• عساكر فرنسا عذّبوا الثوار والأبرياء بتقطيع أجسادهم ونثر الملح عليها•  شهادات عن إرغام السجناء على شرب (الأسيد) والصعق الكهربائي
تخلصت البناية العتيقة لمدرسة حموش أحمد الزين (الكوليج) ببلدية برج زمورة ببرج بوعريريج، منذ الاستقلال، من آهات و آلام الثوار المعذبين بقسوة على يد عساكر المستدمر الفرنسي، بهذا الحصن الذي شيد في العهد العثماني وتحوّل إلى محتشد تستعمل فيه أبشع طرق التعذيب والاستنطاق، التي مازالت محفورة في ذكريات سكان المنطقة وأعيانها، لهول ما سمعوه وما شاهدوه من همجية وتجرد من أدنى القيم الإنسانية والأخلاقية لقوات العدو المحتل، حيث لم يسلم بحسبهم الأبرياء و لا العزل من تغطرس وإرهاب المستدمر، حيث تحوّلت البناية خلال فترة الاستعمار، من حصن ينافس في هندسته ورونقه المعماري القصور والقلاع المشيدة بالمنطقة، إلى ثكنة وبعدها إلى محتشد تشرّح فيه أجساد الثوار والأبرياء المنهكة بأبشع طرق التعذيب، أين كانوا يرغمون، حسب ما تحصلنا عليه من شهادات، على شرب الأحماض القاتلة ( الأسيد) والصعق الكهربائي في محاولة لاستنطاقهم، و طرق فظيعة يشبع فيها عساكر العدو نزواتهم الهمجية بتشريح و تقطيع أجساد السجناء
و وضع الملح عليها ما يشعرهم بألم شديد يصل في بعض الأحيان إلى حد فقدانهم للوعي تحت تأثير المعاملة العنيفة والتعذيب المستمر .
و لعل أول ما يشد انتباهك وأنت تزور منطقة برج زمورة شمال ولاية برج بوعريريج، الطابع المعماري الفريد لأحيائها العتيقة، التي مازالت تحتفظ بين أزقتها وبناياتها بذكريات ودلائل مادية عن الحضارات والحقب التاريخية التي مرت بها، بما فيها هذه المدرسة التي تحولت إلى منارة للعلم والمعرفة منذ الاستقلال، تخرج منها تلاميذ أصبحوا دكاترة ومهندسين و إعلاميين و إطارات في مختلف القطاعات، فضلا عن قلاعها و مآذن مساجدها التي تترآى لناظرها من بعيد، في صورة تؤكد تمسك السكان بامتدادهم الديني والعقائدي، الذي حاولت قوات العدو الفرنسي طمسه وتشويهه بكل الطرق، لكنها لم تفلح في ذلك وخرجت منها تجر أذيال الخيبة والهزيمة، بعدما عاثت وتفننت في إرهاب وتقتيل أهالي و سكان المنطقة، حيث لم تسلم حتى البنايات التي كانت تستغل في تعليم الصغار من بشع قوات العدو بقيادة النقيب ( أموريك) و منها المعلم التاريخي والمدرسة التي بنيت على أنقاض الحصن العثماني المشيد في القرن السادس عشر، بالحجارة المصقولة والقرميد في طابع معماري متناسق، لتكتمل معالمه بهندسة إسلامية فريدة، أين كان يستغل في التعليم ونشر تعاليم الدين الحنيف، قبل أن تستولي عليه قوات العدو، التي قامت فيما بعد بترميمه وتوسعته بداية من سنة 1936، لتكتمل به الأشغال سنة 1939، في محاولة لطمس معالم الآثار الرومانية والتركية بالمنطقة، حيث استغل في الأول كمدرسة فرنسية و حولته إلى ثكنة عسكرية سنة 1955، ليستغل مع اشتداد المواجهات وزيادة المد الثوري والمعارك الطاحنة لجنود جيش التحرير البواسل، في عمليات التعذيب بتحويله إلى محتشد و سجن إلى غاية سنة 1959 ،حسب ما تحصلنا عليه من شهادات موثقة بالمدرسة .
و زيادة على الطابع الهندسي المتناسق للبناية، يشد انتباهك كلما اقتربت من مدخل هذه المدرسة والمعلم التاريخي بحي السويقة، لافتة ونصب تذكاري تحصي فيه تسعة شهداء وأزيد من عشرين آخرين مجهولي الهوية، استشهدوا داخل قبو المحتشد تحت طائلة التعذيب والتعنيف، بالإضافة إلى حفاظه على الطابع الهندسي الإسلامي، الذي لم تفلح قوات العدو في طمس معالمه، ومن ذلك المسجد أبي حيدوس المجاور والمعمار الذي يمتد بجذوره إلى العهد العثماني، بداية بالتناسق اللافت للحجارة المصقولة التي بني بها المعلم، وصولا إلى أدق التفاصيل في هندسة الزوايا والسقف المشيد بالقرميد، إلى النوافذ والأبواب والباب الرئيسي المنحوت برسومات وهندسة اسلامية، ما يزيد من فضولك لطرق الباب والتوغل نحو الداخل لاكتشاف آثار تدل على الزخم المادي لهذا المعلم التاريخي والحضارات والحقب التي مرت منه والتي كان من أشدها قساوة و ألما تلك الأماكن والزوايا والأثار التي تبقى شاهدة عن عدوانية قوات العدو الفرنسي و إرهابهم، الذي لم يمح من الذاكرة، رغم تحول المعلم المشيد من طابقين وقبو، إلى مدرسة منذ الاستقلال والتغيير الذي طرأ على بعض الأجنحة.
استقبلنا مدير المدرسة وطاف بنا بمختلف أرجائها، أين اطلعنا على الاتقان المبهر في هندستها و طابعها المعماري و أدق التفاصيل كتلك المتعلقة بكيفية تشييد الأقواس الحجرية بساحتها والمنحوتات التي تزين واجهتها وشرفاتها، فضلا عن النظام المتناسق لتصريف مياه الأمطار، حتى على مستوى الأبواب والنوافذ الخشبية التي مازالت محتفظة بالطابع الهندسي القديم و على الطرق التقليدية المحكمة و المتقنة في كيفية غلقها و فتحها بأدوات خشبية
و سلاسل فولاذية منحوتة .
و ما لفت انتباهنا و نحن نتجول بهذا المعلم التاريخي، هو مقاومة البناية و احتفاظها بتفاصيل هندسية من العهد العثماني، بما في ذلك الأبواب الخشبية و النوافذ و الآجر و المواد المستعملة في تزيين الأرضية و السلالم و الشرفات و الأوتاد الخشبية الممدودة في السقف و كذا آثار قديمة تبرز العمق الحضاري والتاريخي لبرج زمورة، فضلا عن الشواهد التي تحتفظ بصفحات سوداء من ظلام وهمجية قوات العدو، أين اطلعنا في القبو الذي أصبح يستغل كقسم تحضيري في تعليم الأطفال الصغار، على صور من التعذيب إبان الحقبة الاستعمارية، قالت الأستاذة التي استقبلتنا مع التلاميذ، أنها ستبقى شاهدة على همجية العدو و وصمة عار في جبين المستعمر الفرنسي، تتناقلها أجيال الاستقلال و يطلعون عليها لاكتشاف تضحيات الثوار و ما تكبدوه من معاناة تستحق الوفاء و إتمام مسيرة البناء
و التشييد.                                ع/ بوعبدالله

المجاهد بهلول محمد المكنى "بوقلاز": قيادة الثورة كلّفت طلبة معهد الكتانية بقسنطينة بكتابة التقارير والمراسلات
يكشف المجاهد بهلول محمد المكنى «بوقلاز» بأن قيادة ثورة التحرير، لجأت إلى توزيع طلبة معهد الكتانية بقسنطينة على الأفواج بمناطق ونواحي مختلفة، حتى تضمن سرعة تحرير التقارير والمراسلات، مشيرا بأنه شارك في عدة معارك احتضنها جبل واد الشارف بقصر الصبيحي واصفا إياه بـ«أبو المعارك» نظرا لاحتضانه عددا كبيرا من المعارك.
المجاهد بهلول محمد من مواليد سنة 1935، التحق بمعهد الكتانية بقسنطينة سنة 1955، أين كان يدرس قواعد النحو والصرف وأصول الفقه وعلوم الشريعة والتوحيد، وكان حينها يتواصل سرا رفقة عدد من أصدقائه بمجاهدين ينتمون لخلية تتواجد بقسنطينة على اتصال مباشرة بقيادة ثورة التحرير، وهي الخلية التي اكتشف أمرها منتصف سنة 1955، ليفر رفقة 5 أشخاص ويلتحقوا بالجيش بالولاية الثانية التي يطلق عليها اسم «سمندو»، ولم يمكث طويلا بها، بعد أن اتخذت قيادة جيش التحرير قرارا، بتوزيع طلبة معهد الكتانية على أفواج بمناطق ونواح مختلفة، وذلك حتى يتكفلوا بكتابة التقارير والمراسلات، في ظل وجود عدد محدود من الأشخاص الذين يمكلون مؤهلا علميا، ليعود سنة 1956 للولاية الأولى «الأوراس»، أين التحق بالمجاهدين واندمج في مجموعات مسلحة ورفع السلاح مشاركا في عديد المعارك، على غرار واد الشارف وجبل الجحفة وسلاوة بتاملوكة بقالمة.
يضيف المجاهد بهلول محمد بأنه وفي بداية عمله المسلح كان رفقة مجموعة تضم 9 أشخاص، بينهم كل من سردوك لعبيدي والمدعو «ميميس» وحفياني معمر وبوكاكرة بوزيد وكان المسؤولان على الفوج فنطازي محمد المدعو «حقاص» ولخضر بوشوشة، مشيرا بأن عملهم لم يقتصر على الكفاح المسلح فقط، بل توسع لإقناع المواطنين بالعمل الثوري، إضافة إلى جمع السلاح، وساعدهم في ذلك أن الفترة تزامنت ونهاية الحرب العالمية، وكان السلاح يباع في السوق بشكل كبير، وكان المواطنون يشترون قطع السلاح المعروضة للبيع، ويسلمونها للثورة.
ويكشف المجاهد «بوقلاز» الذي لا يزال يتمتع بذاكرة قوية وفصاحة اكتسبها من تكوينه الذي تلقاه بمعهد الكتانية بقسنطينة، بأنه كان كاتبا للفوج الذي انضم إليه، مبينا بأنه وبعد مؤتمر الصومام سنة 1956 تم إنشاء تقسيم جديد، بخلق نواحي ومناطق وولايات وقسمات وكذا خلايا وأفواج لتدعيم الثورة عبر أرجاء الوطن، مبينا بأن المنطقة الرابعة بالولاية الأولى التي كان تابعا لها، تضم 4 نواحي ويتعلق الأمر بعين مليلة وأم البواقي وعين البيضاء ومسكيانة، وكل ناحية عين عليها مسؤول للإشراف عليها، وعلى التنظيمات الخاصة بالثورة، من اجتماعات ولقاءات مع الشعب، وكذا جمع الأسلحة وجمع الاشتراكات .
يروي المجاهد بهلول محمد بأنه شارك وكان شاهدا على عدة معارك، على غرار معركة واد الشارف بقصر الصبيحي، التي تزامنت وأول يوم من عيد الأضحى لسنة 1957، أين شارك الفوج الذي ينتمي إليه محدثنا، رفقة فوج آخر من الولاية الثانية، وهي المعركة التي استشهد فيها 5 مجاهدين، وتمكن الفوجان من إسقاط طائرة حربية للعدو الفرنسي، كما يتذكر المجاهد «بوقلاز» معركة سلاوة بتاملوكة سنة 1956 والتي قادها المجاهد لغرور شعبان ابن مدينة خنشلة، وهي المعركة التي دامت يومين واستشهد فيها 13 مجاهدا بينهم قائد المعركة نفسه الشهيد لغرور شعبان، إضافة إلى معركة الجحفة سنة 1957 التي شارك فيها فوج آخر واستشهد فيها نحو 42 مجاهدا، ويضيف المجاهد متحدثا عن معركة سلاوة عنونة غرب قالمة سنة 1957، والتي نجح فيها المجاهدون بقتل 9 جنود فرنسيين، أين كان بحوزة المجاهدين سلاحين متطورين يطلق عليهما تسمية «24+بران»، وتوفي في المعركة المجاهد «عيسى بوصوف» من سلاوة بتاملوكة، وكان قائد هذه المعركة المجاهد علاوة مشري ابن ولاية قسنطينة.
ويذكر المجاهد «بوقلاز» أنه سنة 1958 أصيب في معركة تجددت بواد الشارف، رفقة المجاهد بنور السعيد المكنى «86»، معتبرا بأن واد الشارف هو أبو المعارك، وأن إصابته كانت عن طريق قنابل رمتها طائرات حربية فرنسية، أين أصابه مقذوف على مستوى الرأس واليد والرجل، وظل المصابون من المجاهدين حينها طيلة 7 أشهر كاملة وهم في مغارة بدوار أولاد زكري بالشبكة بعين ملوك بإقليم ولاية قالمة، يتلقون العلاج ويشرف على علاجهم الطبيب زرداني صالح، الذي يغلق عيادته ويتوجه للمغارة لتقديم الإسعافات للجرحى من المجاهدين، وهو الطبيب الذي يحمل مستشفى عين البيضاء اليوم اسمه.
وعن الدور الآخر الذي كان يقوم به توازيا مع كفاحه المسلح، يشير المجاهد «بوقلاز» بأنه كان يحرر رسائل بالفرنسية ويرسل بها لعائلات ضباط فرنسيين، تعمل مخابرات قيادة الثورة، على تحديد عناوينهم بدقة، ويتم مراسلاتهم برسائل تحتوي لهجة التهديد، بإقناعهم بأنهم سيموتون على وطن ليس وطنهم وعليهم الرحيل، كما يتم تحرير رسائل لاجتماعات سرية من مناضل لآخر، مع مراعاة السرية في ذلك، كما تتم كذلك مراسلة أشخاص رفضوا الالتحاق بالثورة لإقناعهم بالأهداف النبيلة التي ترمي قيادة جيش التحرير لتحقيقها، وتتم مراسلة قادة المنطقة والناحية وصولا لمراسلة قائد الولاية الأولى الذي كان آنذاك الطاهر الزبيري بالعمل اليومي الذي يتم القيام به.  ويتذكر محدثنا بعضا من الأسماء التي لا تزال راسخة في ذهنه، على غرار محمود هادي، مسؤول المنطقة بأم البواقي، والذي ينحدر من ولاية تيزي وزو ويقطن بتاملوكة بقالمة وجند في أم البواقي، إضافة إلى فؤاد مشري الذي كان طالبا بأم البواقي والتحق بأحد الأفواج ككاتب رفقة السعيد بنور وفوج آخر تابع للناحية الثانية.
وعن خبر استقلال الجزائر عن المستعمر الفرنسي، أوضح المجاهد «بوقلاز» بأن أكبر فرحة هي فرحة الإعلان عن استقلال الجزائر، مبينا بأن المجاهدين كانوا يتابعون الأخبار الخاصة بالمفاوضات أولا بأول، مضيفا بأن القضية الجزائرية تم الاعتراف بها في الأمم المتحدة، أين تمت المطالبة بضرورة تقرير المصير، وتوسع الاعتراف لعديد الدول المؤيدة لاستقلال الجزائر، ليخرج المواطنون جميعهم بين الذي يفرح وبين الذي يبكي وبين من ينادي بأعلى صوته فرحا باستقلال الجزائر.
رسالتك لجيل الاستقلال؟
جيل اليوم جيل مثقف، وتنقصه الروح الوطنية، وعليه أن يهتم أكثر ببلاده ويسعى لخدمة الشعب، واتمنى أن يتسلم شباب اليوم مشعل التسيير ويكونوا خير خلف لخير سلف ممن صنعوا ملحمة نوفمبر الخالدة، على أن يحافظوا على البلاد وعلى ممتلكات الدولة ويحموا حدودها، وكل شبر فيها.                  أحمد ذيب

الرجوع إلى الأعلى