تحيي الجزائر هذه السنة ذكرى أول نوفمبر، تاريخ اندلاع الثورة التحريرية المباركة، في ظرف استثنائي ومتميز على المستوى السياسي، والاجتماعي، والوجداني، وهي تتطلع لفتح صفحة جديدة ومباشرة عهد جديد بعد الاستفتاء على مشروع تعديل الدستوري غدا الأحد.
تحل غدا الذكرى الـ 66 لاندلاع ثورة أول نوفمبر المجيدة والجزائر على عتبة موعد جديد مع مصيرها، بمناسبة الاستفتاء الذي سيقول الشعب كلمته بشأنه والمتعلق بمشروع تعديل الدستور الذي بادر به قبل عشرة أشهر رئيس الجمهورية السيد، عبد المجيد تبون.
 فتحت شعار" من نوفمبر التحرير إلى نوفمبر التغيير" تأتي هذه الذكرى الغالية على قلوب الجزائريين في ظرف خاص تمر به البلاد منذ أشهر، عنوانه الأبرز الاستعداد لدخول عهد جديد وبناء جمهورية جديدة كما وعد بذلك رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي، وغداة انتخابه رئيسا للبلاد في 12 ديسمبر من العام الماضي.
و في إطار مسار الإصلاح السياسي الذي بادر به عبد المجيد تبون فقد عهد للجنة خبراء مختصة  منذ يناير الماضي مشروع تعديل الدستور بالشكل الذي يؤدي إلى تأسيس جمهورية جديدة كما صرح بنفسه في أكثر من مناسبة، و بعد أشهر من العمل والنقاش والكشف عن المسودة الأولية حدد  رئيس الجمهورية تاريخ الفاتح من نوفمبر موعدا للاستفتاء على مشروع تعديل الدستور الذي تقدم به، وهو ما سيتم غدا الأحد عبر كامل ربوع الوطن.
 ويعول المواطنون على أن يعطي الدستور الجديد- في حال نال ثقة الشعب- انطلاقة جديدة للبلاد ودفعا لمسار الإصلاح السياسي العميق الذي طالب به الحراك الشعبي منذ 22 فبراير من العام الماضي والذي وعد الرئيس تبون بالاستجابة له وتلبية مطالبه المشروعة، حيث يأمل المواطنون أن ينعكس التعديل الدستوري المطروح حقيقة وفعلا على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وأن يؤدي إلى تغيير نمط الحكم و التسيير، و إعطاء مجال أكبر للحريات الفردية والجماعية، و ترسيخا للديمقراطية التي ينشدها، ويؤدي إلى تحسن واضح في الحياة المعيشية للفرد عبر كافة ربوع الوطن، وإلى أعطاء المكانة الحقيقية للمواطن في الحياة العامة وبخاصة فئة الشباب والمجتمع المدني.
 وقد وعد تبون بمواصلة مسار الإصلاح السياسي  بعد الانتهاء من مشروع الدستور، و كلف لجنة خاصة يرأسها أحمد لعرابة بإعادة النظر في القانون المتعلق بالانتخابات، وتليه مشاريع قوانين أخرى كما هو منتظر.
وفي سياق متصل بالذاكرة دائما فإن الجزائر تحيي اليوم ذكرى الفاتح نوفمبر و قد حققت خطوة معتبرة في سبيل رد الاعتبار لشهدائها وقادتها وذاكرتها الوطنية التي لن يتم التنازل عنها أبدا، ويتعلق الأمر هنا بعملية استرجاع 24 جمجمة وبقايا قادة المقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسي وأبطالها و  التي جرت عشية ذكرى غالية أيضا على قلوب الشعب وهي مناسبة الاستقلال الوطني.
 ففي الرابع يوليو الماضي وبعد مفاوضات مع الطرف الفرنسي حملت طائرة عسكرية جماجم وبقايا قادة المقاومة الشعبية وأبطالها من متحف الإنسان بالعاصمة باريس لتحط في الجزائر وتستقبل استقبالا رسميا أشرف عليه الرئيس تبون، وشعبيا يليق بمقام هؤلاء وبمكانتهم بين شعبهم وأحفادهم، في خطوة أراحت قلوب الملايين من الجزائريين الذي فرحوا كثيرا لعودة جماجم أجدادهم ودفنها بين أحضان الأرض التي أعطوا حياتهم من أجلها قبل أكثر من قرن ونصف.
 والحقيقة أن عملية استرجاع هذه الجماجم وإن اعتبرها الجميع حلقة أولى في   هذا المجال إلا أنها  لقيت استحسانا وارتياحا كبيرا من قبل جميع المواطنين، ولسان حالهم يطالب بالمزيد من العمل في هذا الجانب، وهي تبقى خطوة مهمة في هذا المسار.  وقد خلفت عملية استرجاع جماجم الشريف بوبغلة ورفاقه من فرنسا ارتياحا كبيرا و أثرا إيجابيا بارزا  في  الوجدان الشعبي، وإحساسا بأن هناك توجها حقيقيا للاهتمام أكثر بالذاكرة الوطنية وخاصة ذاكرة الشهداء الأبرار.
 وتتطلع الجزائر برمتها، شعبا وسلطات، إلى أن  يتعامل الطرف الآخر بكثير من الإيجابية مع ملف الذاكرة ويبتعد عن التعنت ويعمد إلى خطوات أخرى شجاعة، خاصة في مجال استرجاع الأرشيف الوطني، الذي يعتبر ملفا شائكا، وأيضا ملف التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، مسألتي الاعتذار والتعويض عن فترة 132 سنة من الاستعمار.
 الجانب الاستثنائي الآخر الذي تأتي فيه ذكرى الثورة التحريرية هذا العام يتمثل في الظرف الصحي الذي تعيشه الجزائر منذ مارس الماضي على غرار كل دول العالم والمتمثل بتفشي فيروس كورونا كوفيد 19، وهو الوباء الذي خلف أثاره واضحة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد على وجه الخصوص.
 وقد عمق هذا الوضع نوعا ما من الأزمة التي تمر بها البلاد، خاصة على المستوى المالي والاقتصادي والاجتماعي، وهو نتيجة طبيعية كون النشاط الفردي والجماعي  قد توقف إلى حد ما بسبب هذا الوباء،  كما حصل في الكثير من دول العالم، وقد سعت الدولة إلى التخفيف من وطأة هذه الآثار بتخصيص منح خاصة لصغار التجار والحرفيين والعمال الذين تضرروا فعلا من الوباء.وضمن هذا الجو تحل علينا غدا الذكرى الـ 66 لاندلاع ثورة التحرير المباركة التي أعادت للجزائر سيادتها وللمواطن كرامته وحريته وسيادته على أرضه وثرواته.
 إلياس بوملطة

مستشار الرئيس المكلف بملف الأرشيف والذَّاكرة الوطنية: «العملُ الفعلي بين الجزائر وفرنسا لم ينطلق بعد بسبب كورونا»


أكد المستشار لدى رئيس الجمهورية المكلف بالأرشيف والذاكرة الوطنية عبد المجيد شيخي، أن العمل الثنائي مع نظيره الفرنسي بنجامين ستورا فيما يتصل باسترجاع الأرشيف الجزائري المحول إلى فرنسا «لم ينطلق فعليا بعد بسبب تفشي جائحة كورونا»، مشددا على وجود إرادة سياسية لدى كلا البلدين فيما يتعلق بهذا الملف.
ففي إطار التعاون الثنائي الجاري مع الدولة الفرنسية في مجال الذاكرة، كشف شيخي في حوار أدلى به لوكالة الأنباء الجزائرية، عن أنه «تواصل مرتين» مع المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا المكلف من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون لتمثيل الجانب الفرنسي غير أن «العمل لم ينطلق فعليا لحد الآن».
وتعود أسباب ذلك، حسب ما أوضحه شيخي الذي يشغل أيضا منصب المدير العام لمؤسسة الأرشيف الوطني، إلى الوضع الصحي المتسم بانتشار وباء كوفيد-19 الذي حال و لا يزال دون اللقاء المباشر بينه و بين السيد ستورا لوضع خطة عمل مشتركة.
و في هذا السياق، لفت السيد شيخي إلى أنه «علم مؤخرا بأن المؤرخ ستورا قد انتهى من إعداد تقريره الذي قدمه للرئيس ماكرون، والذي تضمن تصورا عاما حول مراحل و أولويات هذا العمل بالنسبة للجانب الفرنسي».
و في انتظار الشروع الفعلي في فتح هذا الملف، أكد المتحدث وجود الإرادة السياسية لدى الطرفين، مذكرا بأن «الرئيس عبد المجيد تبون كان قد أفصح عن هذه الإرادة بكل صراحة ، كما أوضح ما هو الإطار الذي يجب أن يتم فيه هذا الحوار وهو نفس الأمر بالنسبة للطرف الفرنسي الذي لمسنا لديه نفس الإرادة»، يقول شيخي، معربا عن «تفاؤله» بمآل هذا العمل الثنائي، ليضيف أيضا «لقد أوضحنا للطرف الفرنسي حرص الجزائر على مصارحة شعبها بما يصلها من معلومات تاريخية، انطلاقا من كون حرية مواطنها مرهونة بمعرفة من هو وإطلاعه على ما فعلته الأجيال السابقة للدفاع عن هذا الوطن».
وشدد شيخي على أنه «ليس من حق أي كان حرمان المواطن الجزائري من معرفة تاريخه ككل»، خاصة وأنه «أصبح شغوفا بمعرفة كل ما يتعلق بتاريخه كما هو،بإيجابياته وسلبياته»، ليضيف بأن «الحكم على ما حدث في مختلف الفترات التي مرت بها البلاد يعود له في آخر المطاف، بعد تمكينه من الاطلاع على كل الحقائق التاريخية».كما تابع «نريد أن يعرف الطرف الفرنسي أننا لا ننوي و لا نريد إخفاء الحقيقة عن شعبنا و نطلب منه أن يفعل نفس الشيء تجاه مواطنيه حتى يكونوا على علم بما حدث خلال المرحلة الاستعمارية».
و عرج في ذات الإطار على المحاولات المتتالية التي تبذلها بعض الأطراف الفرنسية من أجل طمس الحقائق و إخفاء بشاعة ما عاشه الشعب الجزائري خلال الفترة الاستعمارية.
ويقول شيخي بأن المجتمع الفرنسي و بغض النظر عن الموقف الرسمي لبلاده، «لا يزال يحمل عقدة ماضيه الاستعماري»، مما يجعل من موضوع الأرشيف مسألة جد حساسة، لأنه «سيمكن من الكشف عن كل ما وقع خلال هذه المرحلة غير المشرفة من تاريخه، مما يدفعه إلى محاولة طمسه بكافة الطرق».
فقد كانت الجزائر بالنسبة إلى المستعمر الفرنسي «حقل تجارب حقيقي للممارسات الوحشية التي طبقها فيما بعد في المستعمرات الأخرى، خاصة الإفريقية منها، والتي عانت من تجارة الرق التي تورطت فيها شخصيات مرموقة في المجتمع الفرنسي وهي كلها أساليب موثقة في الأرشيف».
ومن شأن كل ذلك، يواصل شيخي، «تشويه سمعة فرنسا والصورة التي تحاول الترويج لها على أنها بلد حضاري قائم على الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان»، الأمر الذي «دفع بها، و الكثير من الأحيان، إلى صد أبواب الأرشيف حتى أمام الباحثين».
و في رده على سؤال حول أولويات الجزائر في عملية استرجاع أرشيفها، شدد السيد شيخي على أن الطرف الجزائري لا يميز بين فترات التاريخ الوطني، حيث يبقى الأهم بالنسبة إليه هو «تمكين المواطن الجزائري من معرفة تاريخه كاملا»، وقال بهذا الخصوص «قد يرى البعض بأن الاهتمام انصب، منذ الاستقلال و إلى غاية اليوم، على نضال الحركة الوطنية إبان الثورة التحريرية، لكن الحقيقة هي أنه ليس هناك فرق بين فترة و أخرى من تاريخنا، فكلها مهمة على السواء و لا  يمكننا كتابة تاريخنا إذا ما قمنا بتجزئته».كما  أشار المدير العام لمؤسسة الأرشيف إلى أن الطرف الفرنسي حاول خلال المفاوضات الثنائية المندرجة في إطار استرجاع الأرشيف المهرب، العمل على إضاعة الوقت من خلال طلبه من الجزائر تحديد أولوياتها في هذه العملية، «غير أننا كنا واضحين بهذا الخصوص، فالأرشيف برمته يمثل أولوية بالنسبة لنا»، يقول شيخي. وشدد في ذات الإطار على أن مطالب الجزائر في هذا الملف تنقسم إلى شقين، الأول منهما استرجاع أصول الأرشيف تطبيقا للمبدأ العالمي الذي ينص على أن الأرشيف ملك للإقليم الذي نشأ فيه و هو ما «لن تتخلى عنه»، أما الشق الثاني فهو تسهيل عمل الباحثين من خلال الحصول على نسخ في انتظار استرجاع الأصول، غير أن هذا الطلب بقي هو الآخر دون رد، يضيف المتحدث.
و بالإضافة إلى ما سبق ذكره، انتهج الطرف الفرنسي أساليب أخرى «ملتوية» لعرقلة حق الجزائر في استعادة أرشيفها، من خلال «نقله من مركز الأرشيف بباريس و المركز الجهوي بأكس أون بروفانس إلى أماكن مجهولة و بعثرته عبر كافة إقليمها»، مخلا بذلك بالقاعدة الدولية التي تؤكد على وحدة الأرصدة الأرشيفية. ووقف مستشار رئيس الجمهورية عند مسألة استعادة رفات المقاومين الجزائريين والذين يبقى عددهم «غير معلوم بالتدقيق»، إذ قال «صحيح أن هناك تقديرات قامت بها مجموعة من الباحثين لكن العدد يظل غير دقيق، فالعملية تمت على فترات مختلفة، كما أنها طالت الكثير من الجزائريين، فضلا عن كون الكثير من هذه الرفات قد أتلف».
فـ»بعد ارتكاب فرنسا لمجازرها بالجزائر، حولت الكثير من عظام الجزائريين الذين تم تقتيلهم إلى مرسيليا لاستخدامها في صناعة الصابون و تصفية السكر»، علاوة على أن مصير الكثير من الرفات يظل مجهولا إلى غاية الآن و هو ما يعني-حسب السيد شيخي- أن «العمل في هذا الصدد لا بد أن يتواصل».
وأج

الرجوع إلى الأعلى