محيط المدينة ، وخاصة أنه يجهل من يكون فعلا.
لقد كان إرتداء زيغود يوسف للباس القشابية والشاش وركوبه الحصان وأحيانا البغل، وهدوئه،وقلة كلامه إلا بما يفي الغرض أضفى عليه البساطة ولا يميزه عن أفراد الشعب،وكان عندما يدخل حدود ميلة يتنقل ببطاقة هوية مزورة مستخرجة من بلدية ميلة،وكان رجل الثورة المموه بالبلدية ويعمل كاتباعاما بها، ويعمل لصالح رجالها هو السيد محمد لعرابة الذي نكل به العدو شر تنكيل حتى قتله شهيداعندما كشف أمره. ولعل الإسم الثوري الذي عرف به زيغود يوسف < أحمد> وعند العامة< سي أحمد> أو < سيدي أحمد> كان في إحدى بطاقات هويته التي كان يستخرجها له السيد لعرابة بإقتراح من بن طبال سليمان الذي أول ألقابه الثورية < سي عبد الله>،ولقبه الثوري الثاني هو< سي محمود> والذي حمله عندما تخفى بالأوراس ولحق به بعدها زيغود يوسف بعد فراره من سجن عنابة.ولذلك بيت مولود لعرابة و زوجته دلولة بن رابح من البيوتات التي آوت الشهيد زيغود يوسف، وهو الذي يحتسب شهيدين فيه وهما محمد الشريف ومحمد الصالح ولدي سي المولود.(10) و يبقى بيت عائلة علي بن طبال وزوجته فطيمة غوالمي والدي العقيد المجاهد لخضر بن طبال رفيق درب الشهيد القائد زيغود يوسف بيته الثاني الذي آواه وأحس فيه بالطمأنينة وكانه في بيت والديه،لما وجده من حسن الضيافة وكرم المعاملة والرحمة والألفة والأمان،من كل أفراد العائلة والتي استشهد فيها السعيد وعمار عام 1960م. وكان يقول رغم أن المسافة بيننا ليست بعيدة إلا أن بربوشة (كسكس) ميلة لا نظير لها على الإطلاق.و كان يتابع أخبار العائلة ويتفقد أحوالها من سي لخضر وخاصة الوالدين.وأفراد الأسرة ينظرون إليه نظرة إحترام وينادونه سيدي أحمد لحفظه القرآن الكريم و تمكنه منه وهم يجهلون من يكون أصلا،وهي عادة أهل ميلة الأصلاء في إظهار الإحترام والتقدير لحفاظ القرآن،والعلماء والمشايخ .

و من البيوتات الميلية التي ينزل بها ضيفا مكرما بيوت أصهار بن طبال وهما :إبراهيم بن زرافة وزوجته يمونة ،والتي استشهد أبناؤها الثلاثة قدور و يوسف وحسين.(11) وكذا بيت الشريف بن زرافة و زوجته عائشة بن طبال والتي استشهد أبناؤها الثلاثة عاشور و محمود و محمد.(12)
ومن بيوتات ميلة التي آوى إليها زيغود يوسف ضيفا أومتخفيا ووجد فيها المساعدة الممكنة إلى ما قبل إنعقاد مؤتمر الصومام، بيت محمد بن التونسي و زوجته غنوجةبلي ، والتي أستشهد أبناؤها الثلاثة محمود و عمر وعبد القادر المدعو السنوسي. وبيت القائد الشهيد علي زغدود المدعو عليالعواطي القائد الفذ في الناحية لعدة معارك و إشتباكات مع العدو الفرنسي وبيت رابح بوعروج و زوجته الزهراء بن علوشة التي استشهد ولديها سليمان وعومار. وبيت علاوة شعبوبو قرميةبوالقصبة و التي استشهد ولديها علي و رشيد. وبيت السعيد لزعر و زوجته زليخة بومنجل  واستشهد ولديها محمد و أحمد لخضر.(13)
و من البيوتات التي كانت ملجأ وسندا للشهيد زيغود يوسف ورفاقه في تنقله من جهة سكيكدة إلى ميلة ،بيوت القرارم ومنها بيت سي الحواس بن كروش، و بيت صديق مهنته في الحدادة القائد الشهيد قوقة عمار الذي كانت شهادته في مارس 1960م،وتحمل اليوم بلدية القرارمإسمه<القرارم قوقة>.(14)
أما في حمالة أعالي القرارم على سفوح جبل سقاو فإن بيوتات عائلة بوسمينة كانت أكثر العائلات مساعدة وكفاحا للشهيد و رفاقه،وهي: بيت الطاهر بوسمينة وزوجته لويزة بوسمينة واستشهد ولديها لحباسي وعبد الحق. وبيت الهاشمي بوسمينة وزوجته جغمومةبوسمينةو استشهد ولديها صالح و عبد الكريم. وبيت العربي بوسمينة وزوجته ناموس فطيمة واستشهد ولديها الطاهر والطيب. و بيت عائلة شعبان بوالعسل و زوجته مريم بوالنمر واستشهد ولديها مسعود و محمد.(15 )
يبقى هذا بعض مما قمنا بتسجيله من مصادر مختلفة و حققنا فيه ،ونراه يبقى قاصرا يحتاج إلى إثراء متواصل حيثما توفر مصدر المعلومة من أجل الحفاظ على ذاكرتنا الوطنية ،وجمع ما تم إغفاله في ظل واقعنا المعيش.
الموضوع له مصادره و مراجعه المحفوظة.

التطور العسكري في الشمال القسنطيني تحت قيادة زيغود يوسف
الباحثة سهير حامي
    تولى قيادة منطقة الشمال القسنطيني منذ البداية رجال أبطال خلّدت صفحات التاريخ بطولاتهم وانجازاتهم المشرفة في مختلف الميادين السياسية والعسكرية وغيرها، فكانوا مثالا للكفاح والنضال في تاريخ الجزائر ويعد القائد زيغود يوسف الذي خلف القائد ديدوش مراد في قيادة منطقة الثانية من أبرز القادة في تاريخ الثورة الجزائرية التحريرية، كان يحظى بشعبية واسعة لدى عامة الناس لاسيما لدى الفلاحين الذين يمثلون الشريحة الكبيرة من المجتمع الجزائري، ورغم أن أغلب الجماهير الشعبية كانت لا تقرأ ولا تكتب غير أنها كانت واعية بعدالة القضية الوطنية، وبضرورة التحرر من قيود الاستعمار الفرنسي، هذا ما جعل منطقة الشمال القسنطيني تعد من أقوى المناطق خاصة بعد اندلاع الثورة من خلال تبنيهم لأفكار الجهاد والاستقلال.
ولإثبات شعبية واستمرارية الثورة وتنظيمها ظل القائد زيغود يوسف ينظم الشعب والجيش في المنطقة، وفي اللحظة التي شعر فيها أنه أصبح قادرا على التحكم في زمام الأمور قرر تنظيم هجومات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني، كان يقول دائما: «إن القمع الأعمى يولد القمع الأعمى والعنف يدعو للعنف». لقد كان مدركا وأكثر وعيا للأحداث المستجدة في الميدان السياسي والعسكري حيث جاء في مذكرات المجاهد العقيد علي كافي أن قرار الهجومات كان خاصا بالمنطقة الثانية، وهو مبادرة من زيغود يوسف لدفع الثورة خطوات نحو الأمام، والفكرة كانت عبارة عن دعوة الى عملية كبيرة وشاملة وكانت الوضعية التنظيمية والحالة المعنوية مؤهلة لمثل هذه العملية بعد التفاف الشعب حول الثورة وثقته بها وتطلع الشباب نحو التجنيد، لهذا جاءت فكرة الهجومات التي تم تنظيمها جيدا وذلك نظرا لظروف الثورة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
حققت الهجومات نصرا كبيرا لصالح الثورة الجزائرية، حيث برهنت قوة الثورة التنظيمية والعسكرية وعلى التفاف الشعب الجزائري بثورته التي وصل صداها الى الخارج، فقد كتب العديد من الأجانب عن الحدث أمثال ايف كوريار من خلال كتابه «زمن الفهود» أنه الهجوم الأول الحقيقي لحرب الجزائر، كما تقول صاحبة كتاب «الفرصة الضائعة» أنه أول هجوم جزائري موسع وشامل يكشف عن إعداد دقيق ووجود قوات نظامية هامة، فتأكد قادة الاحتلال الفرنسي من أنهم أمام ثورة شعبية منظمة وليست مجرد أعمال تمردية مدبرة من
الخارج ينفذها بعض المتمردين كما أشيع من قبل السلطات الفرنسية.                                                                                                                                                      
وبعد الانتشار الواسع الذي عرفته الثورة في كامل التراب الوطني، تقرر عقد مؤتمر ضروري مستعجل بسبب الظروف الحاصلة خاصة بعد الهجومات، وخلال التشاور بين المسؤولين فكروا في عقد المؤتمر في المنطقة الثانية لكن تم اختيار عقده في المنطقة الثالثة بوادي الصومام نظرا الى وجودها وسط البلاد. شارك زيغود يوسف في المؤتمر المنعقد يوم 20 أوت 1956 رفقة وفد من المنطقة الثانية وقد حضره أيضا أغلب قادة الثورة من جميع النواحي اعتمد المؤتمر تقرير المنطقة الثانية الذي قدمه زيغود يوسف كأرضية أساسية للنقاش، حيث صادق على أغلبية ما تضمنه، إن مؤتمر الصومام أصبح حدث تاريخي عظيم، فقد كانت الوضعية عبر التراب الوطني تتسم بعدم التنسيق وعليه فإن القرارات المهمة التي جاءت فيه ساهمت بشكل كبير في إعادة تنظيم الثورة الجزائرية التحريرية، فالقائد زيغود يوسف بشخصيته البارزة في تاريخ الثورة قد أسهمت جهوده في توجيه مسيرتها وإثرائها، فكان لشخصيته القوية وأفكاره ومواقفه النيرة الأثر في تطور الثورة على مستوى الشمال القسنطيني والوطني.

جوانب مجهولة في سيرة ومسيرة البطل
الشهيــــد زيغـــود يـــوسف متخفيـا في جبال الأوراس
بقلم: صالح سعودي
للشهيد البطل زيغود يوسف علاقة متينة وعميقة بمنطقة الأوراس، فعلاوة على ثقله رفقة الشهيد مصطفى بن بولعيد في مجموعة الـ22 التي مهدت للتحضير وإشعال فتيل الثورة التحريرية، بمعية عناصر بارزة من الحركة الوطنية والمنظمة السرية، فإن مطلع الخمسينيات عرف هروب زيغود يوسف إلى الأوراس رفقة عدة أعضاء بارزين، إثر اكتشاف خلايا المنظمة السرية في بقية ولايات الوطن، كما كان لابن سمندو علاقة مباشرة بإدارة الولاية الأولى التاريخية مع اندلاع الثورة، ما جعله يوظف هذا العامل في إطار تفعيل وإنجاح هجمات الشمال القسنطيني يوم 20 أوت 1955.
تعود العلاقة الفعلية للشهيد البطل زيغود يوسف بمنطقة الأوراس إلى مطلع الخمسينيات، وهذا بسبب التطورات الحاصلة في الحركة الوطنية، وبالضبط بعد اكتشاف خلايا المنظمة السرية، ما تسبب في سجن الكثير من الأعضاء الناشطين والميدانيين، وقد كان زيغود يوسف ممن تعرضوا للسجن في عنابة، إلا أن حنكته مكنته من الهروب، ما جعل الأوراس الخيار المناسب لزيغود يوسف ورفقائه هروبا من عيون الإدارة الاستدمارية وأذنابها، حدث ذلك انطلاقا من عدة عوامل ومعطيات، وفي مقدمة ذلك حصانة جبال الأوراس وابتعادها عن الأنظار، ما جعل الشهيد مصطفى بن بولعيد يحضر لهم الأرضية، ويوزعهم على عدة أماكن، بدليل أن المجاهد الراحل عمار معاش تكفل بمتطلبات رابح بيطاط بنواحي يابوس وما جاروها، أما بن طوبال فقد استقر بنواحي آريس، فيما تكفل مسعود بن زلماط بعبد السلام حباشي وكان دليله بنواحي إينوغيسن وكيمل وما جاورهما، في الوقت الذي كان زيغود يوسف ورفيقه عمار بن عودة في ضيافة مصطفى بوستة الذي يعد أحد أبرز نواب الشهيد مصطفى بن بولعيد، وبمثابة حافظ أسرار الثورة والحركة الوطنية بزلاطو والأوراس. فكانت بذلك جبال زلاطو وإشمول واريس وغسيرة وكيمل ويابوس ودوفانة وبوحمامة حصنا منيعا لزيغود يوسف ورفقائه هروبا من الاستدمار وأذنابه.
إعجاب زيغود بكرم الأوراسيين ونضالهم ضد الاستدمار
يكشف الكتاب الذي ألفه المجاهد الراحل إبراهيم شيبوط تحت عنوان «زيغود يوسف الذي عرفته- شهادة»، عن منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، جوانب مهمة تخص انطباعات وموقف البطل زيغود يوسف من منطقة الأوراس والأوراسيين الذين أعجب بكرمهم ونضالهم، من خلال التكفل الجيد به طيلة فترة تخفيه في المنطقة، حيث يقول إبراهيم شيبوط في الصفحة 49 من الكتاب المذكور «مناضلو الأوراس استقبلوا بجبالهم مناضلي المنظمة السرية التابعة لمنطقة قسنطينة، والذين طلب منهم الحزب استقبالهم وضمان أمنهم، زيغود يوسف كان من بين الفوج الذي يحتوي على رابح بيطاط ولخضر بن طوبال وعمار بن عودة. من المؤكد أن هؤلاء رجال الخفاء حسب مصطلح الحزب، وفي تلك الفترة كانوا محميين من طرف مناضلي الحزب والمنظمة السرية، ولكن الفرنسيين لم يتوقفوا عن البحث عن المناضلين وقد كانوا مزودين بمعلومات قليلة المصداقية نظرا لسهولة تنقل هؤلاء المناضلين بالمشاتي الجاثمة بالكتلة الجبلية الكبرى لهذه المنطقة، والتي سكانها حذرين جدا من أعوان الإدارة المكونين من القادة وحراس الغابات والدرك». ويضيف في الصفحة 50 قائلا «زيغود يوسف ورفقاؤه استدعوا بقسنطينة لكي يعين بعضهم بوهران وآخرون بالجزائر العاصمة أو بلاد القبائل أو بالسمندو، بالنسبة لزيغود يوسف فقد جاب هذه المنطقة إلى أن وصل إلى ميلة مصحوبا ببركات سليمان. بعدما عاد من الأوراس كان معجبا كل الإعجاب بالمقاومين والمناضلين التابعين لهذه المنطقة، فالسكان محرومون لكنهم أصحاب أنفة وكرماء جدا. مناضلو قسنطينة كانوا جد مندهشين من هؤلاء السكان لسهولة استعمالهم لكل أنواع الأسلحة كيفما كان مصدرها، كما أنهم أعجبوا بدقة الرمي الذي تمتاز به بعض نساء المناضلين»، وأكيد أنه كان يقصد المجاهدة الراحلة فاطمة لوصيف، زوجة الشهيد البطل شبشوب الصادق، حيث أن الثنائي المذكور صعد الجبال بعد الحرب العالمية الثانية وحارب فرنسا طيلة 15 سنة كاملة.
زيغود يوسف يرد الجميل للشهيد قرين بلقاسم

وقد سمح تخفي زيغود يوسف في منطقة الأوراس بتشكيل علاقات عميقة بين أعضاء المنظمة السرية ومجموعة الخارجين عن القانون التي كانت تنشط في منطقة الأوراس، على غرار حسين برحايل ومسعود بن زلماط والمكي عايسيو شبشوب الصادق رفقة زوجته وقرين بلقاسم وغيرهم. وكانت الصدفة أن اختار الشهيد قرين بلقاسم منطقة سمندو هروبا من الإدارة الاستدمارية، بسبب رفضه التجنيد الإجباري، كان ذلك في أعقاب مغادرة زيغود يوسف ورفقائه لمنطقة الأوراس، وقد كان زيغود يوسف في الموعد، حيث رد الجميل لقرين بلقاسم بالتنسيق مع أعيان وسكان منطقة سمندو، حيث يقول إبراهيم شيبوط في كتابه حول زيغود يوسف ما يلي «أراد زيغود يوسف التعبير بكيفية أخوية عن امتنانه لإخوانه بالأوراس، وقد ساعده الحظ إذ أقبل إلى منطقة كندي سمندو الوطني قرين بلقاسم. لقد كان متهربا من التجنيد في الجيش الفرنسي ومطالبا لعصيانه ونشاطاته بحزب الشعب الجزائري وحزب انتصار الحريات الديمقراطية. وهكذا فإن قرين بلقاسم حل بمنطقة كندي سمندو عام 1953، وقد أقام عند عائلات المناضلين لدوار سوارخ، سوادق، ولم تستطع السلطات الفرنسية معرفة مكان تواجده طيلة المدة التي أقام خلالها بالمنطقة ولم يعد إلا في نهاية صيف 1954 إلى الأوراس، أين حارب قوات الجيش الفرنسي وسقط في ساحة الشرف عام 1955 والصحيح هو نوفمبر 1954». مضيفا في الصفحة 51 بالقول «عندما استقبل زيغود يوسف قرين بلقاسم فإنه قد عبر في نفس الوقت عن امتنانه وعن تآزره مع منطقة الأوراس ومبينا في الوقت ذاته أن وحدة الوطنيين في ساحة الوغى ليس لها حدود وأن الوطني أينما وجد فهو في بلده».
هجمات الشمال القسنطيني.. حلقة أخرى من علاقة زيغود مع الأوراس
وإذا كان القائد البطل زيغود يوسف قد شكل علاقة عميقة مع منطقة الأوراس ومناضليها وقيادييها بقيادة مصطفى بن بولعيد ومسعود بلعقون ومصطفى بوستة وغيرهم، وتجسدت فيما بعد مع الشهيد قرين بلقاسم في إطار رد الجميل، فإن هجمات الشمال القسنطيني كانت حلقة أخرى مهمة من علاقة القيادي زيغود يوسف مع الأوراس، وهذا بحكم تواصله مع قيادة الولاية الأولى التاريخية لإمداده بالعدة والعتاد بغية إنجاح الهجمات المذكورة، حيث يقول عمار بن عودة في حوار أجريته معه بمنزله في عنابة ونشر في جريدة الشروق يوم 1 نوفمبر 2015 «لما قام شيحاني بمراسلة زيغود يوسف، طالبا منه فك الحصار يوم 20 أوت 1955، فقد بعث مجموعة من مجاهدي الأوراس مشكلة من 13 أو 14 مجاهدا على رأسهم عبد الوهاب من تبسة، وكانوا يتوفرون على سلاح عسكري متطور «ميليتير»، وهو ما يؤكد العلاقة المتينة لزيغود يوسف مع الأوراس مناضلين وقيادة، وحنكته في تشكيل علاقات عميقة انعكست بالإيجاب على الثورة، كما كان زيغود يوسف من المكلفين بالتوجه إلى الأوراس عقب الانتهاء من أشغال مؤتمر الصومام، وهذا بنية إيجاد تسوية للخلافات التي حصلت بين قيادات الأوراس، في أعقاب استشهاد البطل مصطفى بن بولعيد، وكذا البحث في أسباب غياب قيادة الأوراس عن مؤتمر الصومام المنعقد يوم 20 أوت 1956، إلا أن الأجل لم يمهله بعد أن سقط في ميدان الشرف يوم 23 سبتمبر وهو متوجه إلى الأوراس للقيام بهذه المهمة.

الرجوع إلى الأعلى